جمال بومان
صفحة جمال بومان على انستجرام

بعد هزيمة "بومان" في انتخابات الكونجرس.. هل نتوقع الإطاحة بباقي منتقدي إسرائيل؟

منشور الأربعاء 3 يوليو 2024

في مطلع العام الحالي تعهدت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية أيباك/AIPAC بإنفاق أكثر من 100 مليون دولار لهزيمة ما يعرف بنواب الكونجرس التقدميين داخل الحزب الديمقراطي، الذين انتقدوا المذابح الإسرائيلية في غزة.

دخل تعهُّد AIPAC، وهي واحدة من أقوى جماعات الضغط في أمريكا وأكثرها تأثيرًا على الكونجرس، مرحلة التنفيذ في موسم انتخابي محمل بعبء الحرب في غزة، والدماء الفلسطينية التي يدافع عنها بعض السياسيين والنواب الأمريكيين.

ضخت AIPAC أموالًا هائلة، أدت لخسارة جمال بومان الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في نيويورك، ليصبح العضو الأول الذي تصيبه تهديدات اللجنة من بين الليبراليين الرافضين لسياسات إسرائيل، ومنهم ألكسندريا كورتيز،  وإلهان عمر، ورشيدة طليب، وهي الوحيدة من أصل فلسطيني في الكونجرس.

اتهم بومان إسرائيل، وهو أحد أشد منتقدي الدولة العبرية في مجلس النواب، بارتكاب جرائم "إبادة" في غزة، وهو التعبير الذي يتجنبه معظم السياسيين الأمريكيين، ما أدى لإزعاج المجموعات الداعمة لإسرائيل، وحان وقت دفع الثمن.

إسرائيل أولوية

حملت هزيمة بومان دلالات كثيرة. منها دحض المقولة اليسارية/الليبرالية التي تروج إلى أن إسرائيل لا تمثل يهود العالم وأمريكا، إذ عكست النتائج العملية أن الدولة العبرية هي أولوية لدى القطاع الأكبر من اليهود في أمريكا.

مازالت ولاية نيويورك، وهي أكبر تجمع يهودي في العالم خارج إسرائيل والتي نافس بومان في أحد أحيائها، تقع تحت سيطرة المجموعات الأكثر نفوذًا بين اليهود الأمريكيين وداعميهم، رغم المزاج الليبرالي الذي ارتفع صوته فيها. ولم يتزحزح هذا التأييد حتى أثناء ارتكاب جرائم الإبادة. 

ومع ذلك، توجد أقلية يهودية ليبرالية تؤمن بحقوق الفلسطينيين في الحياة وتقرير المصير، مثل المجموعات المنضوية تحت مبادرات مختلفة منها "حاخامات من أجل وقف إطلاق النار"، و"الصوت اليهودي من أجل السلام"، التي نظمت الفاعليات اليهودية المنددة بالعدوان على غزة. لكن الانتخابات أثبتت أنه حراك أقلية، لاتزال قدرتها على التأثير محدودة.

من يدفع أكثر يكسب أكثر

ظهرت الحملة الانتخابية أشبه بعملية تسويق لمنتجات استهلاكية، فمن ينفق أكثر يستحوذ على عقول الناس وقلوبهم. حتى الناخبين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في نيويورك، وهم شريحة أكثر تنوعًا من الناحية العرقية، وذات مستوى تعليمي أعلى مقارنة بالناخبين الجمهوريين في ولايات الوسط والجنوب، ذوي التوجهات المحافظة ومستويات التعليم الأقل.

كان الإنفاق السخي على الدعاية المضادة من AIPAC والداعمين لها هو العامل الأكثر حسمًا لهزيمة بومان، لدرجة جعلتها الحملة الأكثر تكلفة في أي انتخابات تمهيدية في مجلس النواب. فالمنافسة على الدائرة السادسة عشر في نيويورك بين بومان ومنافسه الداعم لإسرائيل جورج لاتيمر، بلغت قيمتها 24.8 مليون دولار، وارتفع حجم الإنفاق على هذا المقعد بنسبة 789% مقارنة بانتخابات عامي 2020 و2022 مجتمعين.  

