بعد أكثر من عام على تشكيل البرلمان المصري الجديد بغرفتيه الشيوخ والنواب، تبدأ محكمة شمال الجيزة الابتدائية في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، نظر نزاع قضائي يعيد إلى الواجهة طريقة اختيار الأحزاب المحسوبة على الدولة مرشحيها ضمن "القائمة الوطنية في حب مصر"، ويكشف كيف لعب "المال" دورا هامًا ومؤثرًا في تشكيلها.
ففي دعوى قضائية أقامها أمام محكمة شمال الجيزة الابتدائية، يطالب مصطفى أبو فخرة الأمين العام السابق لحزب الوفد بمحافظة بني سويف، بإلزام كل من رئيس الحزب بهاء الدين أبو شقة، والمدير المالي للحزب أيمن محمد سيد، برد مبلغ 1.25 مليون جنيه كان دفعها مقابل ترشيحه على القائمة الوطنية التي خاضت انتخابات الشيوخ كممثل للحزب.
وروى أبو فخرة للمنصة التفاصيل السابقة على إبرام الاتفاق المذكور وسداده لذلك المبلغ، مؤكدًا أنه كان يشغل موقع أمين عام الحزب بمحافظة بني سويف، وأنه في أثناء الاستعدادات السابقة على خوض الحزب للانتخابات، أرسل له رئيس الحزب خطابًا يطالبه فيه بترشيح أسماء لتمثيل الحزب في انتخابات مجلس الشيوخ عن محافظة بني سويف لضمها للقائمة الوطنية للأحزاب.
وأوضح أنه رد على ذلك الخطاب بآخر رشّح فيه نفسه بالإضافة إلى اسم أمينة المرأة بالحزب عن محافظة بني سويف، مشددًا على أنهما يحظيان بالتواجد السياسي والخدمي بالمحافظة، وسبق لهما تقديم مساعدات لمتضرري السيول التي ضربت قرى ظهير الطريق الصحرواي الشرقي خلال العام الماضي، وكذلك الحال بالنسبة لأزمة انتشار فيروس كورونا، حيث نظما حملات باسم الحزب ووزعوا خلالها أدوات التعقيم والمطهرات على المواطنين بمحافظة بني سويف والمراكز التابعة لها.
بعت أرضي واستندت
وبحسب أوراق قدمها أبو فخرة في دعواه التي حملت رقم 3437 لسنة 2021 مدني شمال الجيزة، جرى اتفاق، بعلم قيادات الحزب، على أن يسترد المبلغ الذي دفعه كاملًا في حالة عدم تمثيله في القائمة عن حزب الوفد، وبناء عليه قام بسداد المبلغ المذكور على أربع دفعات أولها كان في 4 يناير/كانون الثاني 2020 وفيه سدد مبلغ مائة ألف جنيه مصري، وتلى ذلك سداده مبلغ مائة وخمسون ألف جنيه بتاريخ 14 من الشهر نفسه، وفي 15 فبراير/ شباط 2020 سدد خمسمائة ألف جنيه مصري، فيما سدد الدفعة الأخيرة بواقع خمسمائة ألف جنيه أخرى بتاريخ 15 مارس/ أذار 2020.
وقال أبو فخرة للمنصة إن المبلغ الذي سدده للحزب، يمثل بعضه مقابل بيع أراضٍ مملوكة له بمحافظة بني سويف، فيما يمثل بعضه الآخر مجموعة من الأمانات التي يودعها أبناء الدائرة لديه، وأنه سدده بناء على اتصال شخصي من مسؤولي الحزب الذين أبلغوه باحتياج الحزب الشديد للمبلغ لمروره بضائقة مالية في تلك الأثناء تسببت في عدم صرف رواتب الموظفين، مستطردًا "كان من الممكن أن أُجيبهم أنني سأنتظر إدراج اسمي في القائمة أولًا، وأضع ذلك شرطًا مسبقًا على سداد المبلغ، لكنني تعاملت من موقع المسؤول بالحزب".
وتشير الدعوى إلى أن هذه المبالغ دخلت إلى خزينة الحزب على سبيل التبرع، وعندما اعترض أبو فخرة على ذكر كلمة تبرع دون ذكر الغرض منه، والمرتبط بالسماح له بالترشح ضمن القائمة الوطنية بانتخابات مجلس الشيوخ، برر له المدير المالي للحزب الأمر على أن تلك نماذج الإيصالات الوحيدة الموجودة لديهم، وأن المبلغ سيرد له كاملًا في حالة عدم تمثيله في القائمة عن حزب الوفد.
