إذا حاولنا الوصول إلى بداية في هذا السيل من الطرق والكباري، الذي نطالع أخباره يوميًا في الصحف، سنعود تقريبًا إلى عام 2005، حين بدأ التخطيط لكل ما يجري حاليًا، في أجندة عمرانية تطورت بما يلائم مستجدات الاقتصاد السياسي المحلي والإقليمي والعالمي خلال السنوات التالية.
ترتبط الأجندة العمرانية للأعوام 2015- 2020 (مدبولي والسيسي)، بشكل وثيق بـ أجندة 2005-2010 (نظيف ومبارك)، فهي ليست أكثر من امتداد لها، المختلف فقط أن بعض الخطط منذ عام 2008 كانت محض خيالات وتصورات مُصممة على أوراق، لم نتخيل واقعها المادي، خاصة مع التحولات السياسية الجذرية التي جرت خلال الفترة بين 2011 وحتى 2013. ولكن منذ 2015، بدأنا جميعًا، كأشخاص يتشاركون الرقعة الجغرافية المصرية، نلمس الواقع الذي لا يمكن تجاهل أثره المادي الجغرافي في تغيير شكل المدينة، الذي امتد إلى البيئة والسكن والبنية التحتية.
فخلال سبع سنوات، في الفترة من 2014 إلى 2021، تم تنفيذ طُرق بطول خمسة آلاف كيلو متر، بتكلفة وصلت إلى 127 مليار جنيه، وهي مشاريع دأبت الدولة على الترويج لها باعتبارها "إنجازات"، لكن هذا اللفظ بكل ما يحتمله من معانٍ، يستتبع طرح أسئلة كثيرة عن ماهية تلك الإنجازات ومن الذين تخدمهم، وهي الأسئلة التي تغيب إجاباتها عن الخطاب الرسمي، الذي لا يتضمن إلا أرقامًا جوفاء عن أطوال الطرق وتكلفتها.
لا يشرح خطاب الدولة حتى تأثير العوامل الطارئة على تكلفة هذه الخطط، التي يتباهى المسؤولون بملياراتها الضخمة، فهو لا يذكر، مثلًا، أثر أزمة تعويم الجنيه في 2016، التي ضاعفت متوسط تنفيذ الكيلومتر في أي طريق، وهو سبب أدعى لبحث إلى أي مدى كانت التوسعات السريعة في الطرق تمثل أولوية على حساب نفقات اجتماعية أخرى.
البحث عن الأثر الاجتماعي
هذه الفجوات الكبيرة التي تتركنا الدولة في مواجهتها ونحن نقرأ أخبار الإنشاءات اليومية، هي ما يدفع للبحث عن القيمة الاجتماعية لشبكة الطرق في مصر، ولكن عند تقييم مشروعات الطرق، نحتاج بداية للالتفات إلى فارق جوهري بين مهمتين في أعمال التخطيط، الأولى هي التخطيط العمراني، الذي يقوم به فريق استشاري عمراني، تقتصر مسؤوليته على بناء التصورات المتعلقة بتخطيط المدن والربط بين عدد من الطرق والمحاور، أما الثانية فهي التصميم الحضري، الذي يرتبط بمسؤولية ذات طابع أكثر تفصيلًا تتعلق بأثر الطرق على المستخدمين، وتصميم ممرات المشاة والأرصفة ومواقع الأشجار وأماكن الخدمة.
كل مشروعات الطرق على اختلاف حجمها تحتاج إلى النوعين كليهما من التخطيط، سواءً كانت طرقًا للتنقل بين المحافظات، أو للتنقل داخل الحي الواحد أو بين أحياء مختلفة. ورغم أهمية التصميم الحضري، لكن التصورات المصرية في ذلك المجال منذ أواخر القرن العشرين لم تراع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عند تشييد الطرق، التي من دونها يغيب عامل ماهية التصميمات، لأن الهدف الرئيسي من أي تصميم هو استخدامه كما صُمم، وهي فجوة عميقة لا يتم إدراكها إلا بتحديد أولويات التصميمات ونوع المجتمعات التي تخدمها، فشق طريق أو رفع أو خفض درجته تعني الكثير في التخطيط العمراني، وهو ليس قرارًا هينًا، بل يؤثر على حياة مستخدمي ذلك الطريق وحاضر ومستقبل التكوين العمراني.
