"موضوع كورونا ده رب ضارة نافعة، علشان بعد ما تخلص لازم العلم هو اللي يقود، يعني أنتم يا دكتور بتتعبوا وتشوفوا مخاطر لازم تتقدروا، ومينفعش مدرس يوقفه البوليس ويهزقه، المهن دي مهمة ولازم يكون لها احترامها". بهذه العبارات بدأ صديقي عبد الله (كوافير الرجال طبقًا للمصطلحات الجديدة) حديثه معي، "يا عبد الله كل المهن مهمة وبتكمل احتياجات المجتمع، الفارق يكون لطبيعة المهنة ومدى الجهد لممارستها وعوامل الخطورة فيها، جمع القمامة مهنة مهمة جدًا ولها احترامها وبدونها كلنا هنبقى في خطر، لكن الوصول لممارستها لا يستدعي جهدًا ومداومة دراسة كمهن أخرى، ومثلما تقول لازم العلم هو اللي يقود في كل مجال؛ في الصحة والجيش والقضاء والإدارة، وغيرهم". كان هذا ضمن حديث مطول مع صديقي عبد الله منذ أسبوعين.
هل الأطباء ملائكة؟
الملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا تمرض أو تسكن المساكن الشعبية وشواطئ الساحل الشمالي، الأرض يحيا عليها بشر مُخيَّرون، يصيبون ويخطئون ويقضون حوائجهم. كتب العراب خالد الذكرى الدكتور أحمد خالد توفيق "ما يعانيه الأطباء يعانيه أي واحد آخر في المجتمع.. هم جزء من المجتمع يتلف بتلفه، لكن الطبيب حالة لها خصوصيتها، لأنه اجتاز دراسة شاقة طويلة ومكلفة بالتأكيد. لعب اللعبة بجدية.. متوقعًا أن كل ما يلزمه كي يرتقي وينجح هو الجهد فقط. وها هو ذا قد بلغ نهاية النفق ويتوقع أن يجد الشمس بانتظاره. يتوقع الحد الأدني من العائد المادي والمعنوي لكل ما بذل من جهد وفي الوقت ذاته هو شخص يريد أن يُحترم.. حتى وقت قريب كان احترام القاضي والطبيب ورجل الدين من أسس الشخصية المصرية بلا افتعال أو ادعاء، لكن بدأت دائرة الضوء تضيق لتحيط بالقاضي ورجل الدين فقط.. وعلى الأرجح هي تضيق أكثر مع الوقت".
ويتابع في مقال الطبيب.. ذلك المجهول "جرّب أن تتعامل مع موظف في مجلس المدينة أو الكهرباء أو السجل المدني أو الإدارة التعليمية، ولتر إن كان يقظ الضمير يقوم بواجبه خير قيام أم لا.. هذا الموظف هو نفسه من يذهب للمستشفى ويتشاجر ويملأ الدنيا صراخًا. ومعه بعض الحق بالتأكيد؛ لأن انقطاع الكهرباء أو تأخير الأوراق أمور ليست بخطورة ما على الطبيب أن يواجهه. إن الطبيب يتعامل مع منطقة حساسة جدًا من التجربة الإنسانية، قد تقف بالضبط عند الحد الفاصل بين الموت والحياة". كان هذا المقال بداية علاقتي بالعرَّاب في 2010، وما زالت عباراته تصلح وصفًا دقيقًا لمجريات الأمور في 2020.
متلازمة"مش وقته"
الإجابة الواحدة المتكررة عبر الحكومات المختلفة في الأنظمة المتعاقبة بمصر هي"مش وقته"، حتى أصبحت متلازمة المسؤولين للرد على مطالب الفريق الطبي في تحسين أوضاع الصحة بشكل عام وأوضاعهم بوجه خاص. ما زلت أذكر أن أحالني وزير الصحة الأسبق، حاتم الجبلي، لتحقيق عاجل بوزارة الصحة، لظهوري في برنامج الإعلامية دينا عبد الرحمن للمطالبة بتنقية وجبات الأطباء من الحشرات، وزيادة نصيب الطبيب من صندوق تحسين الخدمة عن متوسط العشرين جنيهًا شهريًا، وشراء موتور لرفع المياه إلى استراحة الأطباء بدلًا من ملء"البستلة"، ذلك في مستشفى سوهاج العام، أما عن التهمة الموجهة لي فكانت"إفشاء أسرار العمل والإساءة إلى المسؤولين".
