"سلمي لي ع الولاد السمر.. خضر العمر.. في عموم الحواري
سلمي لي ع البنات.. المخطوبين في المهد.. لسرير الجواري".
- من قصيدة "أبويا يعني"، للشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم.
أسبوع واحد يفضل بين احتفال العالم بيوم المرأة العالمي في 9 مارس/ أذار، والاحتفال بيوم المرأة المصرية في 16 من الشهر نفسه، وتبقى الحقيقة أن المرأة في العالم أجمع ما زالت لا تُعامل كإنسان كامل.
نعم، حتى في دول العالم المتحضر، لا يزال ينظر للمرأة بوصفها نصف إنسان، ويختلف التعامل مع "نصف الإنسان" باختلاف المجتمع وتوجهاته، أي أنها: نصف إنسان ويستحق الشفقة، نصف إنسان ويستحق الأسر، نصف إنسان ويستحق السخرية، نصف إنسان ويستحق التمييز الإيجابي، الذي يشتمل على "تفهم" تقلباتها الهرمونية، و"ماحدش يكلمها بقى شكلها مجنونة النهارده"، نصف إنسان ويستحق الحماية، نصف إنسان ويستحق القتل.
كل مجتمع على حسب وعيه وثقافته، إلا أن الاتفاق على كونها نصف إنسان، أو مخلوق غرائبي، له ظروف استثنائية، تؤدي إلى خلل ما في التفكير، الأمر الذي يستتبع اتخاذ كافة التدابير إما "مراعاة" لظروفها الاستثنائية مثلما يحدث في العالم الأول، أو "تجنبًا" لشرِّها وجنونها مثلما يحدث في العالم المتخلف، اللي هو احنا يعني.
ما يفصل يوم المرأة العالمي عن نظيره المصري
حين أقرأ الأطروحات النسوية والقضايا الملحة المطروحة عالميًا، ثم أتذكر حال المرأة المصرية، تحضرني الصورة المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وما ارتبط بها من كوميكس، التي تظهر كواليس تصوير فيلم آلام المسيح، حيث يجلس ميل جيبسون وهو يتحدث مع الممثل جيم كافيزل، الذي أدى دور المسيح، ويبدو في الصورة غارقًا في الدماء على رأسه إكليل الشوك، يجلس صامتا وهو يستمع في تفهم إلى ميل جيبسون.
شكوى حقيقية، ولكن
الحديث الدولي عن التمييز العالمي ضد المرأة يمثل شكوى حقيقية، نابعة من حقيقة أثبتها العلم وهي أن المرأة إنسان؛ وبناء عليه، فلها الحق في رفض العنف النفسي الذي يمارس عليها من محيطها، وإحباطها، والتعامل معها بوصفها آلة للجنس، ونظرات التحقير والتشهي الجنسي لها في محيط عملها ومجتمعها لكونها أنثى، وعدم مراعاة ظروفها الصحية التي فرضتها عليها الطبيعة مثل فترة الحيض والحمل والنفاس والرضاعة، والسخرية من كل هذه الظروف، بل والضغط عليها في العمل والمنزل، علمًا بأنها لا تواجه نفس الضغط إذا ما أصيبت بوعكة صحية، وعدم تفهم العالم لحقيقة أن هذه الظروف الأنثوية يجب تضمينها ضمن الوعكات الصحية.
يتم استخدام المرأة في الدعاية والإعلان لإسالة لعاب المستهلك الذكر، وافتراض أنها المسؤول الوحيد عن تدبير المنزل ورعاية الأطفال، مما يدفع شركات الدعاية والإعلان لتوجيه الخطاب للأنثى إذا ما أرادت تسويق بعض المنتجات الخاصة بغسل الصحون أو الطبخ أو حفاضات الأطفال، وتعرضها للتحرش اللفظي والبدني الدائم، وإشعارها بالخوف من قبل الذكور بسبب قوتهم البدنية أو غلظة نبرات أصواتهم، وحقها في التصرف في جسدها، سواء بالحفاظ على الجنين أو بإجهاضه.