على سبيل المثال، يجب أن يراعي تصميم الطريق عرضه وعدد الحارات المخصصة للمركبات، وكذلك عدد الإعلانات وحجمها، ومدى تأثيرها على تركيز السائقين، أو ما قد يؤرقهم أثناء القيادة مثل الإرهاق مما يُسبب الحوادث، وأيضًا توافر حارات للخدمة، ومناطق طوارئ، وهل تقع المخارج على يسار الطريق أو يمينه، وكذلك طرق العدول عن المسار أو تغييره.
يراعي التصميم الحضري إذن الشق الإنساني/ الاجتماعي للطريق، لكن هذا الأخير لا نجد له أي صدى في خطاب الحكومة عندما يتعلق الأمر باستعراض مشاريع الطرق الجديدة.
يصف الرئيس السيسي في حوار مع عمرو أديب تلك المشاريع بأنها "تنفع الوطن وتسبب الرخاء"، لكن اللافت أن أهمها وأطولها، هي تلك التي تصل مدينة العلمين الجديدة أو شرم الشيخ والسويس أو الواحات، وهي طرق كلها تخدم العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة، ما يعني أن بعض تلك الطرق سيخدم شريحة طبقية بعينها. هذا النوع من المقارنات هو ما يساعدنا على تقييم مدى أولوية هذه النفقات، وهو التقييم الغائب عن خطاب الدولة.
كذلك يفتقد ذلك التحليل الوجه الاقتصادي لهذه الطرق، وكيف تلعب دورًا في خدمة نقل البضائع سواء في أحجام صغيرة بين مجاميع من المجتمعات التجارية، أو تجار ومصانع وربط بين خدمات زراعية وصناعية. وأيضًا لا يتضح شيء عن شبكة المواصلات وعن عبء تكاليف الانتقالات اليومية للمواطنين بعد تطوير الطرق.
الدعوة للتمهل ودراسة الأبعاد المختلفة لمشروعات الطرق تكتسب أهميتها من أن جزءًا مهمًا من هذه المشروعات يهدف لإحياء المجتمعات الجديدة خارج القاهرة، بينما كانت تجربتنا في إنشاء هذه المجتمعات خلال العقود الأخيرة تتسم بالكثير من القصور رغم الاهتمام والاستثمارات الضخة التي وجهت لها.
أربعة أجيال من المدن
بدأ عصر المدن الجديدة مع الرئيس السادات، مواكبة لإطار عالمي للتوسعات العمرانية وخلخلة الكثافات السكانية داخل المُدن والعواصم. وفي 1973 أنشئت الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وهي الهيئة التي تولت تشييد أجيال المدن الجديدة، بدأها السادات بالجيل الأول، واستكمل حسني مبارك الجيلين الثاني والثالث، فيما يقوم الرئيس عبد الفتاح السيسي حاليًا ببناء الجيل الرابع.
لم تحقق معظم هذه الأجيال الأغراض المُصممة من أجلها، سواء من حيث الكثافة السكانية أو الاستثمارات، وإن نجحت بشكل جزئي في استيعاب طبقات بعينها في فكرة المجتمعات المُسورة، أو إيجاد مساحة لتوسعات المؤسسات التعليمية بشتى مراحلها، وأيضًا إيجاد أماكن لغير المصريين.
إنشاء شبكة طرق مترابطة لن يحل مشكلة قصور الأجيال الثلاثة الأولى من المدن الجديدة التي جاءت بعيدة عن الشكل المتخيل أثناء تصميمها، لأنها غير مرتبطة بشبكة مواصلات عامة. بتعبير آخر، فإن شبكة الطرق المنشأة في السنوات السبع الأخيرة، تخدم مالكي السيارات فقط، أما الأثر الاقتصادي للمونوريل والأتوبيس الترددي وغيرهما من شبكات المواصلات العامة الجديدة فسيتحدد عند تشغيلها ودراسة المستخدمين الفعليين لها.
