تكاد خريطة برلمان 2021 أن تكتمل، بعد ظهور المؤشرات الأولية وإعلان اللجان العامة لنتائج جولة الإعادة، للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب فجر الأربعاء. ومن المنتظر أن يخرج، رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، المستشار لاشين إبراهيم لإعلان النتائج الرسمية للانتخابات، وتبدأ بعدها الإجراءات المكملة للتشكيل الجديد، الذي سينعقد عقب انتهاء المدة الدستورية للمجلس الحالي في التاسع من يناير/ كانون الثاني المقبل. فيما ينتظر المراقبون قائمة التعيينات التي ستصدر عن رئاسة الجمهورية، لتبدأ بعدها دورة برلمانية جديدة.
الملامح اﻷكثر وضوحًا حتى اﻵن في البرلمان المقبل هي عودة "حزب اﻷغلبية" للهيمنة من جديد، بعد حصد "مستقبل وطن" لغالبية مقاعد مجلس النواب، ليعيد للأذهان سيطرة الحزب الوطني المنحل على مجلس الشعب خلال فترة حكم مبارك، فيما تحاول المعارضة جمع شتاتها في تكتل واحد، يقود مفاوضاته الحزب المصري الديمقراطي وحزب الإصلاح والتنمية، فيما يغيب عن المشهد حزب المصريين اﻷحرار بعد خسارة جميع مرشحيه على المقاعد الفردي في انتخابات مجلس النواب.
تحدثت المنصة في هذا التقرير مع مصادر من عدة أحزاب وهيئات سياسية، من بينهم عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب اﻷحزاب، محمود القط، ورئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، باﻹضافة ﻷحد قيادات حزب مستقبل وطن، وممثل عن حملة النائب أحمد الطنطاوي، لرسم خريطة البرلمان الجديد وأبرز ملامح التكتلات المرتقبة به.
حزب الأغلبية
316 مقعدًا حصدها حزب مستقبل وطن، في تشكيل المجلس الجديد الذي يتكون بموجب القانون رقم 46 لسنة 2014 من 568 مقعدًا، بخلاف المعينين الذين قد يصلوا إلى 28 عضوًا بموجب القانون الذي يمنح رئيس الجمهورية حق تعيين أعضاء بنحو 5% من إجمالي المقاعد.
مستقبل وطن الذي تولى قيادة القائمة الوطنية من أجل مصر، التي ضمت 13 حزبًا، حصل على النصيب الأكبر من المقاعد، وربما يزيد بعد انضمام بعض المستقلين له مع بدء الدورة البرلمانية، مثلما شهد البرلمان الحالي، رغم وجوب إسقاط العضوية في حالة تغيير الصفة الحزبية، بحسب قانون المجلس، إلا أن هذا النص لم يعمل به المجلس على الإطلاق على مدار السنوات الخمس.
وتنص المادة 6 من قانون المجلس على أنه "يشترط لاستمرار عضوية أعضاء مجلس النواب أن يظلوا محتفظين بالصفة التي تم انتخابهم على أساسها، فإذا فقد أحدهم هذه الصفة، أو إذا غَيَّر العضو انتماءه الحزبى المنتخب عنه أو أصبح مستقلًا، أو صار المستقل حزبيًا؛ تسقط عنه العضوية بقرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس".
كان صعود مستقبل وطن وتصدره المشهد السياسي مقدمة لحصوله على الأغلبية البرلمانية، حيث استحوذ على المشهد عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأصبح رهان الدولة على جمع النواب والسياسيين الموالين لها.
وبالفعل انضم عدد من الشخصيات العامة للحزب الذي تأسس في 2014 بمبادرة من رئيس اتحاد طلاب مصر محمد بدران، ويترأسه الآن عبد الوهاب عبد الرازق الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية العليا، والرئيس الحالي لمجلس الشيوخ.
يحتل الآن مستقبل وطن مقاعد الأغلبية الحزبية التي لم تتحقق منذ عام 2000 بعد حصول الحزب الوطني عليها، بينما في عام 2005 كانت الأغلبية للمستقلين الذين انضموا للحزب الحاكم فيما بعد، ويأتي اليوم مستقبل وطن ليعيد تشكيل أغلبية جديدة.
قيادي بحزب الأغلبية قال في تصريحات خاصة للمنصَّة إن الحزب يبحث الآن عن زعيم للأغلبية ولم يستقر بعد على اسم محدد. وقال المصدر الذي رفض نشر اسمه "قد يكون النائب عبد الهادي القصبي، أو النائب أشرف رشاد أو عاطف ناصر أو أي نائب آخر تتوفر فيه سمات زعيم الأغلبية، وهذه ليست مهمة سهلة ويجب أن يتمتع بصفات ومهارات تتيح له التواصل مع الناس وجمعهم واقناعهم".
