في إحدى ليالي عام 1993، كان المهندس بهاء إسحاق يتأهب لقضاء شهر العسل في الأقصر، لكنه لم يتخيل، ساعتها، أن يقضي ليلته الأولى هناك في مقر أمن الدولة.
عندما وصل إسحاق وعروسه فندق إقامتهما في الأقصر، كان عليه أن يثبت زواجه أمام إدارة الفندق ويجيب أسئلتهم عن ديانته التي يدين بها وزوجته: البهائية، ليستكملا بعدها ما تبقى من ليلة عرسهم في مقر أمن الدولة وليس غرفة الفندق.
جرت تلك الواقعة التي خاضها إسحاق بسبب ديانته منذ ثلاثين سنة، وحتى الآن، ورغم ما شهدته البلاد من تغيّر أنظمة وبالتبعية تشريعات وسياسات، فإن وضع البهائيين لا يزال كما هو، مع اختلافات قليلة، ولكن الارتباك والتعقيدات ما زالت تُحيط بهم حتى على مستوى الحياة اليومية.
قضى معظم البهائيين أيام ما قبل 21 مارس/ آذار، الذي يوافق أحد أهم أعيادهم الدينية؛ عيد النيروز، في ترقب وقلق، وليس في انتظار العيد، بسبب جلسة لدعوى قضائية قد تحل أزمة مستمرة منذ عقود، وتتمثل في حرمانهم من دفن أمواتهم في قبور بخلاف هذه الوحيدة بمحافظة القاهرة، وهي الدعوى التي ستظل طويلًا في ساحات المحاكم بعد تأجيل نظرها إلى جلسة 20 أبريل/ نيسان الجاري، وهي أيضًا مجرد جلسة موضوعية. فالحكم ما زال أمامه وقت طويل.
وأزمة المقابر هذه، بجلساتها، مُجرّد بعضٍ مما يتعرّض له البهائيون من مشكلات، سواء تشريعيًا ورسميًا بإنكار وجود وحقوق، أو مجتمعيًا بتكفير وتنمّر واعتداءات بلا ردع، حسبما كشفت حكاياتهم التي سردوها للمنصّة.
"فئة رابعة"
في عام 1965، خصّصت محافظة الإسكندرية قطعة أرض لدفن المواطنة البهائية جليلة جرجس، التي ما يزال شاهد قبرها بنصوصه المُقدّسة باقيًا حتى اليوم بين أطلال مقابر الشاطبي، التي كانت تقوم على شؤونها "المدفن المدني"، وهي الجمعية التي كانت معنية بأمور المقابر المُخصّصة لأفراد متنوعي الديانة (غير أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث) أو لا ينتمون لأديان.
جليلة، آخر المدفونين في هذه المقابر منتصف الستينات، هي مَن استعان محامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عام 2022 بإيصال أرض قبرها في محاولتهم أمام المحكمة الإدارية العُليا إلزام المحافظة نفسها، الإسكندرية، بتخصيص أرض لمقابر البهائيين، بعد أن رفض القضاء الإداري هذا، استنادًا إلى تقرير مفوضي الدولة ورأي مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر غير الملزم.
قبل هذه الدعوى، وفي ورقة صادرة عام 2019، اقترحت المبادرة المصرية أن "يُصدر المحافظون قرارات لتخصيص المقابر لغير المنتمين إلى الأديان الثلاثة، في المحافظات التي يتقدم فيها مواطنون بطلب يُفيد بحاجتهم إلى ذلك".
الآن، وبهذه الدعوى تجري محاولة للحصول على حق بسيط ودستوري لمواطنين مصريين، لكنهم بسبب ديانتهم البهائية، غير مسموح لهم بالدفن في جبانات أتباع الديانات الإبراهيمية، وذلك لأنهم "فئة رابعة" من فئات التنوع الديني المسجل في الأوراق الرسمية.
ولأنهم "فئة رابعة"، كان لبهائي آخر هو المهندس حازم الهادي، تجربة عسيرة حين توفي أحد أفراد عائلته وهم في صعيد مصر، وما يزال يذكرها لليوم "حمايا أمريكي وكان عايش معانا. ولمّا اتوفى، طبعًا مفيش غير المقابر الوحيدة اللي في القاهرة. ولأنه أجنبي اتعمل له محضر وكان فيه إجراءات بعدها نقلنا الجثمان بالطيارة للقاهرة من الصعيد".
"حُرِّم عليكم نقل الميت أزيد من مسافة ساعة من المدينة، ادفنوه بالروح والريحان في مكان قريب"هذا نصّ مُقدّس في البهائية، لكن الهادي اضطر لمخالفته. فعلها بسبب إجراءات سبقت الدفن، وكان ليحول بينه وبينها أمر بسيط هو وجود مقابر في صعيد مصر وغيرها من المحافظات بخلاف تلك الموجودة في القاهرة، التي خُصصت لهم قبل حوالي ثمان عقود؛ حتى ازدحمت وفاضت.
