لا يمانع اليوتيوبر محمد أشرف صاحب قناة صفر على اليمين المتخصصة في طرق ربح المال من الإنترنت مبدئيًا من خضوعه لضريبة الدخل، على خلفية مطالبة مصلحة الضرائب لصناع المحتوى على الإنترنت بتسجيل نشاطهم للمحاسبة على ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة، ولكنه يتساءل في الوقت نفسه عن أسباب عدم اعتراف الدولة بعمله في وثائقها الرسمية.
وبينما بات أشرف ملزمًا بأن يفتح ملفًا ضريبيًا ويسدد ضرائب على أرباحه من قناة يوتيوب التي يبث منها ما ينتجه من فيديوهات، فإنه ما زال غير قادر على إثبات وظيفة "صانع محتوى" في بطاقته الشخصية، كونها غير مدرجة في سجلات مصلحة الأحوال المدنية، وبالتالي فإنه لا يستطيع التمتع بأيٍّ من المزايا التي قد يوفرها له هذا الإثبات.
وفتحت مطالبة مصلحة الضرائب التي تفاعل معها أكثر من 17 ألف مستخدم على فيسبوك، عاصفة من الاعتراضات من العاملين في هذا النشاط، بينما رأى خبراء اقتصاديون أن حصيلة الضرائب في مصر محدودة للغاية، وأن مساعي الحكومة لتعزيزها "أمر إيجابي"، خاصة إذا ساهمت في الحد من الدين العام.
ولا يقتصر الانطباع بأن الدولة تهتم بالجباية أكثر من اهتمامها بخدمة المواطنين على اليوتيوبر، ولكن أيضًا المستهلكين الذين اعترضوا على تحصيل الضريبة في الوقت الذي يعاني فيه الجميع من بطء الإنترنت بسبب عدم إنفاق الدولة بالشكل الكافي على البنية الأساسية.
وتطلب مصلحة الضرائب من صناع المحتوى أن يسددوا نسبة من صافي دخولهم السنوية حسب اشتراطات قانون الضرائب على الدخل، وتفرض أيضًا ضريبة على المبيعات التي حققوها من نشاطهم (القيمة المضافة) إذا ما تجاوز حجم أعمالهم السنوي 500 ألف جنيه.
كيف يعمل اليوتيوب؟
يوضح أشرف أن احتساب الأرباح على المشاهدات تعتمد على عدة عوامل أهمها الإعلانات التي توضع عليها، وكلما كان سعر الإعلان مرتفعًا حصل الناشر على أرباح أكبر، والسعر يتحدد وفقًا لنوع المحتوى ونوع الإعلان.
"لو كان محتوى ترفيهي فطبيعي الإعلانات تبقى لايت وسعرها منخفض، أما المحتوى التعليمي أو الاقتصادي أو السيارات تكون الإعلانات مرتفعة لطبيعة الشركات المعلنة" بحسب أشرف.
يحصل اليوتيوبر على 50% فقط من سعر الإعلان، فيما يُحصَّل النصف الآخر لصالح شركة يوتيوب، وتحسب الأرباح بشكل يومي على كل فيديو، بخوارزميات الشركة، فيما يتم تحويل الأرباح الإجمالية شهريًا، وفقا لما قاله أشرف الذي يضيف "لا نحصل على هذه الأموال صافية، نحن ندفع ضريبة لصالح أمريكا بنسبة 30% من الدخل الناتج عن مشاهدة مواطنين أمريكيين، هذا إلى جانب مصروفات إنتاج المحتوى".
ويقول محمد إنه قادر على توفير دخل من قناته التي يتابعها نحو 125 ألف مستخدم على يوتيوب، غير أن هذا لم يجعل حياته سهلة "الدولة تطالبني بضريبة دخل عن عملي لكنها لا تعترف بأنني أعمل، ليس لدي مهنة في بطاقة الهوية وهذا يعرضني لمشكلات عديدة، هذا أقل حق لي إذا كانت ستحصل الدولة على حقها".
ويضيف للمنصة "لا يمكنني الحصول على قرض مصرفي، أو تحويل أموالي على بنك مصري، كل من يعمل أونلاين يتسلم أمواله من خلال بنك رقمي أمريكي يخصم رسوما على كل عملية، إذا كانت الدولة ستعترف بهذه الأموال لماذا لا تسهل علينا الحصول عليها؟".
