ست ميداليات أولمبية حققتها مصر في أولمبياد طوكيو، لتصبح المشاركة الأكثر تتويجًا لبعثة مصر في الدورات الأولمبية، ولكن الحدث الأبرز إلى جانب عدد الميداليات أن نصفها حققته نساء، وكانت أول ذهبية لمصر منذ عام 2004 على يد اللاعبة فريال أشرف في مسابقة الكوميتيه لوزن أكثر من 61 كجم ضمن لعبة الكاراتيه.
المنصة التقت واحدة من صنّاع التاريخ الأولمبي لمصر، وهي هداية ملاك، التي كاد شبح الغياب عن البطولة يطاردها إثر إصابة ألَّمت بها، لكن تأجيل البطولة لمدة سنة بسبب فيروس كورونا، أتاح فرصة للتعافي واللحاق بالركب، لتصبح ملاك أول لاعبة عربية تفوز بميداليتين أولمبيتين في منافسات التايكوندو.
في بداية الدورة خطفت هداية الأضواء بصفتها أول رياضية مصرية تحمل العلم الوطني في حفل افتتاح الأولمبياد في 23 يوليو/تموز، لتحمل معها آمال زملائها والمصريين ككل، بتخطي المشاركة المشرفة إلى الوقوف على منصات التتويج. تصف هداية في حديثها مع المنصة، تلك اللحظات "كان شعورًا لا يمكن وصفه وفخر ما بعده فخر، كوني أول لاعبة تحمل علم مصر فهذا شرف كبير لي".
تدين هداية ابنة السبعة وعشرين ربيعًا إلى شقيقها عبد الرحمن في دفعها إلى ممارسة التايكوندو في سن السابعة، كما دعمتها الأم والأب في بداية مشوارها وشجعاها لتستمر حتى التحقت بالمنتخب الوطني عام 2009 لتحصد أكثر من 30 ميدالية متنوعة، أبرزها ذهبية دورة الألعاب الأفريقية 2011، وبرونزية دورة ألعاب البحر المتوسط 2013، وذهبية الجائزة الكبرى للتايكوندو عام 2015.
حتى ذاع صيت هداية خريجة كلية الفنون الجميلة قسم الديكور في الأوساط الرياضية المصرية، بعد تحقيقها برونزية أولمبياد ريو بالبرازيل عام 2016. تقول هداية "مشاركتي في ريو منحتني الخبرة والطموح وعلمتنى كيف أتعامل مع المواقف الصعبة".
الناقد الرياضي المصري علي البحيري، يرى أن الرياضة النسائية تطورت كثيرًا منذ فوز هداية ملاك في أولمبياد ريو عام 2016، وأصبحت الرياضيات يشاركن في ألعاب كثيرة لم يكنَّ على خريطتها، وفزن ببطولات دولية عديدة، موضحًا للمنصة أن مشاركة السيدات في طوكيو كانت قياسية بـ48 لاعبة من أصل 134 لاعبًا.
بعد أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2016، التي فازت فيها هداية بالميدالية البرونزية، قررت أن تلعب بوزن مختلف غير الذي فازت به "كنت ألعب 57 كجم، لكني قررت أن ألعب بمنافسات وزن 67 كجم.. الميزان أقوى وفيه أبطال أطول وأقوى مني لكني قبلت التحدي وحظيت بالدعم والثقة".
خضعت هداية لتدريبات شاقة لأكثر من عام ونصف في صربيا لكي تنافس على الوزن الجديد، قبل أن تباغتها إصابة في قدمها في يناير 2020 أثناء تواجدها في المكسيك بمعسكر الاستعداد لتصفيات أفريقيا المؤهلة إلى أولمبياد طوكيو.
"كان فاضل أسبوعين على البطولة والإصابة ستحرمني من اللعب في التصفيات"، انهارت هداية بالبكاء لكنها سرعان ما تمكنت من العودة والمشاركة في التصفيات بل والنجاح في اقتناص ورقة المشاركة في أولمبياد طوكيو.
ومع تأجيل أولمبياد طوكيو 2020 بسبب جائحة كورونا، أتمت هداية مراسم زواجها من لاعب كرة الطائرة الشاطئية المصري عبد الرحمن فايد "قضيت أسبوعًا فقط في شهر العسل وعدت إلى التدريب استعدادًا للأولمبياد".
إحياء الآمال
كانت بداية منافسات البعثة المصرية الأكبر أفريقيًا وعربيًا مخيبة للآمال في يوميها الأوَّلين، حتى حقَّقت هداية برونزية وزن 67 كجم في التايكوندو ، في اليوم الثالث من المنافسات، بعد فوزها 17-6 على الأمريكية بيدج ماكفيرسون، لتصبح أول لاعبة عربية تفوز بميداليتين أولمبيتين في منافسات التايكوندو.
تصف هداية شعورها، "لم أتوقع الفوز لأن المنافسات كانت صعبة في الأدوار الأولى، وفي مباراة الميدالية كنت أخشى الخسارة، لكنني فعلتها وفزت".
"أن تتغلب على الإصابات وتغير الوزن وتفوز بميدالتين متتاليتين بوزنين مختلفين يضعها كبطلة تاريخية في التايكوندو بمصر"، يقول البحيري.
عودة من بعيد للفتيات
ميدالية هداية فتحت شهية زملائها في طوكيو، فقنص بعدها بساعات قليلة زميلها سيف عيسى البرونزية بمنافسات وزن 80 كجم في اللعبة ذاتها. وهو ما أثار حماس المصريين لمزيد من الميداليات، وبات الحلم بالذهب الأولمبي مشروعًا، إذ غابت الميداليات الذهبية عن مصر منذ 2004، حين فاز بها المصارع كرم جابر.