كذلك فإن غياب التخطيط العمراني، كتخصص يهتم بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية وعلاقتهما بحياة المواطنين اليومية، ما زال متكررًا حتى في الجيل الرابع من المدن الجديدة، مثال على ذلك مدينة بدر وإسكانها الاجتماعي للمنقولين فيها من مصر القديمة والمدابغ؛ مكان غير مناسب تمامًا لسكنهم لأنهم فقدوا جميع فرص عملهم التي كانت داخل المدابغ، كما أن عدد المدابغ المنقولة إلى مدينة الروبيكي يقل إلى ثلث الرقم الأصلي للعدد الذي كان موجودًا خلف سور مجرى العيون بمنطقة مصر القديمة.
أيضًا من حصلوا على شقة سكنية تعويضية في الأسمرات، التي تعتبر داخل الحيز العمراني القاهري، فقدوا أيضًا فرص عملهم طبقًا لإمكاناتهم الحرفية في منطقة مصر القديمة سواء في المدابغ أو في ورش السيارات، وعليه فقدوا كل وظائفهم المهنية طبقًا لإمكاناتهم الوظيفية، وعند انتقالهم للأسمرات أو بدر، أصبحوا في حالة بحث دائم عن العمل، فيما تتاح أمامهم وظائف لا ترتبط بالمرة بوضعهم التعليمي والمهني، وهذا طبقًا لعدد من المقابلات البحثية أجريت عام 2019 و2020.
التمييز الطبقي في الطرق
يتضح جليًا أن هذه الاستثمارات في الطرق لن تخدم معظم الشريحة السكانية، التي تتراوح بين فوق وتحت خط الفقر، وتسكن في مناطق مهددة بالإخلاء، لأنهم في حاجة لشبكة مواصلات عامة في متناول دخولهم غير المستقرة كعمالة مؤقتة وغير منظمة.
وبناءً عليه، يمكن اعتبار أن هناك فشلًا في نقل سكان المناطق المتضررة بشتى طرق الإخلاء التفاوضي والقسري من أحياء القاهرة (مصر القديمة ومنشية ناصر والدويقة وقلعة الكبش) إلى مدينة السلام ومدينة النهضة، وأيضًا السادس من أكتوبر (مساكن الأولى بالرعاية)، وما أثبتته الدراسات أن نقل هؤلاء السكان عنوة فشل، لأنهم غير قادرين ماديًا على الاستمرار بالتنقل بين أماكن سكنهم في المدن الجديدة ووظائفهم في أحيائهم القديمة، حيث تضاعف عبء التنقل عشرين مرة في اليوم الواحد، وهو ما يجعلهم يتركون هذه المساكن إلى مناطق أقرب إلى أعمالهم وأشغالهم.
في المقابل، يكون الأثر الاجتماعي للطرق إيجابيًا على طبقات أعلى دخلًا، مثال على ذلك طريق الجلالة الذي يخدم المسافرين من القاهرة إلى الجونة والغردقة بمركباتهم الخاصة، ورغم أن وجود الجونة والغردقة يستدعي انتقال أنماط من العمالة إليهما بصفة مستمرة (تحديدًا العاملون في السياحة) لكن لا يوجد اهتمام كبير من الدولة بتيسير وجود مواصلات عامة وخاصة على هذه الطرق، أما المهنيون الذين يتطلب عملهم التواجد في المدن الجديدة، فيعتمدون على وسائل المواصلات الخاصة بشركاتهم، حيث تحمل عن كاهلهم العبء الاقتصادي للبنزين، وأيضًا العبء النفسي والبدني للقيادة وتجنب الحوادث.
أرباح وخسائر مخططات الطرق
إذن "إنجازات" الطرق، هي لمن يقطع الطريق بسيارته، لهذا يجب أن نضع في الاعتبار حجم الشريحة المستفيدة.
