الاضطرابات والمخاطر السياسية الواسعة التي أعقبت ثورة يناير كان من الممكن التعايش معها، أما حالة الشلل التي فرضها فيروس كورونا فلها آثار تدميرية أكبر على القطاع، هكذا يتحدث مستثمرو السياحة وهم على أعتاب موسم الربيع الذي كان يتسم عادة بالرواج.
ولعدة سنوات كان المراقبون يعتبرون عام 2011 نقطة بداية لانخفاض عنيف في إيرادات السياحة، إلا أن 2020 قد يكون لها وقع أسوأ على هذا النشاط.
وبينما تقوم بعض المنشآت السياحية في الوقت الحالي بتسريح العمالة، وتكتفي أخرى بعدم صرف رواتب للعاملين، يرى المستثمرون أنهم في حاجة إلى الدعم المالي لأن الأزمة لا يمكن توقع مداها ويصعب التعايش معها مثل الأزمات السابقة.
"في الوقت الراهن إشغالات الفنادق عند مستوى الصفر تقريبًا، من أين سيأتي أصحاب الفنادق بالإيراد لدفع أجور العمالة؟" يقول هشام الدميري، الرئيس السابق لهيئة تنشيط السياحة والذي يدير أحد الفنادق.
ويضيف للمنصة "عقب ثورة يناير كانت الإشغالات عند مستويات متدنية للغاية، بين 15 -18% ، لكن كان هناك إيراد وكنا نوفر من خلاله رواتب للعاملين، وبعض مُلاك الفنادق كان يخصصون رسوم الخدمة التي يُحصلها الفندق من الزبائن، بنسبة 12%، لتمويل الأجور أيضًا، الآن انقطعت كل سبل الإيراد فكيف نتحمل هذه الأزمة التي قد تستمر لستة أشهر على الأقل؟".
وفي 19 مارس/ أذار الماضي بدأت السلطات المصرية تعليق رحلات الطيران حتى نهاية الشهر، وفي 25 من نفس الشهر فرضت حظرًا على التجوال لمدة 15 يوما اشتمل على إغلاق كامل للمطاعم والمولات التجارية يومي الجمعة والسبت، وفي وقت لاحق تقرر إغلاق الشواطيء.
وهي كلها إجراءات احترازية ضد تفشي الوباء، لكنها عمليًا تصيب نشاط السياحة بالشلل التام، هذا بجانب تأثر حركة السياحة الوافدة بتفشي الوباء عالميًا، خاصة في أوروبا التي تعد مصدرًا رئيسيًا للسياحة في مصر.
وهناك تقديرات بأن نحو ثلاثة أرباع وفيات كورونا تقع في أوروبا في ظل ارتفاع الأعمار بالقارة، وبحسب تقديرات رسمية فإن السياحة الأوروبية تمثل أكثر من نصف أعداد السياح الوافدين على مصر ويأتي بعدها السياح العرب.
"نعاني من أزمة سيولة قوية، فلوس شركات السياحة مع منظمي الرحلات في الخارج، والشركات في الخارج لا تدفع ما عليها في الوقت الحالي" يقول محمد ثروت، عضو الجمعية العموميةلغرفة شركات السياحة، مضيفا "نحن الآن في غرفة الإنعاش، حتى وإن تمكنت من دفع رواتب الموظفين لشهر فلن أقدر على سدادها الشهر الثاني".
ويشير منير ويصا، أحد ملاك المراكب العائمة، إلى أن قدرة المنشآت السياحية على مواجهة الأزمة الحالية تعتمد على ما يتوفر لديها من احتياطات مالية، قائلا إن "الشركات والفنادق التي كانت تجذب سائحًا منخفض الدخل هي التي ليس لديها احتياطي، ولن تتمكن من الصمود طويلًا.. حيتخرب بيتها".
ماذا عن أحوال العمالة؟
"مع اندلاع أزمة كورونا هناك شركات في قطاع السياحة منحت عامليها إجازة بدون مرتب لمدة 3 أشهر بدءًا من مارس، وأخرى سرَّحت نسبة من العمالة الموجودة لديها" كما يقول محمد عثمان، عضو غرفة شركات السياحة.
