قبل عام ونصف استطاع مجلس النواب، في واحدة من المرات النادرة، وقف مشروع قانون من شأنه فرض ضرائب ورسوم على السلع المعمرة والمشروبات الغازية وارتياد الملاهي والمسارح والرحلات الترفيهية. لكن الحكومة ولجنة الخطة والموازنة أحيت القانون من جديد الأسبوع الماضي، ليحصل على موافقة في مجموع مواده في الجلسة العامة لمجلس النواب أمس، ويقرها اليوم.
كان تعطيل مشروع القانون المقدم من الحكومة في ديسمبر/كانون الأول عام 2021 نتيجة لتصاعد الرفض بين النواب، وليس من جانب المعارضة فحسب، حيث انضم إليهم أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب، وبعض نواب حزب مستقبل وطن.
لكن بالأمس، ورغم استمرار رفض نواب المعارضة، مر مشروع القانون، بموافقة الأغلبية البرلمانية وأحزاب الموالاة، عدا النائبة دينا عبد الكريم، عضوة هيئة مكتب الأمانة المركزية لحزب مستقبل وطن. وغاب نواب تنسيقية شباب الأحزاب، الذين قادوا قطار الرفض المرة الماضية، عن المشهد ولم يتحدث أي منهم في المناقشات، لا من حيث المبدأ، ولا حتى طرح تعديلات.
يفرض مشروع القانون الجديد رسم 5% من مقابل دخول حفلات الأوبرا، وعروض الأفلام الأجنبية في السينما، وعروض الباليه والسيرك المصري، و10% مقابل دخول حدائق أو أماكن أو مدن الملاهي والألعاب والفرجة، وضريبة 10% على بعض الرحلات السياحية والبحرية مثل الغوص والسفاري، و10% مقابل دخول حلقات التزلج، و15% مقابل دخول عروض السيرك الأجنبي.
كما يفرض ضريبة 10% على أصناف أسماك السالمون والجمبري، والاستاكوزا، والأنشوجة، والكافيار، والثمار القشرية، والفواكه سواء الطازجة أو المجففة، والبن المحمص، والشوكولاتة، وأجهزة الحلاقة، ومجففات الشعر، وأجهزة حرارية كهربائية لإعداد القهوة والشاي، وسماعات الرأس والأذن، وساعات اليد والجيب.
كيف بدأ القانون؟
تعود النصوص التي مرت أمس إلى عام 2021، عندما تقدمت الحكومة بتعديل تشريعي على قوانين ضريبة الدمغة، وتنمية موارد الدولة، وضريبة مقابل دخول المسارح وغيرها من محال الفرجة والملاهي.
ولاقى مشروع القانون معارضة قوية خلال الجلسة العامة، رغم موافقة لجنة الخطة والموازنة عليه وتوصيتها بتمريره. ولم تكن الاعتراضات نابعة حينها من نواب المعارضة التقليديين، بل انضم لهم الهيئة البرلمانية لحزب الوفد التي سجلت رفضها مشروع قانون للمرة الأولى، إلى جانب معارضة معظم نواب تنسيقية شباب الأحزاب.
تركزت أسباب الرفض وقتها في عدم مواءمة فرض أي رسوم أو ضرائب إضافية على المصريين في ظل ما يعانونه من أوضاع اقتصادية صعبة، واعترض النواب على زيادة رسوم أقساط التأمين على الحياة أو التأمين ضد الأمراض، ورفع رسوم مغادرة البلاد، وفرض رسوم جديدة على السلع المعمرة، ورسوم على المشروبات الغازية، وضرائب على بعض السلع الغذائية المستوردة مثل الكاڨيار، والسلمون، والأنشوجة، والشوكولاتة، بخلاف الرسوم المفروضة على دخول حفلات السينما والمسارح والرحلات الترفيهية والسياحية مثل السفاري والغوص.
لم يلجأ رئيس المجلس حنفي جبالي للتصويت حينها على مشروع القانون، وبادر نائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، عاطف ناصر باقتراح تأجيل المناقشة لحين إعادة دراسته، وهو ما انتهى إليه المجلس.
اجتماع مفاجئ ولجنة مغلقة
تلقى الصحفيون صباح الأربعاء الماضي 22 مايو/أيار، في العاشرة والنصف صباحًا إخطارًا من المجلس بإضافة اجتماعات للجنة والخطة والموازنة خلال اليوم، تبدأ الساعة الحادية عشرة، وعلى جدول الأعمال مناقشة قانون ضريبة الدمغة، وقانون تنمية موارد الدولة، وقانون ضريبة مقابل دخول المسارح وغيرها من محال الفرجة والملاهي. وقرر رئيس اللجنة، النائب فخري الفقي، منع الصحفيين من تغطية الاجتماع.
