في الثاني من يونيو/ حزيران الجاري، أعلنت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تعيين الناقد أحمد شوقي مديرًا فنيًا له، اعتبارًا من الدورة المقبلة له والتي تحمل رقم 42، وتُقام في الفترة من 19 إلى 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
بنظرة على الموقع الرسمي للمهرجان؛ يبدو تعيين شوقي منطقيًا، فقد كان نائب المدير الفني السابق للمهرجان يوسف شريف رزق الله، وعقب رحيل الأخير قبيل الدورة الماضية أصبح قائمًا بأعماله.
ولكن القرار لم يمر مرور الكرام جماهيريًا، فبمجرد إعلانه استقبله العديد من مرتادي فيسبوك وتويتر بهجوم على الناقد "المتطرف"، واعتبروا تعيينه "فضيحة" للمهرجان، بناءً على ما وثقّوه للناقد من مواقف "عدوانية وتحريضية"، إذ سب ضحايا مجزرة بورسعيد عام 2012 من جماهير النادي الأهلي ووصفهم بـ "النافقين"، وسخر من فنانة عالمية شكت من تعرّضها للاغتصاب، وغيرها من المواقف التي أثارت الكثير من الجدل.
واجهة "سيئة"
المنتج الفني صبري السمّاك علق على اﻷمر بقوله إن "تعيين شاب في منصب المدير الفني لمهرجان بهذه الأهمية تبدو فكرة لامعة جدًا. ولكن، على المستوى العملي لابد من طرح هذين السؤالين: مَن نختار؟ وكيف تم الاختيار؟".
ويسترسل المنتج، في تصريحات للمنصة بالقول "في حالتنا هذه كان الاختيار عن طريق حسابات شللية وقُرب، وليس عن طريق الكفاءة، والتي ظهرت نتائجها في مهرجان الجونة حين تولى إدارته شاب نابغة ومتطور مثل المخرج أمير رمسيس، فأحدث طفرة كبيرة، هذا أمر يسعد جدًا".
وأضاف السمّاك "أما السؤال اﻷهم فهو هل أفكار هذا الشخص تتعارض مع طبيعة المنصب والمهام المسندة إليه؟ هنا وبتقييم عملي تام للاختيار وليس للشخص، سنجد أن أفكاره لا تتناسب مع هذا المكان، قولاً واحدًا، ومكانه ليس في هذه الساحة ولابد أن يبتعد عنها ولتذهب أفكاره إلى الجحيم، ﻷنه شخص في مهب الريح وفي منطقة خطرة، ﻷن التوجه الإنساني محليًا ودوليًا يقف في صف هذه الفئات التي يُعاديها".
وطرح المنتج الفني الذي مديرًا للإنتاج ومنتجًا فنيًا في عدة أفلام ومسلسلات أهمها سكوت ح نصور وإسكندرية نيويورك وهي فوضى؟ للمخرج يوسف شاهين، والريس عمر حرب ومسلسل تحت السيطرة وغيرها من الأعمال، تساؤلاً آخر إذ قال "بعد كل هذا، لماذا قررت إدارة المهرجان اختيار هذا الشخص تحديدًا بأفكاره هذه، على الرغم من وجود العديد من الكفاءات في المجال السينمائي ممن درسوا الفن ويتحدثون لغات أجنبية واحتكوا بثقافات ومهرجانات مختلفة، وفي النهاية صاروا صنايعية أياديهم في المهنة بخبرة واحترافية كبيرة، ويمثلون واجهات مشرفة؟".
وخصّ السمّاك بالذكر أسماء سينمائيين مثل هالة خليل وماريان خوري وهالة جلال وشريف البنداري ومروان حامد ومحمد صباحي وعاطف حتاتة وماندو العدل وتامر محسن ويوسف الشاذلي وسارة الشاذلي ورمزي خوري وندى جابي خوري، معقّبًا بالقول "جميعهم من دارسي السينما والمشاركين في المهرجانات، ويمكنهم قيادة المهرجان بنجاح سواء على المستوى الإداري والتنظيمي أو الفني".
واختتم السمّاك بقوله "لكن هذا الشخص بأفكاره واجهة سيئة للمهرجان بل وللإبداع بصورة عامة، فالفن لم يكن أبدًا مع التحريض على القتل أو بث الكراهية والخطاب العدائي ضد المرأة أو وصف قتلى بأنهم نافقين".
