أغلقت إكرام يوسف الهاتف بعد أن أبلغها الموظف المسؤول عن تحديد موعد زيارات نزلاء السجون المصرية بالشروط الجديدة، وهي تسأل كيف ستقضي زيارتها الأولى، بعد حرمانها لنحو 6 أشهر من التواصل مع ابنها زياد العليمي، المسجون احتياطيًا على ذمة القضية 930 المعروفة باسم مُخطط الأمل أو تحالف الأمل الانتخابي.
أعلنت وزارة الداخلية أمس عبر صفحتها على فيسبوك استئناف الزيارات للسجون المصرية مع تحديد مدة الزيارة بـ 20 دقيقة فقط، وتقليص عدد الزيارات المسموح به لمرة واحدة في الشهر، ولشخص واحد فقط من أقارب الدرجة الأولى للسجين، وخصصت 118 خطًا هاتفيًا لتلقي طلبات تحديد الزيارة.
الكاتبة الصحفية والمترجمة إكرام يوسف، هي واحدة من آلاف يتلهفون للاطمئنان على ذويهم داخل السجون، تقول إنها تفاجأت ببيان الوزارة، ورفعت هاتفها لحجز موعد زيارة دون تفكير في أي شروط أو عوائق مساء أمس "إمبارح زي كل الأسر؛ حاولت أكلم كل الأرقام المخصصة لكن ماكنش في رد أو مقفول أو مش بيجمع، فهمت ضمنيًا إن الأرقام هتكون مفتوحة في مواعيد العمل الرسمية، صحيت النهارده بدري وحاولت أكلمهم وردوا علي بعد مرات كتير من الاتصال، والرد كان مقتضبًا جدًا".
عن تحديد مواعيد الزيارة وجدولها وكيفية تنظيمها؛ تشرح يوسف العملية التي مرّت من خلالها عبر هذا الاتصال القصير بوزارة الداخلية قائلة "إدوني ميعاد لزيارة زياد يوم 3 سبتمبر الجاي، وده معناه أن هيبقى فات 6 شهور إلا 5 أيام مابشوفش ابني، وعرفت إن فيه ناس أخدت مواعيد أبعد من كدا. كلنا كنا مستنيين الزيارات تفتح بعد كل الشهور دي علشان نقدر نتطمن عليهم في أقرب وقت لكن اللي بيحصل مش واضح، ولما سألنا على أساس إيه الناس بتاخد مواعيد بعيدة كده، قالوا بالترتيب الأبجدي".
في 10 مارس/ آذار بدأت الحكومة تطبيق قرار وقف الزيارات بالسجون كاجراء احترازي للحد من انتشار فيروس كوورنا، القرار في البداية كان لعشرة أيام تنتهي في 20 مارس من نفس الشهر، إلا أنه جرى تجديدها لاحقًا عدة مرات. وتزامن مع هذه القرارت استغاثات من أهالي السجناء مطالبين باطلاق سراحهم لتخفيف ازدحام السجون خوفًا من ارتفاع احتمالات انتقال العدوى، تبعتها دعوات للمصالبة باعطاء السجناء الحق في إجراء اتصال تليفوني بذويهم، إلا أن هذه المطالبات رفضت جميعها.
ويكفل قانون تنظيم السجون حق الزيارة والمراسلة للسجناء في المواد من 38 إلى 42، وتفصّل اللائحة الداخلية للسجون هذه الحقوق بـ"حق الزيارة للمحكوم عليهم بزيارة واحدة شهريًا، أما للمحبوسين احتياطيًا والمحكوم عليهم بأحكام قصيرة فتكون الزيارة لمرة واحدة أسبوعيًا، مع عدم التقيد بعدد معين من الزائرين، مع الحق في إرسال الخطابات، ومنح الحق لمأمور السجن أو مديره بالطلاع على محتوى الخطابات ورفضها"، بحسب تقرير سابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
يعتبر المحامي نبيه الجنادي في تصريحات للمنصة أن الشروط الجديدة المفروضة في الزيارة تخالف لائحة تنظيم السجون، كما أنها إنسانيًا تعتبر غير عادلة، مضيفًا "مش منطقي بعد حرمان الأهالي شهور طويلة من الاطمئنان على ذويهم، إنهم يقضوا معاهم بس 20 دقيقة في الشهر، بعد ما كانوا بيشوفوهم لمدة ساعة كل أسبوع أو أسبوعين، ده غير العائلات اللي مش هتقدر تدخل مع بعض، في الوقت الوحيد اللي بيقدروا يتجمعوا ويشوفوا ابنهم ويتطمنوا عليه، لإن الزيارة مسموحة لفرد واحد بس من العيلة".