خسائر الستينيات
أمام هذا الازدحام؛ رفع البهائيون مطلبًا لا يعتبره بهاء إسحاق فئويًا، بل يستند فيه إلى حديث الرئيس عن تجديد الخطاب الديني، بجانب إطلاقه استراتيجية حقوق الإنسان في سبتمبر/ أيلول الماضي، واللذين يراهما "شرارة بداية، وإن لم يتخذا مساراهما على المستوى التنفيذي بعد".
خلال حفل إعلان هذه الاستراتيجية الحقوقية، شدد الرئيس على احترام حق وحرية كل مواطن في الاعتقاد من عدمه في أي دين، بينما هذه الاستراتيجية نفسها، كما الدستور، لم تأت على ذكر أديان عدا الإبراهيمية.
السيسي يتحدث عن حق الجميع في الإيمان أو عدمه.
وكواحدة من حقوقه كمواطن، يشرح إسحاق مطلبه ودوافعه له "أنا لما بطالب بمقابر في الإسكندرية ولا بورسعيد والصعيد، ده لأنه لما بيحصل حاجة زي دي (وفاة) العيلة كلها بتتلم وتطلع على القاهرة علشان الدفن".
في سبيل تحقيق هذا المطلب، خاطب البهائيون جهات عديدة كوزارتي العدل الداخلية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، بل وبعثوا خطابًا لشرح الأمر للرئيس نفسه، وهو الذي تعهد في منتدى شباب العالم نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بكفالة الحقوق الخاصة بممارسة الشعائر الدينية دون تمييز بين دين وآخر.
وفي مناسبة أخرى تعهد الرئيس ببناء دور عبادة لغير أتباع الديانات الثلاث "لو فيه عندنا أتباع ديانات أخرى"، وهو ما يعني عدم اعتراف من رأس الدولة بوجود أتباع ديانات أخرى في مصر عدا المسلمين والمسيحيين، أخذًا في الاعتبار أن حديث الرئيس يتماشى مع المادة 64 من الدستور التي كفلت للمصريين حقهم المطلق في الاعتقاد، ثم قيدت حق بناء دور العبادة للمؤمنين بالأديان الإبراهيمية دون غيرهم.
وهذه هي المادة التي أخذت عليها منظمة المُفكّرة القانونية "legal agenda"في تقرير، أنها "أهدرت مبدأ المواطنة، الذي يفترض المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات العامة، ضاربًا بأبسط حقوق الإنسان وأهمها عرض الحائط، خارقًا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي كفلت حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية".
وتغيير مثل هذا المادة الدستورية يتطلب إجراءات طويلة، وفقًا لما شرحه صموئيل ثروت، المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والموكَّل في قضية مقابر البهائيين، وقال "نحن حين نطعن أمام المحكمة الدستورية العُليا يكون الأمر ضد مواد في قانون أو لوائح وقرارات مُخالفة للدستور. لكن هذه مادة دستورية؛ فتغييرها يحتاج تعديلًا دستوريًا. وهذا أمر له إجراءاته واشتراطاته المُحددة في الدستور نفسه".
لهذا، طال أمد الأزمة، وما زال البهائيون يعانون من خسائر لحقت بهم منذ عهد رئيس سابق، للمفارقة لم يكن السادات الذي لُقِّب بـ"المؤمن" لما شهده عهده من مواءمات مع الإسلاميين المتشددين، بل في عهد سلفه جمال عبد الناصر.
ومن هذه الخسائر ما يذكرها إسحاق حتى الآن "بقالنا من سنة 60، وقت غلق المحافل (دور العبادة)، وإحنا كبهائيين كان عندنا ممتلكات وأراضي ومدافن في الإسماعيلية وبورسعيد وغيرهما، دلوقتي ده كله راح".
أيضًا، وحين قررت السلطات عدم نسبهم لديانة غير ديانتهم، لم يأتوا على ذكر البهائية في الأوراق الرسمية، وكان أقصى ما تم إنجازه هو وضع شرطة (-) في خانة الديانة ببطاقات الهوية اعتبارًا من عام 2009.
الزوج الأعزب
أزمة البهائيين لا تقتصر على مُعضلة دفن موتاهم فحسب، فبين المهد واللحد تستمر المعاناة، وذلك على مدار سنوات الحياة بمختلف تفاصيلها، سواء المتعلقة بالمعاملات الرسمية أو المجتمعية. فهم وإن كانوا يمتنّون لشَرْطَة البطاقة، كونها حلّت، نوعًا ما، شيئًا من أزمتهم مع الهوية، إلاّ أن هذه الأخيرة ما تزال مشاكلها عديدة، ومنها ما يتعلق بالزواج والنسب.
فرغم زواجه في هونج كونج، التي كان يعيش بجوارها في مدينة ماكاو الصينية، لكن المهندس حازم الهادي، الذي تزوج بعقدي زواج مدني وبهائي، لم يسلم من إجراءات مُعقّدة، ما زال يذكرها حتى اليوم "لمّا وصلت المطار في مصر أول مرة، قولت لضابط الجوازات دي زوجتي. قال إزاي؟ لأ، اكتب لي أنك أعزب. وده مع إننا متجوزين من 30 سنة وعندنا بنتين كبار".
