عاد أعضاء مجلس النواب، أمس الأحد، من إجازتهم المعتادة حيث يعمل المجلس أسبوعين في الشهر، منتفضين بسبب إهانة المرأة. هذا الغضب لم يكن موجهًا إلى شاب الإسماعيلية الذي ضرب عروسه في طريق عام ثم خرج يتحدث إلى وسائل الإعلام عن ضرب النساء كحدث اعتيادي، بل إلى الكاتب الصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى الذي تحدث عن رؤية مغايرة للتفسيرات السائدة عن رحلة "الإسراء والمعراج"، وارتداء سيدات الصعيد للمايوهات.
ففي بداية الجلسة العامة، طالب نواب بوقف برنامج عيسى ومحاكمته، واتهموه بدعم أجندات خارجية، وهدم الثوابت الدينية، وإهانة نساء الصعيد وهدم القيم المجتمعية على خلفية حديثه في برنامجه عن أزياء النساء في فترة الستينيات وقوله "أؤكد ستجد صورة لوالدتك أو جدتك لابسة المايوه أو كات أو ميكروجيب، ولا كانت فاجرة ولا كافرة، ولا كل المصطلحات التي غرسوها من السبعينيات في ذهنك".
كانت بداية الهجوم من جانب النائب مصطفي بكري الذي قال "يعلم الله أن نساءنا كن مثالًا على القيم والأخلاق"، مطالبًا الدولة بمحاسبة عيسى "الذي دأب على تشويه القيم الدينية والأخلاقية".
نائب مستقبل وطن في سوهاج، مصطفي سالم وصف تصريحات عيسى بأنها "تثير الرأي العام وتمس الثوابت الدينية، كعادته يستمر في ذلك، لتكدير الأمن والسلم الاجتماعي"، متهمًا الإعلامي باتباع "أجندة خارجية" للنيل من البلاد.
فيما قال النائب أحمد خليل خير الله، ممثل الهيئة البرلمانية لحزب النور "نحن اليوم أمام مسؤولية تاريخية ليس للحفاظ على هذا الوطن ولكن الدين، هناك قلة مبتورة لأناس يظنون أن العبث بالثوابت والمعتقدات أمر سهل يسير"، وتسائل خير الله "أين مادة ازدراء الأديان، وضوابط الحرية المرتبطة بعدم تكدير السلم المجتمعي".
وأعلن أمين سر لجنة الشؤون الدينية، محمد أبو هاشم اتخاذ إجراءات رقابية ضد عيسى تتضمن طلبات إحاطة ومقترحات برغبة لمنعه وغيره من غير المتخصصين في الحديث في الشؤون الدينية.
أما رئيس لجنة حقوق الإنسان بالمجلس، طارق رضوان، فأصدر بيانًا أشاد فيه بقرار النائب العام باتخاذ إجراءات التحقيق في البلاغات المقدمة ضد عيسى. وأكد "ثقته التامة في قدرة القضاء المصري على القصاص من إبراهيم عيسى وتخاريفه وأكاذيبه وتشكيكه في ثوابت الدين الإسلامي الحنيف".
ملاحقات سابقة للفن والإبداع
لم يكن الهجوم على حديث عيسى الأول من نوعه، إذ اعتاد عدد من النواب، اتخاذ مواقف معادية لحرية الرأي والتعبير. وكان النائب "المستقل" مصطفي بكري، عاملًا مشتركًا في عدد من المواقف التي بدأت منذ الفصل التشريعي السابق في برلمان 2016، الذي هاجم فيه عيسى بعد كتابته مقالًا ينتقد البرلمان في جريدة المقال، بخلاف تبنيه هجومًا على البرنامج الساخر أبلة فاهيتا بعد سخريته من البرلمان أيضًا، وأدى الهجوم حينها لوقف البرنامج قبل عرضه مرة أخرى في 2020.
ظل بكري يمارس دوره المعتاد في الهجوم على كتاب أو مبدعين وفنانين، وانضم له النائب أحمد خليل خير الله ممثل حزب النور في الفصلين التشريعيين السابق والحالي.
كان فيلم أصحاب ولا أعز الذي أنتجته وعرضته منصة نتفليكس، أحدث الأعمال الفنية التي لاقت هجومًا شديدًا من النواب؛ فتقدم خير الله ببيان عاجل ضد الفيلم الذي اعتبره يتنافى مع "قيم المجتمع المصري"، وطالب النائب العام بتحريك دعوى ضد المشاركين المصريين في الفيلم بتهمة "التحريض على الفسق". ودعا إلى حجب نتفليكس من مصر.
