في 21 أبريل/نيسان الماضي، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي نيته فتح حوار سياسي، قبل 25 يومًا من انطلاق الانتخابات النقابية العمالية، المزمع إجراءها في 16 مايو/ أيار الجاري. ولعل هذه الانتخابات هي المؤشر الأهم على مدى جدية ذلك الحوار المنتظر من عدمه.
على المستوى الجغرافي تشمل الانتخابات النقابية العمالية أنحاء الجمهورية، وعلى مستوى المشاركة، فبحسب نائب رئيس اتحاد العمال مجدي بدوي يضم التنظيم النقابي الرسمي ما يقرب من أربعة ملايين عضو، موزعين على 2150 لجنة نقابية، ضمن 27 نقابة عامة، ويضاف لهذا الرقم أعضاء النقابات المستقلة خارج الاتحاد الرسمي. ولكن تأثير الانتخابات النقابية الجارية يمتد لأكثر من ذلك، فالتنظيمات التي ستسفر عنها هذه الانتخابات هي المعنية بالعمل على تحسين أوضاع كافة العاملين بأجر، والبالغ عددهم حوالي 19.7 مليون عامل، بحسب بحث القوى العاملة لعام 2021 الصادر في أبريل الماضي عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. واللافت أن انتخابات بهذا الحجم والأهمية لا تحظى بالاهتمام الذي تشهده انتخابات أي من النقابات المهنية، أو حتى الأندية الرياضة.
تزامُن الانتخابات النقابية مع دعوة الحوار كان فرصة ذهبية لإثبات جدية الحوار، والرغبة الحقيقية فيه، ولكن مجريات العملية الانتخابية حتى الآن لا تبعث على الكثير من الأمل في ذلك.
"هم" الخصم والحكم
بطبيعة الحال لا زالت الانتخابات النقابية في بدايتها، فبحسب إعلان وزارة القوى العاملة عن خطوات الانتخابات النقابية في الجريدة الرسمية العدد 81 تابع أ بتاريخ 6 أبريل الماضي، فإن ما تم حتى الآن هو فتح باب الترشح للمرحلة الأولى من الانتخابات يومي 8 و 9 مايو، وإعلان الكشوف الأولية للمرشحين.
وبحسب الإعلان نفسه فإن الانتخابات تجري على مرحلتين، بحسب التصنيف النقابي، تبدأ المرحلة الأولى في الثامن من مايو بتلقي أوراق الترشح، وتنتهي في في يومي 19 و20 مايو بإيداع الأوراق، وتبدأ المرحلة الثانية في يومي 21 و22 مايو بتلقي أوراق الترشح، وتنتهي بإيداع الأوراق في 2 و3 يونيو/ حزيران المقبل، تليها انتخابات مجالس النقابات العامة من 11 وحتى 16 يونيو، ثم مجلس الاتحاد العام من 21 وحتى 29 يونيو.
رغم ذلك، هناك مؤشرات تمكننا من الحديث عن مسارها، فمن حيث المبدأ يعد اعتماد القانون على وزارة القوى العاملة كجهة منظمة للانتخابات النقابية مفارقة فريدة من نوعها، فالحكومة ممثلة في إحدى وزاراتها هي أكبر صاحب عمل على الإطلاق، إذ يضم قطاع العاملين بالحكومة حوالي خمسة ملايين عامل، كما يضم القطاع العام وقطاع الأعمال ما يقرب من 700 ألف عامل، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. هذا العدد الضخم يجعل صفة الحكومة كصاحب عمل فيما يتعلق بالعمل النقابي أقوى كثيرًا من صفتها الإدارية، كما يجعل دورها في تنظيم الانتخابات النقابات وإدارة إجراءاتها إهدارًا لأي استقلال نقابي، ليس عن الدولة ولكن عن صاحب العمل المفترض أن تكون علاقة النقابات به علاقة ندية.