هناك قاعدة ذهبية في التخطيط العمراني تتعلق بأن شق الطرق أمر قد ينتج عنه فصل مجتمعات عن بعضها البعض، أو تشجيع المجتمعات على البناء حول الطريق، مثال على ذلك الطريق الدائري، في وصلته ما بين الجيزة والقاهرة الجديدة، قامت عليه تجمعات عمرانية جديدة نظرًا لسهولة الوصول إليها من الطريق الدائري، وهو ما جعل لحيي المقطم والمعادي امتدادات جديدة (شكل 1).
شق هذا الطريق في هذا المكان رفع سعر الأراضي من حوله، خاصة مع وجود خدمات متعاقبة تجارية وخدمية مثل كارفور وبعض المحلات الأخرى، وأيضًا الخدمات التعليمية في وجود عدد من المدارس والجامعات الخاصة التي أنشأت في مطلع 2010 و2011. (ونرى الفرق في شكل 1 على مدار 18 سنة).
ذلك الطريق الدائري نفسه، الذي أنشئ في التسعينيات، تسبب في فصل عزبة خير الله عن بعضها البعض مما كوَّن شعبيًا عددًا من المداخل والمخارج من وإلى الطريق الدائري، وكوَّن أيضًا شبكة جديدة من المواصلات الخاصة (الميكروباص)، لتيسير حركة المواطنين داخلها وخارجها، وإيصالهم بالطريق السريع الجديد، وعليه فإن قرار المخططين العمرانيين لإنشاء الطريق في أواخر التسعينيات لم يضع هذه الاعتبارات الاجتماعية في حسبانه، ولم يستعن بمصممين حضريين لتصميم تفاصيل فصل العزبة، ولم يراعِ كذلك زيادة أسعار الأراضي المطلة على الدائري.
منذ ذلك الحين لجأت الحلول الشعبية لاستخدام الميكروباص في عبور الطريق والتنقل عليه، ثم لاحقًا في النصف الثاني من الألفية بدأ ظهور الثُمن، وهي عربة صغيرة تستخدم لمساعدة السكان في عبور الطريق، في محاولة لتقليل الوفيات جراء حوادث المرور على الطريق الدائري وأيضًا كورنيش المعادي وغيرهما.
في 2020 و2021، تسبب توسيع الطريق الدائري عند ذلك الجزء في إزالة العديد من البيوت المطلة على الطريق الدائري، مثل أعمال الإزالة التي تمت على الجهتين في عزبة خير الله، وهي مساحة تقدر بخمسة آلاف كيلو متر من الطرق الجديدة.
إلى جانب هذا، فإن قرار وزارة النقل منع شبكة الميكروباص من التواجد على الطريق الدائري تمامًا، بغرض إجبار السكان على استخدام الأوتوبيس السريع الترددي (سعر تذكرته لم يتحدد بعد)، كان خاطئًا، لأنه يمنع الميكروباصات من التواجد نهائيًا، وهو ما سيؤثر بشدة على طبقات اجتماعية كثيرة، لأن الميكروباصات ستسلك طرقًا أطول للهروب من الفصل المادي الذي سيتأكد تمامًا بمنع وجودهم على الطريق نفسه. المستفيدون من هذه الخطوة هم فقط من يستطيعون سداد تذكرة الأوتوبيس الجديد.
ومن آثار الطريق الدائري أيضًا، وكذلك ما يتضمنه من وصلات للدائري الإقليمي؛ التحولات التي جرت في العديد من المجتمعات الزراعية التي شُقَّ الطرق فيها، ما رفع من سعر أراضيها وشجع على التعمير والبناء عليها بشكل غير مخطط، وهو أيضًا ما تبعه تغيير للنشاطات في الأماكن المحيطة من خدمات تجارية أو صناعية زراعية لسهولة التنقل على الطرق.