بعد ثورة يناير التي حملت مطالب الحرية والعدالة الإجتماعية، وفي أبريل 2011 التقى وفد الأطباء من خارج مجلس نقابة ما قبل الثورة برئيس الوزراء عصام شرف للمطالبة بزيادة ميزانية الصحة إلى 15%، هيكل عادل للأجور، تأمين المستشفيات ومنع التعسف الإداري.. كان اللقاء ودودًا والكلمات طيبة والأفعال منعدمة نظم الأطباء على أثرها إضراب مايو 2011، وفي عهد الأخوان نظم الأطباء أول أكتوبر 2012 إضرابً استمر أكثر من 80 يومًا لرفع نفس المطالب، ونظموا خلال أيامه مسيرة من نقابة الأطباء إلى ماسبيرو تحت رمزية جنازة الصحة كان يسير فيها الدكتور عادل العدوي الذي أصبح وزيرًا للصحة فيما بعد، وطالبت نقابة الأطباء بإقالته لاستمرار الوضع المتردي لمنظومة الصحة.
حضر بعد المسيرة بأيام إلى نقابة الأطباء محمد فؤاد جاد الله نائب رئيس مجلس الدولة والمستشار القانوني للرئيس الأسبق محمد مرسي في اجتماع ودي حضرته، وكان مؤيدًا لمطالبنا ولكن"مش وقته"، أيضًا أذكر عبارة وزير الصحة وقتها، محمد مصطفى حامد "خليهم يضربوا، الإضراب حلو وعاجبني،"وبعدها بشهور أعلن أن لديه مشروع لكادر المهن الطبية، كما صرح أن الكادر بالنسبة له ك"الجزرة في يده يستطيع أن يحرك بها الأطباء ويحاسبهم"، وفي إضراب الأطباء يناير/ كانون الثاني 2014 خرج الإعلام يتهم الأطباء باستغلال ضعف الحكومة وقتها، ثم التقيت وبعض زملائي في لجنة إدارة إضراب أعضاء إتحاد المهن الطبية بالمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء وقتها، وبعد عرض نفس المطالب بتحسين أوضاع المنظومة الصحية كان رد محلب "معاكم حق في كل طلباتكم، لكن مش وقته، مصر جريحة ودماءها بتنزف".
تكررت تلك المطالب في أحداث متفرقة، مرورًا بحادث الاعتداء على أطباء المطرية يناير 2016، وحادثة طبيبات المنيا يناير 2020 وحتى أسبوعين مضيا، وكانت الإجابة دائمًا"مش وقته"
شيطنة الأطباء
ربما شاهدت أكثر من مقدم برامج يتحدث بحِمية عن جشع الأطباء أو أخطائهم على إثر شكوى مرسلة من مواطن دون استضافة متخصص للرد، أو قرأت خبرًا يرصد الجرائم المتعددة ويتهم نقابة الأطباء بالتدليس، وإن بحثت عن موجه الاتهام ستجد علاقته بالطب كعلاقة حمو بيكا بالسيدة أم كلثوم، أو أن تكون صادفت إعلانًا يحذرك من سرقة الطبيب لأعضاءك وخبرًا آخر عن ضبط فياجرا في غرفة العناية بمستشفى. سنوات من توجه كثير من وسائل الإعلام والمسؤولين لشيطنة الأطباء، لن تُجد معها محاولات البعض من التنويه أن غرض هذا التوجه هو تقديم الطبيب كبش فداء للمجتمع عن سوء المنظومة الصحية.