كان نصيب AIPAC من الإنفاق على هذه الحملة 60%، بما تجاوز 14 مليون دولار، وجهتها لإعلانات تهاجم بومان وأخرى تدعم منافسه، وهذا بخلاف تبرعها بنحو 1.5 مليون دولار للمنافس لاتيمر.

توجد علاقة وثيقة بين الإنفاق الضخم والفوز في الانتخابات

 لم تقف AIPAC وحدها في الحملة، بل ضخت مجموعات بارزة أخرى أموالًا لإدراك هزيمة بومان، مثل مجموعة Fairshake، العاملة في مجال العملات المشفرة، التي قدمت 2.2 مليون دولار في سبيل إسقاطه. 

اقتصر حلفاء بومان على مجموعة Courage to Change، التي قدمت 276 ألف دولار فقط دعما لحملته، ما يظهر الفروق الكبيرة في الدعم المالي للمرشحَين.

وبعيدًا عن المجموعات الداعمة، أنفق لاتيمر 2.7 مليون دولار من أموال الحملة ذاتها، مقارنة بـ2.4 مليون دولار أنفقها بومان. 

يرتبط الإنفاق الضخم بالفوز في الانتخابات وفقًا لدراسة منشورة في Harvard Political Review، والتي ركزت على انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي لعام 2020، وأظهرت نتائجها أن المرشحين الأكثر إنفاقًا فازوا بنسبة 71%، وأن هناك ارتباطًا بين زيادة فروق الإنفاق وزيادة احتمالات الفوز.

مكاسب في الطريق

أكدت الانتخابات التمهيدية أن أسطورة البطل القادر على تحدي قوة المال والنفوذ، فكرة رومانسية، حتى لو حدثت مرة أو مرتين أو عشر مرات، فهي تبقى، إلى الآن على الأقل، مجرد استثناء.

لم تؤثر مظاهرات الشارع واحتجاجات الحرم الجامعي والحركة المضادة للسياسة الأمريكية الخارجية، على الناخب الأمريكي بعد، خاصة في ظل سيطرة المال والنفوذ، وصمود AIPAC وقت الجد.

ورغم أن هذه الحركات الاحتجاجية تحتاج إلى مخاطبة دوائر أكبر لتحصل على مكاسب سياسية، تُترجم في زيادة تمثيلها في دوائر صنع القرار، أوضحت دراسة لاتجاهات الرأي العام الأمريكي أن القضية الفلسطينية اكتسبت أرضية نسبية، فثُلث الشباب دون سن الثلاثين منحازين تمامًا للجانب الفلسطيني، مقابل 14% فقط لإسرائيل.  

وبحسابات الهزيمة والفرص، دفعت المكاسب النسبية وسائل الإعلام الأمريكية لتقديم رسالة إلى بقية النواب الليبراليين، لعلهم يتعلمون الحكمة من رأس الذئب الطائر، بعد خسارة جمال.

ربما تنعكس النتيجة على قدرة هؤلاء النواب على الاستمرار في انتقاد إسرائيل، لكن تبقى الحقيقة المزعجة للوبي الصهيوني، فالأمور تتغير فعلًا والصوت المناصر للقضية الفلسطينية يكتسب أرضًا، حتى لو حصد الهزيمة في أول انتخابات تمهيدية.

في خطاب الهزيمة الذي ألقاه بومان مخاطبًا أنصاره، جدد موقفه قائلًا "لن نقف أبدًا مع قصف وقتل الأطفال في غزة، ... ربما يكون خصومنا فازوا بهذه الجولة في هذا الوقت في هذا السباق. لكن هذه ستظل معركتنا من أجل إنسانيتنا وعدالة قضيتنا لبقية حياتنا".

تشكل كلمات بومان جوهر الحركة المناصرة لفلسطين، فخسارة جولة لا تنفي أن العجلة دارت، حتى ولو مرت بعثرات في الطريق.