في الوقت الذي تتقدم فيه وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على منافسها السناتور السابق بيرني ساندرز للحصول على بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية، ظهر للنور كتاب "كل السيدات الوحيدات: النساء غير المتزوجات وصعود الأمة المستقلة" للكاتبة الصحفية الأمريكية ريبيكا تريستر، الذي يؤكد على دور الناخبة العزباء في الانتخابات المقرر إجرائها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
يرصد الكتاب الارتفاع الكبير في متوسط أعمار النساء المتزوجات الأمريكيات، فالمتوسط الذي كان بين عمريّ 20 و22 عامًا في أواخر القرن التاسع عشر، وصل إلى 27 عامًا في العقود الأخيرة. وبحسب الإحصائيات التي ذكرها الكتاب، انخفضت نسبة النساء الأمريكيات المتزوجات إلى أقل من خمسين بالمائة، ولأول مرة في التاريخ الأمريكي، فاقت أعداد النساء العازباء - سواء اللواتي لم يسبق لهن الزواج أو الأرامل أو المطلقات أو المنفصلات - أعداد المتزوجات. وارتفع عدد البالغات اللواتي لم يسبق لهن الزواج قط إلى 46%، بزيادة 12 في المائة في أقل من عشر سنوات.
تنبأت تريستر بأن يؤدي ارتفاع أعداد النساء العازبات إلى تحولات مثيرة وثورة جذرية في المجتمع الأمريكي، يكون لها تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية الهائلة؛ لأن هذا التغير سيؤدي إلى "إعادة نظر شاملة في هوية النساء وتعريف الأسرة، وتحديد الطرف المهيمن داخل الأسرة وخارجها"، بالتالي سيحدث تفكيك في بنية السلطة داخل مؤسسة الأسرة التقليدية.
ولكن الكتاب لا يعني فقط المهتمين بدراسات النوع الاجتماعي، بل يقدم مؤشرات هامة متعلقة بأكبر حدث سياسي تشهده أمريكا كل أربعة أعوام، وهو الانتخابات الرئاسية. تشير تريستر في استعراضها لكتابها بمجلة نيويورك أن هذا التحول له تأثير عميق على الحياة السياسية الأمريكية. فطرْح أرقام أصوات النساء العازبات في الانتخابات سيعزّز من قضايا مثل المساواة في الأجور، والإجازة مدفوعة الأجر للأسرة، والحد الأدنى للأجور، وخفض تكاليف الدراسة الجامعية، والرعاية الصحية، والحقوق الإنجابية. ولم يكن المرشحون عن الحزب الديمقراطي يخاطرون بإبراز دعمهم لتلك القضايا، ولكن في الحملات الأخيرة صارت قضايا أساسية في حملتيّ المرشحين الديمقراطيين للرئاسة.
كانت الانتخابات الأمريكية موضوعا لكتاب تريستر الأول "الفتيات الناضجات لا يبكين"، حيث تناولت تجربة النساء في الانتخابات الرئاسية لعام 2008، وتحدثت عن تحولها السياسي من تأييد السناتور جون إدواردز إلي كلينتون في سعيهما للحصول علي ترشح الحزب الديمقراطي.
واستمرت تريستر في مناقشة الموضوع نفسه في كتابها الثاني، وترى جيليان ب. وايت في مراجعتها للكتاب بجريدة نيويورك تايمز أن الكتاب يحقق التوازن بين الرؤية النقدية والتجربة الشخصية للكاتبة، وقالت إنها "أضفت طابعًا خاصًا على المناقشة من خلال استعراض تجربتها كامرأة عازبة لمدة 14 عامًا، منذ تخرجها من الجامعة وحتى زواجها وهي في الثلاثة والخمسين من عمرها".
وتضيف وايت أن الكاتبة لم تكتف بخبرتها الشخصية فهي "أجرت حوارات مع نساء يعشن في مدن كبيرة وصغيرة، يكافحن لاستكمال دراستهن الجامعية بعد إنجاب الأطفال، بالإضافة إلى أنها قابلت نسويات شهيرات مثل جلوريا ستاينم. وحاورتهن في موضوعات عدة منها: الزواج والإنجاب وتحديات الحياة اليومية مثل الأمور المالية والوحدة".
تجاوزت تريستر في بحثها في الكتاب التناول السطحي لحياة المرأة العزباء، الذي عادة ما ينطلق من منظور المغامرات الجنسية، والتحذير من انهيار نسيج الأمة الأمريكية بسبب استقلال النساء، إذ استعرضت تريستر دور النساء العازبات في التاريخ الحديث، سواء في سعيهن للحصول على حق التصويت في الانتخابات، أو كتابة كلاسيكيات الأدب، ونضالهن لإلغاء عقوبة الإعدام.