الأطباء مثل أصحاب أية مهنة بها أيضًا المخالف والمخطيء والفاسد، أتفق في ذلك تمامًا مثلما تلتزم وسائل الإعلام في عدم التعليق على تحقيقات النيابة في قضايا "قتل المتظاهرين"والتزام الإعلام بترديد جملة "لا تعليق على أحكام القضاء"، أظنك أيضًا تشاركني التندر على أخبار أوبرامج تلفزيونية أبرزت إيجابيات عن الفريق الطبي، وكأن المستشفيات تحولت إلى مشارح تضم القتلى بأكثر ما تحوي مرضى، استمع وشاهد لغة الوجه لهذا الإعلامي، وهو يحاور نقيب الأطباء السابق، الدكتور خيري عبد الدايم، في جدال حول تصريح مرسل من وزير التعليم العالي وقتها، ومحاولة الإعلامي إضفاء الجشع وغياب الضمير على الغالبية من الأطباء.
وفي المقابل استمع وشاهد ارتباك نفس الإعلامي منذ أيام عند تعنيف وزير النقل له لعدم تصوير مشاهد خُلوُّ مترو الأنفاق، سبق لي أن أرسلت لنفس الإعلامي على الواتساب الخاص به ولغيره من الإعلاميين تنظيم أطباء أسيوط، بمجهود ذاتي، زيارة للمعالم الأثرية لوفد طبي عالمي بعد ورشة عمل دولية، وقام الوفد بتصوير رسائل من المواقع الأثرية يدعوا فيها شعوبهم لزيارة مصر. لم يهتم أحد من الإعلاميين حتى بالتنويه عنها.
رسَّخ هذا التوجه الكاسح لدى غالبية وسائل الإعلام لصورة مشوهة للفريق الطبي في أذهان ملايين المواطنين، كانت الدافع لاتخاذهم أشكالًا غير قانونية في التعبير عن سخطهم من سوء الخدمة الصحية الناتجة عن تردي الإمكانيات، وفريق طبي مثقل كاهله بالأعباء، أبرز تلك الأشكال كان الاعتداء على الطواقم الطبية، وحتى طالت الاعتداءات الأجهزة الطبية.
متى التحق الأطباء بالجيش؟
"الجُنْد، جماعةُ النَّاس في الحرب" هكذا اتفقت معظم المعاجم اللغوية على تعريف كلمة "الجيش"، فلماذا بعد انتشار وباء كورونا أُطلق على الفريق الطبي"جيش مصر الأبيض"؟ كلٌ في مهنته يؤدي واجبه على أكمل وجه يكون مثلًا وقدوة، وإن حدثت ظروف استثنائية فاستُنفر وأدى زيادة عن واجبه وتحمل أخطارًا وكفاها عن المجتمع، يصبح بطلًا في مجاله، فإذا استلهم له الآخرين ألقابًا وصفاتً فدائمًا تكون لذات أعلى وأرقى من البشر، فتجد من يقول فلانٌ هذا "عظيم"وهذا"قدير"وذاك"حكيم". التمثل ببشر أو بكيان دنيوي هو تقديس لهذه الفئة وذلك الكيان؛ الجيش كيان والتدليل به في البطولات أيًا كان مجالها يسحب عليه صفة القدسية والتنزيه عن الخطأ، رغم أنه يضم عاملين من البشر فيهم الأبطال ومنهم الفاسدين، وماذا لو حدثت أزمة واستدعت استنفار المهندسين أو المعلمين، فبأي لون سنصبغ جيشهم؟
لم أجد في نطاق بحثي نظام حكم أو دولة أطلقت على العاملين في مجال مدني "جيشًا"، وهكذا تشكر دولة الإمارات العربية أعضاء الفريق الطبي بها بمسميات مهنتهم.
أعرض هنا بعض الأمثلة، ولي بعدها سؤال، تُوفي مدير أمن أسيوط إثر حادث مروري أثناء تأدية عمله في تفقد الأكمنة الأمنية، وهكذا تمت صلاة الجنازة على الفقيد ثم جنازة عسكرية بموطن رأسه، وفي 14 يناير الماضي تُوفيت ثلاث طبيبات واصيبت إحدى عشر أخريات إثر حادث مروري أثناء توجههن لدورة تدريبية حسب تعليمات وزارة الصحة، وهكذا نعت الحكومة ضحايا الحادث.
نعت القوات المسلحة منذ أيام اللواء خالد شلتوت الذي توفي نتيجة إصابته بفيروس كورونا، وبعدها بأيام قليلة توفي الطبيب أحمد عبده اللواح أستاذ الباثولوجيا بطب أزهر دمياط، مصابًا بكورونا، وهكذا نعته وزارة الصحة.
