مظاهرات 30 يونيو 2013. صورة من ويكيبيديا - برخصة المشاع الإبداعي

ملتحٍ في القاهرة

مشاهدات زهران ممداني لقاهرة قبل وبعد 30 يونيو 2013

منشور الأربعاء 2 يوليو 2025

بعد اثني عشر عامًا من 30 يونيو، تقدم المنصة ترجمةً لمقال السياسي الأمريكي من أصل هندي، زُهران مَمداني، الذي عاصر الأحداث وقتذاك في القاهرة حين كان يدرس اللغة العربية في مقتبل حياته، ونشر مقاله في موقع bowdoinorient.com في أغسطس/آب من العام نفسه.   

ممداني من أبرز الوجوه السياسية الصاعدة في الولايات المتحدة، ويجسد صعوده تحوّلًا لافتًا في المشهد السياسي الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الفلسطينيين. وُلد عام 1991 في كمبالا، أوغندا، لأسرة مهاجرة ذات جذور أكاديمية وفنية، فوالده هو المفكر الهندي المعروف محمود ممداني ووالدته المخرجة السينمائية ميرا ناير. انتقل مع عائلته إلى نيويورك وهو في السابعة من عمره، حيث نشأ وتلقى تعليمه، وتخرّج لاحقًا من كلية بودوين متخصصًا في الدراسات الإفريقية.

تجربة ممداني ابنَ مهاجريْن ومسلمًا أمريكيًّا شكّلت رؤيته السياسية، فعمل قبل دخوله السياسة مستشار إسكان، مدافعًا عن العائلات الفقيرة والمهددة بالطرد في كوينز. هذه التجربة دفعته إلى الخوض في العمل السياسي، حيث انتُخب في 2020 عضوًا في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عن منطقة أستوريا، وأعيد انتخابه مرتين دون منافسة تُذكر. يتخذ ممداني مواقف جريئة ومنحازة بوضوح لحقوق الفلسطينيين. لم يتردد في وصف ما يحدث في غزة بأنه "إبادة جماعية"، وعبّر عن استعداده حال أصبح عمدة نيويورك لتنفيذ أوامر المحكمة الجنائية الدولية بحق القادة الإسرائيليين، حتى لو تطلب الأمر اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي حال زار المدينة. كما يدعم حركة المقاطعة (BDS) ويؤكد أن انتقاداته موجهة لسياسات الحكومات وليس للمجتمعات الدينية. نجاح ممداني في الانتخابات التمهيدية لرئاسة بلدية نيويورك، متقدمًا على شخصيات بارزة مثل أندرو كومو، يُعد "زلزالًا سياسيًا" في مدينة تعاني من غلاء المعيشة وتبحث عن حلول جذرية لأزماتها. حملته، التي جمعت بين مطالب العدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، حشدت الشباب والمسلمين واليهود التقدميين وشرائح واسعة من الطبقة العاملة، لتؤكد أن الخطاب المؤيد لفلسطين أصبح اليوم جزءًا من التيار السياسي السائد في بعض دوائر الحزب الديمقراطي.

يحمل صعود ممداني دلالات عميقة؛ فهو يعكس تحوّلًا في المزاج الشعبي الأمريكي تجاه قضايا الشرق الأوسط، ويمنح الأمل لجيل جديد من أبناء المهاجرين الذين يرون في تجربته نموذجًا للاندماج والتمكين السياسي دون التخلي عن القيم والمبادئ الإنسانية. ما يلي هو نص المقال:


وصلتُ القاهرة، الأربعاء، 19 يونيو/حزيران، قبل أحد عشر يومًا من اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. استأجرتُ شقةً في 15 شارع البستان على بُعد دقائق معدودة سيرًا على الأقدام من ميدان التحرير. وبأسلوب الأجانب المعتاد، دفعتُ ضِعف الأجرة لسائق التاكسي، وجررتُ حقائبي إلى بهو العمارة.

في معظم عمارات القاهرة يوجد بوَّاب، وقطعت أول حديث لي معه في محاولة لشرح مدى معاناتي من رهاب الأماكن المغلقة، وأنني سأصعد الثمانية طوابق على الأقدام. ابتسم وأخذ حقائبي ودخل المصعد، فبدأتُ أنا في الصعود.

