كان العام هو 1953، وكان الصبي محمود عزت ما يزال بعد في التاسعة من عمره حين انضم إلى صفوف أطفال جماعة الإخوان المسلمين، دون أن يعلم أنه بعد عقود سيكون على رأس هذه الجماعة بعد أن تصير في أسوأ حالاتها.
مرّت الأعوام، شب الصبي، وتحوّلت علاقته بالجماعة من مجرد الالتحاق بها إلى العضوية الرسمية التي ستجعله فيما بعد واحدًا من أقوى قياداتها، حد تلقيبه بـالرجل الحديدي، والذي أعلنت السلطات المصرية صباح يوم الجمعة إلقاء القبض عليه، فيما يعد ضربة جديدة لجماعة فقدت على مدار أعوام قواها، منذ أعلنت السلطات تصنيفها "إرهابية".
نشأة إخوانية
في 13 أغسطس/ آب من العام 1944، ولد محمود عزت في محافظة القاهرة، والتحق بالجماعة منذ كان طفلًا لم يتم العاشرة بعد، واستمر في صفوف "أشبالها" بالتزامن مع انتظامه في صفوف الدراسة التي حصل منها على الشهادة الثانوية عام 1960، ليلتحق بعدها بكلية الطب جامعة الزقازيق.
لم يمض على الطالب محمود في الكلية سوى عامين فقط، حتى انضم رسميًا إلى عضوية الإخوان المسلمين عام 1962؛ وهو ما ترتب عليه إنهاء دراسته للطب بعد 16 عامًا من التحاقه بالكلية. والسبب لم يكن إلاّ تعرّضه للاعتقال والسجن منذ عام 1965 ولمدة 10 أعوام؛ ليخرج فعليًا من السجن في 1974، ويتخرج في عام 1976، ويحصل على الماجستير ثم الدكتوراه عامي 1980 و1985 على الترتيب.
ولم يكتف عزت بدراسته للطب وتعيينه أستاذًا جامعيًا بالكلية نفسها، فقرر دراسة العلوم الدينية والشرعية؛ ليحصل وهو في الرابعة والخمسين من عمره على دبلوم معهد الدراسات الإسلامية، وذلك في عام 1998.
قبل ذلك، وفي عام 1981، اختير عضوًا في مكتب إرشاد الجماعة، ومن ذلك الموقع ظهرت له آراء نمّت عن أيديولوجيته "القطبية"، سواء على المستوى الفكري، فهو مَن نعى في عام 2011 أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، ودعا له بأن "يرحمه الله ويعامله بالفضل وينير قبره، ويجمعه بالأنبياء والشهداء والصالحين"، أو على المستوى السياسي، فهو مَن أعلن في مؤتمر جماهيري خلال العام نفسه، 2011، ورغم ما طرأ على الساحة في مصر آنذاك من تغييرات جذرية، أن الإخوان "يؤيدون تطبيق الحدود"، وأن حزب الجماعة، الحرية والعدالة، "سيمارس السياسة بأخلاق الإسلام".
في ذلك المؤتمر، تحدث عزت عن أن "هناك بحثًا فقهيًا منذ أوائل التسعينيات ليكون الحزب وسيلة تؤدى إلى الحكم"، لكن على الرغم من حديثه الصريح هذا، إلاّ أنه أعلن في المؤتمر نفسه أن الجماعة "ليس لها مرشح للرئاسة". لكن في النهاية كان للجماعة وقياداتها، بمن فيهم عزت، رأي آخر بالإصرار على ترشيح رجل منهم، فكان تقديم محمد مرسي للمقعد عقب رفض ترشح خيرت الشاطر.
.. وأعوام في السجن
انتظم محمود عزت في صفوف الجماعة منذ الطفولة وصولًا لشيخوخته؛ فكان لهذا أثر عليه ليس على المستوى الفكري والإيديولوجي فحسب، بل والحياتي أيضًا، فيخضع الآن عزت، الصادر ضده أحكام بالسجن والإعدام، للتحقيقات مجددًا باعتباره "المسؤول الأول عن تأسيس الجناح المسلح للإخوان، والمشرف على إدارة العمليات الإرهابية فيما بعد 2013".
ومن بين القضايا التي يخضع للتحقيقات فيها "اغتيال النائب العام هشام بركات، والعميد وائل طاحون عام 2015، والعميد أركان حرب عادل رجائي عام 2016، وانفجار سيارة مفخخة أمام معهد الأورام عام 2019، وإشرافه على الكتائب الإلكترونية الإخوانية".
قبل القضايا الحالية، بدأ مشوار عزت مع السجن منذ أكثر من نصف قرن، فالرجل قضى سنوات طويلة في السجن على ذمة قضايا مختلفة، وذلك منذ كان شابًا سجينًا في منتصف الستينيات مع أستاذه الزعيم الإخواني سيد قطب في القضية التي انتهت بإعدام الأخير بتهمة التآمر ضد الرئيس جمال عبد الناصر.
