هل تطارد الكوابيس أطفالكم خلال أيام الحجر ثقيلة الوطأة؟ هل تتكرر نوبات غضبهم؟ هل يبكون دون سبب أو يستحضرون الموت في حديثهم؟ هل تشعرون وكأنهم انطفأوا؟ هذه نتائج منطقية للعزلة المستمرة داخل المنزل، يمكن تخفيف آثارها السلبية ببعض التفهم والاحتواء.
نمر جميعًا خلال هذه الفترة بالعديد من المشاعر المتضاربة التي تجسد مراحل الحزن المختلفة، كالإنكار، والغضب، والتفاوض مع الله وتقديم النذور حال مر هذا الفيروس اللعين بسلام، أو الاكتئاب، وأحيانًا التقبل والتسليم. تتأرجح المشاعر بين هذه المراحل المختلفة عدة مرات في اليوم نفسه، ولكن هل تعلمون أن أطفالكم أيضًا يمرون بالمراحل نفسها حتى وإن لم يستطيعوا إيجاد الأسلوب المنمق والمقبول اجتماعيًا للتعبير عن أرجوحة المشاعر السلبية التي وجدوا أنفسهم معلقين فيها رغمًا عنهم؟
كنت أتمنى أن أكتب لكم مقالًا مبهجًا عن كيفية العبور بنفسية الأطفال إلى بر الأمان أثناء الأزمة، لكن مع الأسف فإن أجواء الوباء وحديث الجائحة حقيقيان أكثر مما ينبغي، ومع مزيد من الأسف، فإن هذه التجربة ستصبح جزءًا من وجداننا ووجدان أطفالنا – تمامًا كما أصبحت تجربة الطاعون جزءًا من نسيج روح طه حسين مثلًا. سيذكر أطفالكم دائمًا الحجر والعزل وليالي حظر التجول والمطهرات وتجربة البعد وأحاديث المرض والموت. لن نستطع حمايتهم من الكثير من الحقائق المرعبة كما نحميهم من المشاهد غير المناسبة في الأفلام والمسلسلات. لقد انتهكت التجربة بعضًا من براءتهم.
قد لا يتذكر الطفل تفاصيل التجربة المؤلمة أو الصدمة النفسية ولكنه يتذكر جيدًا المشاعر التي انتابته والصور التي خزنها ذهنه عن التجربة أو عن تأثيرها على أمه وأبيه. الطفل، حتى في أعوامه الأولى، يمكنه الشعور بالتغيرات التي تطرأ على ملامح وتعابير أهله وكذلك تصرفاتهم.
كلامي التالي هو مجرد محاولات للتخفيف من وطأة التجربة على روح أطفالنا. قد لا يمكننا رفع البلاء أو الهروب منه، ولكن ليس من الحكمة الصراخ في وجه الأطفال كلما لمسوا شيئًا بأنهم سيموتون أو أنهم سيقتلون أهلهم. اتباع تعليمات الحماية من الكورونا ليست سهلة بالنسبة لأطفال يحركهم الشغف وحب الاستكشاف. من الصعب عليهم تذكر كل التوجيهات في كل الأوقات. اعذروهم واستمروا في التوجيه والتذكرة.
أما بالنسبة للحرمان من الخروج ورؤية الأقارب والأصدقاء، هو حرمان من التواصل الروحي والجسدي الذي نحتاجه جميعًا. نحن نحتاج إلى 12 حضنًا صادقًا يوميًا لنتوازن نفسيًا. ليس أمام الطفل سوى حضن الأم والأب – أو أحدهما. حافظوا على توازنكم النفسي وتوازن أطفالكم بالأحضان الصادقة والتفاعل الجسدي أثناء اللعب.
في ظل هذه الظروف القاسية، تقبلوا فكرة كسر القواعد ولا تتعنتوا. لا مانع من زيادة وقت الشاشة ساعة إضافية، أو من زيادة الحلويات والنشويات بجرعات محسوبة لا يؤدي تراكمها إلى نتائج سلبية على المدى البعيد، أو من تقليل وقت الاستذكار، أو تقبل الجري والقفز داخل المنزل. أنتم أدرى بقواعدكم وأنا أنصحكم بالمرونة وعدم التشبث بالقواعد.
