صفحة سينما زاوية على فيسبوك
واجهة سينما زاوية

من قراءة الكف لرحلات السفاري.. كيف لاحقت الضرائب أنشطة الترفيه في 90 عامًا؟

منشور السبت 17 يونيو 2023

أثارت تعديلات ضريبة الملاهي جدلًا واسعًا بين نواب البرلمان وعلى السوشيال ميديا، كونها تمس أنشطة رفاهية واسعة الانتشار، من تذاكر السينما إلى حفلات الأطفال. ولكن المفارقة أن التعديلات الجديدة تتزامن مع مرور 90 سنة على نشأة هذه الضريبة في مصر، والتي خضعت لعشرات التعديلات من قبل، بهدف ملاحقة كل مستجد من الأنشطة الترفيهية وإدخاله في دائرة الضريبة.

نستعرض هنا نشأة وتطور مفهوم "الملاهي" في القانون المصري منذ الثلاثينيات وحتى وقتنا الراهن، وأولويات الإعفاءات من أيام الملك فاروق مرورا بجمهورية ناصر الاشتراكية، ثم عصر الانفتاح الاقتصادي.

تخفيف العبء على رواد الديسكو

كان عام 1999 فارقًا في تاريخ ضريبة الملاهي، إذ شهد إلغاء قانون شديد القدم يعود إلى الخمسينيات وسن قانون جديد يهدف لتجديد دماء هذه الضريبة، عبر إدراج عدد من الأنشطة المستحدثة في هذا الوقت مثل حفلات الديسكو، أو عروض الباليه والأوبرا، وأخضعها لضرائب تتراوح قيمتها من 5% إلى 30% من مقابل الدخول.

والتشريعات التي أقرها البرلمان المصري نهاية الشهر الماضي هي بمثابة تعديل على قانون عام 1999، بهدف مواكبة الأنشطة المستجدة وإخضاعها لهذه الضريبة. 

بحسب التعديلات الجديدة، فإن الضريبة ستلاحق المواطن سواء كان متزلجًا على الجليد أو هائمًا في الصحراء بهدف السفاري وحتى وإن كان في بالون طائر، طالما استخدمه بغرض الترفيه، هذا بجانب عروض الأسماك والحيوانات.

وخضعت الأنشطة السابقة لضريبة بقيمة 20% من مقابل الدخول والاستخدام، بينما تم دمج عروض السيرك الأجنبي تحت ضريبة 15% من مقابل الدخول. وكان في نية الحكومة فرض ضريبة 20% على أنشطة الغوص، على نحو كان سيصل بجملة الضرائب المفروضة على النشاط لـ 34% بعد احتساب ضريبة القيمة المضافة، لكن البرلمان قاوم ذلك، وخفض الضريبة المقترحة إلى 10% فقط من مقابل الدخول أو الاستخدام.

في مقابل هذا التوسع خففت التعديلات الجديدة من الأعباء الضريبية على العديد من الأنشطة التقليدية التي ربما تكون أوسع استخدامًا من قبل المستهلكين، على سبيل المثال انخفضت ضريبة دخول عروض الأفلام الأجنبية من 20% إلى 5%.

وكان القانون القديم ينص على تحصيل ضريبة ملاهي بقيمة 25%، بحد أدنى جنيه للفرد، من مقابل دخول أماكن مثل الأندية الليلية والكازينوهات أو الفنادق والعوامات، متى قُدمت بها عروض موسيقية أو راقصة. وانخفضت هذه الضريبة في التعديل الجديد إلى 5% ولكن بحد أدنى عشرين جنيهًا للفرد.

وبعدما كانت قيمة الضريبة المقررة على حفلات الديسكو والحفلات الراقصة تقدر بـ 30% من مقابل الدخول، نصت التعديلات على أن يكون الحد الأدنى للضريبة بالنسبة لذلك النشاط 20 جنيهًا للفرد.  

بدأت بضريبة خمسة قروش

يشير التتبع التشريعي لضريبة الملاهي إلى صدور أول قانون ينظمها في 7 ديسمبر/كانون الأول 1933، والذي أصدره الملك فؤاد الأول برقم 85 لسنة 1933 بشأن فرض ضريبة على المسارح وغيرها من محال الفُرجة والملاهي.

كان القانون يشترط أن يخصص لمقاعد الدرجة الأولى بابًا خاصًا ومكانًا منفصل لا يتصل بمقاعد ما دونها من درجات

وبموجب ذلك القانون فرضت الدولة ضريبة على كل دخول أو أجرة مقعد في المسارح ومحال الفُرجة، وكان مستغلو المسارح هم من يقومون بتحصيل الضريبة ثم توريدها إلى أقرب خزانة تابعة لوزارة المالية في اليوم التالي لكل حفلة.

وفرَّق القانون وقتها بين نوعين من الأنشطة التي تُحصل عنها ضريبة الملاهي؛ تمثل أولهما في الأنشطة المرتبطة بالألعاب عمومًاـ مثل سباقات الخيل أو محال المراهنات، والتي حدد بشأنها ضريبة خمسة قروش عن الشخص في مقاعد الدرجة الأولى، و2.5 قرشًا عن كل شخص في مقاعد الدرجات الأدنى.