في الصيف السابق، كنتُ أدرسُ في برنامج اللغة العربية بكلية ميدلبيري مع صديقٍ أوصاني لاحقًا بالالتحاق بمعهدٍ لغويٍّ في القاهرة. أخذتُ بنصيحته، وسجلتُ هذا الصيف في دورة مكثفة لستة أسابيع، وتركتُ لنفسي أسبوعًا في النهاية للتجول في أنحاء البلاد.

مصر، مثلها مثل غيرها من الدول الناطقة بالعربية، يتحدث أبناؤها لهجةً تُعرف بـ"العامية". تختلف العامية عن الفصحى اختلافًا واضحًا، رغم الصلة بينهما. وكغيري من طلاب اللغة الأجانب، تعلمتُ الفصحى، فهي لغة المدارس والخطابات الرسمية والكتابة. لكنني سرعان ما اكتشفتُ أن لا أحد يتحدث بها في الحياة اليومية إلا ربما في الخطابات الرئاسية. حين بدأتُ استكشاف شوارع الحي الذي أقطنه، كنت أحاول محادثة من ألتقي بهم. وفي منتصف إحدى المحادثات، توقف الرجل الذي كنت أحدثه وقال "مش مصدق إني بتكلم فصحى دلوقتي"؛ قالها كلها بالعامية طبعًا. كنتُ أُشبِه شخصيةً شكسبيريةً تمشي في شوارع لندن بالقرن الحادي والعشرين؛ كل ما كان ينقصني هو الزيّ العتيق.

مع ذلك، حتى دون سترة وعباءة، تعلمتُ بسرعة أن عليَّ تغيير مظهري. القاهريون لا يرتدون الشورتات، ولا يحملون حقائب الظهر، ولا يجمعون بين الاثنين إطلاقًا. في أيامي الأولى، لم أكن أرتدي أيًا منهما، فمشيتُ في الشارع دون أن يلاحظني أحد. لكن ما إن ارتديتُ شورتًا ووضعتُ كتابي في حقيبة ظهر، حتى بادرني رجلٌ لم يلتفت إليّ في اليوم السابق قائلًا بإنجليزية بها لكنةً واضحةً "نعم يا سيدي، أيمكنني مساعدتك؟" فعُدتُ إلى البنطال ودفتر الملاحظات.

ما إن وصلتُ القاهرة حتى أدركت أن الخوف من اللحية لا يعرف حدودًا

وفي الوقت ذاته، كنت قد وصلتُ إلى مجتمع يُجسَّد فيه الامتياز بنموذج مختلف عن ذاك الذي اعتدتُه، فبدلًا من النموذج الذي ألفته؛ الرجل الأبيض المسيحي، ظهرت صورة جديدة أكثر شبهًا بي؛ بشرة سمراء، شعر أسود، واسم مسلم. مع الملابس المناسبة، كان البعض يظن أنني مصري، وغالبًا ما يظنون أنني سوري، وكلتا الهويتين منحتني حرية التنقل في القاهرة دون قيود.

لكن خلال العام الماضي أضفتُ سمة أخرى لشكلي؛ لحية. في البداية كانت رمزية، نوعًا من التحدي لصورة نمطية منتشرة في أمريكا "أسمر بلحية؟ إرهابي!". لكن ما إن وصلتُ القاهرة، حتى أدركت أن الخوف من اللحية لا يعرف حدودًا. كثير من أصدقائي المصريين قالوا لي مازحين، ثم بجدية، إنني أبدو إخوانيًّا. على ما يبدو، هناك أربع درجات للحية؛ حليق، لحية خفيفة أنيقة، إخواني، ثم ناشط. ولا أعرف كيف يصل الناشطون للمرحلة الرابعة دون المرور بالثالثة.