ويُعلّق الزوج بقوله "أنا كمان زوجتي أمريكية، جاية من ثقافة إن الزواج ده حق لأي حد، فإني أقدر أفهمها يعني إيه الدولة مش معترفة بالزواج. طبعًا دي كانت حاجة غريبة جدًا بالنسبة لها".
تزوّج الهادي منذ ثلاث عقود، وكان من الممكن لموقف المطار أن يمرّ وتستمر الحياة بصورة طبيعية، لكنه ما يزال بالنسبة لمصر أعزب حسبما توثّق بطاقة هويته، رغم أنه هو نفسه وفي الأوراق الحكومية مُسجل كأب في شهادة ميلاد ابنتيه.
أمام هذا الواقع، لجأ الهادي للقضاء منذ عام ونصف، واعتقد أن الأمر انتهى بالحكم بالاعتراف بزواجه، لكن كان للسلطات رأي آخر آثار دهشته "لم يتم تنفيذ الحكم؛ فتوجهنا لوزارة الداخلية وكانت نفذت بالفعل أحكام عدد من الزيجات، لكنها رفعت قضية نقض (استشكال) عليا أنا وزوجتي بتهمة إننا تحايلنا على القاضي وأخفينا إننا بهائيين، وإن زواجنا مخالف للنظام العام، وإن الدستور المصري بيعترف بحرية الأديان السماوية فقط".
ما يزال الزوج في انتظار الحكم في هذا الاستشكال الذي أثار تساؤلات عدة لديه، طرح بعض منها "يعني اللي كاتب الدعوى دي شايف إن رأي الحكومة إن البهائيين لا يحق لهم الزواج نهائيًا، حتى إن التوثيق في الشهر العقاري غير مسموح بيه لأي زواج فيه طرف بهائي".
لعبة الحظ
الزواج في البهائية، وكما يحكي عنه إسحاق، له شروط وقواعد واضحة، فلا يتم إلاّ بـ"عقد زواج مكتوب بـ8 إمضاءات (الزوج والزوجة، ووالديهما، وشاهدان)، أو نائب عن أحد الآباء حال الوفاة. ولابد أن يكون برضا الطرفين والعائلتين. مفيش حاجة اسمها حد يتجوز واحدة بدون علم أو دون رغبة الأهل".
يحكي إسحاق، ذو الأصول المسيحية البعيدة والمولود لأب وجد بهائيين عن اقتناع ودراسة، ما تُلزمه به عقيدته للزواج، ومنها "مهر، وحوالي 69 أو 70 جرام من الذهب أو الفضة، على أن يكون بين الخطوبة والزواج فترة لا تتعدى 45 يومًا. وجميعها أمور تتم بالتراضي ودون مشكلات، لأن أساس الزواج تعاون وليس مصلحة".
لكنه حين حاول، كان للسلطات المصرية رأي آخر، لم يقتصر على قضائه ليلة عرسه وسط ضُباط الأمن، بل امتد لما بعد ذلك "لمّا روحنا للمحاكم علشان نعمل عقود للزواج، القضاة طلبوا إننا نتقدم للمحاكم بوثيقة زي العقود العرفية، وعملنا كده وقدمناها مكتوب فيها الديانة شرطة، وفيه ناس تم توثيق زواجها وناس اترفض التوثيق ليها".
هذا الرفض ما يدفعه الآن للتساؤل "الدولة لما أصدرت قرار كتابة شرطة، ماقالتش الجماعة دول اللي بيتكتب لهم شرطة يتعاملوا إزاي في الأحوال المدنية. يعني يتجوزوا إزاي؟ يتطلقوا إزاي؟ إيه الوضع؟"، ويردّ على أسئلته "ده مش موجود".
لهذا؛ ظل إسحاق عازبًا حتى عام 2018، حين انتهت دعوى قضائية أقامها بصحبة 20 أسرة أخرى إلى إثبات زيجاتهم "كسبناها، وبقينا متزوجين. ومراتي بقى اسمي كزوج على بطاقتها، وهي وأنا شرطة في خانة الديانة"، ليكونوا بهذا أسعد حظًا من حوالي 20 أو 30 أسرة أخرى رُفِضت قضاياها، لأن الأحكام "تصدر وفقًا لمنظور كل قاضي"، بحسب إسحاق، الذي يرى الحل في "وضع قانون بنصوص واضحة".
وهذا المطلب دفعه ورفاقه إلى "مخاطبة وزير العدل قبل عامين، لتعيين جهة لتوثيق عقود الزواج والطلاق البهائية" لكن بلا أي تطورات حتى الآن، رغم وعود المسؤولين ومقترحات الطالبين.