صلاحيات وزارة القوى العاملة في إدارة الانتخابات انعكست على نحو مباشر في الجداول الزمنية والإجراءات، ففتح باب الترشح ليومين فقط، عقب إجازة عيد الفطر، يجعل الوقت ضيق أمام المترشح الذي يحتاج إلى استخراج سلسلة من الأوراق من عدة جهات، كما يحتاج لشهادة من صاحب العمل بوظيفته، وهو ما يجعل قرار الترشح الفعلي في يد صاحب العمل إذا أراد منع الشهادة، ودون وجود أي إلزام على صاحب العمل بمنح تلك الشهادة، ناهيك عن أن العمال المؤقتين لا يحق لهم الترشح للانتخابات النقابية، بينما علاقات العمل المؤقتة هي المهيمنة بالفعل على القطاع الخاص.
لكن نائب رئيس الاتحاد العام للعمال، مجدي البدوي، لا يجد غضاضة في أن تنظم الوزارة الانتخابات، قائلًا للمنصة "للأسف القانون هو ما يقر ذلك، والتنظيم النقابي تنظيم ضخم، ويجب أن تنظم انتخابه جهة ما، ولو تركنا الانتخابات دون رقابة قوية فقد لا تحدث انتخابات أصلًا، فإذا كان هناك تداخل بين اختصاص وزارة القوى العاملة كممثل للحكومة وتنظيمها للانتخابات، فهناك أيضًا وجهة نظر أخرى، فنحن في دولة لم تنضج بما يكفي على مستوى العمل الديمقراطي والنقابي، والوزارة تنظم ولا تتدخل".
ولكن الأهم في إجراءات الانتخابات أنها جاءت خالية تقريبًا من فترة الدعاية الانتخابية، فالكشوف الأولية للمرحلة الأولى لم تعلَن إلا يوم الأربعاء 11 مايو، وخصص يومي الخميس والجمعة 12 و13 مايو للطعون، وإعلان الكشوف النهائية للمرشحين يومي السبت والأحد، لينطلق التصويت يوم الاثنين، دون وجود أي فاصل للدعاية الانتخابية ومناقشة البرامج وتقييم أداء التشكيل النقابي السابق، وهو جوهر العملية الانتخابية، لتصبح الانتخابات مجرد حزمة من الإجراءات الإدارية.
بيد أن البدوي ينفي تعمد وزارة القوى العاملة التضييق على راغبي الترشح، قائلًا "المشكلة في أن الدورة النقابية أربع سنوات، والدورة الحالية بدأت في أول يوليو/ تموز 2018 وتنتهي 30 يونيو 2022 وطبقًا للقانون الانتخابات تجرى خلال الستين يومًا الأخيرة من الدورة النقابية، وما قامت به الوزارة هو تطبيق القانون وتصادف وجود إجازة العيد خلال تلك الفترة، ظروف الإجازات هي التي فرضت هذا الجدول الزمني ولا توجد أي نوايا تضييق".
انتخابات يحكمها الضابط
لا يقتصر التدخل في الانتخابات النقابية على طريقة إدارتها من قبل وزارة القوى العاملة، فالمرحلة الأولى من الانتخابات التي تشمل 15 تصنيفا نقابيًا هي (الصناعات الغذائية، والمرافق العامة، والزراعة والري والصيد، التعليم والبحث العلمي، والبريد، والبترول، والخدمات الصحية، والعلوم الصحية، والنقل الجوي، والصناعات الهندسية والمعدنية والكهربائية، والنقل والمواصلات، والغزل والنسيج، والإنتاج الحربي، والنقل الجوي، والمالية والضرائب والجمارك)، يعمل بها ما يقرب من مليوني عامل، وتتوزع على 1034 لجنة نقابية، ومن المقرر أن يختار الناخبون 11612 ممثلًا لهم من بين المرشحين في كافة اللجان. ومع انطلاق عملية الترشح للانتخابات رصدت دار الخدمات النقابية العديد من التدخلات الأمنية والإدارية التي استهدفت التضييق على راغبي الترشح.