"عالم من النشوة"

يوم الخميس، 27 يونيو، وبعد أربعة أيام من بدء دراستي، مررتُ بميدان التحرير في طريقي من المترو إلى البيت. كانت مظاهرات 30 يونيو الكبرى لا تزال على بُعد يومين، لكن مرسي كان سيلقي خطابًا تلك الليلة استباقًا للمظاهرات المقبلة، فاجتمع المتظاهرون لمتابعة بث الخطاب على شاشة عرض في الميدان.

جلستُ بجوار مجموعة من السيدات كبيرات السن، تركزتْ أنظارنا على المشهد أمامنا. كان عالمًا من النشوة والجاذبية الجماهيرية. حتى بأعدادٍ محدودة، كان الناس يتزاحمون، يهتفون ويصفقون، يقودهم رجل محمول على أكتاف آخر. أنهى الهتاف، أشعل شعلة وأخذ يلوّح بها، بينما كانت الشمس تغيب في الأفق. كان مزيجًا من الثورة وملاعب كرة القدم وغلاف رديء لمجلة نيوزويك. شعرتُ وكأنني في بيتي.

بعد وقت قصير في التحرير، فهمتُ إدمان الثورة والاحتجاج. أولئك الذين لم يكن لهم صوت في رسم ملامح المجتمع مُنحوا فرصة الكلام، مع وعد بأن صوتهم سيجد صدى لدى الآلاف. انقلبت مفاهيم الطبقة والمكانة، إذ صعد من لا يملكون شيئًا على أكتاف الآخرين، لتعلو أصواتهم. وتأسست هذه اللحمة الاجتماعية الجديدة على معارضة واسعة لكل ما تمثله الحكومة من بيروقراطية وظلم وطائفية.

قلتُ للحلاق بلهجتي العامية الركيكة إنني أريد لحيةً كلحيته

لكن رغم انهيار كثير من الحواجز الاجتماعية التقليدية، بقي حاجز النوع الاجتماعي. رأيت كثيرًا من النساء في المظاهرات، لكنهنّ كنّ عرضةً لخطر حقيقي من التحرش والاعتداء، خصوصًا ليلًا. مجموعتا قوة ضد التحرش/الاعتداء وكرامة بلا حدود عملتا على التصدي لتلك الاعتداءات، وحضرتا معظم المظاهرات الكبرى، وقد أبلغت الأولى عن عشرات الحوادث في نهاية كل ليلة احتجاج. استشطت غضبًا من القصص والإحصاءات، وفكرتُ في التطوع، ثم أدركتُ أن آخر ما يحتاجه المصريون هو أجنبي حسن النية يتدخل.

عدتُ إلى الشقة بعد ساعة. كان أستاذي طلب مني في وقت سابق من اليوم مشاهدة خطاب مرسي. وحين واجهتُ صعوبة في فهمه، التفتُّ إلى زميلي المصري في السكن لأطلب منه الترجمة. ضحك وقال إنه لا يفهمه هو الآخر، مع أننا نعلم أن مشكلته مع الخطاب كانت سياسية، أما أنا فمشكلتي كانت لغوية. وبينما كان يضحك، أشار إلى لحيتي مرة أخرى. وبعد أن شاهدتُ المظاهرة التي هُوجم فيها الإخوان، قررتُ أن الوقت قد حان لتهذيب اللحية.

تغيير مصر وتغيير اللحية

في تلك الليلة، ذهبتُ إلى صالون الحلاقة في الشارع المجاور، وقلتُ للحلاق بلهجتي العامية الركيكة إنني أريد لحيةً كلحيته، وكذلك شعري. شعرتُ أنني واحد من آلاف المواطنين أو المقيمين ذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة، الذين حلقوا لحاهم بعد أحداث 11 سبتمبر، واستبدلوا بعمائمهم ضفائر. باستثناء أن المصريين في كل أطراف الصراع الحالي، حسب معايير "الحرب على الإرهاب"، كانوا سيُعدّون مشبوهين في أمريكا. بعد نصف ساعة، خرجتُ من الصالون بمظهر مصري عصري، بلحية خفيفة وتسريحة "فوهوك".