لذا؛ يرى الرجل أن الزواج المدني كان ليوفر كل هذه الإجراءات، خاصة وأن الصعوبات موجودة في التوثيق "طبعا احنا عندنا مشكلة مثلاً لما الزوجة يكون اسمها إسلامي والزوج اسمه مسيحي. لأن مفيش قانون ولا شرع في مصر هيوافق على شيء زي ده. فمشاكل الزواج موجودة عندنا، رغم إن فيه حكم من مجلس الدولة بإن أي إنسان مصري من حقه الزواج. يعني ده من حقوق المواطنة. فبنسعى إننا نحسن أمورنا".
بالمثل، وفي ورقتها تلك التي تحمل عنوان "أوراق هوية وزواج ومدافن.. الحقوق الأساسية لأصحاب الديانات غير المُعترف بها في مصر"، والتي قرأتها المنصّة، اقترحت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن تُعيّن وزارة العدل موثقين منتدبين في المحافظات لتوثيق عقود زواج البهائيين، والذين أشارت إلى أن بعضهم أصبح مثل إسحاق وحازم، آباء.
وهذا ما يدفع إسحاق للتساؤل "النهارده الناس عايزه تتجوز، طب تتجوز إزاي؟! أنا النهارده مراتي مكتوبة آنسة وأنا أعزب، رغم إن عندنا أولاد في العشرينات من العمر".
وجود وعدم
يسعى إسحاق لتحسين أوضاعه، لكن هناك من بين أبناء ديانته من يسعى لإثبات وجوده من الأساس. وهنا المقصود ليس الوجود المجازي، بل بمعناه الحرفي، كهوية رسمية لجسد.
من هؤلاء، إيمان نور، التي حين اختارت وبعد دراسة لأديان متعددة اعتناق البهائية في الرابعة عشرة من عمرها، لم تكن تعلم ما سيواجهها من مصاعب في مصر، مُقارنة بما كانت تعيشه في السودان، حيث ولدت في بيئة عقيدتها بهائية ويتبعها الأب والأم.
إيمان، مديرة التسويق، جرّبت حين كانت زوجة فقط ما تعرض له الهادي وإسحاق من مضايقات، خاصة وقت السفر مع الزوج "المصاعب قبل ما يكون فيه أولاد، كانت في فكرة الانتقال والسفر مع الزوج لأن مفيش اعتراف بالزواج البهائي، فلما كنا نتواجد في فندق مثلاً يتقال مين دي؟ يقول المدام. طيب إيه اللي يثبت كلامك؟".
اعتادت الزوجة على هذه المضايقات على مدار سنوات، لكنها الآن وبعد تغيّر وضعها الاجتماعي من زوجة إلى مطلّقة وأم لطفلين، هم آدم (14 سنة) ونور (11 سنة)، تحوّلت المضايقات إلى مطالبتها بإثبات وجودها.
إيمان غير موجودة بالنسبة للسلطات المصرية؛ ما يؤثر على كل شؤون حياتها تقريبًا، كما كشفت قصتها "أنا وضعي مختلف وأصعب، لأني مش مصرية. والدي سوداني ووالدتي مصرية، وكان يحق لي الحصول على الجنسية من والدتي، خاصة وإن السودانيين كانوا من أسهل الجنسيات اللي حصلت على الجنسية المصرية مقارنة بجنسيات تانية".
لم تتردد السيدة للحظة في إثبات الوجود، فتكرر تقدّمها بطلب الجنسية كلما تكرر رفض السلطات، لأسباب مختلفة "في البداية اتقال لي إن السبب شكّ في جنسية جد الأم، بسبب إن اسمه يبدو أجنبي، واتطلب مننا نثبت إنه مصري، وأثبتناه فعلاً".
حتى علمت إيمان في آخر مرّات الرفض بالسبب الذي تراه هو الحقيقي "آخر مرّة اتقال لي بشكل صريح إن السبب هو عقد زواج والدي ووالدتي لأنه غير معترف بيه؛ وبالتالي احنا أولاد باطل.. اتقالت لي كده صراحة. فإحنا هنا نسب غير معترف بيه، رغم إن ماما وبابا عندهم عقد زواج مدني موثّق من الحكومة السودانية وهنا في وزارة الخارجية المصرية. لكن الحجّة كانت إن الأختام قديمة".
تذكّرت إيمان هذه الوقائع، لتختتم حكيها عنها بالقول "بعد كل ده تم الرفض أكثر من مرّة، وفي الآخر اتقال لي السبب بصراحة. فلو فيه ناس هنا مشكلتها إنهم عايزين يثبتوا جوازهم، فأنا عايزة أثبت وجودي من الأساس".
مثل إيمان، يشعر إسحاق بهذا العدم، لكن في أمر آخر هو الممارسة المحرومين منها، ويقول "لما صدر دستور 2014 قال حرية الاعتقاد مطلقة. طيب جميل. لكن حق ممارسة الشعائر اتكتب للأديان الإبراهيمية الثلاثة. هنا احنا مابقيناش موجودين.. بقينا هوا. طيب إيه الحل؟".
الحل تراه المبادرة المصرية في بتعديل المادة 64 من الدستور، بحيث تكون كفالة الحُرية المُطلقة للاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة التي تنصّ عليها للجميع، وليس "لأصحاب الأديان السماوية" هذه العبارة التي تقترح في ورقتها حذفها من المادة الدستورية.