تذكر وايت أن أحد أهم مضامين الكتاب هو حديث الكاتبة عن أن تجارب النساء العازبات غير متشابهة، فحياة العازبة تختلف باختلاف عوامل عديدة منها العِرق والمستوى الاقتصادي، وتاريخيًا كانت هناك بعض النساء الممنوعات من الزواج مثلما كانت بعض النساء مجبرات عليه، فعلى سبيل المثال كان يحق لمالكي العبيد إجبار الجاريات على الزواج أو عدم السماح لهن بذلك، ونظرًا لارتباط ثروات النساء بالرجال على مدى أجيال، فإن الزواج كان الفرصة الوحيدة لهن لتحقيق الأمان المالي.
في المقال الذي كتبته تريستر في مجلة نيويورك، تناولت الاتجاهات السياسية للنساء العازبات في الانتخابات الرئاسية السابقة، وتوقعاتها للسباق الرئاسي الحالي. كتبت تريستر: "يبدو أن النساء العازبات يملن إلى اليسار السياسي أكثر من أي كتلة تصويتية أخرى، فصوتن لصالح باراك أوباما عام 2012... في ما صوتت النساء المتزوجات - وأغلبهن من أصول بيضاء ومن شريحة عمرية متقدمة - لصالح منافسه الجمهوري ميت رومني. وعلى عكس المتوقع... فإن النساء العازبات ذوات الأصول البيضاء فضلن أوباما على رومني".
صدر مقال تريستر قبل الجولة الأخيرة من الانتخابات التمهيدية، ونتائج الانتخابات تشير إلى ميل المرأة العزباء إلى بيرني ساندرز على حساب هيلاري كلينتون، ويعود ذلك إلى رؤية ساندرز التقدمية الطموحة. فرغم أن كلينتون لها باع طويل في قضايا مثل التأمين الصحي والتعليم المبكر للأطفال، إلا أنها تبدو أقل تفاؤلا من منافسها.
وفي انتخابات هذا العام يصبح السؤال المطروح هو ما إذا كانت المرشحة السيدة لمنصب لرئيس الولايات المتحدة ستدرك حجم التغيير الطارئ على جمهور الناخبيببن وتستفيد منه، أم سيتغلب عليها منافسها في جذب هذه الفئة بسبب وعوده الانتخابية المتفائلة.
على مدى عقود، اعتمد الرجال الأمريكيون، خاصة المتزوجين ذوي الأصل الأبيض، على المساعدة الحكومية في توفير القروض والإعفاءات الضريبية، كانت السلطة تعوّل على حق الرجل الأبيض في التصويت، وبالتالي بَسَط الرجل الأبيض سيطرته على الحكومة، في المقابل أخفقت الحكومة في توفير حماية اقتصادية وقانونية مماثلة للنساء، مما أجبرهن على الاعتماد على هؤلاء الرجال.
ما سبق يفسر أن نمو فئة النساء غير المتزوجات في الطبقات الاجتماعية المختلفة يحمل مؤشرًا على تمزق سياسي واجتماعي يضاهي في أهميته اختراع تنظيم الحمل، وإلغاء الرق، ومنح النساء حق التصويت. فمن خلال حضورهن الكثيف في الآونة الأخيرة، فإن النساء العازبات يطلبون اتفاقًا جديدًا مع حكومتهن، هذا الذي جعل الجناح الديمقراطي أكثر ليبرالية في الاستجابة لهذه الفئة من الشعب، مقارنة بما كان عليه الأمر في الأجيال السابقة.
ترى بعض النسويات مفارقة مريرة لتحول ساندرز، الرجل الأبيض الذي يبلغ من العمر 74 عامًا، إلى رمز المرشح الرئاسي الذي سيطبق الحكومة الاشتراكية التي ستخدم المرأة الأمريكية العزباء، رغم أنه لم يقاتل خلال مسيرته في سبيل قضايا مثل الحصول على إجازة عائلية لتربية الأولاد، في حين لا تلتف النساء العازبات حول هيلاري كلينتون، التي كرست جزءًا كبيرًا من حياتها المهنية لقضايا مثل التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وإصلاح نظام الرعاية الصحية. ولكن ربما لا تبحث النساء العازبات عن بطلة نسوية، إنما تسعى لارتفاع الأجور والحصول على إجازات مرضية مدفوعة الأجر
وسواء فاز ساندرز أو فازت كلينتون ببطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي، فمن المرجح أن يفوز الديمقراطيون بأغلبية أصوات النساء العازبات على حساب الجمهوريين، الذين كانت محاولاتهم متواضعة لجذب انتباههن بحسب استطلاعات الرأي.