لكن هذا الوضع الاستثنائي يراه الجنادي مقبولًا "الظروف الاستثنائية اللي فرضها كورونا تخلينا مضطرين نقبل بالوضع ده".
نقطة ثانية غامضة تخص المحامين يقول عنها "أنا كمان مش عارف وضعنا كمحامين، مش مذكور أي حاجة عن حقنا في زيارة موكلينا، في الوضع الطبيعي كنا بنقدم طلب زيارة، وبيترد عليه خلال أسبوع، لكن دلوقتي إحنا مش عارفين هنعمل أيه، وحتى النيابة ماعندهاش رد، مازلنا مستنين أي معلومة عن وضعنا".
مؤخرًا؛ دوّن عدد من أهالي السجناء عن معاناتهم في توصيل أطعمة ومنظفات لأبنائهم، والرفض غير المبرر لكثير منها، وغياب معايير الأطعمة والمستلزمات المسموح بها والمرفوضة.
عن هذه العقبات تقول يوسف "توصيل الطلبات بعد منع الزيارات بيبقى فيه عقبات كتير، كل مره بحاول على قد ما أقدر آخد حاجات ماتترفضش، يعني الرز ممنوع، بقالي سنة مش عارفة أبعت الأكلة دي، أوقات حاجات بتدخل ومرات تانية نفس الحاجة بتترفض، فالمفروض نعرف بشكل واضح إيه المسموح علشان ندخله ونوفر وقت المجادلات. حاولت أسأل الموظف اللي رد إيه الأكل المسموح بيه أو الأدوية، خصوصًا إني مابستلمش جوابات من زياد، وبأجيب الأدوية اللي أنا فاكرة إنها خلصت عنده، لإني ما أعرفش هو محتاج إيه بالظبط وإيه خلص منه، قال لي أجيب وجبة واحدة بس. إزاي أدخّل له وجبة واحدة للشهر كله، حاولت أفهم منه أكتر لكن كل الأسئلة إجابتها كانت واحدة: معنديش تعليمات. طيب نسأل مين، ماعرفش".
مشكلة ضيق وقت الزيارة، هو واحد من المشكلات التي تشغل بال إكرام يوسف حاليًا قبل موعد زيارتها يوم 3 سبتمبر/ أيلول القادم "هاحفّظ نفسي كلام محدد أحكي له كل اللي عاوزاه. هاطمنه علينا في 5 دقايق، علشان أسيب له 15 دقيقة يكلمني فيها عن ظروفه وأخباره ويقول لي محتاج إيه. رغم إننا بقينا متعودين علي ضيق الوقت من آخر زيارات كانت مسموحة لنا في السابق". تشرح "بالرغم من حقنا القانوني في زيارة لمدة ساعة كاملة؛ كانوا بيخفضوا زيارة زياد لنص ساعه بس، وطبعًا لما كنا بنسأل ليه، الرد كان واضح: دي تعليمات".
اعتادت إكرام اصطحاب حفيدها لزيارة والده، دقائق قليلة يراه ويشاركه تفاصيل مدرسته وحياته خلال الأسبوع السابق على الزيارة، لكن الوضع الآن أصبح مختلفًا. تقول إكرام "سألت الموظف إذا كنت أقدر أجيب معايا ابنه الطفل، فقال لي إن الزيارة لفرد واحد. طيب ده طفل صغير ومحتاج يشوف أبوه، لكنه ماكنش عنده غير رد واحد: شخص واحد بس هايدخل له. أنا طبعًا مش هقدر أقول حاجة لابنه، لإني مش هقدر أدخّل الطفل لوحده يشوفه، لكن كمان فيه أسر وضعها أصعب، واحد زي هشام فؤاد اللي مع زياد عنده ولدين كبار وزوجته، معنى كده كل واحد فيهم هيشوفه 20 دقيقة كل 3 شهور، ودا وضع صعب جدًا".
عن حياة العزل عن الأسرة بسبب منع الزيارات والخطابات ورفض المكالمة التليفونية وتسببها في أزمات سوء تفاهم؛ تقول إكرام "في فترات منع الزيارة كنا بنطالب بحق أولادنا في اتصال تليفوني يطمنا عليهم، أو نستلم منهم جوابات بشكل دوري ودا ماكنش بيحصل. آخر جواب استلمته من زياد كان يوم 26 يوليو، وهو كتبه بتاريخ 16 يونيو، فوجئت إن زياد بيقول إني ماردتش على 3 جوابات سابقين منه، مع إني كنت بأرد على جواباته السابقة وبأوصلهم في ميعاد تسليم الزيارة، وده معناه أن الجوابات ماكنتش بتدخلهم، وإن صلتهم بينا مقطوعة، ودلوقتي مش عارفين الدنيا هتمشي إزاي. خلينا نروح نتفاجئ باللي هايحصل".