وهذا ما يدعمه محاميها صموئيل ثروت، الذي يراها مادة "تُفرّغ مفهوم حق وحرية الاعتقاد من مضمونه"، موضحًا "فحرية الاعتقاد ليست مُجرد الاعتقاد في النفس وحسب، بل وممارسة شعائره بمنأى عن العقاب المجتمعي أو القانوني. وليس مجرد مسمّى فقط بدون ضمانات".
تبعات "العزوبية"
إثبات الوجود وممارسات العبادات خطوة في طريق مزدحم بتحديات أخرى يواجهها البهائيون في مصر مقارنة بدول عربية أخرى تعترف سلطاتها بزواج البهائيين، وتصدر لهم شهادات الزواج والميلاد، كما يحملون بطاقات شخصية دون مشكلات في خانة ديانة.
من هذه الدول، السودان، حيث عاشت إيمان واختبرت إجراءات أكثر بساطة وسلاسة، كما بيّن حكيها "أنا حاليًا معنديش بطاقة شخصية وماشية بالباسبور السوداني، وده مفيهوش ديانة، دي بتكون بس في أوراق استخراجه اللي بتتقدم للسفارة السودانية، وهما عندهم مرونة في التعامل معانا. أنا أذكر إني بمجرد ما قولت للموظف أنا متزوجة؛ كتب لي متزوجة. ومعايا كمان ورقة رقم وطني (تُعادل البطاقة)".
لهذا؛ كان حظ إيمان جيدًا نوعًا ما مع الأمور الرسمية، وفقًا لقولها الذي كشفت به حسن حظ أطفالها مع إثبات النسب مُقارنة بها "كان حظي كويس في الجواز، لأنه بعقد بهائي وأولادي مكتوب في شهادات ميلادهم اسمي في خانة الأم؛ وده لأن زوجي وقت التوثيق اعترف بأبوته ليهم. فخلاص".
لكن هنا في مصر، الأمر مختلف رسميًا، فـ"شرطة" البطاقة لم يحصل عليها البهائيون إلاّ بعد معركة قضائية استمرت لسنوات في العقد الأول من الألفية الحالية، أما عقد زواجهم فما يزال غير معترف به رسميًا.
ولهذا الإنكار، خاصة للزواج، تبعاته، ومنها ما عايشه إسحاق مع معارف وأصدقاء، ويحكي عنه "تقسيم الورث مثلاً ده مشكلة بسبب إن العيلة، لا الزوج عارف يثبت إن دي مراته ولا هي عارفة تثبت إن ده زوجها. ففيه حالات كتير لما الزوجين توفوا؛ تلاقي الورث راح لغير الأولاد. وبيكون فيه محاولات من محامين لإعلام وراثة، لكن أحيانًا الفلوس بتروح لبنك ناصر الاجتماعي لو لم يُثبت زواجهم".
عنف وتنمر
الحرمان من الميراث ليس الأمر السلبي الوحيد الذي قد يتعرّض له أبناء البهائيين، فهناك أمور أخرى منها عنف واعتداءات، كالذي تعرّض لهما في مثل هذه الأيام من شهر أبريل/ نيسان، لكن عام 2009، مواطنون في قرية الشورانية بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، فقط لأنهم بهائيون.
حينها، حسبما نقلت صحيفة المصري اليوم عن مصدر أمني "تم تشميع منازل البهائيين بالشمع الأحمر، بعد أن رحل عنها أصحابها إلى القاهرة"، فيما ذكرت المبادرة المصرية في تقرير بعد عام على الحادث أن السلطات لم "لم تُنصف الضحايا المهجرين، لا بمحاسبة المعتدين عليهم والمُحرضين ضدهم، ولا بإعادتهم إلى منازلهم".
لم ينس إسحاق تلك الاعتداءات التي وصف مرتكبيها بـ"غوغاء استخدموا القوة في وقت كانت الأوضاع غير مضبوطة"، وإن ذكر أن المعاناة والتحديات المُستمرة- لسكان هذا البلد وغيره- هي ما جعلته يُبدي أمله في حل مشكلاتهم، والتي تم ذكرها في الخطاب الموجّه للرئيس، والذي يبدي تفاؤلاً بحديثه عن "تجديد الخطاب الديني".
إسحاق متفائل ومطمئن في المحيط الذي يعيش فيه دون مضايقات "والله أنا راجل سني 59 سنة وعايش في الغردقة، والناس عارفين إني بهائي، وماحدش بيعاملني إني شخص سيئ أو كويس وفقًا لعقيدتي. الدين معاملة، ومابشعرش إن حد بيتنمر عليا أو بيقلل من شأني. أصل أنا مش بستفز حد علشان يأذيني. الله واحد وهو الذي أرسل كل الديانات. ولازم أؤمن بها كلها. دي عقيدتنا".
