تصميم أحمد بلال، المنصة
النساء حائرات في مواجهة الزيادة غير المسبوقة في الأسعار.

ماذا تفعل امرأة وأربعة أطفال بـ900 جنيه معاش "تكافل وكرامة"؟

منشور الخميس 11 أيلول/سبتمبر 2025

صُدمت نهال علي، الأرملة التي ترعى أطفالًا أربعة، حين علمت أن المعاش الشهري الذي ستحصل عليه من برنامج تكافل وكرامة لن يتجاوز 900 جنيه.

تعيش نهال التي لم تتجاوز منتصف الثلاثينات من عمرها بأحد الأحياء الشعبية في محافظة الإسكندرية، وهي العائل الوحيد لأطفالها، بعدما مات والدهم، وأصبحت بدون مصدر دخل، ما دفعها للتقدم للحصول على المعاش، حتى فوجئت بضآلة قيمته "900 جنيه! دا اللي قالولي عليه في الشؤون بعد ما جوزي مات، وأنا معايا أربع عيال!"، تقول لـ المنصة.

ليست نهال وحدها، فنحو 673 ألف امرأة معيلة تشاركها الاستفادة من برنامج الدعم الحكومي الذي يُوفر معاشًا شهريًا بقيمة 900 جنيه، وهو ما يطرح أسئلة جوهرية بخصوص مدى كفاية هذا المبلغ لتغطية نفقات أسرة كاملة تعولها امرأة، وكيف تعيش عشرات الآلاف من الأسر؟ ومدى ملاءمة البدائل التي تتوفر لها.

أُطلق برنامج تكافل وكرامة عام 2015 باعتباره أبرز أدوات الحماية الاجتماعية التي توفرها الدولة للأُسر الأولى بالرعاية بمتوسط ​​تتراوح قيمته من 400 - 550 جنيهًا شهريًا، حسب عدد الأبناء. ووصل متوسط قيمة المعاش في العام الحالي 2025 نحو 900 جنيه شهريًا؛ أي ما يُعادل 18.5 دولار تقريبًا بسعر صرف 48.5.

وشهدت معدلات التضخم قفزات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، بلغت ذروتها في 2023 مسجلة 33.9%، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قبل أن تتراجع في عام 2024 لتسجل 28.3%، ورغم ذلك لم تهبط مستويات الأسعار.

أسعار البيض لا تكذب

هذه الأرقام ليست مجرد نسب في تقارير مالية، بل ترجمة لمعاناة يومية بالأخص النساء اللاتي يمثلن الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا، والأكثر استفادة من برنامج تكافل وكرامة بنسبة تصل إلى 74%، فنعمة ربيع، وهي أرملة خمسينية تعيش في أحد نجوع مدينة الأقصر، وتعول ثلاثة أبناء، تضطر للاستغناء عن اللحمة والفراخ في إطعام أبنائها وتكتفي بالأرز والمكرونة، التي تحصل عليه من التموين ضمن الدعم غير النقدي.

ويشمل "التموين" الذي تقدمه الدولة ضمن برنامج الحماية الاجتماعية سلعًا غذائية أساسية مثل الأرز والمكرونة والزيت والسكر، إلا أنها لا تكفي لتلبية الاحتياجات الغذائية المتوازنة، خصوصًا فيما يتعلق بالبروتين الحيواني والفواكه ومنتجات الألبان، التي لم يشملها برنامج الدعم.

تطور سعر كرتونة البيض خلال آخر 10 سنوات

ويمثل سعر كرتونة البيض باعتباره أرخص مصادر البروتين الحيواني مؤشرًا دالًا على ما فعله التضخم في أسعار الغذاء، فـ"الكرتونة" التي كانت تُباع بسعر 20 جنيهًا في عام 2015 وصلت في 2025 إلى نحو 140 جنيهًا، أي بزيادة تفوق حتى معدل التضخم العام.

ووفقًا لآخر تحديث صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عام 2019/2020، فإن خط الفقر القومي بلغ نحو  858 جنيهًا شهريًا، قريبًا من قيمة معاش تكافل وكرامة.

اللافت أن هذه البيانات التي مرَّ عليها أكثر من خمس سنوات لم تُحدَّث رغم التغيرات الاقتصادية الكبيرة وارتفاع الأسعار خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعني أن خط الفقر الحقيقي اليوم من المرجح أن يكون قد تجاوز بمراحل قيمة الدعم النقدي الذي تقدمه الدولة للأسر الفقيرة.

