أحيانًا ينصب اهتمامنا على التحصيل الدراسي للطفل، إلى درجة قد تشغلنا عن التفكير في المواقف الطارئة التي ربما تحدث وعما إذا كان الطفل مؤهلًا للتعامل مع هذه المواقف أم لا.
موضوع ضياع الطفل عن أهله خارج المنزل هو أمر شائع الحدوث في العالم كله، وهو من أكثر المواقف التي قد تضع الأهل في حالة من التوتر والذعر، وناقش هذا الموضوع الكثير من الأفلام المخصصة للأطفال مثل فيلم الرسوم المتحركة الشهير البحث عن نيمو الذي ضرب لنا مثالًا في أهمية الاعتدال في تربيتنا لأطفالنا وحمايتهم دون هوس، وأعطى لنا درسًا في أهمية توجيه أطفالنا نحو كسب الخبرات والمهارات التي تؤهلهم للتعامل مع المواقف الحياتية المختلفة.
لذلك تولي الكثير من البلدان الغربية اهتمامًا كبيرًا الآن لتدريب الأطفال في المدارس وتهيئتهم على التصرف في مواقف الطوارئ، بل وتدريب العاملين في مختلف الأماكن على التعامل الصحيح مع الأطفال، مثل التدريب على كيفية توجيه الأسئلة الصحيحة للطفل والقدرة على فهمه واستيعابه وطمأنته.
ومن واقع عملي كمعلمة لتدريس المنهج البريطاني، شاهدت التطور الكبير الذي ينعكس على الأطفال عند استخدام الأنشطة التفاعلية في توعيتهم وتعليمهم هذه الخبرات الحياتية المهمة، لذلك قمت بجمع بعض هذه الأنشطة التعليمية المستخدمة في نظام التعليم البريطاني، والتي من شأنها أن تساعدنا على تعليم الطفل كيفية التصرف إذا تاه خارج المنزل بشكل بسيط وفعال.
ويمكن استخدام هذه الأنشطة داخل المدرسة أو في المنزل مع الأبناء:
لعبة سهلة لحفظ رقم هاتف
حفظ الطفل لرقم هاتف أحد والديه سيساعد بالتأكيد على إيجادهما بشكل أسهل وأسرع، ولكن قد تكون عملية تحفيظ الطفل لرقم الهاتف أمرًا صعبًا، خاصة مع الأطفال في السن الصغيرة، لذلك يمكن تحويل الأمر إلى لعبة، عن طريق كتابة رقم الهاتف على مجموعة من المشابك، ونطلب من الطفل مطابقتها مع نفس الأرقام على الورق مع مراعاة الترتيب.
مع محاولة تكرار هذه اللعبة كل يوم قبل النوم، سيتعود الطفل على حفظ هذه الأرقام بالترتيب بسهولة في خلال فترة قصيرة.
لعبة حفظ أرقام الهاتف
بدأت بتطبيق هذا النشاط مع ابنتي في الثالثة من عمرها، والآن وبعد مرور سنتين تستطيع أن تتذكر رقم هاتفي بكل سهولة.
إذا كان الطفل صغيرًا ولا يستطيع القراءة، من الممكن الاستعانة بتأليف أغنية مكونة من أرقام الهاتف واسم الأم أو الأب وتشجيع الطفل على تكرارها كل يوم قبل النوم أيضًا.
تعليم الطفل طلب المساعدة
تعد البطاقات المصورة من الطرق التعليمية المستخدمة بشكل واسع في المنهج البريطاني، ويرجع هذا لفضلها في تعليم الأطفال الصغار اكتساب بعض المهارات والسلوكيات بشكل ممتع وسهل، حيث تساعد هذه الأنشطة في تثبيت المعلومة عند الطفل وتسهيل تذكرها لاحقًا.
ونشر الموقع البريطاني لتعليم الأطفال "توينكل" نشاطًا تعليميًا لتوجيه الأطفال في حالة ضياعهم عن أهلهم خارج المنزل، يتضمن تعليم الطفل كيفية التصرف في هذا الموقف، والتأكيد على اختيار الشخص المناسب الذي يثق فيه ويطلب منه المساعدة في حالة الطوارئ، كما قاموا بنشر كراسة كاملة لتدريب الطفل على التعامل مع مواقف الطوارئ باختلاف أنواعها، يمكن استخدامها مع الأطفال فوق سن الخامسة.