كنتُ قادرًا على تحمل تعليق عرضي من مخمور في حفلة طلابية يقول لي "لحية إرهابي جميلة"، لكني لم أكن مستعدًا لمواجهة غضب عشرات الآلاف من المتظاهرين. أدركتُ أنني لم أعد أتمسك بنشاط سياسي، بل بعناد لا طائل منه. ومع ذلك، حتى بعد حلاقة اللحية، ظلت أسباب الاحتفاظ بها قائمة. كانت لحيتي احتجاجًا على دلالاتها الضيقة في أمريكا ومصر. إنَّ الأحادية وبساطة استنتاجاتها أمرٌ خطيرٌ دائمًا.

الصراع في مصر ليس ثنائيًّا، بل متعدد الأطراف؛ من تمرد (الحركة التي نظّمت المظاهرات وتمثل الكثير من قلق اليسار المصري) إلى الفلول (بقايا نظام مبارك)، والجيش، والإخوان، وغيرهم. وتكمن الحيرة في أن هذه الأطراف باستثناء الإخوان باتت تتحدث بصوتٍ واحد، مما يعطي انطباعًا بتحالف سياسي حقيقي. لكن جبهتهم الموحدة قائمة أساسًا على رفض الإخوان، مما يجعل وحدتهم مؤقتة وهشة.

لكن هذا الصراع ليس "صناعة مصرية" فقط. فالممولون الأمريكيون من دافعي الضرائب ما زالوا يقدمون 1.3 مليار دولار سنويًا للجيش المصري، وهو الجيش نفسه الذي أشاهده الآن يطيح برئيس منتخب يتولى قيادة البلاد؛ عملية غير ديمقراطية في وجهة نظر معظم الأمريكيين.

بينما كانت المعارك حول تعريف وصياغة مستقبل مصر تتصاعد، كنا، أنا وزملائي في السكن، نعيش بين سيناريوهات نهاية العالم، وحياة يومية عادية. خزّنا المعلبات والنودلز، وبقينا في البيت في الأيام شديدة التوتر. لكنني واصلتُ الذهاب إلى الصف، وزملائي إلى أعمالهم، بعد 30 يونيو. بينما كان أصدقائي الأمريكيون يستعدون للمغادرة تنفيذًا لنصيحة السفارة الأمريكية، لم أكن أرى تلك الأجواء المشحونة التي كانت تصفها الأخبار. بصفتي شخصًا يتمتع بامتياز اجتماعي في مصر، كانت الشوارع كما هي، والناس كما هم، والمترو مكتظًّا كعادته. لم ألحظ الفارق إلا عندما أقترب من التحرير، فأجد نقطة لتفتيش المتظاهرين، وفي الخلفية حشود من مئات الآلاف.

ما بعد مرسي

في 3 يوليو، تحقق مطلب الجماهير حين أعلن الفريق عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش، عزل مرسي، وتعليق العمل بالدستور، والدعوة لانتخابات جديدة.

وفي خضم نشوة المحتجين المعارضين لمرسي في حيي، كانت مخاوف والديّ تتزايد. غادرتُ القاهرة فجر الجمعة، 5 يوليو/تموز أخيرًا مستجيبًا لطلبهما بالعودة إلى كمبالا، أوغندا. بقيتُ أسبوعين مع عائلتي، قضيتها في إعادة التقديم على تأشيرة مصرية، ومحاولة إقناع والديّ بالسماح لي بالعودة. وفي الأحد 21 يوليو عدتُ. استقبلني زملائي في السكن بابتساماتٍ وأحضان، وتحدثتُ العامية بحماسة، وفتحتُ حقائبي استعدادًا لأسابيعي الثلاثة الأخيرة في القاهرة.

طوال وجودي في كمبالا، كنتُ متأكدًا أن والديّ تسرّعا في إجلائي. نعم، كانت هناك أحداث عنف في القاهرة، لكنها كانت محصورةً، ويمكنني تفاديها. لكنني فقدتُ يقيني فور دخولي الصف يوم الاثنين، 22 يوليو. كان هناك أمران اعتدتُ عليهما في كل درس؛ أن أستاذي، وهو من مؤيدي الإخوان، يشاركنا وجهة نظره، وأنه يفعل ذلك بلحية. استمرت نقاشاتنا، لكن لحيته اختفت، واستبدَل بها شاربًا، فقد شعر وجهه دلالاته السياسية، وصار مجرد مظهر. وعندما سألته، قلل من أهمية التغيير. وانتقلنا إلى النحو، تاركين الواقع خلفنا.