بدأت المعلومات غير الدقيقة في الانتشار، وهو فخ وقعنا فيه جميعًا
وبحسب مصدرين شاركا في الاجتماع، حاول النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة، بدء البت في مواد القانون والتصويت عليها دون مناقشة مشروع القانون من حيث المبدأ، وهو ما أكده لنا النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة، الذي اعترض وتمسك باللائحة وضرورة مناقشة مشروع القانون من حيث المبدأ.
ولعب عمر دورًا في إقناع النواب المشاركين في الاجتماع، الذين علموا بموعده في ساعة متأخرة مساء الثلاثاء، بالموافقة على مشروع القانون، مشيرًا إلى أنه يجلب للدولة إيرادات تقدر بنحو 5 مليارات جنيه ضرورية لسد عجز الموازنة، وضمها لبنود الحماية الاجتماعية في موازنة 2023/2024.
وكالعادة، مع المنع من الحضور وحجب مشروع القانون، بدأت المعلومات غير الدقيقة في الانتشار، وهو فخ وقعنا فيه جميعًا، إذ أبلغنا نواب شاركوا في الاجتماع أن اللجنة تناقش ذات المشروع الذي سبق رفضه دون تعديلات، ووافقت عليه دون إجراء تغييرات في النصوص المقدمة من الحكومة.
ولكن عقب اجتماع اللجنة، ومع بدء الرد على الاتصالات وتسريب مشروع القانون، تبين أن الحكومة عدلت بعضا من نصوصه لتتمكن من تمريره، فحذفت المواد التي تنص على الرسوم المفروضة على السلع المعمرة والمشروبات الغازية.
يوم الفصل.. التنسيقية تغيب
مع ترقب مناقشة مشروع القانون في الجلسة العامة، بات يقينًا لدى النواب والصحفيين أن تمرير القانون مسألة وقت، ولن تتمكن المعارضة هذه المرة من تعطيله مرة أخرى.
وعلى عكس ديسمبر 2021 عندما كان نواب التنسيقية حجر عثرة أمام تمرير النسخة الأولى من مشروع القانون، غابت أصواتهم عن الكلمات والمداخلات خلال الجلسة العامة هذه المرة.
الحكومة نزلت القانون تاني يعني هيعدي هيعدي
لم يكشف نواب التنسيقية عن وجود توجيه عام لهم بعدم الحديث خلال الجلسة، لكن ثلاثة نواب تحدثت لهم قبل الجلسة العامة، كانت إجابتهم شبه واحدة، وهي أن "الحكومة نزلت القانون تاني، يعني هيعدي هيعدي".
وبالفعل مر مشروع القانون بدعم نواب الأغلبية، الذين روجوا له بفضل المادة الثالثة التي تفرض رسم تنمية موارد دولة على الكافيار، والسالمون، والجمبري، والشوكولاتة، مختزلينه في هذه النصوص التي تمس طبقات محددة تحتسي البن المحمص المستورد، أو تدفع ثمن تذاكر طيران تقدر بآلاف الجنيهات فما المانع من أن يفرض عليها القانون ضريبة مغادرة 100 جنيه، بعدما كانت 50 جنيهًا فقط.
لم يشغل بال نواب الأغلبية تأثير فرض 5% مقابل دخول المسرح والسيرك المصري، وحفلات الأوبرا والباليه وحفلات فرق الموسيقى العربية، على الثقافة والفنون بشكل عام. ولم تتمكن الأغلبية أو الحكومة من الرد على انتقادات المعارضة والنائبة الأديبة ضحى عاصي التي حذرت من التضييق على الفن والثقافة التي توفر مئات الملايين الموجهة لمحاربة الإرهاب.
المعارضة تصرخ: ابعدوا عن جيوب المصريين
واجه مشروع القانون انتقادات شديدة من جانب عدد من النواب، وبدأ الرفض من جانب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الوفد، محمد عبد العليم داود، الذي انتقد السياسة المالية والاقتصادية للحكومة، واعتبر القانون خطوة جديدة لـ "تطفيش" المستثمرين والفنانين.
فيما اعتبر النائب أيمن أبو العلا، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية، أن الحديث عن ضرائب الكافيار والاستاكوزا يتضمن حقائق مغلوطة ويؤثر بالسلب في حياة المواطنين، ويوجه رسائل سلبية للخارج تؤثر على الاستثمار والاقتصاد، ولفت إلى زيادة الرسوم التي يفرضها مشروع القانون على تأمين النقل النهري والبحري والجوي، وهو ما يؤثر على ارتفاع الأسعار بشكل عام.
