"أنا بكره الساينس وبكره رابعة إبتدائي"، بهذه العبارة عبرت ريتال أحمد عن الضغط النفسي الذي تعيشه منذ بدء العام الدراسي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ريتال، ذات التسع سنوات، دوّنت في كتاب العلوم مأساتها مع الصف الرابع، الذي تكررت الشكاوى منه من جانب التلاميذ وأولياء الأمور والمدرسين، فتراجع الحديث عن الثانوية العامة ومشكلاتها، وتصدرت مشاكل الصف الرابع، وتقدم أعضاء مجلس النواب بطلبات إحاطة بسبب صعوبة المناهج، وتخلف الوزير عن اجتماعات لجنة التعليم والبحث العلمي، بمجلس النواب، التي وضعت على جدولها مناقشة هذه الأزمة.
"أنا بحب الساينس بس المنهج صعب عليَّ أحفظه، أنا مش قصدي إني بكره الساينس، أنا نفسي أكون عالمة"، قالت ريتال التي تدرس في إحدى مدارس اللغات الخاصة، وتحلم أن تكون "مخترعة" لكنها تحلم أيضًا بمساحة من الوقت لكي تتنفس وتلعب بعيدًا عن الكتب المتخمة بالمعلومات أو الضغوط المفروضة عليها من المدرسين، لتحفظ هذا الكم من المعلومات في المناهج الجديدة تحت مسمى تطوير التعليم.
دوّنت ريتال بقلمها في كتاب العلوم "حياتي اليومية: الصلاة، المذاكرة، الطعام، الشراب، أنا بكره طارق شوقي". ولكن ريتال ليست الوحيدة التي حولتها المناهج والضغوط لآلة تحرمها من حقها في اللعب. والدة يحيى الطالب بإحدى المدارس التجريبي تحكي عن إلغاء كافة التمارين والتفرغ الكامل للمذاكرة لمنهج سنة رابعة "بطلنا نروح تمارين وبطلنا كل الأنشطة بنذاكر ونحل الواجبات بس".
أساليب قديمة
ريم صبحي، الأم التي تعمل صيدلانية تعيد شرح الدروس لريتال مرة أخرى بعد عودتها من المدرسة، تذاكر ريتال وتحفظ المناهج الجديدة تحت إشراف والدتها. ورغم الصعوبات التي تواجه الأم والطفلة مع المناهج الجديدة، تقول ريم للمنصة "لم يكن عندي أزمة في المصطلحات ولا تعقيد المناهج في العلوم أو الرياضيات، لكن لا أعرف هل ده بسبب تخصصي أم لا، لكن اعتراضي على الكم الكبير في المنهج، المقرر في الفصل الدراسي الواحد يكفي لعام كامل".
لا تعرف ريم مدى تدريب المدرسين على المناهج الجديدة، أو على الطرق المستحدثة في الأسئلة التي تتواكب مع النظام الجديد الذي وضعته وزارة التربية والتعليم منذ أربع سنوات ويبدأ أبناء الصف الرابع في جني ثماره في أول اختبارات نظامية تتم تحت إشراف الوزارة تحت مظلة الإدارات التعليمية.
لكن وفقًا لريم، المشكلة أن المدرسين تعاملوا بنفس الأساليب القديمة مع المناهج الجديدة "كلنا كنا نتعامل الطريقة القديمة والحفظ للنصوص والمواد كلها، ولكن فوجئنا بالأسئلة على بنك المعرفة لا تعتمد على الحفظ"، تستطرد ريم "من بداية السنة نحفظ العلوم والدراسات ونصوص اللغة العربية واكتشفنا إن كل ده جهد ضائع".
لم يكن مستغربًا أن يتعامل المدرسون وفق الأساليب القديمة في الحفظ والتلقين، إذ لم يبدأ تدريبهم على طرق التدريس الحديثة للمناهج إلا بعد بداية العام الدراسي بأكثر من شهر، وهو ما يتوقع ألا يجني ثماره قبل الترم الثاني.
