على مدار عدة جلسات متعاقبة، كان جدول أعمال مجلس الشيوخ يبدو فارغًا؛ يخلو من مناقشة أي قوانين تشغل الرأي العام أو ترتبط بمصالح المواطنين أو أزماتهم الحالية، أو تقديم أي طرح لحلول قد تحرك سياسات الحكومة لاحقًا. فطوال الأسابيع الماضية كانت جلسات مجلس الشيوخ الذي ينعقد أربعة أيام في الشهر مجرد تحصيل حاصل.
ينعقد الشيوخ لأنه يجب أن ينقعد، ليس لأن هناك ما هو ضروري ومهم ومُلح للمناقشة، وتدفع حالة الفراغ التي يمر بها المجلس الذي استحدثته التعديلات الدستورية في 2019، لعقد جلسات والدخول في مناقشات لا مخرجات لها، سوى قضاء نحو أربع ساعات في الاستماع لآراء الأعضاء وهم ينتقدون أزمات ملفات التعليم والصناعة والزراعة والري والرياضة والاستثمار وغيرها من القضايا، والانتهاء بردود معلبة ومعتادة من الحكومة لا نصل بعدها لأي تغيير في صناعة السياسات أو القوانين.
ومع استمرار حالة الفراغ، وضع المجلس على جدول أعماله، الأحد الماضي، مناقشة دراسة الأثر التشريعي لقانون نقابة التجاريين الصادر عام 1972، وهي الدراسة التي أعدتها لجنة الشؤون المالية والاقتصادية والاستثمار في المجلس، وصدرت في 38 صفحة بخلاف الملاحق.
كنت أظنه في البداية "موضوعًا ميتًا" يتكرر فيه ضياع الوقت والجهد و"إهدار البنزين" بعد تكرار ارتفاع سعره لدرجة قد تثير نوبات الهلع. ولكن بالاطلاع على الدراسة التي ترتبط بحقوق نحو مليوني شخص، كان هناك ما يبشر بأن يكون ثمة ما يهم، ويستحق "ثمن المشوار".
لكن في يوم المناقشة التي شهدت توصيات بتعديل قانون النقابة التي لم تجرِ فيها انتخابات منذ 1992؛ وبعد مرور نحو ساعة من النقاش؛ انتهت الجلسة بقرار من رئيس المجلس، المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، بوقف النقاش وإعادة الدراسة للجنة مرة أخرى، بعدما أوضح وزير شؤون المجالس النيابية علاء فؤاد أن الحكومة تقدمت بالفعل بمشروع قانون في 2018 لتعديل قانون نقابة التجاريين، مشيرًا إلى أن مشروع القانون مطروح الآن أمام لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس النواب.
الموقف أثار دهشة أعضاء المجلس والصحفيين على السواء، بعد قرار رئيس المجلس منفردًا دون استطلاع رأي الأعضاء، بإعادة الدراسة مرة أخرى للجنة المالية التي يرأسها هاني سري الدين، رئيس مجلس إدارة هيئة سوق المال الأسبق.
لماذا توقف النقاش؟
كانت لجنة الشؤون المالية بمجلس الشيوخ، ناقشت الطلب المقدم من عضو المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أكمل نجاتي، بشأن تقييم أثر قانون نقابة التجاريين الصادر عام 1972. وعقدت ثلاثة اجتماعات في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني لمناقشة الطلب، بحضور ممثلين عن النقابة التي يزيد عدد أعضائها عن مليون و800 ألف شخص، وبمشاركة ممثلين عن الحكومة.
وأوصت اللجنة في تقريرها بتعديل قانون نقابة التجاريين، وحددت عددًا من المواد التي يجب تعديلها بشكل خاص، وقدمت جدولًا توضيحيًا لاقتراحات نقابة التجاريين وتعقيب الحكومة عليها.
يعاني التجاريون، كغيرهم من أعضاء النقابات المهنية، من زيادة الأعداد وضعف موارد النقابة وارتباطها بقانون صدر في ظل نظام حكم سياسي واقتصادي مختلف، وأيضًا من نصوص ولوائح مرت عليها سنوات طويلة تحول دون تمكين النقابات من تنمية مواردها، وهو ما جعل نقابة التجاريين عاجزة عن سداد المعاشات لعشرات الآلاف من المستحقين منذ سنوات، رغم أنه لا يتجاوز 50 جنيهًا شهريًا بموجب القانون، وناشدت النقابة مجلس النواب في الفصل التشريعي السابق بسرعة البت في مشروع تعديل قانونها.
وافق معظم المتحدثين في الجلسة العامة خلال المناقشة على الدراسة وأكدوا ضرورة تعديل القانون، وجدد وكيل المجلس بهاء أبو شقة حديثه عن أهمية إحداث ثورة تشريعية تتسق مع التغيرات التي طرأت على المجتمع، لكن فجأة وبعد نحو ساعة من المناقشات، وجه رئيس المجلس سؤالًا لوزير شؤون المجالس النيابية بشأن ما ورد في الصفحة 35 من التقرير المعروض، حيث يلفت النائب أكمل نجاتي لوجود مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام نقابة التجاريين "هل هناك بالفعل مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تعديلات نقابة التجاريين؟".
ورد الوزير "بالفعل محال من الحكومة في سنة 2018 مشروع قانون بشأن تعديلات نقابة التجاريين، ومحال إلى اللجنة الاقتصادية، والحكومة لها الأولوية بشأن هذا التشريع كما أنها متمسكة به".
كلمات الوزير دفعت رئيس المجلس لاتخاذ قرار بوقف المناقشات وإعادة الدراسة للجنة مرة أخرى، ورفع الجلسة وتغيير جدول أعمال اليوم التالي، حيث كان مفترضًا استكمال النقاش، ليحل محله طلب مناقشة بشأن تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي والكتاب الجامعي الإلكتروني.
لماذا توقف النقاش؟
يضع الدستور ثمانية اختصاصات لمجلس الشيوخ في مقدمتها "توسيع دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي وتوسيع مجالاته"، كما يؤخذ رأيه في الاقتراحات الخاصة بتعديل الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ومشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور، وما يحال إليه من رئيس الجمهورية.
وبموجب هذه الاختصاصات، يحق للمجلس نظر الأثر التشريعي للقوانين خاصة تلك المرتبطة بالحقوق والحريات، ومن بينها القوانين الخاصة بالنقابات المهنية.
كان بإمكان رئيس المجلس الخروج من المأزق بطرح توصيات ترفع لرئيس الجهورية أو رئيس مجلس النواب تتضمن المطالبة بمناقشة مشروع القانون الموجود في أدراج المجلس منذ 2018 ولم تتم مناقشته على مدار هذه السنوات.
لكن يبدو أن إيقاع الحياة في مجلسي الشيوخ والنواب وإدارتهما بطريقة تؤدي لبقاء مشروعات القوانين التي تتعلق بحقوق البشر في الأدراج لسنوات؛ جعلت رئيس عبد الرازق يتخذ القرار الأسهل والأسلم حتى لا يصطدم بالحكومة أو بمجلس النواب، أو مع من لا يضع هذه النوعية من القوانين على رأس الأولويات التشريعية رغم ارتباطها بحقوق ملايين البشر.
انتهى النقاش ورُفعت الجلسة، وأصبحت كلمات الأعضاء ومطالبهم كأنها لم تكن، ليستمر تعليق مشكلات وأزمات التجاريين، وتكتمل دائرة الفراغ ونعود للأسئلة المرتبطة بجدوى ما يجري وإهدار الطاقة والوقت والمال أيضًا، و"نعم أنا زعلت على ثمن البنزين".