استمع إلى داعية الإعلام خالد الجندي عندما أفتى"أننا ندعوا الله أن يحتسب طبيبات المنيا شهيدات، لكن مينفعش نقول إنهم شهيدات لأنها أمور غيبية"، والمؤكد أن هذا صحيح ولكنه نفسه قطع في أكثر من موضع بالغيبيات، موكدًا على أن رجال الشرطة والجيش بوفاتهم أثناء تأدية عملهم شهداء، جزمًا دون أن يدعوا الله أن يحتسبهم شهداء عنده.
هذه كانت الأمثلة، أما سؤالي لك أخي المواطن، هل ترى أن الفريق الطبي صار جيشًا بالفعل؟
درع الوطن.. هل يتسع للجيش الأبيض؟
أغلب الظن وأنت تشاهد مسلسلًا أو نشرة أخبار، قد اصطدمت بالإعلان المذاع تكرارًا عن تعقيم القوات المسلحة مقرات مجلس النواب ومجلس الوزراء وجامعة القاهرة، وعن استعدادها لدعم أجهزة الدولة المصرية كعادتها درعًا واقيًا للوطن. وصلتني شكاوى كثيرة، عن عدم توفر مستلزمات مكافحة العدوى للفريق الطبي والعاملين بالمستشفيات، وأوصلت ما تيقنت من صحته منها إلى مسؤولين في جهات معنية مختلفة.
مستشفى أمراض الكبد بالمحلة، التي تتوسط مستشفى الحميات والصدر، الكمامات الموجودة بها تكفي ليومين فقط والكحول نفد تقريبًا، والقفازات الطبية في طريقها للنفاد، بينما يرفض مستشفى المحلة العام تسليم الفريق الطبي بالعيادات الخارجية كمامات أو قفازات، أما مستشفى حميات سوهاج، إحدى مستشفيات الفرز والعزل لبعض الحالات، فلا يوجد بها كمامات N95 و يشكو أطباء سوهاج المكلَّفين بالعمل بوحدات الرعاية الصحية كعيادات خارجية بديلة عن المستشفيات من عدم وجود أية كمامات أو قفازات، ومستشفى الأقصر العام لا توجد بها كمامات N95 في العناية المركزة و أقسام العزل، ومستشفى القرنة المركزي بالأقصر يعاني عجزًا شديدًا في الكمامات والقفازات والكحول والكلور، وفي قنا تكفي الصورة، حيث يرتدي المحافظ الكمامة والقفاز الطبي، بينما يقف الطبيب مجردًا منها.
مستشفى المنيرة العام فريق النوباتجية الصباحية يستلم الكمامات عند التوقيع، أما نوباتجية "السهر " فلا يتم توفير احتياجات الفريق بها، وفي مستشفى أسوان للتأمين الصحي يعمل الفريق الطبي بغرف العمليات بدون كمامات، وفي مستشفى الإيمان العام بأسيوط بها عجز شديد بالكمامات الجراحية و الجوانتيات و المطهرات و كمامات N95 و كذلك مستشفى ابنوب المركزي بنفس المحافظة.
أما الأخطر في الشكاوى، فهو عدم إجراء تحاليل للفريق الطبي الذي خالط حالات إيجابية، فيحكي لي أحد أطباء "كانت فيه حالة مرضية بتشتكي بنفس أعراض كورونا، و ذهبت لأكثر من مستشفى في سمالوط بمحافظة المنيا ومنها الحميات ورفضوا يعملوا لها تحليل الفيروس، وأخيرًا اتحجزت في عناية مركزة بمستشفى خاص بسمالوط اسمها قصر الطب، ركبنالها أنبوبة حنجرية وتم وضعها على جهاز تنفس صناعي، بالخناق حضر الطب الوقائي وأخذ عينة منها طلعت إيجابية و بعدها تُوفت الحالة، إحنا مش لابسين ماسكاتN95، هي الماسكات الجراحية بس، قبل ما تظهر نتيجة العينة إحنا لفينا مستشفيات كتير حكومي و خاص وكشفنا على مرضى، اترعبنا إننا نكون نقلنا العدوى للمرضى و أهلنا، قعدنا نتخانق معاهم يومين وهددنا نبلغ رئاسة الجمهورية فاضطروا يحللوا لنا والحمد لله طلعت النتائج سلبية".