ومن باب التمييز بين الدرجات الأولى وغيرها، كان القانون يشترط أن يخصص لمقاعد تلك الدرجة بابًا خاصًا ومكانًا منفصل لا يتصل بمقاعد ما دونها من درجات.

أما النوع الثاني من أنشطة الملاهي، فتمثل في مجالات مثل دور التمثيل والسينما وحفلات الموسيقى الآلية (باستثناء حالات مثل سماع الجرامافون)، بجانب حلقات التزلج وأحواض السباحة العمومية، وتراوحت الضريبة بالنسبة لتلك الأنشطة من مليم واحد إلى خمسة قروش حسب سعر التذكرة.

الصعيد يسبق شارع الهرم

اقتصر تطبيق الضريبة في البداية على القاهرة، لكن بعد ثلاث سنوات، وبالتحديد في 25 أغسطس/آب 1936، توسعت إلى بورسعيد وطنطا والمنصورة، وبعدها بعام صدرت قرارات بتطبيقها في مدن بور فؤاد والإسماعيلية والسويس.

وفي مارس/آذار 1938 ضُمت مدن دمنهور والفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج إلى نطاق سريان القانون.

واللافت أن شارع الهرم أحد أشهر شوارع الترفيه في مصر لم يخضع للقانون إلا بعد 6 سنوات من صدوره، وبالتحديد  في 22 مارس 1939، كأحد أحياء مدينة الجيزة التي انضمت متأخرا جدا إلى نطاق سريان القانون ضمن مدن أخرى هي بنها والزقازيق والمحلة الكبرى، وبني سويف. 

 

وفي 5 أغسطس/آب 1940 صدرت قرارات بتطبيق القانون على مدن حلوان ورأس البر ودمياط وفاقوس وقنا والأقصر، ولحقتها مدن منيا القمح وبلبيس في 13 يناير 1941.

وخلال فترة الأربعينيات، ارتفعت قيمة الضريبة بشكل واضح، على الأرجح بسبب التضخم الذي واكب الحرب العالمية الثانية، وصعدت قيمة ضريبة المقاعد الأولى من خمسة قروش إلى 12.5 قرشًا، وضريبة الدرجات الأدنى من 2.5 قرشًا إلى6.5، وذلك بموجب القانون رقم 37 لسنة 1943 الذي أصدره الملك فاروق في 30 مايو 1943.

ضرائب قراءة الكف والأراجوز

وفي مطلع الخمسينيات أُلغي القانون المشار إليه بشكل كامل، وأصدر الملك فاروق قانونًا جديدًا ينظم ضريبة الملاهي برقم 221 لسنة 1951، ضم أنشطة جديدة منها  ألعاب الحواة والحفلات السماوية أو السحرية والتنويم المغناطيسي وقراءة الكف، بالإضافة إلى أنشطة الأراجوز.

كما أخضع القانون أنواعًا جديدة من السباقات للضريبة؛ كسباق السيارات والقوارب وسباق الطيران وغيرها، بالإضافة إلى مبارايات الألعاب الرياضية بأنواعها كالمصارعة والملاكمة والسباحة وحمل الأثقال، ووصلت قسمة الضريبة على تلك الأنشطة في حدها الأقصى إلى ثلاث جنيهات، عن التذاكر التي تتراوح قيمتها من 9 إلى 10 جنيهات.

إعفاءات رياضية وعسكرية

أما عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر فسيطرت عليه تشريعات إعفاء الحفلات ذات الطابع العسكري من ضريبة الملاهي، حيث أصدر أكثر من قانون بإعفاء الحفلات التي تقام لصالح الأبطال العائدين من اليمن، وأسبوع التسليح، وكذلك التي أقيمت بمناسبة مرور قطار الرحمة.

وفي حقبة الانفتاح، أيام السادات، أُدخل على قانون ضريبة الملاهي أكثر من تعديل، كان أبرزها على الإطلاق القانون رقم 37 لسنة 1978، والذي نص على مضاعفة قيمة الضريبة المفروضة على القهاوي والبارات المخصصة للملاهي والفُرجة، وتم استثناء الأماكن التي تقدم أعمالًا ثقافية.

وتولت مصلحة الضرائب خلال هذه الحقبة أيضًا إخضاع عدد من الأنشطة الترفيهية لضريبة الملاهي أهمها أندية عرض أفلام الفيديو، والشواطئ، ووحدات خلع وحفظ الملابس والشماسي بالشواطئ.

واستمر القانون الذي فرضه الملك فاروق في خمسينيات القرن الماضي مطبقًا، مع التوسيع المستمر للأنشطة الترفيهية الخاضعة له، حتى عام 1999 الذي صدر فيه القانون المطبق حاليًا، والذي لا يختلف كثيرًا عن سابقيه غير في طبيعة الأنشطة التي يستهدفها بالضريبة.