في 3 سبتمبر/ أيلول 2012، جلس القيادي الإخواني عصام العريان على مقعد الضيف بإحدى القنوات العربية، ليؤكد لمشاهديه أن "الرئيس محمد مرسي لا يمكن أن يتخلى عن حزب الحرية والعدالة الذي رأسه، وجماهير هذا الحزب التي ساندته".. فيما مثّل ردًا منه على مطالبة قوى سياسية لمرسي بترك ارتباطاته السابقة في جماعة الإخوان أو حزبها، ما اعتبره العريان مطلب "غير عقلاني بالمرة".
في ذلك الوقت، لم يكن العريان يعلم أنه بدأ صدامًا مع قوى و"جماهير" أخرى غير التي ساندت رفيقه في الجماعة، وأنه صدام سيحوّله من تلك الشخصية التي تُفضّل تعامل الجماعة مع قوى سياسية أخرى، ولو من أجل المصلحة، إلى هذا القيادي السياسي والحزبي الذي يستعدي بتصريحاته الآخرين، بل ويكيل لهم اتهامات.
على مدار 8 أعوام بين 2012 الذي اختلف فيه موقع العريان من أحد أعضاء جماعة ضد النظام إلى واحد من أركان السلطة، وصولًا إلى اليوم 13 أغسطس/ آب 2020 الذي شهد وفاته عن عمر 66 عامًا داخل السجن، تحوّلت مواقف الرجل بصور عديدة ظهر فيها للجماهير بأوجه مختلفة بدا فيها الانفتاح حينًا والصدام أحيانًا.
ابن الجماعة
جغرافيًا، ينتمي الرجل إلى قرية ناهيا مركز إمبابة بمحافظة الجيزة، والتي وُلد فيها يوم 28 أبريل/ نيسان عام 1954، يحمل اسم عصام الدين محمد حسين محمد حسين العريان، وهناك تلّقى تعليمه الولي في مدرسة ناهيا الابتدائية للبنين إلى الأورمان النموذجية بالدقي، التي انتقل منها إلى كلية طب قصر العيني، ومنها حصل عام 1977 على بكالوريوس الطب والجراحة، ثم ماجستير الباثولوجيا الإكلينيكية.
علميًا، بجانب تخصصه الرسمي كطبيب، قرر العريان على مدار سنوات مختلفة دراسة علوم أخرى، فحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1992، وليسانس الآداب في التاريخ عام 2000، ثم إجازة التجويد في القرآن الكريم في العام نفسه.
فكريًا، هناك حسابات أخرى. فلو قالت الجغرافيا إنه ابن لإمبابة، ستقول الأيديولوجيا إنه ابن لجماعة الإخوان المسلمين منذ عقود، حين قرَّر وهو شاب أن يكون له دور في النشاط الطلابي، ليبدأ اﻷمر بكونه عضو مؤسس للنشاط الإسلامي بالجامعات المصرية، ثم مسؤولًا عن اتحاد الطلاب بجامعة القاهرة التي تولى فيها منصب أمير الجماعة الإسلامية، ثم منسق مجلس شورى الجامعات في الاتحاد العام للجمعيات والجماعات الإسلامية في نهاية السبعينيات.
في ذلك العقد، ظهرت مساعي الشاب للانتماء لجماعة الإخوان التي كانت تحت قيادة عمر التلمساني. وبالفعل لم تمض سوى أعوام حتى صار نائبًا باسمها عن دائرة إمبابة خلال دورة انعقاد مجلس الشعب من1987 إلى 1990.
هذا الدور النيابي سيعيد العريان لعبه بعد عقود، لكن بصلاحيات أكبر وذلك حين يصبح رئيس الهيئة التشريعية لحزب الحرية والعدالة، والتي سيستقيل من عمله في الهيئة الاستشارية للرئيس بسبب "تضارب المصالح بينهما" ويتفرغ لبرلمان وصفه محللون سياسيون آنذاك بأنه سيكون غامضًا.
لم يكتف العريان في تلك الفترة بما حققه من طموحات مهنية وسياسية، بل قرر أن يكون واحدًا من لاعبي الإخوان في الملاعب النقابية أمام فريق آخر هو الخاص بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، فحدث وأن فاز الطبيب الإخواني بمقعد في مجلس إدارة نقابة الأ، ثم في منتصف الثمانينات صار أمينًا عامًا مساعدًا لها.
والثمانينيات هو ذلك العِقد الذي شهد بداية القبض على الطبيب والناشط النقابي والسياسي الإخواني، الذي قضى عامًا واحدًا في السجن من سبتمبر/ أيلول 1981 إلى أغسطس 1982. بينما اختتم العريان الألفية الماضية بحكم عسكري بالسجن خمس سنوات أشغال شاقة، نفذه منذ منتصف التسعينات وحتى عام 200، مدانًا بتهمة "الانتماء لجماعة الإخوان وإدارتها".
صوت التآلف
سُجِنَ العريان بتهمة الانتماء للإخوان، لكن لم تكن جميع مرات سجنه لهذا السبب، فإحداها كانت بسبب تضامنه وآخرين مع قُضاة "تيار الاستقلال" الذين عرفتهم مصر بين عامي 2005 و2006 بتحركات اتخذوها ضد "تزوير الانتخابات البرلمانية". ما تسبب في سجنه سبع شهور منذ مايو/ أيار وحتى ديسمبر/ كانون اﻷول 2006.