وبحسب النشرات اليومية لدار الخدمات النقابية فقد تعرض راغبون في الترشح لتهديدات من قبل الأمن الوطني، في عدة محافظات، مثل محافظة السويس حيث "حيث قام الأمن الوطني باستدعاء وتهديد اثنين من العاملين الراغبين في الترشح للجنة النقابية بشركة مصر للبترول بالسويس، مما أعاقهما عن الترشح"، بحسب النشرة التي أشارت أيضًا إلى "استدعاء ستة أعضاء من مجلس إدارة نقابة الضرائب العقارية بالإسماعيلية إلي مديرية الأمن الوطني بالإسماعيلية يوم 13 أبريل الماضي، وتهديدهم بالفصل من العمل والاعتقال إذا قامت اللجنة بإيداع أوراقها لمديرية القوي العاملة"، كما رصدت النشرة كذلك "امتناع اللجان النقابية للنقابات العامة التابعة للاتحاد الرسمي عن تقديم الشهادة الخاصة بإثبات عضوية المرشح باللجنة النقابية".
بالإضافة لاكتشاف راغبين في الترشح عدم وجود أسمائهم في كشوف عضوية النقابات، ورفض جهات عمل منح راغبي الترشح الأوراق اللازمة للترشح، ضمن آليات منع المرشحين والتي تضامنت فيها جهات أمنية وإدارية.
ولكن كل القيود والتضييقات لم تكن كافية فيما يبدو لمنع المرشحين غير المرغوب فيهم من مختلف الجهات من الترشح، فمع بدء ظهور كشوف المرشحين المبدئية اختفت أسماء بعض من تمكنوا بالفعل من تقديم أوراق الترشح من القوائم دون أسباب واضحة، ولم يعد أمامهم سوى إجراء أخير وهو الطعن أمام الجهة الإدارية للإلحاق أسمائهم بالكشوف النهائية.
طارق كعيب، أحد مؤسسي نقابة الضرائب العقارية في 2009، ورئيس النقابة العامة المستقلة للضرائب العقارية تحت التأسيس، فوجئ بعد استكمال أوراق ترشحه لانتخابات اللجنة النقابية في القليوبية ورغم سابق ترؤسه للنقابة، باستبعاد اسمه من قوائم المرشحين المبدئية، دون إبداء سبب، ولم يعد أمامه سوى خطوة تقديم الطعن، حسبما أكد للمنصة.
لكن مجدي البدوي يرى أن ما تم رصده من مشاكل حتى الآن غير "ذات وزن"، ويقول للمنصة "الحقيقة الانتخابات هذه المرة أكثر تنظيمًا من المرات السابقة، ولكننا في بداية الانتخابات ومن الصعب الحكم عليها مبكرًا"، مشيرًا إلى أنه "هناك أمور تمكنا من حلها، مثل منع صاحب العمل بيان الحالة اللازم للترشح استبدلناها بخطاب التأمينات الاجتماعية حتى لا يتحكم صاحب عمل في الترشح".
ويؤكد بدوي أنه لم يصادف "انتهاكات ورفض مرشحين وتدخل جهات مختلفة في الترشح، حتى الآن، والنقابة التي أتبعها في المرحلة الثانية (يقصد أن انتخابتها ستجري في المرحلة الثانية) لذا لم يظهر أمامي هذه الانتهاكات، وإذا حدثت أمامي في المرحلة الثانية سأواجهها ولكني لا أستطيع الحكم على ما أسمعه".
لكن النقابيين الذي بدأوا بالفعل المرحلة الأولى للانتخابات، يرون الأمر عن قرب أكثر، ومنهم طارق كعيب رئيس اللجنة النقابية لنقابة للضرائب العقارية في القليوبية، الذي يقول للمنصة "هناك الكثير من المعوقات نواجهها من أجل الترشح، بعضها بالقانون وبعضها من خارج القانون، مثلًا الترشح يستلزم أوراق مختومة من جهة العمل، وجهة العمل لا تريد أصلا نقابة تفاوضها، ورفض جهة العمل لا يترتب عليه أي مسائلة، هناك محافظات رفضت ختم الأوراق للمرشحين، مثل محافظة كفر الشيخ، مدير مديرية الضرائب العقارية هناك رفض ختم الأوراق، وبناء عليه لم يتمكنوا من الترشح، كافة الأوراق التي يجب استخراجها أو ختمها من جهة العمل تستخدم لإعاقة الترشح، ولا يوجد إلزام لجهة العمل بذلك".