القيادي في مستقبل وطن، قال إن المجلس الجديد لن يشهد تشكل ائتلاف جديد مثل "ائتلاف دعم مصر" الذي ضم معظم الأحزاب السياسية والمستقلين على مدار السنوات الخمس الماضية، وأضاف "لا حاجة لتشكيل ائتلاف الآن، كان فيه مبرر المرة الماضية لحشد النواب لو في أي مشروع قانون أو أي أمر يحتاج إلى موافقة أغلبية لكن الآن الأغلبية معنا نحن".
المستقلون يتفوقون على الأحزاب
على خلاف المتوقع جاء حزب الشعب الجمهوري في المركز الثالث، إذ سبقه المستقلون الذين حصلوا على 95 مقعدًا، بينما لم يحصل الحزب إلا على 50 مقعدًا، أما حزب الوفد الذي شهد خلافات كبيرة بين قياداته خلال تشكيل القائمة الوطنية واعتراضات على المشاركة فيها، فحصل على 26 مقعدًا.
وجاء حزب حماة الوطن في المرتبة الرابعة بعدما حصد 23 مقعدًا، تلاه حزب مصر الحديثة الذي حصل على 11 مقعدًا، ثم حزب الإصلاح والتنمية الحاصل على 9 مقاعد.
وتلاه الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي لم يحصل على مقاعده السبعة سوى من خلال مشاركته في القائمة الوطنية، وحزب الحرية المصري الممثل بسبعة مقاعد أيضًا، فيما حصل حزب المؤتمر على الرقم نفسه عبر المشاركة في القائمة، بينما نجح حزب النور في الوصول لسبعة مقاعد بالانتخابات الفردي، فيما حصل حزب العدل على مقعدين من القائمة، وحصل حزب إرادة جيل على مقعد وحيد.
الرهان الكبير
28 نائبًا يمثلون تنسيقية شباب الأحزاب والسياسية التي تضم مجموعة من الشباب والسياسيين، بحسب عضو مجلس الشيوخ عن التنسيقية، محمود القط.
التنسيقية التي تشكلت في عام 2018، يتوقع رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، دورًا مهمًا لها خلال الفترة المقبلة.
فعبد العال الذي تتجه التوقعات إلى استمراره رئيسًا للمجلس في دورته المقبلة بعد فوز قائمة الصعيد، قال في تصريحات صحفية خلال الإدلاء بصوته في جولة الإعادة، إن تنسيقية شباب الأحزاب سيكون لها دورًا ملموسًا في المجلس المقبل.
وعلَّق أحد المرشحين الفائزين بانتخابات النواب، عن تنسيقية شباب الأحزاب على دورها المرتقب قائلًا "التنسيقية منصة حوار، ودائمًا ما كان لنا دور في خلق مساحة حوار مثل الحوارات التي قمنا بها خلال مناقشة قوانين الانتخابات مع 26 حزب سياسي وآخرين من الشخصيات العامة".
ويتوقع المرشح الفائز، الذي فضَّل عدم اﻹفصاح عن اسمه، دورًا للتنسيقية في كافة القضايا التي تتطلب حوارًا وطنيًا، مضيفًا "لدينا كذلك اهتمام خاص بملف الشباب".
وأكد أن انتماء أعضاء التنسيقية لأحزاب مختلفة لن يخلق أزمة في حال اختلاف المواقف مع القرارات الحزبية،مفسرًا "في التنسيقية لدينا مرونة لاستيعاب وجهات النظر وقبول التعدد، وكل نواب التنسيقية لهم حق في تبني وجهات نظر مختلفة".
من جهته عقَّب عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب، محمود القط على حديث عبد العال بشأن الدور المرتقب للتنسيقية، مشيرًا إلى أن منذ تدشينها في 2018 تلقى أعضاؤها تدريبات وبرامج إعداد جيدة أهلتهم لكسب خبرات ومهارات في عالم السياسية والتشريع، معتبرًا أن أعضاء التنسيقية الممثلين في البرلمان لديهم قدرات قانونية وسياسية تجعلهم "أذرع ديناميكية للمجلسين".
يرى القط أن أعضاء التنسيقية في المجلسين يمتازون بقدرتهم على التواصل مع المواطنين والاحتكاك بهم والتعبير عن مشكلاتهم، وفي الوقت نفسه مؤهلين سياسيًا وقانونيًا لوضع تشريعات وممارسة الأدوار الرقابية.
