هذا جزء أول من مقالين عن قوائم الإرهابيين وقانون فصل الموظفين العموميين دون محاكمة.
من أشهر ما كتب الأديب البريطاني جورج أورويل في روايته 1984 عبارة "الأخ الأكبر يراقبك"، وبعدها تداولت الأقلام والأدبيات عبر العالم تلك العبارة باعتبارها تذكيرًا للمجتمعات بأنها تحت المراقبة بشكل دائم، ورسالة تحذير لكل معارضي الأنظمة السياسية، قبل الدخول في مرحلة عقاب المواطنين وحسابهم على أفكارهم ومعتقداتهم.
قبل المحاولات المحمومة لتمرير عقوبة فصل الموظفين المصريين بغير الطريق التأديبي، سبقتنا الصين التي بدأت في إجراء "تقييم للمواطن" وأي مخالفة يرتكبها حتى لو كانت مرورية بسيطة تؤدي إلى خصم درجات من تقييمه، وقد يصل تدني التقييم إلى مستوى يطلق عليها أمنيًا "عدم الجدارة بالثقة" ويترتب على ذلك تقليص جميع امتيازات المواطنة التي كان يحظى بها كمواطن صيني صالح، مثل الحرمان من الحصول على قروض بنكية أو رفض انتقاله عبر رحلات جوية.. إلخ.
للوهلة الأولى قد يظن البعض أن هذا مجرد تطور في أنظمة المراقبة والعقاب استغلالًا لوسائل الاتصال الحديثة، لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فهو التأثير على السلوك المستقبلي للأفراد وخلق نمط موحد من الولاء أو على الأقل عدم إظهار الرفض أو الغضب أو المعارضة، فالصمت مقابل الخدمات، لأن سياسة العقاب هذه تجعل كل مواطن يفرض رقابة ذاتية على نفسه في كل ما يقوله أو يفعله، حتى لا يغضب الحكومة.
هذا الاتجاه الذي كان خياليًا وقت جورج أورويل، سيدخل حيز التنفيذ مع انتشار المدن الذكية التى تراقب تصرفات وسلوكيات كل من يقطن بها مهما كان عددهم، وتصريح رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، المدان بحكم محكمة بحكم محكمة في وقائع جريمة قتل، ظهر وهو يفتخر بأن أجهزة مدينته الذكية الجديدة ستكشف التاريخ الإجرامي لأي شخص يدخلها.
رجل الأعمال المدان في وقائع جريمة قتل يعلن إمكانية ضبط المسجلين الخطرين في مدينته الجديدة
وبغض النظر عن مفارقة هشام طلعت مصطفى والمسجلين الخطرين؛ فإن التجربة الصينية تبدو وكأنها تشق طريقها رويدًا رويدًا إلى مصر وليس هناك أفضل من قوائم الإرهابيين التي قد تحظى بقبول مجتمعي حال البدء في تطبيق عقوبات تحمل ذات المضمون، بالإضافة إلى مشروع القانون الذي يسمح بفصل بعض الموظفين بغير الطريق التأديبي.
لم تعرف مصر قوائم الإرهابيين هذه حتى 17 فبراير/ شباط 2015 حين صدر القانون 8 لسنة 2015 بشأن الإدراج على قوائم الجماعات الإرهابية والاشخاص الإرهابيين، عقب تفجير مديرية أمن محافظة الدقهلية عام 2013، أعقبه إدراج الإخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الارهابية رغم أن القانون المصري لم ينص على تلك القوائم بأي تشريع.
