13 يومًا حتى الآن، ولا تزال أسرة الزميل الصحفي أحمد خليفة، تجهل مكانه أو أسباب اختفاءه، منذ أن استدعاه الأمن الوطني من منزله بالفيوم، في يوم 6 يناير/ كانون الثاني الجاري، فذهب تلبيةً للاستدعاء ولم يظهر حتى كتابة هذه السطور.
يعمل خليفة صحفيًا منذ عام 2017، وكان عضوًا بحركة الاشتراكيين الثوريين التي انضم إليها عقب ثورة يناير، وفقًا لصديقه المحامي محمد طنطاوي، الذي كان عضوًا بالحركة، واستمرا فيها معًا حتى استقالا منها في عام 2013.
انشغل خليفة الذي بدأ عمله الصحفي مراسلًا لموقع ولاد البلد لتغطية الأحداث الجارية في محافظة الفيوم، بملف القضايا العمالية الذي استمر في متابعته بعد تركه ولاد البلد للعمل كصحفي حر لمنصات صحفية متعددة منها المنصة ومصر 360 وغيرهما.
بعد اندلاع ثورة يناير، برز اسم خليفة كناشط سياسي له العديد من المواقف المناهضة لحكم الإخوان المسلمين التي سجلها عبر تصريحات صحفية مختلفة كمنسق لحركة الاشتراكيين الثوريين بالفيوم مسقط رأسه، وكذلك من خلال مشاركته الفاعلة في حركة تمرد وحملة عايزين نعيش الداعمة للحركة التي أسست لسحب الثقة من الرئيس، آنذاك، محمد مرسي.
استقالة خليفة من الاشتراكيين الثوريين في 2013، لم يبتعد به عن النشاط الفاعل في متابعة قضايا العمال التي "برع في تغطيتها" بحسب موقع 360 الذي كان يراسله، وظهرت في تغطيته احتجاجات العمال على تأخر الرواتب في مصنع كفر الدوار للغزل، التي عوقب بسببها 20 عاملًا بالسجن بين 10 و25 سنة، في إبريل/ نيسان من العام الماضي، وكذلك تغطيته الاحتجاجات الأخيرة لعمال مصنع سماد طلخا بالدقهلية، ومتابعته اعتصامهم الشهر الماضي، الذي أنجز خلاله أيضًا تقريرًا موسعًا عن الاحتجاجات العمالية حمل عنوان "عام عمالي ثقيل".
لا يستبعد صديقه ومحاميه محمد طنطاوي أن يكون هذا النشاط الصحفي هو السبب وراء استدعاء الأمن الوطني ومن ثم اختفاءه، يقول طنطاوي للمنصة "مش بعيد يكون ده السبب خاصة إن فعلا مفيش نشاط سياسي أو غيره في الفترة الحالية، أنا تخيلت لما عرفت إنه تم استدعاءه إنه هيتسأل عن نشاطه القديم ويقعد شوية ويرجع".
هذا ما يؤكده أيضًا أحد القياديين السابقين في حركة الاشتراكيين الثوريين الذي تحدث إلى المنصة، طالبًا عدم نشر اسمه، "خليفة ابتعد عن الحركة من 2013 لكنه كان دائم التواصل مع المعتقلين وأسرهم، ومن اضطروا للسفر خارج مصر بسبب الملاحقة الأمنية، ومنشوراته جميعها كانت تطالب بإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين والتضامن معهم، وكان يشارك عبر حسابه صور الصحفي العمالي هشام فؤاد المحبوس على ذمة القضية 930 لسنة 2019 المعروفة إعلاميا باسم "تنظيم الأمل، كنوع من الدعم".
قبل اختفاءه؛ أجرى خليفة أخر مكالمة من هاتفه إلى صديقه طنطاوي، لاستشارته في طريقة التصرف مع الاستدعاء الذي تلقاه من الأمن الوطني بعد أن ذهب أحد أفراده إلى منزله ولم يجده "أحد رجال الأمن الوطني راح البيت ولما ملقهوش طلب رقم تليفونه واتصل بيه يطلب من الحضور للدردشة، ولما اتصل بي خليفة يسألني قلت له روح لأنه لو مراحش كان ممكن يرجعوا لبيته تاني وأهله ناس كبار ومش هيبقوا حمل بهدلة لو حصل تفتيش للبيت أو حاجة، وكل ده أنا فاكر إن الموضع هيخلص في كام ساعة وإنها هتكون دردشة فعلا وخلاص".