أدركت بعد تلك الشكاوى أن دعم القوات المسلحة لم يصل بعد إلى المستشفيات والفريق الطبي بها.
وسائل الوقاية الصحيحة للفريق الطبي
يُفضل استخدام كمامات N95 في التعامل مع حالات الاشتباه أو الحالات المؤكدة بالإصابة بفيروس كورونا، وفي حالة عدم وجودN95 يمكن استخدام الماسك الجراحي في التعامل البسيط مثل الفحص أو أخذ التاريخ المرضي أو اعطاء الأدوية، مع مراعاة وجود مسافة تبعد عن المريض ما لا يقل المتر و النصف، أما في حالة احتمالية نشر رذاذ المريض مثلما في حالات الانعاش القلبي والرئوي أو تركيب انبوبة حنجرية أو أخذ عينة من السائل الحنجري أو عمل تنفس يدوي أو صناعي خارجي أو داخلي، فيلزم استخدام N95 وارتداء السترة الواقية و نظارة عين.
هكذا يؤكد الدكتور محمد قطب استشاري طب الحالات الحرجة و الطوارئ، والمهاجر منذ سنوات بالإمارات العربية، مستندًا إلى توصيات منظمة الصحة العالمية، وتضيف دراسة صينية أن تلك الكمامة تمنع نفاذ الفيروسات بنسبة 95%، و لا بد من ملائمة الواقي حول الخدين و الذقن و الأنف لعدم تسرب الهواء حول حواف الواقي، كما تؤكد هيئة الأغذية والأدوية الدواء الأمريكية عدم استخدام هذا الواقي لمن خارج الفريق الطبي.
رحلة البحث عن المستلزمات
"والله يا دكتور لولا إني عارفك كويس، ما كنت رديت عليك أصلًا لأني عارف أنت عاوز ايه، إحنا بنجيبها من التجار زي المخدرات بنقف بالعربيات و ندي فلاشات، لتر الكحول الي كان ب 15 جنيه وصل 120 جنيه، و علبة الماسكات فيه 50 واحد وصلت 250 جنيه"، كان هذا رد صديقي الصيدلي الذي شارك معي أكثر من مرة بتبرعات لمستشفيات، عندما سألته عن أسعار مستلزمات تنوي نقابة أطباء سوهاج شرائها لتوزيعها مجانًا على الفريق الطبي بالمستشفيات، و كان هذا منذ أسبوعين، و عندما أعدت طلبه منذ أيام لشراء أقنعة جراحية لمستوصف خيري بنجع حمادي و إحدى المستشفيات الحكومية ردّ عليَّ "وصلت علبة الماسكات 320 جنيه ولتر الكحول 140 جنيه".
أعلنت صفحة نقابة أطباء سوهاج عن عرض مقدم من شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالمحافظة، بأسعار تقارب أو تزيد عن أسعار تجار السوق. واتصل بي نقيب أطباء الشرقية، الدكتور أيمن سالم، يخبرني أن نقابة الشرقية استطاعت توفير بعض المطهرات وتسعى لشراء كمامات حتى يقوموا بتوزيعها مجانًا على الفرق الطبية بالمستشفيات، وأنه تواصل مع وزارة الصحة يعرض الشراء منها مع التزام النقابة بالتبرع بها للمستشفيات أو مديرية الصحة وتوزعها بمعرفتها، فتم الرد عليه بأنهم بالفعل أرسلوا كميات من المستلزمات ضمنها الكمامات إلى مديرية الصحة بالشرقية، بعدها تواصلت مع أحد المسؤولين بالمديرية فأكد لي عدم وصول أية مستلزمات من وزارة الصحة.