استمر الجدل القانوني حول تلك القوائم طوال عامين حتى أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا التشريع في فبراير 2015 وبموجبه أنشئت قائمتين، قائمة للكيانات الإرهابية، وقائمة للأشخاص الإرهابيين. هذا القانون مثّل عدوانًا على أحد أهم أركان النظام القضائي في مصر والعالم، وهو مبدأ المواجهة، كونه يرتبط بحقوق الدفاع التي أقرتها محكمة النقض في أحكامها. [1]
يتيح القانون للنائب العام أن يقدم لمحكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة طلبًا بإدراج أي مواطن على قائمة الإرهابيين مرفقة به المستندات التي تؤيده، وللمحكمة أن ترفض الطلب أو توافق عليه، دون إخطار المواطن المطلوب إدراجه على القائمة، ودون تمكينه من الإطلاع على طلب النيابة ومستنداتها، ودون تمكينه من الدفاع عن نفسه. كل ذلك والمحكمة منعقدة في غرفة المشورة، بمعنى أنه لا توجد حتى جلسة علنية تقدم فيها النيابة هذا الطلب للمحكمة وتبدي مرافعتها في هذا الشأن أمام الحضور بالقاعة، بل إن المواطن لا يعرف بقرار المحكمة بإدراجه على قائمة الإرهابيين إلا بعد نشره بالجريدة الرسمية، ولا يكون له في هذه الحالة إلا أن يقدم طعنًا لمحكمة النقض خلال ستين يومًا من النشر في الجريدة. [2]
ورغم أن المواطن الذي تم إدراجه على قائمة الإرهابيين لم تتم مواجهة بالتهم والأدلة القائمة ضده ولم يتمكن من الرد عليها، لكن يترتب على نشر قرار الإدراج في قائمة الإرهابيين في الجريدة الرسمية مجموعة آثار تتراوح بين سحب جواز السفر، وتجميد الأرصدة، وتصل إلى وقف العضوية في النقابات المهنية. [3]
تطبيق تلك الآثار يؤدي، مثلما حدث مع زياد العليمي ومحمد الباقر، إلى وقف عضويتهما بنقابة المحامين بسبب إدراجهما على هذا النوع من القوائم، خصوصًا وأن التمتع بعضوية سارية في النقابة شرط لمزاولة مهنة المحاماة، الأمر الذي يوضح أنهما حال إخلاء سبيلهما من الحبس الاحتياطي فإنهما سيحرمان من مزاولة مهنة المحاماة طالما بقيا على تلك القائمة.
هوامش
[1] حدد التشريع طرق الإدراج على تلك القوائم ومدتها، وطريقة مد المدة، وطرق الطعن على قرار الإدراج، وإجراءات نشر قرار الإدراج، والآثار القانونية المترتبة عليه، وكيفية إدارة الأموال التي تم تجميدها، وطرق الرفع من قوائم الإدراج، ويمكن إجمال جوهر هذه القواعد والإجراءات في أن أي مواطن يمكن إدراجه على قائمة الإرهابيين دون محاكمة، ودون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه.
[2] من نص الطعن رقم 6976 لسنة 72 القضائية "حق الدفاع يقتضى أول ما يقتضي احترام مبدأ المواجهة الذي يستلزم تمكين الخصوم من الإلمام بما يبدى ضدهم وتمكينهم من الدفاع في شأنه ولا يقتصر هذا الحق على منع الخصوم من إبداء دفاع في غيبة الخصم الآخر، وإنما يقوم في جوهره على وجوب عدم بناء الحكم على وقائع أو مستندات لم تعط الفرصة للخصوم لمناقشتها، ويستلزم إعطاء الفرصة لكل طرف في الخصومة ليعرف ما هو منسوب إليه ومناقشته فلا يجوز أن يفاجأ بأمر لم يطلب منه الدفاع فيه".
[3] آثار الإدراج على لائحة الإرهابيين:
1- الإدراج على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، أو منع الأجنبي من دخول البلاد.
2- سحب جواز السفر أو إلغاؤه أو منع إصدار جواز سفر جديد أو تجديده.
3- فقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة أو النيابية أو المحلية.
4- عدم التعيين أو التعاقد بالوظائف العامة أو بشركات القطاع العام أو قطاع الأعمال العام، بحسب الأحوال.
5- الوقف عن العمل مع صرف نصف الأجر.
6- تجميد الأموال أو الأصول الأخرى المملوكة للإرهابي، سواء بالكامل أو في صورة حصة في ملكية مشتركة، والعائدات المتولدة منها، أو التي يتحكم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، والأموال أو الأصول الأخرى الخاصة بالأشخاص والكيانات التي تعمل من خلاله.
7- حظر ممارسة جميع الأنشطة الأهلية أو الدعوية تحت أي مسمى.
8- حظر تمويل أو جمع الأموال أو الأشياء للإرهابي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وحظر تلقي الأموال أو تحويلها وكذا غيرها من الخدمات المالية المشابهة.
9- وقف العضوية في النقابات المهنية ومجالس إدارات الشركات والجمعيات والمؤسسات وأي كيان تساهم فيه الدولة أو المواطنين بنصيب ما ومجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضية وأي كيان مخصص للمنفعة العامة.