وبحسب تقديرات سابقة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصلت أعداد العاملين في قطاع السياحة بمصر لنحو 1.8 مليونًا، بما يمثل 6.3% من القوى العاملة و7.2% من مجمل التشغيل في البلاد.
ويقول الدميري إن نسبة كبيرة من العاملين في هذا النشاط عمالة مؤقتة يتم استدعاؤها فقط في مواسم ذروة الطلب على السياحة، وهذه العمالة بالتأكيد الطلب متوقف عليها في الوقت الراهن.
وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن نحو 74% من المشتغلين في السياحة بمصر يعملون دوامًا كاملًا، والنسبة الباقية تعمل لفترات معينة في السنة أو بدوام جزئي.
تخفيض رواتب
"لدي عمالة منذ عشرين سنة، هذه العمالة الماهرة لا أستطيع التفريط فيها" يقول منير ويصا، مضيفًا "لكن فئة العمالة غير الدائمة سأنتقي المهرة منهم وأدفع لهم 50% من الراتب".
ووفقًا لدراسة صادرة عن منتدى البحوث الاقتصادية فإن صدمة ضعف الطلب على النشاط السياحي في مصر خلال فترة الاضطرابات التي تلت ثورة يناير ساهمت في خفض معدلات نمو الوظائف الخاصة في القطاع بأكثر من النصف، من 6.7% بين 1996-2006 إلى 3% خلال العقد التالي، ومن الممكن أن تكون للأزمة الراهنة آثار مشابهة في حال استمرارها لفترة أطول.
ويؤثر تسريح العمالة السياحية في الوقت الراهن على جودة خدمة السياحة في مصر في المدى البعيد، كما يحذر عثمان، عضو غرفة شركات السياحة.
ويقول "بعد أزمة 2011 استغنت الشركات عن نسبة كبيرة من العمالة الماهرة لديها، وعندما عاد القطاع للنشاط مرة أخرى عانت الشركات لإيجاد عمالة ماهرة، الأمر الذي خفض من مستوى خدمة القطاع، وهي الأزمة المرجح تكرارها في الوقت الراهن".
استثمارات جديدة ولكن معطلة
قبل أيام تداولت المواقع الإخبارية أنباء ارتفاع إيرادات السياحة خلال 2019 إلى أكثر من 13 مليار دولار.
ولا يمثل هذا الرقم أهمية فقط باعتباره أعلى إيراد سياحي في تاريخ البلاد، ولكن لأنه يتجاوز ذروة الإيرادات التي كانت تتحقق حتى 2010، والتي بلغت نحو 12.5 مليار دولار.
لكن بيانات الربع الأول من العام الجديد لم تظهر بعد، ومن المرجح أن تعكس صورة تشاؤمية عن القطاع مع التراجع العنيف في النشاط السياحي خلال مارس، حيث قال وزير السياحة إن تداعيات كورونا قد تتسبب في جني خسائر بنحو مليار دولار في شهر واحد.
وتمثل إيرادات السياحة أحد أكبر مصادر إيرادات النقد الأجنبي للبلاد، وبلغت قيمتها خلال العام الماضي أكثر من ضعف إيرادات قناة السويس، وهو ما يجعل لتطورات هذا القطاع انعكاس مهم على الاقتصاد المصري.
حالة الاضطراب التي أعقبت الثورة المصرية المطالبة بالديمقراطية في 2011 لم تكن العامل الوحيد الذي ساهم في تعطيل قطاع السياحة لنحو عقد من الزمان، فبعد استقرار نسبي في البلاد أدى حادث إرهابي في 2015 إلى تعليق بلاد أوروبية للرحلات السياحية إلى مصر.
ومع رفع دول أوروبية للحظر الذي كانت تفرضه على رحلات طيران سياحي لمصر مؤخرا، والتوقعات بعودة الرحلات الروسية بشكل طبيعي خلال العام الجاري، اتجه المستثمرون لضخ استثمارات جديدة في القطاع.
ولكن بعض هؤلاء المستثمرين أجل افتتاح مشروعاته الجديدة في ظل الأجواء الكئيبة التي فرضها فيروس كورونا على القطاع.