ضد "الفاشية"
يؤكد حديث السمّاك عن الرفض الدولي لمثل ما يبثّه شوقي من خطابات، ما كتبه مدير أسبوع النقاد بمهرجان فينيسيا جيونا ناتسارو على حسابه على فيسبوك، والذي شدد على أن منشورات الناقد المصري "كانت لتعرّضه للنبذ لو كان في أوروبا أو الولايات المتحدة أو حتى آسيا"، مستدركًا بالقول "ولكن لأن هذا هو العالم العربي، فهناك تسامح مع وجهات النظر الفاشية والجنسية والعنيفة باسم حرية التعبير، وذلك في مفارقة يعكسها الواقع الذي يشهد معاقبة الآراء المعادية للسلطوية".
وكتب ناتسارو في حسابه الشخصي على فيسبوك بعد وصوله مراسلات عديدة من صحفيين طالبته بالتعليق على الأمر "لا يمكنني أن ألتمس العذر أو أتجاهل وأعفو فيما يتعلق بالآراء التي تدعو إلى إعدام النشطاء أو الشماتة في القتل المروع للمواطنين، ولا تلك التي تحقّر المرأة وتعادي النسوية. وجميعنا نعلم جيدًا أن اﻷمر لم يكن مجرد منشورين عابرين، بل آراء كريهة تم نشرها باستمرار على مدى عقد من الزمان، لا يغير الناس معتقداتهم المتجذرة. ولهذا، سيكون من السذاجة تصديق وقبول اعتذار خرج تحت ضغوط".
وأثنى الناقد اﻹيطالي على ردود الفعل التي قوبلت بها آراء شوقي، بقوله عبر المنشور نفسه "لا عذر للفاشية. ورد الفعل العام الهائل يظهر بالتأكيد أن مثل هذا السلوك لم يعد مسموحًا به، بل ويؤكد أن صناعة السينما بعيدة تمامًا عن التواصل مع الجمهور. أنا لا أقف على أرض مرتفعة أخلاقية فوق الآخرين، كما أدرك جيدًا كوني محظوظًا بعملي مع مؤسسات لم تدفعني أبدًا للتنازل عن مبادئي".
واختتم ناتسارو بالقول "في هذه الحياة، لدينا جميعًا خيارات، إما أن نغض الطرف عن الأفعال السيئة الشريرة أو ننبذها، ولقد اتخذت خيار التحدث الآن. سواء تم القضاء على هذا الشر أو استمر تحت أي دعوى أو عذر. والخيار لكم الآن".
"العيب في المنظومة"
في مقابل هجوم كل من السمّاك ونتسارو على اختيار شوقي في منصبه الجديد، آثر عدد آخر من صناع السينما الذين تواصلت معهم المنصة عدم الحديث في الآمر، حتى من أكدوا رفضهم لمواقف شوقي قالوا إن "الأمر شائك ومثير للجدل". لكن المخرجة وأستاذة السينما عرب لطفي فاختارت التعبير عن رأيها في هذا الشأن، معتبرة أن "العيب في المنظومة بأكملها".
تقول لطفي إن "الضجة المثار حاليًا تُظهِر وكأن الأمور كانت على ما يرام طيلة الوقت والتقاليد والقواعد في الاختيار هائلة، وفقط الآن صار تعيين شخص ما هو الخطأ، وهذا أمر غير صحيح بالمرّة، فالمنظومة بصورة كاملة غير سلمية وتعاني خللًا منذ أعوام عديدة، بصورة جعلت بعض السينمائيين- وأنا واحدة منهم- ينفرون من المهرجان وينقطعون عن حضوره".
"الخلل والقيم المُدّّمرة" دللت عليهم المخرجة اللبنانية المصرية في "جوانب مختلفة ومنذ أعوام عديدة، وبصورة تولّد العديد من علامات الاستفهام"، وفقًا لما ذكرته للمنصة بقولها "فسبق وأن رأينا المهرجان يستبعد أفلامًا بعينها عبر فبركة أسباب الكل يعلم أنها غير حقيقية، بينما هي أفلام على مستوى فني عالٍ، مثل فيلم آخر أيام المدينة، بالإضافة إلى منح استثناءات للبعض باختيار فيلمه وهو تسجيلي للمشاركة في المهرجان المخصص للأفلام الروائية، ودون إعلان واضح عن فتح الباب للأفلام التسجيلية".
وتابعت لطفي وهي صاحبة العديد من اﻷفلام الوثائقية، كما شاركت في صناعة أفلام روائية مثل زوجة رجل مهم، وأحلام هند وكاميليا وخرج ولم يعد بقولها "كما رأينا، ما يثير تساؤلات عن طرق إسناد المناصب والوظائف، وطرق تشكيل لجان المشاهدة والتحكيم والإعلام. بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى تذاكر المهرجان ودعواته، لدرجة كان معها الجمهور وهو الأحق بالمشاهدة يحرم من حضور الأفلام بعد نفاد التذاكر، لنفاجأ بقاعات خاوية من أشخاص حجزت لهم التذاكر كمجاملة ولم يحضروا".