وبشأن حرص الأم على تحفيظ طفلتها للمناهج وعدم الالتفات لتصريحات الوزير التي أكد فيها أن المناهج الجديدة وطريقة الامتحانات تقيس مستوى الفهم، قالت ريم "الكلام حاجة والتنفيذ حاجة. أستفيد إيه لو طلع إنها كان لازم تحفظ؟"، وتشير إلى الكتب الخارجية التي كانت تتبع نفس الأساليب القديمة في التدريب على الأسئلة والإجابات "الكتب الخارجية كلها مصرح بها من الوزارة كل الأسئلة فيها كان مطلوب منها حفظ، كله كان شغال بالطريقة القديمة".
وتلفت ريم النظر إلى إهمال المدارس لمناهج الوزارة خاصة كتاب "اكتشف" على مدار السنوات الثلاث السابقة "إهمال المدارس لكتب الوزارة السنوات الماضية أثر على التراكم في المعارف المفروض ترابطها خصوصًا كتاب اكتشف" وهو الكتاب الذي يتضمن معلومات خلال الصف الأول والثاني والثالث الابتدائي، ويستكملها التلاميذ فيما بعد من خلال مناهج العلوم والدراسات الاجتماعية.
ومع تجربة الامتحان الذي خاضته ريتال ضمن 2.6 مليون طفل مقيد في الصف الرابع الابتدائي، تتوقع ريم أن تغير من أسلوبها في المذاكرة مع طفلتها "مش هضغط عليها في الحفظ على قد ما أهتم إنها تكون فاهمة"، الامتحانات التي أداها الطلاب في المدارس وضعتها الإدارات التعليمية، وكانت تتضمن أسئلة الصواب والخطأ واختيارات من متعدد.
تعرضت ريتال وزملاؤها لضغوط شديدة على مدار الشهرين الماضيين "كنا في ضغط كبير، اليوم كله مذاكرة وحل واجبات، وفي نهاية الأسبوع نأخذ يومين الإجازة في مراجعة ومذاكرة المادة التي تعلمناها"، وتستطرد ريم "كنا في ضغط طول الوقت وعلى طول بقول عايزين نلحق، كلمة عايزين نلحق كنا بنقولها طول الوقت لأن الكم كبير جدً".
كانت ريتال بدأت تمارين في لعبة الكاراتيه خلال إجازة الصيف، ولكنها توقفت بعد بدء العام الدراسي للتفرغ لمناهج سنة رابعة "كان نفسها تكمل بس ما فيش وقت علشان الكم الكبير ، علشان نلحق نذاكر" تعلق ريم.
تنفي ريتال كرهها للمدرسة، ولكنها تؤكد رفضها للحفظ والمنهج الحالي "أنا مش بكره المدرسة أنا حاسة إن المنهج صعب عليَّ، أكتر حاجة حاسة إنها صعبة الساينس مش قادرة أحفظه أنا فاهمة بس مش عارفة أحفظ "، توضح ريتال أن والدتها كانت تطلب منها حفظ المعلومات الورادة في منهج العلوم، لكنها تلفت إلى أن "الامتحان كان بيسأل أسئلة مش حفظ خالص كان سهل جدًا".
من مناهج الصف الرابع الابتدائي
ولكن، لم تكن الأم فقط هي من تطلب من ريتال الحفظ "في العربي طلبوا مننا نحفظ النشيد بس الامتحان سألنا بس على معاني كلمات العربي، كنا نقرأ القطعة ونشوف معاني الكلمات اللي فيها، حسيت إن الامتحان أسهل من الحاجات اللي بذاكرها".
تعود ريتال للحديث عن حلمها مرة أخرى "أنا بحب الساينس ونفسي أطلع عالمة اختراعات، من الحاجات اللي نفسي فيها أوي إني أطلع عالمة".
"الوزير نجح والمدارس فشلت"
بعد خوض نجلها تجربة امتحانات الصف الرابع، علقت منى محمد والدة أحد التلاميذ في مدرسة بحي الهرم "الوزير نجح والمدارس فشلت"، تحدثت منى مع المنصة عن أن تجربة الامتحانات بوضعها الحالي يثبت صحة رؤية الوزير بعدم وجود صعوبة في المناهج.
لكن تتوقف منى كثيرًا أمام أداء المدارس "من شهرين ونصف ولادنا بيحفظوا، بيحفظوا بس وبيحلوا الأسئلة بنفس الطريقة القديمة. احنا ضغطنا ولادنا والمدارس ضغطتهم وضغطونا في بيوتنا، والموضوع ما يستاهلش كل التعب ده، اللي حفظ زي اللي ما حفظش واللي ذاكر زي اللي ما ذاكرش. ده امتحان تافه وسهل أي حد يحل".