مخاوف أشرف
الطابع غير الرسمي لنشاط اليوتيوبر هو من أكثر ما يغذي مخاوف أشرف من التعامل مع الضرائب، لأن المصلحة ربما لا تعترف بتكاليف الإنتاج التي يتحملها في عمله إذ يقول "ليس كل محتوى على الإنترنت يتم إنتاجه دون تكلفة، أنا لست ضد الضريبة لكن لابد أن يتم ذلك وفقًا لقواعد مرضية للطرفين".
يسيطر على اليوتيوبر حالة من القلق بشأن تعسف الضرائب في حساب أرباحهم، ويتحدث اليوتيوبر أحمد الجرنوسي في فيديو عن أن هناك العديد من العوامل تتدخل للاقتصاص من أرباح الفيديو حتى وإن كان يحقق مشاهدات مرتفعة، مثلا قد يستخدم صانع المحتوى موسيقى لها ملكية فكرية ويطالبه صاحب الموسيقى بحقه في أرباح الفيديو ويتم اقتطاعها من مستحقاته.
كما تحدث يوتيوبرز في مداخلة مع برنامج الإعلامي عمرو أديب عن أنهم لايحصلون على أرباحهم مباشرة عبر يوتيوب ولكن تقاسمهم فيها شركة تقوم بترويج المحتوى، وقال آخر إنه يحاسب ضريبيًا في الولايات المتحدة على المشاهدات التي تتم من أمريكيين.
يشرح أشرف، كيف تلعب شركات التسويق دورًا وسيطًا بين الناشر ويوتيوب، لتتمكن من إدارة قناة يوتيوب الخاصة به، لكنها تعد وسيلة لإخفاء الأموال التي يحققها الفرد نفسه لأن الأموال يتم تحويلها من يوتيوب للشركة الوسيطة وليس للفرد مباشرة.
هذه التفاصيل وغيرها تضع تحديات أمام مصلحة الضرائب لفهم طريقة إدارة هذا النشاط، والوصول لتقدير دقيق ودون تعسف لحقيقة أرباحه، ولكن هل تطبق مصلحة الضرائب معاييرها الصارمة على الجميع بشكل عادل ؟
في ظل انتشار حالات التهرب الضريبي يشعر اليوتيوبرز أن استهدافهم على وجه الخصوص أمر يفتقر إلى العدالة.
حوار عبثي
يرى أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة الأمريكية عمرو عادلي أن الجدل الدائر حول فرض ضريبة من عدمه "حوار عبثي"، لأن صناع المحتوى مثلهم مثل أي فئة في المجتمع، يجب أن تخضع لقوانين الضرائب السارية.
ولا يؤيد عادلي ربط تحصيل هذه الضرائب بتحسين جودة الإنترنت، إذ أنه ذلك سيخرج بالضريبة عن مفهومها الطبيعي وتتحول إلى "رسوم" تدفع مقابل تحسين خدمة معينة "الأصل أن تحديد أولويات إنفاق الإيرادات لا يشترط ارتباطه بمصلحة مباشرة لممول الضريبة. إنفاق الدخل من الضريبة ربما يكون على محطة صرف صحي في أسوان أو في القاهرة، لا يمكن تقسيم الأموال لكل منطقة، كذلك اختيار المشروعات يخضع لاعتبارات أخرى تحدد أولوية الإنفاق، إذا أخذنا في الاعتبار ضرورة وجود رقابة ودور برلماني حقيقي ليحدد أولويات الإنفاق".
ولكن على الجانب الآخر يشير الاقتصادي أسامة دياب إلى المساهمة المحدودة للغاية لفئات مثل العاملين في المهن الحرة؛ الأطباء والمحامين وغيرهم، في الحصيلة الضريبية، ما يوحي بوجود عمليات تهرب كبيرة بين هذه الفئات، لذا فهناك الحاجة لمكافحة التهرب في مجالات عدة وليس نشاط اليوتيوب فقط.
ويقول دياب للمنصة إنه "من الضروري أن يتم تطبيق الضريبة على حيتان الأطباء والمحامين وليس فقط صغار الممولين في هذه المهن، ويتم تحصيل الضريبة بشكل عادل وتصاعدي".