ينوه الباحث والخبير الاقتصادي مجدي عبد الهادي بأن خط الفقر الدولي الجديد، يبلغ نحو 3 دولارات يوميًا للفرد الواحد، أي ما يعادل 4500 جنيه شهريًا، وهو ما يجعلنا نتخيل مدى ضآلة المبلغ المقدم من الدعم حتى بالنسبة لفرد واحد، فماذا لو كان هذا الفرد معيلًا.

البيروقراطية تستهلك الحقوق

لا تتوقف مأساة مستحقات المعاش عند ضآلة قيمته فقط، بل تتجاوزها إلى آلية الصرف البيروقراطية التي تحرم كثيرًا من المستحقات من الحصول على الدعم، فزينب محمود، وهي أرملة بلا عمل تعيش في محافظة الزقازيق مع والدتها وابنيها الاثنين تقدمت 3 مرات بطلب للحصول على تكافل وكرامة.

رغم استحقاق زينب واستيفائها كل الأوراق المطلوبة، فإن الموظفين في "كل مرة يقولوا لي إنت خارج نطاق الفقر! مع العلم إني معايا ولد وبنت ومش متأمن علينا ولا نملك أي مصدر دخل تاني، وعملت آخر مرة تظلم وقالولي استني شوية وبعدها قالوا لم يتم القبول!"، تقول لـ المنصة.

وتتنوع شكاوى المواطنين المتعلقة ببرنامج "تكافل وكرامة"، ووفقًا لوزارة التضامن الاجتماعي فإن أبرزها هو رفض طلب الحصول على الدعم. كما تؤكد وحدة التواصل والدعم الفني ببرنامج "تكافل وكرامة" أنها تلقت أكثر من 11 ألف شكوى على الخط الساخن في مارس/آذار 2025 خاصة بالمعاش تتابعها الفرق المختصة، سواء بتوضيح أسباب الإيقاف أو بمتابعة الموقف وتوجيه الشكاوى للمكاتب والإدارات الاجتماعية المعنية لحلها، ما يعكس حجم التحديات التي تواجهها الأُسر الفقيرة في الحصول على حقوقها الضئيلة.

ولا يوفر  مُعاش تكافل وكرامة تغطيةً كاملةً، بالأخص في المناطق المهمشة والمعزولة، فحسب ماجدة النويشي، مقررة المجلس القومي للمرأة بالإسماعلية سابقًا، توجد كثير من المناطق المنعزلة بها مئات النساء اللواتي لا تصل لهن برامج الحماية، مثل منطقة القنطرة بمحافظة الإسماعلية، حيث يوجد نساء لا يعرف أحد عنهن شيئًا ولا يعلمن حتى أن الدولة توفر لهن معاشًا.

"لازم نعمل قاعدة بيانات تصنف احتياجات المرأة اللي ينطبق عليها شروط برامج الحماية الاجتماعية وبحاجة للمساعدة، وتشمل تحديد الفئات العمرية ومستوى التعليم لتوجيه المهارات المناسبة لكل فئة، وضمان وظائف تناسب فئاتهن المختلفة وألا تقتصر على تقديم الإعانة المالية فقط"، تقول ماجدة النويشي لـ المنصة .

أعمال هشة ومخاوف من الفشل

في ظل محدودية الدعم الحكومي لبعض الفئات الهشة، تضطر العديد من النساء المعيلات للعمل في مهن مهمشة لا تضمن لهن استقرارًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا، فنعمة تعمل في المنازل "معاش تكافل يا دوب زي ما بنقول نوايا تسند الزير، لكن ميجهزليش بنتي ولا يساعدني أصرف على بيتي، أنا بضطر أطلع أشتغل في البيوت في السر عشان أكمل مصاريف البيت وكمان بنتي مخطوبة عاوزة تجهز نفسها، بتطلع من ورا خطيبها وأخوها، ببعتها تكمل شغل بدالي لما بتعب عشان تكمل جهازها... وأهي ماشية".