ووجه رئيس الكتلة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، النائب إيهاب منصور، الحكومة إلى وجود سبل أخرى للحصول على إيرادات دون فرض ضرائب ورسوم، مشيرًا إلى تعطيل الحكومة قانون التصالح في مخالفات البناء، الذي يمثل بابًا لتحصيل مئات المليارات وينتظره المواطنون لتقنين أوضاعهم.
الحكومة مش مكفيها تحط إيدها في جيب المواطن دي عاوزة تتقاسم مصروف عيالنا
ورفض رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع، النائب عاطف مغاوري مشروع القانون، واعتبره "قانون جباية"، وقال إن "التشكيلة الحكومية التي تفكر في الجباية قمة الفشل لأنها تستسهل مد إيدها في جيب المواطن"، لافتًا إلى أن "إيرادات الدولة 85% منها ضرائب، و 15% نشاط اقتصادي ومهمة الحكومة زيادة النشاط الاقتصادي عبر التنمية"، وأكد رفض أي شكل من أشكال الضرائب غير المباشرة.
أما النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، فجدد دعوته لوقف العمل بقانون رسم تنمية موارد الدولة، موضحًا أنه صدر في الثمانينات في فترة كانت مصر مقبلة على الإفلاس، وقال "ليه أدفع رسوم وأنا بدفع ضرائب".
أثارت كلمة النائب أحمد بلال البرلسي، عضو المجلس عن حزب التجمع، ضحك بعض النواب عندما قال "القانون لا يتحدث عن الكافيار والأنشوجة فقط، وإنما لعب الأطفال أيضًا، ويفرض رسومًا على كل مرة يستخدم الطفل لعبة داخل الملاهي، يعني الحكومة مش مكفيها تحط إيدها في جيب المواطن دي عاوزة تتقاسم مصروف عيالنا، يعني الطفل يركب بنص مصروفه لعبة ويساهم بالنص الثاني مع الحكومة لسداد ديونها".
أشرف رشاد، زعيم الأغلبية، علَّق على كلمة بلال، بقوله "لا مشكلة إن ولادنا وهم بيتفسحوا يبقى جزء من دا بيروح لحد تاني يتعالج (من)الكانسر أو أي مرض، هذا تكافل معروف عن الشعب المصري".
بينما حاول النائب محمد بدراوي، عضو الحزب عن مستقبل وطن، والنائبة دينا عبد الكريم تخفيف وطأة القانون بتخفيض بعض الرسوم، أو إلغاء أخرى. ولم تلق اقتراحاتهم موافقة الحكومة أو النواب، في حين حظيت اقتراحات النائبة نورا علي، عضو حزب الأغلبية ورئيسة لجنة السياحة بالمجلس، بموافقة النواب والحكومة، وخفضت قيمة الرسوم على رحلات السفاري والغوص والرحلات البحرية من 20% إلى 10%.
الحكومة تدافع عن نفسها
حاول وزير شؤون المجالس النيابية، المستشار علاء فؤاد، الاستمرار في ممارسة مهمته المكررة داخل المجلس، وطلب حذف كلمة النائب أحمد فرغلي من المضبطة.
كان النائب اتهم الحكومة بافتقاد الحس السياسي، وقال إن رئيس الوزراء لديه "فكر مقاولين ورص طرق".
ودافع فؤاد عن الحكومة قائلًا "عملنا تكافل وكرامة وانضمت له آلاف الأسر، ودعم المواد البترولية ربنا العالم بدعم الموارد البترولية، وبنبني مستشفيات ومدارس".
وفي رد فعل غير معتاد من رئيس مجلس النواب، رفض حذف كلمة النائب من المضبطة، بينما بادر بحذف كلمة النائب فريدي البياضي الذي قال "أطالب بالكشف الطبي على الحكومة، الحكومة اتجننت".
بعد الموافقة النهائية على مشروع القانون، وإصدراه في الجريدة الرسمية، سينضم لعشرات النصوص التي قدمتها الحكومة، لتنمية إيرادات الدولة من جيوب المصريين، مع استمرار العجز الرهيب في الموازنة العامة الذي يصل في مشروع العام الجديد 2023/ 2024 إلى 825 مليارًا، بينما تقف سياسات الحكومة عاجزة عن دفع الاستثمار والإنتاج الصناعي والزراعي، حتى لو حصلوا على مئات الملايين من ضريبة الكاڨيار.