ولا نركز هنا على مشكلة تآكل الرقعة الزراعية، ولكن تغيير شكل الحياة الاجتماعية والثقافية بتغيير سعر الأراضي وتحولها إلى مصدر جذب، قد يخلق نوعًا من التحضر المديني، ولكنه لن يكون خالصًا لانعدام وجود الدراسات التي تهتم بالبيئة وما يتم إزالته ومن تنزع أراضيه، ثم هدم المنشآت بدعوى المخالفة أو البناء على أراضي الدولة. (شمال الجيزة مثالًا - شكل 4).
تشييد ومحو
لارتفاع سعر الأراضي وانخفاضها أثران؛ اقتصادي واجتماعي، ففي عامي 2020 و2021، تم ملامح تغيير مدينة نصر ومصر الجديدة، وهما حيّان تسكنهما طبقات اجتماعية تتدرج بين المتوسطة والمتوسطة العليا وما بينهما من شرائح مختلفة. بناء عدد من الكباري العلوية التي ستؤثر على المباني السكنية والتجارية بما يقلل قيمتها الاقتصادية، أسعار الوحدات سوف يتغير تبعًا لما تطل عليه أو ما تراه من مساحات خضراء.
كذلك فإن تغيير درجات الطرق وعرضها، يؤدي إلى وفيات حتمية بسبب حوادث الطرق، لعدم الاعتراف بأهمية المشاة، وهنا تأتي قيمة المصممين الحضريين، الذين لم يتم دمجهم في خطط إنشاء الطرق وادعاء "إنجازاتها"، فما حدث في مدينة نصر ومصر الجديدة، هو رفع درجات الطرق، بنزع الأشجار والمساحات الخضراء وزيادة عدد حارات الحركة فيها وكذلك زيادة السرعة.
فتح المجال الكفاءة المرورية في شمال شرق القاهرة (المدخل الرئيسي لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، التي تقرر بإنشائها تحويل بعض الطرق إلى منفعة عامة لضمان نزع ملكيات الأراضي) هو ما تسبب في فقدان التصميم الحضري التفصيلي في مسارات المشي وعبور الشوارع، مما أجبر السكان على تأجير مركبات لقضاء حاجاتهم المعيشية واليومية التي اعتادوا سيرًا على الأقدام.
حي مصر الجديدة تم تعميره بشكل تاريخي منذ أوائل القرن العشرين، وفق طرق العمارة الأوروبية بتفاصيل تخطيط شوارعها وميادينها، أما مدينة نصر فعمرت منذ السبعينيات والثمانينيات، بطراز غلب عليه السمة الوظيفية لاحتواء مختلف شرائح الطبقة الوسطى بأعداد مهولة، الذي تزامن مع أزمة السكن في القاهرة، وبعض من أراضي مدينة نصر وغيرها تم نزع ملكيتها لإقامة المونوريل.
رغم التغييرات العديدة في حي مدينة نصر في الألفيات وظاهرة المولات التجارية، التي أضافت العديد من السمات التجارية للحي على نمط الحياة القاهرية والمدن العالمية، لكن التغيير الحادث في عامي 2020 و 2021، الخاص بتوسيع الطرق وتشييد عدد مهيب من الكباري، وإلغاء العديد من الميادين، واقتلاع الأشجار، وتصغير كل الرقعة الخضراء، جعل الحي يشبه التجمع الخامس، الذي لا يفترض في تصميمه وجود أشخاص يسيرون على أقدامهم.
تقليص الأرصفة والأشجار يؤثر بشكل أساسي على مستخدمي الحي والشوارع في التنقل سيرًا، ويرتفع بناء عليه سرعة الطريق، في مقابل انعدام الإشارات الضوئية وأماكن عبور المشاة، فلا يسمح للأشخاص التعامل بشكل آمن مع تلك التغييرات؛ إذن رفع درجات الطرق الداخلية في مدينة نصر ومصر الجديدة، تبعه تغيير لنوعية وجودة الحياة اليومية، التي قضت على ثقافة التنقل سيرًا وجعلت الشوارع غير مستأنسة، بعد وقوع العديد من حوادث السير أثناء محاولات عبور الطرق التي تم توسيعها، وحدوث العديد من الوفيات، ما جعل السكان يلجؤون لاستئجار المركبات (التاكسي وأوبر) فقط لعبور الطريق بشكل آمن بدلًا من المجازفة.