كل ما سبق هي شكاوى حقيقية تسترعي الانتباه والتفهم والمساندة.
ولكن، حين تستمع المرأة المصرية إلى هذه الشكاوى، تتحول إلى جيم كافزيل وهو غارق في الدماء، منصتًا لميل جيبسون الذي يبدو في كامل أناقته.
الأمر جدي لا مجال فيه للهزل
هذه الشكاوى، دون قصد، تضر بصالح المرأة في المجتمعات المتراجعة تراجعًا شديدًا في اعتبار المرأة إنسانًا بالأساس، فحين يقرأ أفراد هذه المجتمعات هذه الشكاوى، لا يلتقطون أي خيوط، نظرًا للإعاقات الفكرية المتراكمة والمركبة، ولتراجع المستوى التعليمي، فيكون رد الفعل هكذا..
شايفين الغرب الكافر اللي عايزين ستاتنا يبقوا زيهم؟ أهي الستات بتشتكي أهي إنها سلعة جنسية، وإنها بتشتغل وهي حامل، بينما عادتنا وتقاليدنا ودينا بيحافظوا على الستات؛ تتحجب وتقعد في البيت وتتختن والراجل يورث ضعفها عشان يصرف عليها، ويدفع فيها شبكة ومهر، وهي تقعد تاخد بالها من العيال، بدل البهدلة دي، وطبعًا عشان زناة عايزين يشرعوا الإجهاض عشان يتهربوا من نتيجة الفاحشة اللي غرقوا فيها، إنما احنا عندنا الزواج بمثنى وثلاث ورباع عشان يعفّوا النساء والرجال، مش أحسن ما يخون مراته ويجهض عشيقته؟ المرأة عندنا درة مكنونة، وليست مستباحة كما في الغرب الكافر الذي يشكو الآن من تبعات تحرير المرأة.. اللهم احفظ نساءنا وبلادنا.
وتُشفَع تلك السردية، ببعض المقتطفات المنسوبة لبن جوريون، والتي لم يقلها، حول ضرورة إغواء نساء المسلمين وتحريرهن للتغلب عليهن، فعفة المرأة في هذه المجتمعات هي التي تحفظها من الهزيمة.
لا بأس من بعض التعديلات
إذا أراد العالم الحر إدراج البنات المخطوبين في المهد لسرير الجواري ضمن تصنيف الإنسانية، فلا بأس من دراسة ظروفهن، والعقليات المحيطة بهن، ومراعاة حالتهن الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ربما لا بأس من تذييل ذلك الخطاب، الذي له مني كل الاحترام، بملحق يضع "الدرر المكنونة" في الاعتبار. ربما يحتاج الأمر لمزيد من التفاسير التي تخاطب عقولًا تعاني بؤر الفهم فيها من التردي، بسبب سوء التعليم والتلوث البيئي ومياه الشرب التي تعج بالرصاص.
"الدرة المكنونة" ليست مكنونة بالمرة
هي مجرد شيء، يحتفظ به الأب، ويضرب حوله سياجًا من "القيم والأخلاق والأعراف والعادات والتقاليد والتديّن" كما تحرص أمها على إعدادها، لتزيد من قيمة البضاعة المباعة، فتمرنها على شؤون التدبير المنزلي، والعناية بجمالها، ولا بأس من تعليمها تعليمًا جيدًا لرفع قيمتها، ثم يجلس الأب فخورًا بالمنتج المعروض ليقول للخطاب "أنا بنتي تستاهل شبكة كذا، ومهر كذا". بينما يقوم الشاري بالفصال، ويضرب أمثلة أخرى لنساء من عائلته وعائلات أصدقائه ينتمين لنفس المستوى، أو بقول آخر، نفس العلامة التجارية، أو علامات تجارية لا تقل، وربما تزيد، عن العلامة التجارية للبضاعة التي يعرضها الأب، وكيف أنهن كن أقل تكلفة، خاصة وأن الشاري يعرض خدمات أخرى غير المال، مثل "الستر"، وتخليص الأسرة من هم وعار الفتاة، وتحملها بقية العمر، ولابد للبائع من مراعاة كل هذه الخدمات.