لكن أعضاء التنسيقية لم يحددوا بعد أولوية أجندة العمل البرلمانية، بحسب القط "مع انعقاد البرلمان المقبل سنضع أولوياتنا، لكن في كل الأحوال نهتم بمشروعات القوانين التي تهم الشأن المصري، والتي لم يتم حسمها في الدورة البرلمانية الماضية، مثل قانون الإدارة المحلية والأحوال الشخصية والإيجار القديم".
غياب المصريين الأحرار
غاب حزب المصريين الأحرار عن مجلس النواب المقبل، بعد خسارة جميع مرشحيه على المقاعد الفردي في انتخابات مجلس النواب. وانتهى الدور البرلماني للحزب الذي تأسس عقب ثورة يناير بمبادرة من رجل الأعمال نجيب ساويرس، وصعدت أسهمه حتى حصل على الأكثرية الحزبية في انتخابات 2015 بواقع 65 مقعدًا.
لم يكن تراجع المصريين الأحرار مفاجئًا، فالحزب شهد على مدار السنوات الماضية خلافات داخلية، بدأت بانشقاق كبير وصراع بين رئيس الحزب عصام خليل، ومؤسسه نجيب ساويرس، ودعاوى قضائية، وبلاغات للجنة الأحزاب.
وناصَر نواب الحزب خلال هذه المعركة جبهة عصام خليل، إلا أن احتشادهم خلفه لم يستمر طويلًا، وبدأ تماسك الحزب يتخلخل عقب استقالة رئيس كتلته البرلمانية علاء عابد، وإعلان انضمامه لحزب مستقبل وطن.
ولم تكن استقالة عابد الوحيدة، إذ تلاها العديد من الاستقالات التي لم يعلن عنها أصحابها لضمان عدم الطعن على العضوية عقب تغيير الصفة الحزبية.
وخلال الإعداد للقائمة الوطنية من أجل مصر، التي قادها حزب مستقبل وطن، رفض عصام خليل الانضمام لها واكتفى بالمنافسة على المقاعد الفردية فقط، وهو ما دفع النائب أيمن أبو العلا للخروج من صفوف الحزب والانضمام إلى حزب الإصلاح والتنمية والترشح على القائمة الوطني وخرج المصريين الأحرار من السباق بخسارة فادحة خاصة بعد سقوط الـ 14 مرشحًا الذي دفع بهم على المقاعد الفردية في عدة دوائر.
قيادي بحزب المصريين الأحرار أوضح في تصريحات خاصة للمنصَّة أن قرار الحزب بعدم الانضمام للقائمة الوطنية سببه غياب معايير اختيار المرشحين على القائمة، وقال "حزب مستقبل وطن قال لنا سنرشح شخصين فقط، بينما منح أحزاب أخرى نراها أقل وزنًا من حزب المصريين الأحرار".
واختتم القيادي الذي تحفظ على نشر اسمه "لا نرغب في الحديث ونكأ الجراح، الجميع يعرف ماذا حدث، والحزب موجود ومستمر ويعمل لمصلحة الوطن، وليس بالضرورة يكون لنا ممثلين في البرلمان لنعمل من أجل مصر، أهم حاجة مصلحة الوطن".
تحالف جديد
مع اكتمال خريطة البرلمان الجديد، بدأت تتضح ملامح المعارضة الجديدة. فرغم خروج عدد من أعضاء تكتل 25/30 وخسارتهم الانتخابات، يستمر تحت القبة لخمس سنوات جديدة النائبان ضياء الدين داوود، وأحمد الشرقاوي.
كما نجحت بعض الأصوات المحسوبة على المعارضة لكنها في النهاية تمثل أحزابًا مؤيدة للسُلطة مثل عبد العليم داوود عن حزب الوفد، وأحمد بلال عن حزب التجمع.
وجوه جديدة قد تمثلها المعارضة في شكل جديد من خلال تحالف نواب الحزب المصري الديمقراطي وحزب الإصلاح والتنمية، اللذين يجريان حاليًا مشاورات تشكيل تكتل أو ائتلاف يجمع الحزبين ونواب المعارضة.
قال نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، باسم كامل، إن شكل المعارضة من الصعب الحكم عليه الآن وهذا أمر سابق لأوانه.
وأضاف كامل في تصريحات خاصة للمنصَّة أن الحزب من المتوقع أن يشكل تحالفًا مع نواب حزب الإصلاح والتنمية، كما يرحِّب بالتحالف مع نواب آخرين مثل ضياء الدين داود وأحمد الشرقاوي اللذان كانا ضمن تكتل 25/30.