تربط كاريمان أحمد، مدرسة لغة عربية في إحدى المدارس الحكومية بالقاهرة، بين حالة الارتباك التي شهدها العام الدراسي للصف الرابع، والضغط الذي تعرض له الطلاب وأولياء الأمور والمدرسين، تشير كاريمان إلى تأخر استلام الكتب في كل المدارس الاعتماد على الكتب الخارجية.
تعتمد كاريمان على كتاب خارجي في شرح وتمرين تلاميذ مدرستها، لكنها لم تشارك في أي دورت تأهيلية "أنا ما شاركتش في تدريب معلمين بس كان بيجي للمدرسة نشرات من التوجيه بنمشي عليها، والكتب وصلت المدارس متأخر ".
وتعترف مدرسة اللغة العربية بالعمل بنفس طريقة التحفيظ "احنا فعلًا اشتغلنا تحفيظ النصوص والمرادفات زي ما بنعمل كل سنة، ماحدش قالنا نعمل إيه، بس بعد كده وقبل الامتحانات بوقت قليل فوجئنا ببنك الأسئلة وإرشادات التوجيه إن الامتحانات من قراءات ونصوص خارج المنهج، فملحقناش ندرب ولادنا على الشغل ده".
تعتقد كاريمان أن بداية العام الدراسي الحالي كانت الأصعب، والفترة المقبلة ستكون أسهل في المدارس والبيوت "احنا كلنا كنا مشدودين ومافيش حد فهّمنا حاجة ومافيش خبرة، بس بعد ما شفنا الامتحانات الوضع هيكون أسهل علىينا وعلى الطلبة وأهاليهم".
"نجاح وهمي"
استشارية النظم التعليمية، الدكتورة مي عطية، أشارت خلال حديثها مع المنصة إلى عدد من المخاوف من منظومة المناهج الجديدة والطريقة التي يتم التعامل بها مع التلاميذ في مرحلة التعليم الأساسي وفي الثانوية العامة "صعبان عليَّ اللي بيحصل، خائفة على الجيل اللي طالع".
العقبات التي جعلت من الصف الرابع الابتدائي أزمة تكاد تعادل الثانوية العامة، بحسب عطية، ترجع إلى تغيب التلاميذ معظم العامين الماضيين بسبب تفشي وباء كورونا "انتقلنا بهذه الدفعة من الصف الثاني للثالث خلال سنتين، لم يذهب التلاميذ خلالهما بانتظام للمدارس، وكان الاعتماد كان على المنصات التعليمية وأولياء الأمور والمدرسين الخصوصيين". وتستطرد "كان مفروض يتم تقييم التجربة وإجراء اختبار تجريبي قبل البدء في مناهج الصف الرابع، أنا عملت لقاءات مع بعض أولياء الأمور وتوجد لدى هؤلاء الأطفال مشاكل في القراءة والكتابة والأسس ومفاتيح التعلم".
تعتقد عطية أن الحلول كانت متاحة للوزارة لإزاحة بعض المقررات الدراسية وتأجيلها لهذه الدفعة "في حلول مفروض تتعمل بعد وجود فجوة عامين لا بد من عمل ملخص للسنوات السابقة وتدريسه في الفصل الدراسي الأول، ونبدأ استكمال الجزء الخاص بالصف الرابع في الفصل الدراسي الثاني، هذا نوع من الإزاحة لتحقيق الأهداف من التعلم".
أما من حيث الحجم فترى عطية أن "حجم الكتاب كارثة، حجم الكتاب مضاعف والصفحة مافيش غير كلمتين تلاتة هذا هدر أوراق، توجد معايير وأسس تحدد نوع الخط وحجمه، والمساحات الفارغة دون الإخلال بالمعايير الأساسية، لكن لما تفتحي الكتاب كمية فراغات بلا معنى".
وتفند عطية طرق وأساليب الامتحانات ومخرجات ونواتج التعلم التي يتحدث عنها الوزير، مقللة من قيمة حديث وزير التربية والتعليم عن قياس الفهم فقط "ما ينفعش تعلم من غير حفظ، لأن مرحلة البناء بيكون فيها جزء من الحفظ لمفاتيح التعلم".