أما نهال، فتفكر في الاستفادة من الخدمات التي توفرها مبادرة تكافل وكرامة، مثل إمكانية الحصول على سيارة بالتقسيط، لكنها لا تخفي ترددها وخوفها من الفشل "فكرت أشتغل عليها زي نظام أوبر أو حتى أستفيد من فكرة أي مشروع تاني، لكن المشكلة إن المنطقة شعبية ومفيهاش ثقافة الست تكون عندها مشروع، الناس ممكن تضايقني".

وتحاول المنظمات الخيرية سد بعض الفجوات من خلال تقديم مساعدات للفئات الأكثر احتياجًا ومن بينها الأرامل، إلا أن هذه الجمعيات تضطر لقبول بعض الطلبات ورفض أخرى بسبب محدوية التبرعات؛ "إحنا بنفتح باب استقبال الحالات مثلًا على مدار 3 أو 4 مرات في السنة، على حسب المقدرة ووجود المتبرعين، مفيش برنامج دعم معين بنقدمه مخصص للأرامل، لكن بنستقبل حالات كتيرة منهم"، تقول هاجر أحمد، وهي مسؤولة بأحد فروع جمعية رسالة الخيرية. وتضيف لـ المنصة "للأسف في حالات كتير بنضطر منقبلهاش عشان عدد المتبرعين بيكون محدود". 

ثمة مؤسسات أخرى توفر دعمًا للنساء مثل بيت الزكاة والصدقات المصري التابع لشيخ الأزهر، ويقدم معاشًا شهريًا تتراوح قيمته بين 700 و1100 جنيه، حسب الحالة الاجتماعية وعدد المُعالين.

فيما تقدم مؤسسات خيرية أخرى تمويلًا لمشروعات صغيرة ومتوسطة، تهدف إلى تمكينهن اقتصاديًا وتحقيق استقلاليتهن المالية. تتراوح قيمة القروض المخصصة لها بين 1000 - 200 ألف جنيه، حيث تختلف طبيعة المشاريع بحسب حجم التمويل واحتياجات البيئة المحيطة.

ولكن غياب تصنيف دقيق للأرامل داخل هذه الكيانات يكشف قصورًا في تبني سياسة اجتماعية متخصصة تراعي احتياجات النساء المعيلات من الأرامل، وتوفر لهن مسار دعم يتناسب مع واقعهن الاقتصادي والاجتماعي.

كذلك تواجه بعض النساء تحديات لعدم قدرتهن على تحديد المشروعات الملائمة لبيئتهن، ما يجعلهن يعزفن عن البدء في مشروع مناسب.

فيما ترى عبير سليمان، الكاتبة والباحثة في قضايا المرأة، أن المشكلة تتعلق بجهل النساء بهذه الفرص التمويلية مما يحرمهن من استغلالها، إضافة إلى عدم قدرتهن على التعامل مع الإجراءات المختلفة، ملقية بالمسؤولية على أصحاب المبادرات.

وتضيف لـ المنصة "الثقافة الذكورية تجعل المرأة تشعر بالحرج من المطالبة بحقها، فضلًا عن مواجهة مقاومة مجتمعية سواء من عائلتها أو البيئة المحيطة".

فيما يدعو الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات والبحوث الاقتصادية خالد الشافعي لزيادة الدعم المخصص لتكافل وكرامة بما يوازي زيادة معدل التضخم وارتفاع الأسعار، يلفت الخبير الاقتصادي مجدي عبد الهادي إلى ما شهدناه طوال العقد الماضي، وكيف يمكن لقرار واحد "كـتعويمة صغيرة أن يمسح سنوات من الحماية الاجتماعية وينقل ملايين من حالة إلى حالة أسوأ".

ويؤكد عبد الهادي على أن إقامة مشروعات صغيرة فعالة عبر توفير ائتمان مُيسر أفضل من المعاش، مشيرًا إلى أهمية الاستفادة من تجارب بنوك الفقراء وما شابه، بالإضافة إلى تطوير وتفعيل منظومة التعاونيات الإنتاجية والاستهلاكية لخفض الأسعار وتطور مجتمعات تقوم على التكامل ما بين الدعم الحكومي والمبادرات الذاتية والتعاونية للمستفيدين. 

حتى يحدث كل ذلك، بدأت نهال في البحث عن عمل يناسب مؤهلها المتوسط حتى تتمكن من الوفاء باحتياجاتها هي ووالدتها وأبنائها الأربعة، خصوصًا وأن الـ900 جنيه معاش تكافل وكرامة لم تعد تصلح حتى نواة تسند الزير.