من المستحب أن يحاول القائمون على رعاية الطفل طمأنته وتأكيد حبهم له حتى في أحلك الظروف. أما بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، من المهم أن يكون الحوار معهم صريحًا وواضحًا ومفصلًا قدر أسئلتهم. وحتى إذا لم يسألوا، يجب أن يعرفوا الحقائق. في أجواء الوباء من المهم أن يفهم الطفل أن العزل ضروري لمنع المرض أو الألم عن نفسه وعمن يحب. يمكن للأهل أن يذكروا أنفسهم وأطفالهم أنها مرحلة مؤقتة ستمر مهما طال زمنها أو قصر. قد لا يتذكر الطفل الكلام الذي قالته أمه، أو قاله أبوه، ولكنه سيتذكر إذا كان شعر بالحب والقبول والدعم أم لا.
محظوظون من لديهم حديقة خاصة بهم أو فناء صغير أمام منزلهم أو تراس واسع داخل شقتهم. قضاء بعض الوقت في هذه المساحات المفتوحة الآمنة سيخفف من وطأة العزل ولو قليلًا. في هذه المساحات، أطلقوا العنان للعب التخيلي والفن الحر. لا مانع من الرسم على حائط التراس أو الحفر في الفناء أو الزراعة في الحديقة. قدموا للأطفال فوارغ العلب والكراتين وألوانًا كثيرة ومقصات (إذا كان سنهم يسمح) واتركوهم يبتكرون.
قد يكون هذا هو الوقت المناسب لضم حيوان أليف إلى الأسرة، فالحيوانات الأليفة لها تأثير شافٍ على الروح الحزينة. أفضل صديق للطفل في هذه الظروف هو الكلب ولكن تربية الكلاب مسؤولية كبيرة ولا أنصح بهذه الخطوة لمن لم يسبق له تربية كلب من قبل، فهو كالطفل الصغير يحتاج رعاية فائقة وتدريبه في البداية يتطلب تمشية يومية قد لا تتاح في هذا الظرف. يمكن التفكير أيضًا في القطط، حيوانات أليفة جميلة وملمسها وصوت خرخرتها يدفئان القلب.
الطيور الأليفة اختيار آخر؛ هناك ببغاوات صغيرة الحجم تألف الإنسان وتصبح صديقة له، ولكن عمرها قصير ويجب إطعامها يدويًا وهو ما يجعلها تعتاد الإنسان وتحبه. الهامسترز والسلاحف والأسماك أيضًا خيارات جيدة.
العناية بالزرع والزهور أيضًا تساعد في تحسين الحالة المزاجية والنفسية. هذا موسم أزهار الجازانيا والديمورفوتيكا وأشجار الياسمين الهندي والفل والورد البلدي. مشاركة الأطفال في رعاية الحيوانات الأليفة والتفاعل معها والعناية بالزرع ومراقبة نموه وإزهاره قد يساعدهم على التغلب على الحزن أو الخوف الذي يظهر لنا في صورة غضب.
ليس هدفنا دفن مشاعر الأطفال تحت السجادة والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام، بل مساعدتهم على التعايش مع مشاعرهم والتعبير عنها بشكل صحي. قد يكون شكل التعبير مقبولًا كالحديث عنها أو رسم لوحات تعبر عنها، وقد تغلب الطفل مشاعر الخوف والقلق فيبكي أو يصرخ.
دورنا في هذه الحالة هو قبول الطفل ومشاعره وانهياره وضعفه. هذا ليس وقت اعتلاء المنبر والوعظ المباشر، لكنه وقت إظهار إنسانيتنا وتعاطفنا. لا مانع من احتضان الطفل والبكاء معه، لأننا أيضًا نحتاج أن نبكي.