لكن "القائمة الوطنية" خرجت، قبل انتخابات الشيوخ التي أجريت في أغسطس/ آب 2020، دون اسم أبو فخرة، فسأل أبو شقة عن الأمر فبادر الأخير بالاعتذار إليه وطلب منه تأجيل الاتفاق إلى التمثيل في انتخابات مجلس النواب، وجرى ذلك الاتفاق الثاني، بعلم معظم قيادات وأعضاء الهيئة العليا للحزب، وهم وفقًا للدعوى: حاتم رسلان المحامي وعضو اللجنة العليا ورئيس الحزب بمحافظة المنيا، وطارق سباق عضو الهيئة العليا وعضو المجلس الشعبي السابق، وياسر الهضيبي عضو مجلس الشيوخ وعضو الهيئة العليا للحزب، وسفير نور، عضو الهيئة العليا، وقيادات حزبية أخرى.
وبعد أن تم إلغاء مجلس الشورى المصري والمعروف حاليًا باسم مجلس الشيوخ بموجب الدستور الصادر في عام 2014، أعادته التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها في استفتاء عام 2019، وأجريت انتخابات أعضائه في أغسطس 2020 قبل أن يعقد أول جلساته في أكتوبر من العام ذاته.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في 19 أغسطس 2020 فوز مرشحي "القائمة الوطنية من أجل مصر" في مختلف دوائر الجمهورية الأربعة وهي الدائرة الأولى ومقرها مديرية أمن القاهرة، والدائرة الثانية ومقرها مديرية أمن الجيزة، والدائرة الثالثة ومقرها مديرية أمن الشرقية، والدائرة الرابعة ومقرها مديرية أمن الإسكندرية، وذلك لترشحها منفردة على مقاعد القوائم بتلك الانتخابات وحصولها على نسبة تجاوزت 5% من الناخبين المقيدين بكل دائرة طبقاً للمادة 25 من القانون رقم 141 لسنة 2020 بإصدار قانون مجلس الشيوخ، وخلال تلك الانتخابات كشفت أصوات حزبية أن حزب مستقبل وطن، الذي هيمن على انتخابات البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، بات يعرض الانضمام إلى القائمة "لمن يدفع أكثر"، حد أن السفير محمد مرسي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، كتب على فيسبوك أن كوتة الانضمام لتلك القائمة بلغت قيمتها ستة ملايين جنيه في بعض الدوائر.
وقبل انطلاق انتخابات مجلس النواب في أكتوبر من العام الماضي، خرجت القائمة المرشحة لخوضها أيضًا دون اسم عضو حزب الوفد، وإزاء عدم تنفيذ الاتفاق سواء في انتخابات مجلس الشيوخ أو النواب، طالب أبو فخرة، أبو شقة برد مبلغ الـ1.25 مليون جنيه كاملًا، غير أن الأخير تهرب من دفع المبلغ بتحديد أكثر من ميعاد والاعتذار عنهم في أكثر من مرة.
وأبدى أبو فخرة تعجبه الشديد من عدم التزام رئيس الحزب باتفاقه معه رغم تنظيمه وتبنيه للمبادرات السابقة باسم الحزب، خاصة وإنه بحسب قوله، سبق انتخابه عضوا في مجلس الشعب عام 2005 وكان وقتها مرشحًا مستقلًا، وانضم للحزب الوطني المنحل عقب نجاحه في الانتخابات ضمن مجموعة النواب المستقلين الذين انضموا له عقب نجاحهم آنذاك، ومن ثم فلا سبيل لوجود اعتراضات من أي جهة يمكن القول بأنها حالت بينه وبين إدراج اسمه في القائمة الوطنية.
وردًا على سؤال المنصة حول عدم ترشحه بصفة مستقل عن دائرته بعد علمه بعدم ضمه للقائمة سواء في انتخابات مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، قال أبو فخرة إن ذلك كان ممكنًا بالفعل، غير أنه وفي أعقاب استخراجه لكافة المستندات الرسمية اللازمة للترشح سلًّم جميع أصولها للحزب أملًا في انضمامه إلى القائمة الوطنية، وكان من المستحيل أن يستخرج كافة المستندات اللازمة في غضون 48 ساعة سابقة على غلق باب الترشح، وبالتالي "استبعدني الحزب من الترشح ضمن القائمة الوطنية، وضيّع عليّ فرصة الترشح كمستقل في دائرتي التي لا ينافسني فيها أحد بصفتي نائب رئيس منسق عام القبائل العربية، ورئيس مجلس إدارة مركز شباب الفشن لسنوات طويلة".
وأوردت الدعوى أن أبو فخرة عقب فشله في استعادة المبلغ بالطرق الودية، حرر محضرًا رقم 1813 لسنة 2021 إداري الفشن، وتولت النيابة التحقيق فيه بتاريخ 2 سبتمبر/ أيلول 2021، ضد أبو شقة يتهمه فيه بالاستيلاء على أمواله دون وجه حق، حيث لم يرد هذه الأموال حتى الآن، علمًا بأن أبو فخرة أنذره بصفته رئيس الحزب هو ومديره المالي بتاريخ 4 أكتوبر الماضي، لرد ذلك المبلغ المنوه عنه ورد الفوائد والأرباح اعتبارًا من ذلك التاريخ وأمهلهما أسبوعًا لذلك، لكن دون جدوى.