مساء الأثنين 23 مارس/ أذار صرح رئيس القطاعات الفنية بوزارة الانتاج الحربي، الدكتور صلاح جنبلاط بتوفر المطهرات للبيع للجمهور بمنافذ بيع وزارة الإنتاج الحربي، وأنه سيتم من باكر الثلاثاء 24 مارس توفير الكمامات المعتمدة 3M وسيطرح للجمهور نسبة 25%من الإنتاج والباقي للمستشفيات، بعدها بيومين اتصلت بوزارة الإنتاج الحربي فأخبرتني مندوبتها أن الكمامات سيتم توفيرها الأحد 28 مارس، وأخبرتني بسعر الكمامة بدون فلتر (15 جنيهًا) وبفلتر (20 جنيهًا)، وعاودت الاتصال حسب الموعد فأخبرتني بنزول الكمامات بالفعل في منافذ البيع وأعطتني أرقام المصنعين المنتجين التابعين للوزارة لرغبتي في شراء كميات لبعض نقابات الأطباء بالمحافظات.
اتصلت بشركة أبو زعبل للكيماويات (مصنع 18) لأجد رسالة مسجلة متكررة، أما شركة هليوبوليس للصناعات الكيماوية (مصنع81) فقد أخبرني مندوبها أنهم حاليًا مشغولون بتوفير طلبية للأمانة العامة لوزارة الدفاع، ولن يتم توفير كمامات للجهات المدنية قبل أسبوعين إلا لو أحضرت تصريح من وزيرة الصحة.
اقترحت على بعض أعضاء مجالس نقابات الأطباء التواصل مع نقيب الأطباء، الدكتور حسين خيري، بعد حصر احتياجات الفريق الطبي بالمحافظات، ليتواصل هو بدوره مع الوزيرة للحصول على تصريح بالشراء، أو ليتواصل مع النائب العام الذي وفّر آلاف الكمامات والسترات الواقية لأعضاء النيابة والقضاء، لتشتري نقابة الأطباء من نفس المصدر.
خلال رحلة البحث سألني بعض زملائي عن نوعية المليون كمامة التي أهدتها مصر لإيطاليا، كما تسائل آخرون عن سكان التجمع الخامس الذين وزع عليه حزب مستقبل وطن الكمامات مجانًا.
اللهم اجعله خير
"والله ما أنا فاهمة يا دكتور، قبل زيارة الوزيرة للصين كانوا منبهين علينا محدش يتكلم عن كورونا، وبعدها جاتنا تعليمات اتكلموا"، كان ذلك ضمن اتصالها بي في 17 مارس، فقد اعتادت معدة أحد البرامج المشهورة التي انتقل مقدم برنامجها إلى التلفزيون المصري، أن تجتذب أطراف الحديث في موضوعات مختلفة عند ممارستها دور ضابط المباحث المتدرب على استخلاص المعلومات من المتهم دون استخدام العنف.
مساء الجمعة27 مارس اتصل بي مسوؤل بإحدى الهيئات المعنية يسأل إن كانت هناك دراسة لتكلفة زيادة بدل العدوى أن أرسلها له، اعتدت عنه عندما يسأل عن أمر أو يتدخل في موضوع، أن يكون فيه تحرك ما، وفي اليوم التالي تشاهد معظم البرامج في القنوات الفضائية والمقالات في المواقع الإلكترونية تتحدث عن ضرورة تقدير الفريق الطبي ومنحهم حقوقهم. ثمة أمرٌ متفق عليه ومرتب لتمهيده إعلاميًا، وعندما يحدث ذلك في مصر تتبادر إلى الشفاه جملة "اللهم اجعله خير".
تقدير الرئيس للفرق الطبية.. انعكاسات مختلفة
تصدرت الصحف ومواقعها الالكترونية الأحد 29 مارس أخبار توجيه الرئيس للحكومة بزيادة بدل المهن الطبية بنسبة75% وصرف مكأفات للعاملين بالمستشفيات المتعاملة مع المرضى المشتبه بإصابتهم أو المصابين بكورونا، وأيضًا التوجيه بإنشاء صندوق لمخاطر المهن الطبية. غالبية الصحف لم توضح أن نسبة ال75%تعني 525 جنيهًا للأطباء و375 لأطباء الأسنان والصيادلة والعلاج الطبيعي و300 جنيه للتمريض، وذلك قبل خصم الاستقطاعات وضرائب كسب العمل. كذلك لم توضح أن هذا التوجيه الرئاسي يستلزم تنفيذه تعديل برلماني لقانون 14 لسنة2014 لإضافة تلك الزيادة، وكذلك ضم الفريق الطبي بالمستشفيات الجامعية من أعضاء هيئة التدريس، وكذلك إنشاء صندوق للمخاطر يحتاج لقانون تشريعي من البرلمان.