وبحسب بيانات موازنة العام المالي الجاري، 2022-2021، فإن الحصيلة المتوقعة من ضرائب الدخل على النشاط المهني غير التجاري تبلغ نحو خمسة مليارات جنيه من إجمالي الضرائب العامة المقدرة بنحو 497 مليارًا، ما يشير إلى المشاركة الهامشية لهذا القطاع في حصيلة الضرائب.
ولايقتصر التهرب على المهنيين، ولكن يمتد إلى ممارسات الشركات الكبرى التي أصبحت العديد منها تحترف أعمال التجنب الضريبي.
والمقصود بالتجنب هو تخطيط أعمال الشركة من البداية بحيث يتم تأسيس أعمالها بطريقة تجعل العديد من أنشطتها غير خاضعة للضرائب، وذلك باستغلال ثغرات قانونية، وكلما تضخم حجم الشركة كلما أصبحت قادرة على التخطيط لهذه الممارسات، وتشير تقديرات إلى أن ممارسات التجنب تكلف مصر سنويا نحو 10 مليارات دولار.
ربما ساهم ضعف الإيرادات الضريبية في العموم في دفع بعض الخبراء لانتقاد الأصوات المنادية بعدم فرض ضريبة على اليوتيوبرز، إذ أن تحسين القدرة على جمع الضرائب يقلل من فرص تضخم الديون وما تحمله من آثار سيئة على التنمية.
ليست دولة جباية
في واحدة من تعليقات الباحث الاقتصادي والكاتب الصحفي وائل جمال على الجدل الدائر بشأن ضرائب اليوتيوب، أشار إلى الربط الواضح بين ضعف حصيلة الدولة من الضرائب وزيادة حاجتها إلى الاستدانة. "الدولة بتعتمد أكتر يوم ورا يوم على الاستدانة عشان أصحاب الثروات والدخول العليا وانشطة المضاربة ما يدفعوش".
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fwael.gamal1%2Fposts%2F10160242650428933&show_text=true&width=500ويمثل الدين العام 89.5% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، خلال العام المالي الجاري، ويساهم تضخم هذا الدين في فرض فوائد ثقيلة يتم سدادها كل عام لخدمة هذا الدين، مثلت هذه الفوائد 31.5% من إجمالي مصروفات الموازنة الجارية، كان من الممكن توجيهها للإنفاق على التعليم والصحة وغيرها من مجالات التنمية.
ويتفق عادلي مع جمال في نقد التصورات السائدة بأن مصر "دولة جباية" تحصل ضرائب ضخمة من المجتمع "مصر ليست دولة جباية ضرائب، بل هي من أقل الدول في نسبة الدخل الضريبي إلى الناتج المحلي" كما قال للمنصة.
وبحسب بيانات البنك الدولي فإن نصيب الضرائب من الناتج المصري بلغ 12.5% في 2015 بينما كان المتوسط العالمي في هذا العام 14.6 % ومتوسط بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 16.1%.
"وإضافة إلى انخفاض الإيراد الضريبي فلدينا عدم عدالة ضريبية لأن من يدفع الضرائب هم في الغالب الموظفين الحكوميين وحتى الشركات الحكومية تدفع ثلثي ضريبة الشركات، هذا يعني أن القطاع الخاص في مصر لا يدفع ضرائب" كما يضيف عادلي.
وستجمع الدولة خلال العام المالي الجاري 90.4 مليار جنيه من ضرائب المرتبات، نسبة كبيرة منها تأتي من الأجور الحكومية بسبب تهرب الكثيرين في القطاع الخاص، وتمثل ضرائب الأجور ما يقرب من 20% حصيلة الضرائب العامة.
وفي كل الأحوال، فإن ما سيحسم هذا الجدل هو مدى قدرة الدولة على النفاذ إلى نشاط اليوتيوب وصناعة المحتوى الرقمي، فالإعلان الأخير لمصلحة الضرائب يأتي في سياق اهتمام الدولة خلال السنوات الأخيرة بإخضاع أنشطة الإنترنت لقوانين الضرائب، ولكن هذا الاهتمام يقابله تحديات كبيرة بشأن القدرة على الوصول لإيرادات هذه الأنشطة بعد أن ظلت لفترة طويلة تعمل في إطار غير رسمي وغير موثق.