يقول سيف عيسى، في تصريحات تليفزيونية عن هداية "منحتنا دفعة للانتصار واطمأننت لفوزي".
لكن المفاجأة السارة للمصريين جاءت في الأيام الأخيرة من عمر البطولة، إذ حصدت جيانا فاروق برونزية الكاراتيه لوزن أقل من 61 كجم، ونال أحمد الجندي الميدالية الفضية في الخماسي الحديث، وأخيرًا المفاجأة الكبرى بعدما أصبحت فريال أشرف أول امرأة تفوز بميدالية ذهبية في تاريخ مصر الأولمبي طوال 125 عامًا، بعد سبع ذهبيات سابقة كانت كلها للاعبين رجال.
"السيدات متواجدات بالفعل على الساحة الرياضة المصرية، وفوز جيانا فاروق وفريال أشرف شيء متميز للغاية"، تقول هداية.
تاريخ المشاركة النسائية
مشاركة مصر في أولمبياد طوكيو هي الثانية والعشرين في تاريخها منذ أول مشاركة لها في دورة ستكهولم عام 1912 برياضي واحد فقط، وهو لاعب المبارزة أحمد حسنين، حتى سجلت دورة طوكيو 2020 أكبر مشاركة لبعثة مصرية بضمها 134 رياضيًا ورياضية بخلاف 12 رياضيًا من الجنسين بصفة احتياطية.
لكن الرياضيات المصريات لم يرتبط اسمهن بالمنافسات الأولمبية قبل عام 1972 حين كان من المنتظر مشاركة أمنية محمود في الوثب الطويل في دورة ميونخ، وهي المشاركة التي لم تكتمل بسبب انسحاب مصر بعد أحداث ميونيخ،ثم جاءت المشاركة الحقيقة في دورة لوس أنجلوس 1984 بمشاركة ست لاعبات مصريات، حتى ارتفعت في دورة طوكيو إلى 48 لاعبة، لكن المشاركات النسائية المصرية لم تضع بصمتها إلا في دورة بكين عام 2008، بفوز الرباعة المصرية عبير عبدالرحمن بالميدالية البرونزية عن وزن 69 كجم (بعد ثبوت تعاطي صاحبات المركزين الأول والثالث للمنشطات)، ثم كررت إنجازها بميدالية فضية أخرى في لندن 2012 (بعد ثبوت تعاطي أصحاب المراكز الثلاث الأولى للمنشطات).
بعدها فتحت عبير شهية المصريات في دورة ريو دى جانيرو 2016، ففازت سارة سمير بميدالية برونزية في رفع الأثقال، وهداية ملاك بالميدالية الأوليمبية النسائية الثالثة في التايكوندو.
إلى أن جاءت أولمبياد طوكيو لتتفوق السيدات على نفسها بل والرجال أيضًا، وتحقق فريال أشرف ذهبية في وزن فوق 61 كجم في الكاراتيه، وبرونزية زميلتها جيانا فاروق في وزن تحت 61 كجم في الكاراتيه، وهداية ملاك في وزن تحت 67 كجم في التايكوندو. بينما حصد الرجال 3 ميداليات (فضية وميداليتين برونزيتين).
ورفعت السيدات رصيدهن إلى 6 ميداليات (ذهبية وميدالية فضية، و3 برونزيات) مقابل 38 ميدالية للرجال (7 ذهبيات و10 فضيات و16 ميدالية برونزية).
احتفاء شعبي
الإنجاز النسائي الذي بدأته هداية واختتمه فريال، حظي بإشادة شعبية وحكومية كبيرة، حتى إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجه بإطلاق أسماء فريال وزملائها على بعض المحاور والكباري في العاصمة المصرية تكريمًا لهم.
وقال السيسي أثناء مداخلة تليفزيونية، مثنيًا على إنجاز فريال، إنها "رفعت اسم مصر وكتبت التاريخ لبلادها"، مؤكدًا أن حكومته ستولي اهتمامًا برياضة الكاراتيه وغيرها من الألعاب، وذلك تقديرًا للإنجاز المصري الأولمبي بتحقيق ست ميداليات.
يقول البحيري، إن أولمبياد طوكيو 2020 تمثل تحولًا كبيرًا في التأثير النسائي بالرياضة المصرية، إذ كانت مميَّزة للغاية وتكلَّلت بنجاحات غير مسبوقة للنساء.
"تلك النجاحات ستساعد على تغيير نظرة المصريين في ممارسة الفتيات للرياضة في الوقت نفسه ستشجع الفتيات على ممارسة الرياضة". وأشار إلى احتفاء الجماهير الصاخب عند عودتهم إلى القاهرة.
بعكس ما حدث عند عودتها من أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، لم يكن استقبال هداية عاديًا هذه المرة "لم أتوقع هذا الاحتفاء والاستقبال.. خدونا على أتوبيس مكشوف ولفوا بنا في القاهرة".
لم تحسم هداية أمر خطوتها المقبلة وإن كانت لا تزال تحلم بإحراز الميدالية الذهبية، وعما إذا كانت ستشارك في أولمبياد باريس عام 2024 تقول "قدمت حياتي كلها لرياضة التايكوندو، أمارسها منذ 20 سنة، والآن أنا في فترة استراحة مع أسرتي وزوجي لهم عليَّ حق، بعدها سأفكر في الخطوة المقبلة".