وبهذا يرى كامل أن المجلس الجديد سيحتفظ بنفس نسبة المعارضة التي كانت في المجلس القائم مع انضمام أعضاء جدد من المستقلي، وقال "لكن الممارسة ستظل كاشفة في النهاية".
من جهته قال رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، للمنصَّة إن "الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي هو الأقرب لنا، وقد ينضم لنا بعض المستقلين الذين يتبعوا نفس المنهج والمبادئ التي نتفق عليها، وربما ينضم حزب آخر لنا في نفس السياق".
لكن قدرة حزبي الإصلاح والتنمية والمصري الديمقراطي الاجتماعي على تشكيل ائتلاف رسمي تحت القبة مرهونة بنجاحهم في ضم 25% من النواب، وتحقيق شروط المادة 96 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب التي تنص على أن "يكون تشكيل ائتلاف برلماني من 25% من أعضاء المجلس على الأقل. ويشترط في أعضاء الائتلاف أن يكونوا من خمس عشرة محافظة من محافظات الجمهورية، منهم عضوان على الأقل من كل محافظة وترشحا على مقاعدها. ولا يجوز لعضو مجلس النواب الانضمام إلى أكثر من ائتلاف في الوقت ذاته".
وتحرم اللائحة الأحزاب غير الممثلة في المجلس بأكثر من عشرة مقاعد من تشكيل هيئة برلمانية لها رئيس يشارك في حضور اجتماعات اللجنة العامة للمجلس، أو يمثلها خلال مناقشة مشروعات القوانين، أو الموازنة أو التعليق على بيان الحكومة، وغيره من الموضوعات.
معارك قضائية
في آخر انتخابات بإشراف قضائي، مرت العملية الانتخابية بسلام عدا دائرتي العمرانية والطالبية، وكفر الشيخ وقلين حيث شهدا طعون على صحة النتيجة.
يكاد يتشابه سيناريو الدائرتين حد التطابق، ففي دائرة العمرانية والطالبية زعمت حملة محمد فؤاد مرشح الحزب المصري الديمقراطي تقدمه وحصوله على المركز الثاني ودخوله جولة الإعادة، بينما جاء إعلان النتيجة من قبل اللجنة العامة مغايرًا، حيث حسمت النتائج الرسمية النتيجة من الجولة الأولى لصالح مرشح حزب مستقبل وطن، الحاصل على المركز الأول.
الأمر نفسه تكرَّر في دائرة كفر الشيخ وقلين، التي حصل أحمد الطنطاوي خلال الجولة الأولى بها على 44 ألف و200 صوت، بينما في جولة الإعادة أعلنت اللجنة العامة فوز ثلاثة مرشحين وحصولهم على مقاعد الدائرة، وخسارة طنطاوي الذي شكَّك في النتائج المعلنة خلال إعلانها وطالب بإعادة جمع النتائج الواردة في محاضر اللجان الفرعية، حسب مقطع مسجل لحظة إعلان النتيجة.
المنصَّة حاولت التواصل مع الطنطاوي على مدار الأيام السابقة، لكنه لم يرد على اتصالاتنا، بينما قال محمد فؤاد، أحد أعضاء احملة الانتخابية لطنطاوي "لدينا صور 80% من محاضر الفرز في اللجان الفرعية التي تثبت حصوله على المركز الأول بين المرشحين".
وعلى غرار الإجراءات القانونية التي اتخذها مرشح العمرانية محمد فؤاد، بدأت حملة طنطاوي اتخاذ إجراءات مشابهة وتقديم طعون ومطالب لإعادة النظر في محاضر اللجان الفرعية التي تثبت تقدمه، بحسب الحملة.
المعارك القانونية التي قد تستمر عدة أشهر لن تعطِّل الطنطاوي عن القيام بالخدمات التي يقدمها لأبناء دائرته، بحسب عضو الحملة محمد فؤاد "سنظل نخدم الناس ونظل وسطهم فنحن لا نسعى لمقعد ولكن لمساعدة الناس".
لكن تظل التساؤلات مطروحة بشأن مصير الطنطاوي عقب انتهاء مدته الدستورية في مجلس النواب، وسقوط الحصانة، ومدى إمكانية ملاحقته وتصفية حسابات سياسية معه، إلا أن فؤاد يقول "نتمنى له السلامة ونحن لسنا في مواجهات مع أحد، والنائب كان يعبر عن مواقفه، ورؤيته".