تلقى أطباء في البحيرة تعليمات من وكيل وزارة الصحة بالمحافظة بالإضافة إلى مدير مستشفى الدلنجات، بإخلاء بعض مستشفيات المحافظة من مرضاها وتجهيزها لاستقبال المصابين بفيروس كورونا المستجد فقط، وإبقاء جميع أفراد الطاقم الطبي في وضع الاستعداد للتعامل مع هذه الحالات بغض النظر عن تخصصاتهم، وقطع أية إجازات وإن كانت مرضية، مع التلويح بإحالة المخالفين لمحاكمات عسكرية.
وتداول الأطباء يوم السبت الماضي أربع رسائل صوتية من وكيل وزارة الصحة بالبحيرة الدكتور يسري بيومي ومدير مستشفى الدلنجات المركزي الدكتور رضا بكر، حصلت المنصة على نسخ منها، تضمنت تخوينًا للأطباء الذين لن يستجيبوا للتعليمات وإن منعتهم ظروفهم الصحية من ذلك، مع التنويه بأننا "في حالة طوارئ أمن دولة عليا".
جاءت هذه التهديدات بعد يومين من لقاءين عقدهما نقيب الأطباء حسين خيري مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزيرة الصحة هالة زايد، لمحاولة احتواء غضب قطاع من الأطباء بعد حادث وفاة وليد يحيى الطبيب بمستشفى المنيرة متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا المستجد، جراء الإهمال في التعامل معه من إدارة المستشفى، ومطالبتهم بتوفير إجراءات ووسائل الحماية اللازمة لتمكينهم من القيام بدورهم مع الحالات المصابة.
وحدث أن ثمن رئيس الوزراء خلال اجتماعه مع خيري الدور العظيم الذي تقوم به الفرق الطبية في مواجهة الجائحة، وتحدث عن الاستجابة لمطالب نقيب الأطباء ورئيس اتحاد المهن الطبية والتي تمثلت في استكمال نواقص المستلزمات الوقائية للعاملين بالقطاع الصحي ومتابعة جاهزية المستشفيات والتدريب على التعامل مع الحالات، وإجراء مسحات PCR لأفراد الطواقم الطبية المخالطين للحالات المصابة وتخصيص أماكن لعزل أعضاء الفريق الطبي إذا أصيبوا في جميع مستشفيات الجمهورية ومعاملة المتوفين منهم بسبب كورونا كشهداء الجيش والشرطة من الناحية المادية.
"الدكتور يشتغل وهو ميت"
ولكن في رسالته الموجهة إلى مديري المستشفيات بالمحافظة قال بيومي إن "التعليمات الجديدة إن كل المستشفيات اللي تم اختيارهم على مستوى محافظة البحيرة هتشتغل كورونا تباعًا".
وتابع "يبقى سيادتك هتحط الخطة البديلة لاستبدال كل الخدمات العلاجية اللي عند سعادتك، طبعا كلنا العيادات الخارجية بتاعتنا برة المستشفيات. تباعًا الخدمات العلاجية اللي عند سعادتك هتبدأ تشوف هتتصرف فيها إزاي لو كانت فيها وحدات كلى أو وحدات بتقدم خدمات خاصة. تنسقوا وتشوفوا هتنقلوا الخدمات العلاجية فين".
وفي رسالته الثانية، أكد بيومي أن "كل الناس بلا استثناء هيشتغلوا كورونا، كل قوة المستشفى هتشتغل كورونا، مفيش حد من الدكاترة يقولك أنا مش شغال، الدكتور اللي بيشتغل وهو ميت يشتغل، الكلام واضح، والدكاترة اللي هربوا من الميدان سيادتك هيرجعوا ورجليهم فوق رأسهم".
وأضاف "يعني سيادتك التعليمات جاية وحالة من التعبئة لكل أطباء مصر علشان يشتغلوا، وإحنا داخلين حرب يا جماعة و كلنا لازم نشتغل مع بعضنا محدش هيهرب من الميدان، كلامي لازم يوصل لكل الأطباء، إحنا كُتب علينا هذه الحرب لازم نكملها للآخر، كلنا فداء للوطن، أرجوكم تنقلوا هذه الرسالة لكل الأطباء مفيش حد هيهرب من المعركة، اللي هيهرب من المعركة ده جندي خاين هتطبق عليه أقصى عقوبات".
مدير مستشفى الدلنجات المركزي تلقى التعليمات وأحالها بدوره إلى الأطباء العاملين في المستشفى الذي يتولى إدارته قائلًا "الفترة الجاية دي أي حد هايتنصل من المسؤولية، هايهرب من الميدان، الوصف اللي جالي هايبقى خاين وهرب من المعركة، ودا يعني مش تهديد ولا حاجة بس إنتم عارفين الدنيا ماشية إزاي، الدنيا دلوقتي إحنا في طوارئ أمن دولة عليا والناس بيتعملها محاضر بتاعت الكمامات هتتحاكم بعد كده أمام المحاكم العسكرية، فحتى اللي مبلغ مرضي التعليمات جاية كدا، هيرجع هيرجع بأي شكل، وماتسالونيش إزاي".