وأضاف كعيب "هناك معوقات أخرى تصل لتدخل الأمن، في الإسماعيلية مثلًا الأمن هدَّد المرشحين لمنعهم من الترشح، وفي قنا كانت هناك محاولات منع متعددة إلا أن الموظفين قاوموا تلك المحاولات حتى تمكنوا من إتمام الترشح بعد التهديد بالإضراب، كانت هناك في القليوبية أيضًا استدعاءات أمنية لإثناء المرشحين عن الترشح، أدت بالفعل لتراجع عدد من المرشحين".
ويؤكد كعيب"لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية بكل هذه التدخلات من وزارة القوى العاملة وجهات العمل، المفروض أن النقابات تمثل العمل لدى هذه الجهات، وبالطبع هذه الجهات لا تريد تمثيل قوي للعمال، هذا يظهر أيضا من البرنامج الزمني للانتخابات والذي لا يترك أي فرصة للدعاية الانتخابية، وحتى وقت إتمام الإجراءات ضيق للغاية".
انعكاس للدولة
"الأجواء العامة في البلد تنعكس بطبيعة الحال تنعكس على الانتخابات النقابية"، هذا ما يؤكده صابر بركات النقابي المخضرم والمدرب العمالي بمنظمة العمل الدولية موضحا للمنصة "إذا توافرت الديمقراطية في البلد ستنعكس في الحياة النقابية وإذا لم تتواجد فلا سبيل لعمل نقابي حر ومستقل".
ويضيف بركات "البوادر ظهرت بالفعل ومع ظهور الكشوف الأولية للمرشحين، وكشفت عن مذبحة في أعداد المستبعدين من القوائم، هناك تصميم على نفس النهج في السيطرة على التنظيم النقابي، واستبعاد ما يعتبرونه عناصر تشكل خطر، وهو ما أثر بدوره على الحماس للانتخابات وسط العمال سواء على صعيد الترشح أو المشاركة".
ويشير بركات "كانت هناك دائمًا أدوات للسيطرة على التنظيم النقابي، سواء عبر الاتحاد القومي أو المدعي العام الاشتراكي أو نسبة التطبيقيين وتدخل أجهزة الأمن، والآن وزارة القوى العاملة مع تدخلات الأمن، ومع بداية العملية الانتخابية ظهرت قصص تدخل الأمن بالمنع والتهديد وفرض الحالة الأبوية على التنظيمات النقابية".
رغم أن البدوي هوَّن من "المشاكل" التي لم ينفها، في مقابل زميله الذي خاض بالفعل المرحلة الأولى من الانتخابات، فإن ثمة نية من الدولة للاستمرار على النهج القديم الذي يهدف للتحكم في المجال العام، والذي يتعارض في الوقت نفسه مع دعوة الرئيس لحوار وطني لا يهمش جهة في مقابل أخرى أو ينفرد بتصدير رؤيته الأحادية للواقع، ففي ظل موجة تضخم، هي الأكبر منذ الإجراءات الاقتصادية التي اتخذت في نهاية عام 2016، وأوضاع اقتصادية تزداد تأزمًا، وتنعكس بقوة على العمال والطبقات الفقيرة والطبقة الوسطى، تتأكد أهمية النقابات كأحد أهم روافد الديمقراطية، وأهم أدوات الدفاع عن مصالح العمال وتمثيلهم لدى مختلف الأطراف. والإصرار على سيطرة الدولة على التنظيمات العمالية ليس إلا إعلان لنهاية حوار لم يبدأ بعد.