الموقف نفسه اتخذه النائب مصطفي بكري، وتقدم ببيان عاجل عقب عرض الفيلم، معتبرًا إياه يهدم "الثوابت والقيم الأسرية"، ووجه خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب انتقادات للمنتج محمد حفظي، الذي اتهمه بالعمل على إنتاج هذه النوعية من الأفلام التي تصور مصر بطريقة مغايرة، مشيرًا إلى فيلم ريش الذي اعتبره يصور مصر في حالة فقر مدقع.
من مداخلة بكري مع أديب
الاتجاه نفسه عبّر عنه النائب محمود قاسم الذي دعا في بيان عاجل لمنع عرض الفيلم، فيما كان النائب أحمد مهني صاحب أول تحرك برلماني ضد ريش من خلال طلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزيرة الثقافة، معتبرًا الفيلم مسيئًا لمصر ولا يقدم صورة حقيقية.
في مقابل انتفاضة النواب ضد برامج تليفزيونية وأعمال فنية، استمرت حالة الصمت إزاء جرائم العنف المتكررة التي تتعرض لها النساء، لاسيما العنف الأسري، مع استمرار تجاهل البرلمان على مدار الفصل التشريعي السابق والحالي مشروعات القوانين الخاصة بتجريم العنف ضد المرأة، وعدم طرحها للنقاش في اللجان النوعية.
كانت تصريحات عيسى التي أثارت غضب النواب، متزامنة مع واقعة الاعتداء على عروس في الإسماعيلية من زوجها قبيل الزفاف، ورغم ذلك لم يتحرك برلماني للحديث عن حقوق المرأة أو القيم الأسرية أو صورة مصر، أو نساء ورجال الصعيد خاصة بعد تصريح مصوّر للزوج الذي اعتبر أن ضرب الزوجات ونساء الأسرة "عادي" في الصعيد.
يأتي هذا الصمت البرلماني مع صمت موازٍ في أروقة الحكومة، التي تتجاهل منذ سنوات تحريك مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة، الذي أعلن المجلس القومي للمرأة إعداده بناء على تكليف من مجلس الوزراء، وتسليم مسودة نهائية لمشروع القانون لمجلس الوزراء في 2018، بحسب الموقع الرسمي للمجلس القومي للمرأة، هذا في الوقت الذي تقر فيه أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تعرض نحو 42% من النساء للعنف على يد أزواجهن.
قوانين في الأدراج
لم يكن تجاهل تشريع قانون يجرم العنف ضد النساء من جانب الحكومة فقط، بل امتد إلى مجلس النواب، رغم وجود محاولات نيابية لتجريم العنف الأسري، وكافة أشكال العنف ضد النساء، فرغم تقدم النائبة سولاف درويش بمشروع قانون موحد لمكافحة العنف ضد المرأة، منذ 2017، لم يطرح مشروع القانون للنقاش في اللجان النوعية حتى الآن، رغم إعادة النائبة تقديمها مشروع القانون مع كل دور انعقاد جديد، إلا أنه يظل حبيس الأدراج. كانت درويش طرحت في مشروعها رؤية للتعامل مع كافة أشكال العنف، وأوضحت في المذكرة التفسيرية أن رغم الانتباه المتزايد لحقوق المرأة لم يحدث تقدم يذكر في الخد من جرائم العنف ضد المرأة، ولم يوضع أولوية.
الأمر نفسه تكرر مع مشروع القانون المقدم من النائبة أمل سلامة التي قدمت في يناير/ كانون الثاني العام الماضي، تعديلات على قانون العقوبات، تتعامل بشكل خاص مع العنف الأسري، ولم ينظر في اللجان النوعية للمجلس.
وأعادت سلامة التقدم به مرة أخرى في فبراير/ شباط 2022، على أمل مناقشته في دور الانعقاد الحالي. وتستهدف سلامة تعديل المادة 242 من قانون العقوبات، بحيث تزيد العقوبة السجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات إذا كان الضرب أو الجرح من الزوج إلى الزوجة أو من الزوجة للزوج باستعمال أية أسلحة أو عصى أو أدوات أخرى، ونشأ عن ذلك عجز عن العمل مدة تزيد عن 20 يومًا، وتزيد العقوبة إلى خمس سنوات سجنًا في التربص أو الاستعانة بآخرين من ذويه، ونشأ عن الضرب عجزًا عن العمل مدة تزيد على 20 يومًا.
يبقى مشروع سلامة أملًا جديدًا لمحاولة تجريم العنف الأسري في مصر، بعد إحالته من جديد للجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، لكن تحريكه خارج أدراج اللجنة وبدء مناقشته يتطلب إرادة سياسية ونواب يدركون ضرورة التصدي التشريعي لهذه الجريمة وتأثيرها على المجتمع الذين يخشون على ثوابته وقيمه.