وتعليقًا على شكل الامتحان الحالي الذي جاء في صورة أسئلة الصواب والخطأ والاختيارات، قالت عطية "شكل الامتحان الحالي يعبر عما تعلمه وحفظه أيضًا ولكنه لم يقس لنا نواتج هذا التعلم على المستوى اللغوي أو التفكير المنطقي"، معترضة على إلغاء الأسئلة المقالية التي تبين فهم الطالب وتصوراته للأشياء، وقدرته على التعبير واستخدام اللغة.
"التعلم هو ربط المعلومات التي اكتسبها التلميذ واسترجاعها وإنتاجها بشكل مختلف، وهذا لم يحدث مع الصف الرابع، الفرق بين الآلة والإنسان الربط بين المعلومات"، تقول عطية، ثم تضيف "ما حدث في تجربة الامتحانات وسهولتها والمؤشرات التي ستبين نجاح المنظومة ما هو إلا نجاح وهمي، إيدي على قلبي للجيل المقبل".
تعتبر عطية أن الامتحانات والمناهج أغفلت أسس التكامل بين الأدوات المختلفة للتعلم "في مراحل التعلم والامتحانات لا بد من المزج بين طرق الأسئلة المختلفة، والدمج بين أدوات التعلم المختلفة، الأسئلة التفسيرية تخلق لدى الطالب مساحة للخيال والتفكير
وتربط عطية، التي تعمل أيضًا استشارية الإدارة بوزارة التربية والتعليم، كل هذه المشكلات بمنظومة التعليم في مصر ومنها عجز المعلمين "عندي عجز 350 الف مدرس في التخصصات الأساسية"، في استراتيجة 2030 وضعنا مخطط لمعالجة كل مشكلات المنظومة سواء البنية التحتية والأبنية التعليمية، أو نظم وتكنولوجيا المعلومات المستخدمة، أو عجز المدرسين، بخلاف المناهج، وتختتم "لكن الوزير لا يتبع الاستراتيجية".
"المنظومة نجحت"
على الجانب الآخر تعتبر وزارة التربية والتعليم سهولة امتحانات ديسمبر/ كانون الأول وقدرة الأطفال على التعامل مع الأسئلة دون شكوى، بمثابة إنجاز ونجاح لفكر طارق شوقي ومعاونيه، لإسكات أولياء الأمور الذين لا يكفون عن التحدث على وسائل التواصل الاجتماعي "طلعت وجهة نظرنا صح وقلنا للناس تستنى الامتحانات"، بحسب مصدر في وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، تحدث للمنصة شريطة عدم نشر اسمه.
وأضاف المصدر "أكدنا من البداية أن اختلاط الأمر على بعض أولياء الأمور واعتقادهم بأن مناهج الصف الرابع الابتدائي كبيرة، غير صحيح، المناهج الجديدة لها فلسفة مختلفة وتوجد بها مساحات من الأنشطة التي ينفذها الطفل، وطالبنا بأن نترك الطلاب يستمتعوا بالعملية التعليمية لأنها جوهر عملية تطوير التعليم القائم على الإبداع".
وتعتبر الوزارة بعد انتهاء امتحانات الصف الرابع ومؤشرات التفوق التي حققها الطلاب في اختبارات ديسمبر، وسيبدأ بعض الأهالي والمدرسين إعادة النظر في أسلوب التدريس والمذاكرة المعتمد على الحفظ.
ودافع المصدر عن الوزارة مؤكدًا تدريب المدرسين على التعامل مع المناهج الجديدة، وقال "الوزارة دربت أغلبية المدرسين نحو 99% من المدرسين تلقوا تدريبات التدريس وفق المناهج الجديدة".
فيما ترى الدكتورة مي عطية، أن حلم ريتال وزملائها سيظل معلقًا على المناهج الجديدة، التي يروج لها وزير التربية والتعليم باعتبارها المنقذ لمنظومة تراجعت وخرجت من التصنيف العالمي، وسيبقى الأطفال محاصرون بضغوط الأسرة والمدرسة، لحين الوصول لحلول لكافة العقابات التي تواجه التعليم في مصر.
وبينما تدور هذه المعركة حول المناهج التعليمية، ما زالت ريتال تنظر بشغف إلى حلمها بأن تصير مخترعة يومًا ما، وتأمل ألا تكون المناهج الصعبة عائقًا في طريقها.