إذا وجدت النبرة قاسية أو ساخرة، فاعلم أن عدم قدرتك على رؤية الواقع هي التي منعتك.
حتى النساء مقتنعات بإن قيمتهن نابعة من المال الذي دفع فيهن للزواج بهن. وهن يستخدمن التعبير بصياغته "دفع فيا"، بل وتعتبر هذه المجتمعات التي تقع خارج حيز التاريخ، أن عملية البيع والشراء هذه هي شكل من أشكال "تكريم المرأة" و"صيانتها".
وتعتبر هذه المجتمعات أن تصرف الفتاة في حياتها وجسدها بشكل لا يقرّه المجتمع خيانة لوالدها وأخيها وعمها وخالها، وتنكيسًا لرؤوسهم بين ذويهم ومحيطهم.
وتعتبر هذه المجتمعات أن الرجل الذي لا يقتل زوجته في حال خيانتها له ينقصه الحمية والنخوة.
وتعتبر هذه المجتمعات أن خيانة الرجل لزوجته "شرع الله" و"حق من حقوقه".
وأن الابن أفضل من الابنة، لذلك فهو يرث ضعف أخته، "هي راسها براسه ولا إيه؟"
وترى هذه المجتمعات ضرورة ختان الإناث، لأن استمتاع المرأة بالجنس "عيب"، ولأنه صيانة لشرفها، وشرفها هو شرف والدها وشقيقها وعمها وابن عمها وخالها وابن خالها وابن عمتها وابن خالتها وأي ذكر في عائلتها. تمامًا كما ترى أن ختان الذكر ضرورة كي يصبح سهل الاستثارة... متحرشًا فيما بعد. بل إن التحرش منبع فخار ودليل على الفحولة.
وتقر هذه المجتمعات بحق الرجل (الشاري) في التخلي عن البضاعة التي اشتراها دون استئذانها أو استشارتها أو حتى إخطارها مسبقًا، وليس لها غير المال الذي سيدفعه كمكافأة نهاية خدمة.
كما أن للشاري حق "تأديب" الزوجة، و"تقويم اعوجاجها".
هكذا، إقرار واضح وجلي بتشييء المرأة وتمليكها للذكور المحيطين بها، سواء تربطها بهم صلة دم، أو قام أحدهم بدفع المال لاستحلال حياتها.
فبعد إذن الأمم المتحدة، نحن هنا، زملاء لكم في هذا العالم، مع كامل التقدير والاحترام لمشاعر نساء العالم الأول التي يجرحها التقليل من شأنها عبر نظرات لا تريحها.
العالم الأول لا يهتم لشأن المرأة في العالم الثالث سوى للحديث عن الختان وأخطاره، أو الحديث عن النقاب والجدل حول ما إذا كان حرية شخصية أم انتهاك للمرأة، وكأن المرأة في هذه المجتمعات لديها حرية الاختيار، وكأنها لا تعاني من ضغوط نفسية، وإلحاح مجتمعي وديني، حول كونها عورة، ومستشرفة للشيطان، ومسؤولة عن ذنوب الرجال الذين ينظرون إليها أو يتحرشون بها، ومسؤولة عن شعور والدها وأخيها وعمها وخالها وحارس العقار في العمارة التي تقطن فيها بالفخر أو الخزي، وإشعارها الدائم بالذنب والمسؤولية عن كل المصائب الكونية.
النساء في هذه المنطقة من العالم لا يتذكرهن أحد إلا بحديث سطحي عن نتائج سوء معاملتهن، لا عن الجذور المتسببة في سوء المعاملة.
النساء في هذه المنطقة من العالم يرجون من الله أن يتوقف الأذى على قدر النظرات غير المريحة.