وأكدت الدعوى أنه يمكن التحقق مما ورد فيها، من خلال مراجعة القوائم المالية للحزب لعام 2020، التي ستبين أن هناك أموالًا دخلت خزينته تحت مسمى تبرعات تعهدات انتخابات الشورى، وتبرعات تعهدات انتخابات النواب.
واستندت الدعوى في تأسيسها القانوني لطلباتها إلى نصوص القانون المدني، خاصة المادة 185 والتي تنص على أنه "إذا كان من تسلم غير المستحق حسن النية فلا يلتزم أن يرد إلا ما تسلم، أما إذا كان سيئ النية فإنه يلتزم بأن يرد أيضًا الفوائد والأرباح التي جناها أو التي قصر في جنيها من الشيء الذي تسلمه بغیر حق، وذلك من يوم الوفاء أو من اليوم الذي أصبح فيه سيئ النية، وعلى أي حال يلتزم من تسلم غير المستحق برد الفوائد والثمرات من يوم رفع الدعوى".
وحول إجراءاته القانونية، أوضح أنه تقدم ببلاغ للنائب العام المستشار حمادة الصاوي، الذي قرر إحالته للتحقيق بنيابة الفشن للاختصاص المكاني، وتم سماع أقواله فيه أمام نيابة الفشن، لافتًا إلى أنه قدم جيمع الإيصالات والأوراق التي تثبت حقه، قائلًا "حضر معي مجموعة من الشهود وهم قيادات وأعضاء بالحزب بشمال الصعيد، وأقروا في التحقيقات بأنهم حضروا واقعة سدد المبلغ للمدير المالي للحزب، كما أقرّوا بأنني سددت هذا المبلغ نظير تمثيلي في القائمة الوطنية في انتخابات مجلس الشيوخ أو مجلس النواب".
طريقة إدارة
المحامي والخبير القانوني عصام الإسلامبولي، ووكيل أبو فخرة في الدعوى، قال للمنصة إن دفع الأموال مقابل الترشيح كان شائعا خلال فترة الإعداد لانتخابات مجلسي الشيوخ والنواب الأخيرة لا سيما في القوائم الانتخابية، مؤكدًا أنه قبل ظهور ما يسمى بالقائمة الوطنية للأحزاب، انتشرت معلومات تشير إلى أن أغلب الأحزاب والقوى السياسية التي كانت ممثلة في القائمة كانت تحصل أموالًا وإتاوات، على حد وصفه، مقابل السماح بإدراج اسم المرشح بالقائمة.
وردًا على ما قد يثار في مواجهة تلك الاتهامات بشأن جواز قبول الأحزاب السياسية للتبرعات، وأن هذا الأمر غير مجرم قانونًا، قال الإسلامبولي إن تلك الأموال كانت تُحصّل بالفعل على أنها تبرعات، بيد أنها في حقيقتها لا تعد تبرعات ودليل هذا أنها كانت تسدد كمقابل لإدراج اسم المرشح ضمن القائمة الانتخابية المضمون فوزها بالمقاعد الانتخابية، وبالتالي ففي حالة عدم إدراج اسم مسدد المبلغ بالقائمة ينبغي إرجاع أمواله إليه.
موضحًا أن نيابة الفشن قررت مؤخرًا نقل التحقيقات في الحضر إلى نيابة الدقي بالجيزة التابع لها المحل المكاني لحزب الوفد، لسماع أقوال كلًا من رئيس الحزب والمدير المالي، وحضر بالفعل محام عنهم وأنكر اتهامات النصب المنسوبة إليهم وقرر في التحقيقات بأن هذه الأموال سددت على أساس أنها تبرعات للحزب.
وأكد الاسلامبولي أنهم قرروا إقامة الدعوى المدنية الواردة بالتقرير أمام محكمة شمال الجيزة الابتدائية، بعيدًا عن التحقيقات التي تجريها نيابة الدقي في الواقعة، التي من المرجح أن يستغرق التحقيق فيها وقتًا طويلًا، ومن ثم فكان قرار اللجوء للدعوى بهدف سرعة استرداد المبلغ.
تجدر الإشارة إلى أن المنصة تواصلت مع المستشار بهاء أبو شقة، رئيس حزب الوفد للرد على ما جاء بهذا التقرير، لكنه أكد عدم رغبته في التعليق على الدعوى أو الوقائع الواردة فيها، مؤكدًا أنه سيرد على كل هذه الوقائع أمام المحكمة.