مجموعة بيك الباتروس افتتحت نهاية فبراير الماضي فندقًا جديدًا في شرم الشيخ، ولديها مشروعات سياحية أخرى كانت تخطط لافتتاحها العام الحالي، لكن رئيس المجموعة، كامل أبو علي يقول "لا أعتقد أن صاحب أي استثمار جديد سينهي مشروعه في الوقت الراهن".
وبحسب بيانات وزارة التخطيط، فقد شهدت الاستثمارات السياحية انخفاضا قويا بدءًا من العام المالي 2013-2014، لكنها كانت تعافت بشكل واضح بداية من العام المالي الماضي حيث نمت بنحو 75%.
ويعتبر أبو علي أن القطاع في الوقت الراهن في مرحلة ترقب ويأمل في أن تحدث انفراجة قريبة تجعل الاستثمارات السياحية تعود لوتيرتها الطبيعية " من الممكن أن تنتهي الأزمة في نهاية أبريل وتتبدل الأمور في يوم وليلة".
ما هي حدود هذه الأزمة؟
ربما من أكثر ما يقلق صناع أن الأزمة الحالية يصعب توقع مدى استمرارها، ومن ثم تقدير خسائرها.
ويقول الرئيس السابق لاتحاد الغرف السياحية، إلهامي الزيات، "لا أحد يستطيع أن يحدد ماذا سوف يحدث غدًا، وكيف ستصمد شركات السياحة أمام توقف إيراداتها، والأهم أنه حتى بعد توقف انتشار فيروس كورونا، متى ستسعيد أوروبا قدرتها مجددا على السياحة؟".
ويضيف "بالنسبة لموسم الصيف السياحي، والذي كان يبدأ مع أعياد الربيع، فنحن نعتبر أنه انتهى قبل أن يبدأ، وفقدنا الأمل أيضًا في موسم الشتاء الذي سيبدأ في أكتوبر المقبل".
ويشاركة الرئيس السابق لهيئة تنشيط السياحة في مخاوفه قائلًا "أعتقد أن الأزمة الحالية ستستغرق حوالي عامين، وحتى بعد انتهائها سيعود الأوروبيون للسياحة ولكن على استحياء، فهم المنطقة الأكثر تضررًا من الوباء".
هل يحتاج القطاع لمساعدة الدولة؟
في بيان قبل أيام قال الاتحاد المصري للغرف السياحية ( الاتحاد الذي يضم كل الغرف الممثلة للقطاع ) إن السياحة تواجه أزمة هي "الأكبر في تاريخه"، وأوصى بضرورة مساندة الدولة له.
وكان البنك المركزي المصري أعلن عن حزمة من الإجراءات النقدية لمساندة القطاعات المتضررة من الوباء، من ضمنها توفير قروض ميسرة للمنشآت السياحية لسداد رواتب العاملين لديها.
لكن الاتحاد قال إن "المنشآت ( السياحية ) تجد صعوبة في الحصول على تسهيلات من البنوك " في الوقت الذي يواجه فيه القطاع أزمة سيولة بسبب تعطل النشاط.
إلا أن محمد عثمان، عضو غرفة شركات السياحة، يرى أنه "من المبكر أن نقول إننا نعاني من أزمة سيولة، كنا نعمل حتى بداية مارس، وفي العامين الأخيرين كنا نشكو من امتلاء الفنادق".
وهناك أصوات تنادي بضرورة أن يساند القطاع نفسه في الازمة الراهنة بدلا من انتظار مساندة الدولة.
صندوق الحج والعمرة
وفي بيان لإيهاب عبد العال، عضو الجمعية العمومية لغرفة شركات السياحة (التابعة لاتحاد الغرف السياحية) قال إن الغرف السياحية تستطيع أن تدعم القطاع، فـ "إيرادات غرفة الشركات (السياحية ) مثلا تخطت 900 مليون جنيه بخلاف حصتها من صندوق الحج والعمرة".
وحذر عبد العال من الاعتماد على الدولة فقط "تجربة الاعتماد على صندوق الطوارئ التابع للقوى العاملة عقب ثورة 25 يناير للحفاظ على العاملين بالقطاع السياحي أثبتت فشلها. الشركات لم تحصل الا على الفتات منه".