قرارات إعلان "التعبئة العامة" التي أعلنها بيومي في البحيرة جاءت بعد ساعات من رسالة وجهتها وزيرة الصحة للأطباء والفريق الطبي قالت فيها "أنتم جنود مصر في هذه المعركة، أطالب كل الأطباء اللي في إجازات يرجع و يقطع إجازته، كل الأطباء تشتغل مفيش حاجة اسمها إجازة، إحنا كلنا مش هنسيب سلاحنا في المعركة دي، إحنا لازم نشتغل 24 ساعة أيًا كان تخصصنا. أدعو كل الأطباء للتخلي عن أي مطالب دلوقتي، كلنا في معركة، ساعة المعركة كلنا بننسى كل المطالب ونشتغل مع بعض، أدعو كل الأطباء حتى اللي في إجازة وجوبية يقطع إجازته و ينزل".
https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fegypt.mohp%2Fvideos%2F181825673169163%2F&show_text=0&width=560ولم تطرح الوزيرة حلولًا لمشاكل مستحقي الإجازات الوجوبية عند قطعها. والإجازات الوجوبية محددة بحسب القانون، للأم التي ترعى مولودها، أو لأحد الزوجين إذا كان مرافقًا للزوج الآخر خارج البلاد.
غضب الأطباء: لسنا عبيدًا
هذه التسجيلات وما تضمنته أثارت غضب عدد من الأطباء، يقول طبيب في البحيرة فضّل عدم ذكر اسمه "وكيل الوزارة بيقول اللي هربان ييجي ورجله فوق راسه؟ فوق رقبته يعني؟ هل وصل الحال للمهزلة دي إن الأطباء عبيد عندهم؟ هم لازم يتعاملوا باحترام لأن بالمنظر دا الطاقم الطبي هيهرب فعليًا من الميدان بسبب قلة الأدب والتهديد والوعيد".
طبيب آخر أكد للمنصة أنه "لو حاضر معاه وهو بيقول الكلام دا كنت رديت عليه بنفس أسلوبه"، بينما قال طبيب ثالث يعمل بمستشفى آخر في البحيرة، فضل عدم ذكر اسمه، إنه وبقية الأطباء بالمستشفى قبل الاستماع إلى هذه تسجيلات بيومي كانوا مستعدين لكافة الأعمال التي سيكلفون بها، ولكن الموقف تغير بعد سماعهم "تهديد وتخوين وكيل الوزارة"، وطلبوا من مدير المستشفى الذي يعملون به أن يبلغ وكيل الوزارة "أن الجنود هربت من الميدان" وكادت أن تحدث أزمة في المستشفى لولا نجاح مديرها في احتواء الموقف.
استشاري الطب النفسي والمدير الأسبق لمستشفى العباسية للصحة النفسية الدكتور مصطفى حسين قال للمنصة بعد استماعه إلى التسجيلات إن أصحابها "بيعكسوا اللي سمعوه وتلقوه من أوامر لخوفهم على مناصبهم، ولا تهمهم نفسية الفريق الطبي. هذا الكلام يجعل الفريق الطبي يشعر بالقهر والمهانة وأنه يعمل تحت التهديد، ما سيجعل أداءه سلبيًا، فالعمل تحت ضغط يؤدي إلى نتائج سلبية إضافة إلى عدم الرضا بين العاملين وعدم تقبلهم وعدم حماسهم للعمل".
استدراك بكر: لم أقصد التهديد
المنصة تواصلت مع بكر الذي نفى إطلاق أي تهديدات، وأوضح محتوى ما جاء في رسالته الصوتية قائلًا "أنا أولًا وأخيرًا طبيب، ولم أشعر بلكنة تهديد في حديثي. أنا أعمل مع الأطباء يدًا بيد وعمري ما أذيت حد من العاملين معايا، كنت بحفز الزملاء".
وتابع أنه استدرك بالفعل الأثر السيئ الذي أحدثه التسجيل الذي أرسله إلى الأطباء بتسجيل آخر أكد فيه أنه لم يقصد أي تهديد "وإنما الإشارة إلى المسؤولية والرسالة اللي متعلقة في رقبتنا".
وجاء في الرسالة الصوتية الثانية "استكمالًا للفويس بتاع امبارح بالليل لما اتكلمنا وقولنا إن البلد ف أزمة، البلد في ظروف طوارئ إن محدش يهرب من الميدان، وإن اللي يهرب من الميدان يبقى خاين، وإن اللي في مرضي دا مفروض إنه يرجع، لم نحمل أبدًا معنى كلمة تهديد لحد أو إن إحنا بنهدد حد، لأ دي مسؤولية ورسالة متعلقة في رقابينا، والناس حطت ثقتها فينا، سواء أطباء أو تمريض أو فنيين، كادر مهن طبية، وحتى الإداريين الفرق المساعدة".
وأضاف "ماينفعش يا جماعة أبدًا نتنصلوا من المسؤولية في ظل الظروف اللي البلد فيها دي. أبدًا. كل ما يلزمكم من إجراءات وقائية وحماية، والحاجات اللي إنتو محتاجينها كلها، دي حاجة متعلقة في أعناقنا ورقابينا، وتأكدوا لو حد فيكم أصاب أو جرى له حاجة لا قدر الله، يعني مش هانسامح نفسنا مدى الحياة".
وحاولت المنصة التواصل مع بيومي عبر تطبيق واتساب منذ مساء السبت، ولكنها لم تتلقَ أي رد حتى نشر التقرير.