مثل إسحاق، يتفاءل الهادي بتصريحات الرئيس "المُبشّرة" عن الديانات، ويرى الوضع أفضل مما كان عليه قبل عقد أو اثنين. لكنه ما زال يرى مشاكل من جهات رسمية، ضرب عليها مثلاً بقوله "يعني لمّا محكمة تقضي بصحة تنفيذ زواج، ووزارة الداخلية ترفض تنفيذ الحكم، ده شيئ غريب. ومش عارف ليه؟ أو مين اللي اتخذ القرار ده؟ يعني قرار كده فيه كراهية أمام مطالبتنا بحقوقنا العادية. حاسس بتعصب".
والتعصب كان يشعر به الهادي مجتمعيًا أيضًا، وهذا في وقت قديم، التسعينات "الناس لما كانت بتعرف إني بهائي؛ كنت بحس إنهم بيزعلوا. لكن دلوقتي الناس بتتقبل ومش حاسس برفض منهم. لكن زمان الناس لما تعرف إني مختلف، كان ممكن اللي قدامي يعقد الأمور (في مصالح حكومية) أو يعمل حاجة تضرني".
لم تتعرض ابنتا حازم لمثل ذلك التعصب، ولم يُضطر الأب إلى تأمينهما بإخفاء الديانة أو أي إجراءات أخرى "احنا كنا عايشين في الصين لفترة طويلة جدًا، وولادي كبروا هناك، وبعدها دخلوا الجامعة في أمريكا. لكن كانوا بيستغربوا لما بيسمعوا عن اللي بيحصل في مصر وإن إزاي الدين يأثر على المعاملات. وأنا بصراحة كانت مشكلتي معاهم إن بلدي مش معترفة بزاوجنا أو بعيلتي".
ويُعلق الأب "يعني في الإسلام، المنافق أسوأ من الكافر. فأنا إزاي أعمل نظام بيجبر اللي قدامي إنه يبقى منافق؟ إزاي إنسان يكون عنده اعتقاد، وأقول له: لأ خبيه وأظهر اعتقاد تاني؟ أنا كده بخلق منافقين. وده شيء ضار وهدام للمجتمع".
خدمت البيئة المحيطة ابنتي حازم، لكن لم يسعد الحظ ابن إيمان، الذي تعرّض للتنمر، بحسب الأم "أول السنة الدراسية الحالية، ابني الكبير اتكلم بالصدفة عن البهائية؛ فبعض أهالي زمايله عملوا مشكلة بدعوى إن الولد بيقول كلام غريب، والمدرسة استدعتني. لكن بعد الاستماع؛ اكتشفوا إن ابني هو اللي بيتوجه له أسئلة غريبة، وبيتعرّض لتنمر؛ المدرسة رفضته واحترمت ابني لأنه بيحترم كل العقائد والأديان".
طرق الله
تتعامل إيمان مع ما تواجهه وأطفالها بسبب اختلاف العقائد في مجتمع غالبيته مُسلمة، ويدرس أبنائها الدين الإسلامي في مناهجه المدرسية، وإن كان "الكبير فيهم ما يزال في مرحلة البحث وده من مبادئ وأساسيات البهائية قبل اعتناقها"، وفقًا لقول الأم التي "تزرع في الصغير فضائل عامة".
وتسمح للطفلين على المستوى المجتمعي بمشاركة زملائهم وأصدقائهم المسلمين والمسيحيين في الاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم. وفي هذا لها وجهة نظرها التي تقول عنها "أنا بشجعهم على ده، ومش قلقانة لو حصل واختاروا اتباع دين غير البهائية. لأني بشوف إن كل الأديان طُرق تؤدي لربنا، فالموضوع بسيط جدًا".
تستعين السيدة في مواجهة أي مُضايقات لها أو للطفلين بخبرة اكتسبتها من الوقت الذي عاشته في السودان، وتذكرها الآن "هناك التعصب عرقي مش ديني. أنا كنت عايشة في الشمال، وبدأت تعليمي في الخرطوم، ومنها اتنقلت لولاية كسلا، وفي سنة رابعة ابتدائي جيت مصر. ووقتها لاحظت الفرق بين البلدين، إن هنا في مصر بيتزرع في الأطفال حتى وهما في المدارس إن أنت بس اللي صح".
ورغم ما كان يحدث والمتعارف عليه والشائع بقوانين مجتمعية بحتة من سيطرة الغالبية المسلمة على الفصل الدراسي، حتى في حصص الدين التي يغادر فيها أتباع المسيحية الفصل، إلاّ أنها لم تخف دينها "رغم كده، في المدرسة هنا أنا درست دين إسلامي، لكن ماكنتش بخفي ديني، بس كنت محظوظة إن فيه شيئ من تقبّل ليا. كنت بشوف التعامل اللي فيه تمييز بصورة أوضح تجاه المسيحيين".