وربما يستطيع صديق خليفة المقرب تحليل الأمر الآن والوقوف على أسباب موضوعية وراء اختفاءه، لكن عائلته لا تفكر حاليًا سوى فيما يمثله غياب أحد أفرادها، مثلما تقول شقيقته للمنصة، التي نفت في الوقت نفسه ما تردد عبر عدد من المواقع الصحفية عن مداهمة قوات الأمن لمنزلهم "محدش فتش البيت زي ما اتكتب في عدد من المواقع، هما قالوا له تعالى نقعد ندردش معاك شوية بدل ما نجيلك البيت، فقال خلاص هروح، أنا قلت له بلاش تروح بس قالي ليه لأ أنا مش خايف من حاجة، ومليش علاقة بحاجة فهروح ومش هيحصل حاجة".
الأمل يعطل كل شيء
تختلط مشاعر الأخوة بالأمومة لدى أنهار خليفة في خوفها على مصير أخيها المختفي "أحمد احنا بنعامله زي ابننا مش أخونا الصغير، وكنا فاكرين إن الموضع هيكون ساعة ولا اتنين وهايرجع".
ومع مرور الساعة تلو الأخرى كان أملًا كاذبًا يخادع الأسرة ويمنعها من الإعلان عن اختفاءه خشية أن يضر ذلك بابنها الغائب "قلنا يمكن يقعد يوم ولا يومين ويطلع عادي زي ماحصل مع ناس جنبنا في البلد، وعلشان كده قررنا إنه محدش هيكتب أي حاجة على الفيسبوك أو مواقع التواصل الاجتماعي علشان لو في نيتهم إنه يطلع ميحصلش حاجة".
ومثل أخته؛ التزمت خطيبته دينا نصر، التي علمت باختفائه من صديقه المقرب، بقرار الأسرة بالتكتم على ما جرى حتى يظهر "آخر مكالمة كانت بيني وبين أحمد قبل اختفاءه بيوم، ومكنش في باله أي حاجة، لأنه أصلا كله اهتمامه بشغله وبس بعيدًا عن أي توجهات سياسية، هو مهتم أكتر في شغله بالأمور العمالية، وبينقل اللي بيحصل على أرض الواقع وبس".
وتضيف للمنصة "صاحبه قالي إنه راح من العصر أمن الدولة، وآخر مكالمة كانت بينا قبلها بليلة، مصدقتش وقلت أكيد عاوزينه في كلمتين وخلاص، أصل ليه يعني هيستدعوه ويختفي ليه، هو لا عضو في حزب ولا ليه عمل سياسي".
حملة تدوين
بعد مرور 48 ساعة على اختفاءه، نصح طنطاوي الأسرة بالتقدم ببلاغ إلى النائب العام عن طريق الهاتف، فيما سيتابع هو الأسماء في النيابة بشكل يومي لعله يعثر عليه، ومع مرور اليوم يتلوه الآخر حتى انتهى الأسبوع دون نتيجة، لم تستطع دينا الصمت أطول من ذلك، فنشرت صورة خطيبها على فيسبوك بعد أن كتبت فوقها#الحرية_لأحمد_خليفة، ليبدأ بعدها ما يشبه حملة تدوين قادها أصدقاءه للمطالبة بالإفراج عنه تحت وسم #أحمد_خليفة_فين، فيما أعلنت مؤسسة مراسلون بلا حدود، أنه باختفاء الصحفي أحمد خليفة، يصبح عدد الصحفيين المحتجزين تعسفيا في مصر 33 صحفيًا.
لكن شيئًا جديدًا لم يطرأ حتى الآن، ما تزال أنهار تبدأ يومها "بعد أن تستيقظ مما يشبه النوم"، على حد وصفها، لتتصل بالمحامي فتسأله عن الأخبار فيجيبها بأنه لا يملك جديدًا يخبرها به، ثم يغلق معها الهاتف ليستقبل مكالمة من دينا نصر الذي يعيد عليها الكلام نفسه، حتى دب بين الأسرة أمل كاذبًا جديدًا بعد أن نشر موقع إخوان أون لاين خبرًا بعنوان ظهور خليفة في نيابة أمن الدولة، ليهرول المحامي إلى النيابة فيكتشف أنه خبر كاذب، فيعود الجميع إلى مربعهم الأول مرة أخرى حيث الانتظار "مفيش قدامنا غيره، وبقى كل أملنا دلوقتي إنه يظهر حتى في النيابة ولو على ذمة قضية بس نشوفه ونطمن عليه، صعب طول الوقت ده من غير ما نعرف هو قاعد إزاي وإيه ظروف احتجازه وبياكل ويشرب إيه".