في 26 مارس، أعلنت نقيبة التمريض، الدكتورة الدكتورة كوثر محمود، إصابة تسعة عشر ممرضة بفيروس كورونا، وكانت قد أعلنت في 29 سبتمبر 2014 إصابة خمسة آلاف ممرضة بفيروس سي، وهي نفسها التي صرحت مساء نفس يوم توجيه الرئيس أن قرار الرئيس بزيادة بدل المهن الطبية 300 جنيه لأعضاء نقابتها يعكس تقديره لهم. بالمصادفة نقيبة التمريض هي نفسها رئيس الإدارة المركزية للتمريض بوزارة الصحة. وفي صباح اليوم التالي شكر رئيس جامعة الزقازيق القيادة السياسية على زيادة بدل المهن الطبية.
وفي بيان مختلف لنقابة أطباء مصر، تلمس فيه مخاطبة للشعب المصري أكثر منه للمسؤولين، وتقرأ في معاني سطوره تأكيدًا على استمرار الأطباء والفريق الطبي في بذل الجهد دون كلل، والتعرض للمخاطر دون مقابل يستحقونه، وذلك من أجل الشعب الذي هو أهالي الفريق الطبي، ممتنين للشعب احترامهم وتقديرهم وإعادة جسور الثقة بينهم، يستمروا الآن في تضحياتهم وقد يكون مستقبلًا بدون مقابل كما كانوا بالأمس.
تأكدت من عدم رضاء النقابة وشعورها بالإهانة للأطباء والفريق الطبي بهذه الزيادات، التي ربما لو لم تكن صدرت كانت أفضل كثيرًا، تأكدت من ذلك عندما اتصل بي صديق لي رئيس تحرير أحد البرامج الفضائية مساء نفس يوم البيان يسألني "أحمد عاوز رأيك، هو"فلان"ولا "فلان" أمان، علشان مداخلة بخصوص بيان النقابة" واستفسرت منه عن قصده بأيهما أمان فأجاب "يعني مش يهاجم الدولة ويخبطنا في الحيط، يقول متفهمين ظروف البلد وكده".
عندها اطمأننت أن النقابة تعبر عن نبض الأغلب من أعضاءها تجاه تلك القرارات، والذي عكسته تعليقاتهم التي دلّت على الخيبة والشعور بالإهانة من الحكومة"ينفع يعني الأطباء يأخذوا بدل عدوى 19جنيه والقاضي اللي رفض طلبهم بيأخذ 3 آلاف جنيه بدل علاج"، "الي بيديروا البلد دي لو فعلًا خايفين عليها، يبقى زي ما بيوفروا سلاح للجيش لازم يوفروا وسائل الدفاع الأولية للطاقم الطبي علشان يقدر يشتغل بها"، "قرار زيادة الطبيب 400جنيه ده تهزيق، ونحارب الكورونا بايه، لا ماسكات ولا رعايات ولا مستشفيات تستحمل!وضعنا في مصر مهين لأبعد حد".
يذكر أن رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء ووزير الصحة بصفتهم وممثلين في هيئة قضايا الدولة، قد طعنوا في 14 يناير/ كانون الثاني 2016 على الحكم الصادر لنقابة الأطباء في الدعوى رقم44987 لسنة68 قضائية بجلسة28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 الصادر بزيادة بدل العدوى لأعضاء اتحاد المهن الطبية من 19 إلى ألف جنيه، وتم بقبول طعن الحكومة وإلغاء الحكم المشار إليه وذلك في الطعن رقم 20293 لسنة 62ق. عليا في أغسطس/ آب 2018.