ربما كان في هذا الأمر قوة، تحظى بها إيمان بسبب نشأتها "من طفولتي اتزرع فيا فكرة إني ماعنديش أي نقص أو حاجة غلط أخبيها. خاصة وإني كمان بحكم جنسيتي بشرتي سمراء. فأنا بهائية وسمراء، لكن كنت محظوظة إني اتربيت في بيت خلاني أتقبّل نفسي كما أكون؛ وبالتالي أقدر أواجه وأتخطى أي فكرة تمييز أو تنمر. وحتى لمّا كان حد من الزملاء أو الأصدقاء يعرف إني بهائية ويبعد عني؛ كنت بقول خلاص ده اختياره".
مثل إيمان، فإن إسحاق الذي تحوّل يوم زفافه إلى ذكرى لا تُنسى، نجح في التعامل مع ردود الفعل المتعلقة بعقيدته، ومنها ما كان حين توجّه في نهاية الثمانينات للعمل في الغردقة كمهندس معماري في أحد المكاتب "يمكن في البداية، سنة 1987، كان عندي تحديات.. الناس كانت مش قابلة واحد مش فاهمين له دين يشتغل معاهم. يعني بهائي يشتغل وسطنا! وده مع إني ماكنتش بمارس أي شعائر أو بعمل أي حاجة تستفزهم".
لكن بمرور الوقت، نجح الرجل في امتصاص الغضب وتهدئة الأجواء "الناس دي بدأوا يبقوا كلهم أصحابي ونعيش في سلام. لأني في النهاية مابعملش حاجة غير الشغل. وكلنا جايين ناكل عيش. فالناس بدأت تتقبل، ومع الوقت بقينا أصدقاء".
مواطَنَة ضائعة
صار الرجل وجيرانه أصدقاء، خاصة بعد ما رأوه منه من ممارسات تعكس فكره تجاه نفسه والآخرين "إحنا لا نسعى للاعتراف بالبهائية. ده لا هدف ولا مطلب لينا خالص، الإيمان في القلب. بس بنسعى للتعايش السلمي في هذه الدولة، ويكون عندنا حقوقنا المدنية البسيطة".
إذا كان العنف والتنمر واقعين ضد البهائيين، فهناك أيضًا حرمان من حقوق كان من المفترض أن تشملهم كمواطنين مصريين. وهي لا تقتصر على أرض للمقابر فقط، فهناك ما تعايشه إيمان من أمور حساسة ومصيرية تتعلق بها وبأطفالها، تتكاثر علامات الاستفهام حولها، بينما يمكن حلّها بالجنسية "أنا عندي مشاكل في الإقامة. يعني فكرة عدم الإقامة لأني بهائية.. ده مابيتقالش صراحة، لكن ببقى مش فاهمة سبب التعقيدات.. هل لتوتر العلاقات مؤخرًا بين البلدين أو علشان بهائية؟! فعندي حالة من عدم الاستقرار".
وتضيف الأم العاملة الخائفة من المستقبل "وبعاني مشاكل في شغلي اللي من البيت (حر) لأني بالقانون أجنبية، مع إني ممكن أكون مصرية زي أي حد استفاد من قرار منح الجنسية لأبناء الأم المصرية. فحاسة بقلق ومخاوف من عدم الاستقرار وإن مفيش تأمين ولا معاشات، خاصة وإني معايا أطفال".
أحد الحقوق الأخرى للبهائيين هي دور العبادة، والتي يتمنى الهادي وجودها، وإن شابت رغبته مخاوف من الطائفية "طبعًا فيه خوف من التربص، ودي حاجة شوفناها ضد المسلمين بعد أحداث سبتمبر لمّا ناس كانوا بيحاولوا يبنوا مركز إسلامي، فحصل نوع من المضايقات والاعتراضات. لكن ممكن كمان تكون بداية للتفاهم، إن احنا موجودين ودي حقيقة، وإزاي نتعامل مع هذه الحقيقة".
ويُعلّق على ما يحدث بقوله "يعني التعصب ضد الإسلام في الدول الغربية جاي من جهل. فنفس الشيء أيضًا بالنسبة للبهائية"، ولهذا اعتبر الرجل حكم (شرطة) خانة الديانة "خطوة إيجابية لتكون الحقائق واضحة، وهي أن البهائيين موجودين في مصر من زمان".
البهائيون في مصر منذ عقود، كما هو الحال في دول أخرى منها العربي، مثل البحرين والإمارات وغيرهما، يحظون فيها بحقوق أوسع، ورغم هذا لم يفكر إسحاق في الرحيل عن مصر والغردقة إليها، حسبما ظهر في لهجته الحاسمة حين تحدث عن فكرة الهجرة، ليقول "لأ، عمري. إن شاء الله هتتحسن الأمور وأنا مؤمن بكده".
يؤمن إسحاق بتحسن قريب للأمور، ومثله حازم الذي لديه "أمل" في انتشار الوعي في مصر، والتي يشعر بأسى حين يقارن وضع بهائييها بدول أخرى كالبحرين، وهو صاحب الجنسية الأمريكية بحكم زواجه، لكنه لم يُفكر بعد عودته من الصين في العيش بالولايات المتحدة أو غيرها، وله في هذا القرار سببه "أنا حبيت اعيش هنا. بعد الثورة لما شوفت اللي بيحصل، حسيت بخوف على مصر، وإني لازم على أبقى موجود".