وقضى عزت خمسة أعوام أخرى في السجن، منذ 1995 وحتى 2000، بتهمة "المشاركة في انتخابات مجلس شورى الجماعة واختياره عضوا في مكتب الإرشاد"، كما تكرر القبض عليه في الألفية الجديدة، تحديدًا في 2 يناير/كانون الثاني 2008، بسبب مشاركته في مظاهرات ضد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي القضية المعروفة إعلاميًا باسم "تنظيم القطبيين"، التي جرت وقائعها عام 2010، كان محمود عزت واحدًا من المقبوض عليهم، واستمر سجينًا على ذمتها لمدة شهرين تقريبًا، بتهمة "إحياء أفكار سيد قطب الجهادية".
لكن السجن لم يدخله عزت لأسباب أيديولوجية أو سياسية فقط، فالبيزنس كان حاضرًا أيضًا في قضاياه، إذ كان واحدًا من القيادات الإخوانية التي ألقي القبض عليها في القضية المعروفة إعلاميًا باسم سلسبيل، مع كل من حسن مالك وخيرت الشاطر، والتي اتهمت فيها السلطات بـ"محاولة التجسس على أجهزة الأمن"، وظل محبوسًا على ذمتها لمدة 6 شهور، بين عامي 1992 و1993.
لهذا؛ وأمام كل هذه الأعوام التي قضاها سجينًا، نجح عزت أثناء فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر في الاختباء بعيدًا عن أيادي السلطة التي ألقت القبض على قيادات أخرى غيره، أبرزها المرشد العام للجماعة بديع، ليصبح عزت بديلًا له في قيادة الجماعة، ﻷن خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد كان من ضمن السجناء.
خلافات الرجل "الحديدي"
قبل ما وصل إليه حاليًا، وبعد اختفائه عن أعين السلطات، لم يمض سوى ساعات عقب القبض على بديع في صباح 20 أغسطس/ آب 2013، حتى أعلن تسليم مقاليد أمور الجماعة لعزت قائمًا بأعمال مرشدها، وسط أقاويل وآراء ترددت حول أن هذا الرجل"الحديدي"، سيفشل في إدارتها كونه "غير متواجد ومطلوب أمنيًّا" بعد أن ترددت شائعات بأنه "فرّ خارج البلاد إلى قطاع غزة" وفق ما ذكرته وسائل إعلامية.
لكن منذ ذلك الحين، بدأ ظهور محمود عزت، ببيانات وتصريحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالجماعة وكذلك وسائل الإعلام الموالية لها، صار بمثابة المرشد العام التاسع في تاريخ الجماعة.
وظهور الرجل لم يقتصر على القرارات والبيانات فقط التي أكد من خلالها ثباته على أفكاره، رغم ما استجد على الجماعة من متغيرات أضعفتها، بل ظهرت له مشكلات وخلافات أيضًا جعلت الأحاديث تتردد عن انقسامات داخل الجماعة، بل وأحاديث وتحليلات عن انهيارها، وذلك بعد مواقف كان أبرزها الذي نشب عام 2015 بين جبهته من ناحية وجبهة قيادي زميل له هو محمد كمال من ناحية أخرى على خلفية مشكلات في إدارة الشؤون الداخلية للجماعة.
آنذاك، لم تفلح الوساطات مع عزت، وكان أبرزها من جانب الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، وقرر القائد الإخواني الثبات على موقفه بصورة منفردة بتشكيل لجنة لإدارة تلك الأزمة وفرض لائحة إجراء انتخابات داخلية دون التفات لإخوان الخارج.
تلك الأزمة مع كمال، أعادت للأذهان ما فعله عزت قبل أكثر من عقد كامل حين شكّل جبهة ضد زميله في الجماعة، آنذاك، عبد المنعم أبو الفتوح، في عام 2009، الذي شهد أيضًا استقالة زميله نائب المرشد، محمد حبيب، والذي وصف عزت، صهر المرشد الأسبق مهدي عاكف، بأنه "يمتلك صلاحيات أكبر من صلاحيات مكتب إرشاد، كونه المتحكم في تدفق المعلومات الخاصة بها".
تحكُّم عزت في معلومات الجماعة بالإضافة إلى دوره التنظيمي، جعل من المفهوم أن يتولى إدارتها قبل سبعة أعوام شهدت تمسّكه بسياسات "متشددة" لم تراع ما تعرضت له الجماعة من نكبات، ومواقف متناقضة بدت في حوارات وتصريحات كان منها ما أكد حرصه على الانفراد والجماعة بالسلطة، وهو ما خسر معه القوى الثورية قبل أن يخسر بعدها حتى أشقاءه داخل الجماعة، التي انضم اليوم لقائمة سجنائها، بما فيهم مَن خاصمهم وخاصموه.