نصحني بألا أتكلم العربية بل الإنجليزية وحدها حتى لا يظن أحد أنني سوري

كان أستاذي يطلب مني دائمًا مرافقته إلى المترو بعد الصف، وكنتُ أرفض، لرغبتي في الاتصال بحبيبتي أو التجوال منفردًا. لكن ذلك اليوم، كنتُ متحمسًا جدًّا لعودتي للقاهرة والدراسة والحديث بالعربية، فطلبتُ منه أن نمشي معًا. وحين غادرنا المعهد، تحدث عن لحيته. قال إن والدته طلبت منه حلقها بسبب تصاعد الخطاب المناهض للإخوان في الشارع، وأضاف وهو ينظر إليّ "أنا ابنها الوحيد، ولازم أسمع كلامها".

تابعنا المشي، ولاحظتُ أنه صار شحيح الكلام، على عكس ما كان عليه في الصف. عندها تذكرتُ ما قاله لي سابقًا. حين تحدثتُ عن تصاعد الخطاب المعادي للفلسطينيين والسوريين كجزءٍ من محاولة الجيش ربط الإخوان بقوى خارجية، نصحني ألا أتكلم بالعربية، بل بالإنجليزية وحدها، حتى لا يظن أحد أنني سوري. صدمتني كلماته، لكني لم أفهم معناها الكامل إلا ونحن في طريقنا إلى المترو.

خارج الصف، كانت أحاديثه قصيرة ومتحفظة وخافتة، كلها بسبب الخوف. وعندما ركبنا القطار، فقدتُ متعة التنقل والدردشة مع من أقابلهم؛ وصرتُ أطأطئ رأسي وأسير بسرعة، أتعامل مع كل رحلة على أنها وسيلة، لا غاية.

من القاهرة إلى برونزويك

في الأربعاء، 24 يوليو، دعا السيسي المصريين للخروج إلى الشوارع بعد يومين لمنحه تفويضًا شعبيًّا "لمواجهة الإرهاب". استبدل بكلمة "الإخوان" "الإرهابيين"، وكانت الرسالة واضحة. مشكلتي كانت أن الاستبدال امتد أكثر؛ بلحية بدل إخوان، سوري بدل إخوان، أجنبي بدل إخوان. مرة أخرى، تعود خطورة التبسيط. وعلى الرغم من أنني كنتُ قد حلقت لحيتي الليلة السابقة، واخترتُ بدلًا منها سكسوكة غريبة، فقد كنت لا أزال أستوفي اثنتين من تلك السمات.

ليلة الأربعاء، طلب مني والداي الرحيل، ووافقت. صباح الخميس، كنتُ في طريقي إلى نيويورك، وليلة الجمعة، كنتُ على سريري في برونزويك.

أشكو لأصدقائي من اضطراب خططي، لكن حياتي المريحة لا تُقارن بحال المصريين. مثلي، قضوا شهرين في قلب العاصفة، لكنني كنتُ مجرد مشاهد، أما هم فقد جرفتهم الأحداث. توقفت علاقتي بمستقبل مصر لحظة أن لمست قدماي أرض مطار JFK؛ أما هم، فمصيرهم متعلقٌ بها دومًا. ومن أجلهم، يجب أن نأمل في أن تجد هذه الأزمة مخرجًا.

في خضم هذا التعقيد، أين تكمن الإجابات؟ في المساحة المشتركة بين أركان السياسة التقليدية وبصيرة عالم تويتر، حيث يقدم شريف عبد القدوس وباتريك كنجسلي وسارة كار  و@Moftasa(*) من بين آخرين، أعمق الرؤى. أنصح كل مهتم بمتابعة هؤلاء، فهي المساحة الوحيدة المتاحة لي الآن، بينما تتلاشى شوارع القاهرة في الذاكرة.


(*) الحساب لم يعد موجودًا على X