واختتمت المخرجة بقولها "صحيح هناك علامات استفهام على الصعود السريع لشوقي، على حساب نقاد آخرين ذوي ثقل ودارسين سينما بعمق مثل كمال رمزي وأمير العمري وغيرهم، ممن يملكون مواصفات تؤهلهم حتى لرئاسة المهرجان، ومع هذا يتم تهمشيهم لصالح الشللية وعلاقات المصالح. لكن في النهاية لا يصح أن نتحدث الآن عن تفصيلة واحدة باعتبارها أمرًا غريبًا، بينما نحتاج ﻹعادة تقييم للمنظومة بأكملها".
ناقد مثير للجدل
في تعريف شوقي، نشر الموقع الرسمي للمهرجان سطورًا عن رحلته مع النقد السينمائي التي بدأت منذ عام 2009 بمقالات منشورة في صحف ومواقع مختلفة، بجانب كونه "مُبرمجًا ومشرف سيناريو"، وكذلك إصداره كتبًا ومشاركته في عدد من المهرجانات العربية والدولية بوظائف وأدوار مختلفة.
هكذا عرّف المهرجان شوقي، لكن وبمنشورات من حسابه الشخصي على فيسبوك، تعود لسنوات مضت، كان للمعترضين على تعيينه تعريف آخر.
فبالنسبة لهم هو مَن وصف ضحايا مجزرة بورسعيد بأنهم "نافقين"، وهو المصطلح الذي يُستخدم لوصف الحيوانات الميتة، وقد كرر شوقي استخدام المصطلح نفسه مرة أخرى عند إعلان مقتل أسماء، ابنة القيادي الإخواني محمد البلتاجي خلال فض اعتصام رابعة العدوية 2014.
عقب ظهور منشوراته القديمة، خرج شوقي مبررًا الأمر بمنشور عبر حسابه على فيسبوك قبل أن يعيد إغلاقه مرة أخرى، قال فيه إنه يعتذر عمّا صدر عنه "في كتابات شخصية تضمنت كلمات جارحة كانت في إطار المناوشات الكروية مع الأصدقاء، ولا علاقة لها بعملي العام"، وهو المنشور نفسه الذي وصف فيه مَن انتقدوا حديثه عن مقتل أسماء البلتاجي باعتبار الأمر "مزايدات على موقفه الداعم للدولة ضد جماعة الإخوان الإرهابية".
المآخذ على شوقي لم تكن لمواقفه من الألتراس أو المشاركين في اعتصام رابعة العدوية الذي وصف وقائع فضّه بـ"الملحمة" وطالب توثيقها في عمل فني، أو حتى الثوار المشاركين في أحداث محمد محمود خلال ثورة 25 يناير، ولا تقتصر على موقفه الداعي لـ "إعدام" الصحفي حسام بهجت، أثناء حبسه لأيام بعد التحقيق معه أمام النيابة العسكرية بسبب أحد التحقيقات الصحفية التي نشرها على موقع مدى مصر، قبل الإفراج عنه لاحقًا.
كل تلك المواقف التي هوجم بسببها الناقد، وجدت على الطرف الآخر مَن وضعها في إطار "رأي شخصي" للناقد بعيدًا عن مجال عمله الذي يجعل منه شخصية عامة، لكن شوقي كانت له مواقف وآراء معلنة تتعلق بصميم عمله كناقد فني، وكان منها مهاجمته لترشح فيلمين سوريين خلال هذا العام لجائزة أوسكار، بمنشور حمل اتهامات بـ"استغلال أزمة السوريين ولجوئهم".
هجوم آخر شنّه شوقي كان يتعلّق بمجال عمله، وهو الذي صدر منه عام 2016، حين كشف المخرج الإيطالي برناردو بتولوتشي أن مشهد الاغتصاب الحقيقي الذي ظهر في فيلم "التانجو الآخير في باريس" عام 1972، كان بالاتفاق بينه وبين بطل العمل مارلون براندو ودون علم البطلة ماريا شنايدر التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 19 عامًا، وشكت بعد مرور عقود على تصوير وعرض الفيلم، من اغتصابها.
آنذاك، جاء تعليق شوقي على اﻵمر ضد الممثلة وساخرًا منها، إذ وصفها بأنها أدت "أشهر دور لوليتا جيرل في التاريخ"، معتبرًا أنها "مكانتش بتلعب دور الشيخة نادية يعني"، وعقّب على التضامن معها بقوله "أسهل حاجة في العالم اشتغال الحقوقين وتسخينهم".
يذكر أن مهرجان القاهرة السينمائي سيبدأ في دورته المقبلة، تفعيل ميثاق المساواة بين النساء والرجال في الفعاليات السينمائية، والمعروف باسم "5050 في 2020".