مثله تمامًا إيمان، التي ترغب في مواصلة العيش في مصر لأسباب عديدة "أنا بحب مصر جدًا؛ فمش هقدر أسيبها. ده غير ظروفي، والدي كان مريض كلى واتوفى من شهرين،. فمع الانفصال اللي كان من أربع سنين، وظروفي بعده. كل ده خلاني متخوفة إني لو خرجت من مصر ماعرفش أرجع تاني".
نهاية المخاوف
المخاوف ليست موجودة لدى إيمان أو حازم فقط، فغيرهم آخرين يشعرون بالخوف، خاصة بعد أحداث الشورانية. وهذا لأسباب، منها المادة الدستورية 64، التي لا تحظر ممارستهم شعائرهم فحسب، بل يتم توظيفها في أمور أخرى بحسب المحامي صموئيل ثروت.
ويقول "يتم الاعتماد عليها في الحرمان من حقوق أخرى مثل دفن الموتى. فيتم منع البهائيين من إنشاء مقابر خاصة بهم، استنادًا لما ورد في هذه المادة من أن الشعائر الدينية مكفولة لأتباع الديانات التلاتة. مع أن دفن الموتى ليس من الشعائر. لكن بيتم الخلط هنا والتحجج بهذه الجزئية، رغم أنه في القدم كان في مصر مقابر حتى لأحرار العقيدة".
حديث ثروت صحيح، ففي 17 يوليو/ تموز 1944، نشرت الوقائع المصرية مرسومًا للملك فاروق بإنشاء جبانة بناحية قصاصين الشرق مركز فاقوس بمحافظة الشرقية لدفن موتى أفراد الطوائف التى تدين بغير الأديان المعترف بها فى مصر.
ثم بعدها بخمس سنوات، وفي 14 أبريل/ نيسان 1949، أصدر فاروق مرسومًا ملكيًا آخر بإنشاء جبانة مماثلة في مدينة بورسعيد، والتي ذكرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وفقًا لشهادات أهالي أن "مكانها كان في حي الجميل على شاطيء البحر المتوسط، لكن تم استخدامها لأغراض أخرى منذ أوائل السبعينات. ويحتل مكانها الآن منتجع سياحي".
لهذا، يثير الأمر دهشة المحامي الحقوقي، الذي يقول "ده كان موجود زمان، لكن النهارده لأ. الطبيعي والمفروض إن احنا بنتطور وبنفتح مجال الحريات أكتر مما بنقيده. لكن احنا قيدنا مجال الحريات، وقصرنا حق ممارسة الشعائر الدينية على أتباع الديانات الثلاثة، وده بيضر ببقية المواطنين اللي بيدينوا بديانات مختلفة، أو اللي بنسميهم أتباع الديانات غير المعترف بيها في مصر".
والضرر بحسب المحامي، ليس على مستوى الاعتداءات الطائفية فقط، بل يكون حتى على المستوى القانوني "لو تم فتح دار عبادة؛ سيقعوا تحت طائلة القانون، باعتبارهم مارسوا شعائرهم في مكان غير مُرخّص. وده بينطبق بشكل عام، حتى على أتباع الأديان الإبراهيمية".
لذا، وبناء على حديث الرئيس عن حرية العبادات وكفالتها كحق للمواطنين، يقترح ثروت عدم أمور "أولها تشريعي، بضمان الحق في إقامة المحافل الدينية وترخيصها، وهذا بشكل عام وللجميع، وليس لأتباع الديانات الإبراهيمية فقط. وثانيها تنفيذي، يتعلق بتفعيل النصوص التشريعية الموجودة".
وفي هذا النقطة تحديدًا، يوضح المحامي الحقوقي مقصده، لما واجهه من حالات، بقوله "عندنا هنا أزمة، المفروض إن لو حد تعدى عليا، الطبيعي إن هو المتهم واللي يتحاكم بصرف النظر عن سبب الاعتداء. لكن الواقع، إن أنا اللي بتحاكم لأني مارست شعائر دينية في مكان غير مخصص للعبادة".
ويختتم المحامي مقترحاته لحياة آمنة، بقوله "هنا نحتاج تفعيل للتشريع الموجود نفسه في قانون العقوبات بصورة حيادية لا تُفرّق بين المواطنين، بجانب الالتفات لمطالب المواطنين الخاصة بترخيص المحافل التي كانت موجودة فيما سبق وتم إغلاقها".
هذا ما يراه ثروت محافل للعبادة وحماية من الاعتداءات. أما ما يتمناه إسحاق وحازم وإيمان، وغيرهم من البهائيين غير المُحدد عددهم بصورة رسمية وإن تجاوز الآلاف، فهو حياة هادئة في بلدهم، لا يحظون فيها بأكثر مما يحقّ لأي مواطن آخر، بوقف التعنت حيالهم والإنكار لوجودهم، وما يستتبعه من عراقيل تواجههم من المهد إلى اللحد.