منذ سنوات الثمانينيات وحتى العقد اﻷول من الألفية الحالية، تكررت مرات سجن العريان على فترات زمنية متقاربة، إلى أن اندلعت ثورة يناير، فكان واحدًا ممن ألقي القبض عليه فجر يوم "جمعة الغضب"، لكن سرعان ما أخلي سبيله وقيادات أخرى بعد تنحي مبارك، لينطلق الرجل من بين جدران السجن الأربع إلى ساحات السياسة والإعلام، التي قدمه بعضها في تلك المرحلة باعتباره واحدًا من "رموز التيار الإصلاحي للجماعة".
في تلك الفترة حاول العريان كسب أطراف مختلفة، أو على أقل تقدير عدم خسارتها، فهو أكد أن جماعته وحزبها "الحرية والعدالة"، وفيما يتعلق بالهيئات المحلية على مستوى المحافظات، "لن يتجاوز نصيبهما فيها عدد أصابع اليد الواحدة"، فيما أوحى للشعب بتطبيق مبدأ "المشاركة لا المغالبة" الذي سبق وأن وعدت به الجماعة، كما بدا في تصريح آخر له، قال فيه إن الرئيس سيحاط بـ"هيئة استشارية تتكون من 17 عضوًا، تمثل مجمل أطياف الطيف السياسي المصري وليست لهم مهام تنفيذية".
وكذلك، حاول الرجل كسب مؤسسات بالدولة، وأبرزها العسكرية، وذلك حين نفى ما نُسب إليه من تصريحات عن أن إقالة مرسي لقيادة عسكرية كان بسبب "التخطيط لانقلاب ضده".
لكنه أكد في الوقت نفسه "أن هذه الخطوة جريئة جدًا، وأعادت الأمور إلى نصابها الصحيح، لأن البلد لا يمكن أن تكون برأسين".
ووجه صدامي
حديث العريان عن المؤسسة العسكرية، وكذلك مهاجمته للقوى السياسية التي طالبت مرسي بالاستقلال عن الجماعة، ليس استثناء، فالعريان الذي خسر انتخابات رئاسة الحزب، الذي أسسته الجماعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، أمام زميله في الجماعة سعد الكتاتني، والمحسوب على الجناح المتشدد الذي يتزعمه خيرت الشاطر، كان له مواقف وتصريحات كشفت عن وجه آخر للعريان، صدامي.
أحد أبرز تصريحاته كانت تلك التي أدلى بها في أواخر ديسمبر 2012، ورحب فيها بعودة اليهود المصريين إلى مصر من إسرائيل وكذلك استرداد أملاكهم، من أجل "إفساح المجال للفلسطينيين للعودة إلى أراضيهم"، ما أغضب قطاع آخر منه لتساؤله عن "سبب طردهم من جانب الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر؟"، والذي قال عنه إنه "لم يثق بهذا الشعب أبدًا، فلم يعرض نفسه على الشعب فى استفتاءات حرة نزيهة، فضلاً عن أن تكون انتخابات تنافسية ولو مزورة".
صدامات العريان لم تقتصر على شخصيات، إذ امتدت من جانبه إلى جهات، كان منها السلطة القضائية التي اتهمها بالتدخل في "العمل التشريعي"، والإعلام، تحديدًا الخاص، الذي هاجمه أثناء حرب غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 واتهمه بـ"الانحياز ضد الرئيس مرسي"، بينما أشاد بقوات الشرطة المصرية التي كانت قد دخلت في صدامات مع معارضي مرسي، بقوله إن "هناك مَن يريد أن يجر الشرطة إلى صدام ويهدم أحد أركان الدولة".
بعد أسبوع تقريبًا من هذه الإشادة بالشرطة، كان العريان يُكيل الاتهامات لمعارضي مرسي، الذين وصفهم بـ"قوى الثورة المضادة" التي تحاول الاشتباك مع "حُماة الشرعية" في وقت كانت الاحتجاجات تتصاعد ضد مرسي بعد الإعلان الدستوري، بصورة دفعت منظمات حقوقية دولية للمطالبة بالتحقيق في هذه "الانتهاكات" ضد المتظاهرين.
لكن العريان بقي ثابتًا على موقفه، بل صعّد خطابه بوصفه هذه الاحتجاجات بأنها ثورة "فوتوشوب"، كما اتهم ما سماه "الدولة العميقة في مصر" بمحاولة إعادة إنتاج نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وذلك "بمساندة أجهزة مخابرات إقليمية، ودول إقليمية".
كل هذه المواقف بدرت عن العريان سواء حين كان في الحزب وهيئته البرلمانية، أو حتى بعد إقصائه من منصبه الحزبي، فالقيادي الذي تربى في الإخوان بقي على ولائه لجماعته حتى لحظة القبض عليه ثم دخوله على مدار 7 سنوات في سلسلة من المحاكمات على ذمة عدّة قضايا انتهى بعضها ﻷحكام بالمؤبد وكان منها "اقتحام الحدود الشرقية" و"أحداث قليوب" و"أحداث البحر الأعظم"، فبقي سجينًا حتى اليوم، تاريخ رحيله.