لمن الخير؟
إجمالًا؛ شق طريق لا يعني بالضرورة خيرًا للجميع، فهناك أثر اجتماعي كبير يختلف من شريحة طبقية واجتماعية لأخرى، يتعلق بنوع وجودة الحياة.
تغييرات الطرق بربطها بين المحافظات أو داخل المدن والأحياء، كما تم عرضه، سيؤدي إلى إقصاء شرائح طبقية بعينها عن مصادر رزقها، ولن يراعي غياب الحماية الاجتماعية عنهم كونهم يعملون في قطاعات غير رسمي، أما الشرائح الاجتماعية المهنية من الطبقات الوسطى، فتتأثر بتبعات عدة لمشروعات الطرق، تتمثل في تغيير مناحي الحياة بأحياء شرق القاهرة على نحو يؤثر على أنسنة الطرق وحجمها، ويقودها للتشبه بنموذج التجمع الخامس، وهو ليس مصممًا للاستعمال في المشي، ويعيبه الفروق الشاسعة بين حجم جسم الإنسان وحجم المباني، واتساع الطرق، وانعدام تصميم حركة المشاة في التصميم الحضري حول المنشآت.
هذا الاغتراب وآثاره الاجتماعية هو تكلفة عنيفة وغير محسوبة ولا يمكن حساب قدرة خسارتها من حيث إسهامها في تغيير المجتمع، بالإضافة إلى تدمير العديد من العلاقات والتواصل الاجتماعي ذو القيمة، تدمير القيمة الاجتماعية هو عنصر أيضًا غير محسوب ماديًا لكنه يؤثر على حياة السكان في المدينة.
فما تسميه الحكومة الحالية بـ"الإنجازات" هو كذلك، ولكن بالنسبة إلى شرائح اجتماعية بعينها، قادرة على التعايش مع سبل الحياة النيوليبرالية، المعتمدة في شكلها المديني على امتلاك السيارات وانعدام الدعم للخدمات العامة، وهي آثار اجتماعية وسياسية واقتصادية تؤول حاليًا لتغيير التركيبة المجتمعية والحياة في مصر والقاهرة، خصوصًا التي تتجلى فيها علاقات الرأسمالية بشكلها الشمولي الحالي.
هل يمكن أنسنة الطريق؟
أمنية خليل_
ترتبط الأجندة العمرانية للأعوام 2015-2020 (مدبولي والسيسي) بشكل وثيق بأجندة 2005-2010 (نظيف ومبارك)، ليست أكثر من امتداد لها، المختلف فقط أن بعض الخطط منذ عام 2008 كانت محض خيالات
السادس من أكتوبر: فوق المحور.. تحت المحور
أحمد البرديني_
لأن أكتوبر من المجتمعات القديمة نسبيًا، فإن أحياء مثل الشيخ زايد استفادت بشكل متراكم على مدار وقت طويل من طريق المحور، ما جعلها في الوقت الراهن شديدة الحياة بشكل أشبه بوسط البلد
قصة 30 كيلومترًا في "ميت برة" خارج "سيادة الدولة"
محمد الخولي_
رغم انتشار أعمدة الإنارة إلا أن أغلبها بدون إضاءة، وبالتالي يصبح الطريق مظلما عندما يحل المساء، باستثناء بعض الأعمدة عند مداخل القرى، ومعظمها أضيء بالجهود الذاتية للسكان.
طريق العاصمة الإدارية مفروش بالكباري
محمد الخولي_
بينما يجد العاملون في العاصمة الجديدة العديد من البدائل السريعة للوصول إلى أشغالهم، فإن من تتركز حياتهم في شرق القاهرة يخوضون رحلات يومية طويلة للتعايش مع التخطيط الجديد لشوارعهم.