التعامل مع الغرباء
يمكن تمرين الطفل على فرز وتصنيف الغرباء حسب مهنتهم بشكل مفصل من خلال هذا النشاط حيث يمكن للطفل على سبيل المثال الاستعانة برجال الأمن والشرطة، ورجال الإطفاء، والأطباء، وغيرهم في أوقات الطوارئ، من خلال تعليم الطفل الزي الذي يرتديه كل منهم. ولهذا النشاط فائدة عظيمة في إرساء قاعدة أساسية عند الأطفال وهي التعامل مع الغرباء، حيث شاهدنا في السنوات الأخيرة تزايدًا في أعداد حالات اختطاف الأطفال في الأماكن المزدحمة، لذلك تدريب الطفل على اختيار الأشخاص الذين يجب التحدث اليهم أو من ينبغي تجنبهم يعتبر أمرًا هامًا.
حدث معي موقف شخصي في هذا السياق، حيث حاولت احدى السيدات الاقتراب من ابنتي في المكان المخصص للعب داخل أحد المولات التجارية على الرغم من وجودي بالجوار، حيث التفتُ سريعًا وتوجهت تجاهها لأجد ابنتي البالغة من العمر خمس سنوات تتحدث إلى هذه السيدة قائلة بصوت مرتفع "انتي غريبة، مش هروح معاكي، وهنادي على العسكري". بالطبع لم تكن ابنتي مخيفة لهذه السيدة بالقدر الكافي لإبعادها عنها ولكنها تمكَّنت من التصرف بشكل يلفت انتباه كل من حولها، حتى أتيت وتدخلت على الفور. كان بداخلي شعور بالارتياح النفسي والفخر أن مجهودي في توجيه وتعليم ابنتي هذه الخبرات الحياتية في سن صغيرة بدأ يؤتي ثماره الآن.
مشاهدة الفيديوهات التعليمية مع طفلك
تعد الفيديوهات من الوسائل التعليمية المستخدمة بشكل واسع في تعليم الأطفال في المدارس بالخارج نظرًا لاستحوذاها على انتباه الأطفال بشكل قوي. وهناك العديد من هذه الفيديوهات الكرتونية متاحة على اليوتيوب وتهدف إلى تعليم الأطفال اتباع قواعد الأمان في المواقف المختلفة مثل كيفية التصرف في حالة إذا تاه الطفل من والديه خارج المنزل.
كارتون تعليمي
وضع ورقة تحتوي على بيانات الطفل في ملابسه
واحدة من الحيل المنتشرة بشكل واسع في الدول الغربية وخاصة مع الأطفال الأصغر سنًا، هي وضع ورقة مكتوب بها اسم الطفل بالكامل ورقم هاتف والده أو والدته في مكان آمن في ملابس الطفل، كحذائه أو جيب محكم في الملابس، حتى يتمكن من إعطاء الورقة لشخص بالغ إذا تاه عن والديه، أو يجده من يقدم له يد العون، ويتمكن من الاتصال بذويه.
تمثيل المشهد في صورة لعبة
يمكن استخدام لعبة الغميضة الشهيرة، والتي من شأنها تدريب الطفل على حُسن التصرف في حالة فقدانه والتعود على ايجادك دون أن يشعر بالذعر أو الخوف من الموقف. يمكن الاتفاق مع الطفل على خطة معينة لإيجادك قبل اللعب وشرح تعليمات تنفيذ هذه الخطة له، ثم إتاحة الفرصة له ليقوم بتطبيقها من خلال اللعبة.
وجه/ وجهي الطفل مرة أخرى بعد الانتهاء لمعالجة أي أخطاء وأعيدا اللعب مرة أخرى.
هدفي من كتابة هذا المقال هو نشر الطرق التفاعلية لتعليم الأطفال التصرف في حالة الضياع من الأهل، لحماية الطفل من المخاطر التي من الممكن ان يتعرض إليها وهو بمفرده، دون اللجوء إلى الطرق المبالغ فيها لحمايته، مثل منعه من الذهاب إلى أماكن اللعب أو وضع قيود قاسية له عند الذهاب إلى التنزه.
الغاية من تربيتنا لأبنائنا هي التوجيه والتعليم والتمكين وليس التحكم والمنع، لأن الهوس بحماية الأطفال قد يخلق لديهم دوافع وفضول للتجربة دون علمنا، وقد يجني ثمارًا لا نشتهيها أبدًا. ولنا في قصة البحث عن نيمو مثال.