هل للألوان ثمن؟
شاهد واستمع إلى الطبيب خالد أمين وهويستعرض مفردات مرتب طبيب دفعة2010، صافي الراتب الأساسي له 263 جنيهًا وصافي جميع مستحقاته بعد الحوافز 1800جنيه، كان ذلك في ديسمبر/ كانون الأول 2018.. وفي يونيو/ حزيران من نفس العام نشر أنه تم زيادة معاشات ورواتب العسكريين للمرة التاسعة خلال 4 سنوات وفي يونيه 2019 أُقرت الزيادة العاشرة.
نقرأ أيضًا في هذا التقرير تفاوت المعاشات بين العسكريين والمدنيين، ونتوقف كثيرًا عند حديث اللواء أركان حرب حمدي بخيت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، عن أن الحديث عن "معاشات رجال القوات المُسلحة تفوق ما يحصل عليه الموظف الحكومي كلام "أهبل" و"جناية" يستحق صاحبها المحاكمة، لأن رجال القوات المُسلحة خدموا البلد وتعرّضت حياتهم للموت في أيّ لحظة خلال فترات خدمتهم، بما يجعل المعاش أو مكافأة نهاية الخدمة "حق أصيل" وليس "منحة"، رجل القوات المُسلحة يحارب على الجبهة، ويقوم بأعمال مدنية لخدمة الناس كرصف الطرق، والمشاريع التنموية في كُل محافظات مصر، بما يجعله يستحق مكافآت استثنائية تفوق الأرقام المتداولة عن أجورهم، خصوصًا إذا ما قورنت هذه الأرقام بما يحصل عليه من يخدم بالجيش بكافة بلدان العالم ، لا ينبغي الحديث عن أي امتياز لرجل القوات المسلحة، ده حق على الدولة والمواطنين تجاهه، لأنه اختار أن يضع روحه على كفه بالخدمة في جيش مصر العظيم، ويكون سببًا في نهضة البلد".
فهل هناك بالفعل مساحة للون الأبيض؟
مع صديقي المشاغب
"يا بني تقدير إيه وحقوق إيه، ما الأطباء طول عمرهم وهيفضلوا يعانوا ويصابوا بالعدوى ويضربوا ويموتوا، نسيت الدكتورة اللي كلمك زوجها لما اتصابت بميرسا واتعملها عملية قلب مفتوح ولولا أن زوجها موظف في شركة بترول لها تأمين صحي كويس، مكنوش عرفوا يكملوا مصاريف العلاج، وغيرها آلاف، لو نية الدولة تقدير الفريق الطبي كانوا عدّلوا قانون صندوق تكريم شهداء الشرطة والجيش وضمّوا الفريق الطبي للمخاطبين به، كانوا فكروا ينفذوا بدل العدوى دول ألف جنيه، طيب بلاش كانوا أصدروا قانون "المسؤولية الطبية" اللي مش هيكلفهم فلوس، بدل ما بيتعرض الأطباء للابتزاز والمساومة بالحق والباطل".
كان هذا تعليق صديقي الطبيب المشاغب، الذي أضاف"بص أنا أقولك الخلاصة، هم شافوا المجتمع متعاطف مع الفريق الطبي وابتدأ يقدّره ويمكن يصدّقه، فخافوا لما تعدي الأزمة دي الشعب يسمع لهم لما يطالبوا بحقوقهم وكمان يقولوا زودوا ميزانية الصحة وشوية ميزانية التعليم كمان، وقتها التعليم هيعمل كتير في وطن ضايع، وبعدين يا أحمد هيلاقوا مين وقتها "كبش فداء"يشيلوه بؤس المستشفيات.. بص هم قالوا نديهم قرشين ونمدح فيهم شوية في التلفزيون ويبقى كده قدام الناس الفريق الطبي مش عامل جميلة، أهمَّ اشتغلوا وخدوا فلوس وكمان شكرناهم، ومطلعش الشكر بره مش إحنا قولنا عليهم"الجيش الأبيض"، ولو عادوا بعدها عدّنا.. أحمد، افتكر دائمًا مقولة المناضل الفلسطيني غسان كنفاني يسرقون رغيفك".
هكذا كان تحليل صديقي المشاغب دومًا، الذي يبدو أنه سأم الحياة باللون الأبيض.