تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
ختان المقبلات على الزواج

كابوس ممتد.. ختان الإناث يطارد المتزوجات

منشور الخميس 2 تشرين الأول/أكتوبر 2025

تعرضتْ حنان السيد لصدمةٍ عنيفةٍ في ليلة زفافها؛ أخبرها زوجُها أنه لا يستطيع الاستمرار في الحياة معها طالما أنها ليست مختونة.

"بعد الدخلة ما تمت وجوزي اتأكد إني بنت بنوت لقيته فجأة نط من السرير وبيقول لي إنتي ازاي متعملكيش ختان وإزاي أهلك سايبينك كده"؛ تروي حنان لـ المنصة تفاصيل ما حدث معها.

حاولت الشابة الجامعية، التي تبلغ من العمر 25 عامًا، وتعيش بإحدى قرى محافظة البحيرة، إقناع زوجها برفضها للختان؛ ساقت له الأسباب كونه مرفوضًا طبيًا ومجرمًا قانونيًا، لكنه صدمها بإجابته "ما أقدرش أكمل مع واحدة مش مضمونة"؛ وأخبر أهلها إنها "متلزموش من غير ختان".

تتكرر حالة حنان مع زوجاتٍ ونساءٍ مقبلاتٍ على الزواج يجدن أنفسهن مهدداتٍ ومُطالباتٍ بإجراء جراحة لختان، رضاءً للزوج، كثير من هذه الحالات رصدتها أسماء دعبيس رئيسة مؤسسة بنت النيل في القرى والمجتمعات الهشة اقتصاديًا التي زارتها خلال عملها "لما كنا بنروح ورش تابعة للمؤسسة كنا بنقعد معاهم وقليل منهم اللي كانت بتحكي وبتقول حصل معاها إيه"، تقول لـ المنصة.

تشير الإحصاءات إلى انخفاض نسب انتشار "تشويه الأعضاء التناسلية للإناث/الختان للبنات من سن 15-17 سنة من 74% عام 2008 إلى نسبة 61% عام 2014، لتصل إلى نسبة 36% عام 2021.

إعادة تدوير القهر

لم تقف مأساة حنان عند حد مغادرة بيت الزوجية والتهديد بالطلاق، لكنها فوجئت بجدتها تؤيد الزوج في رأيه، وتتهم الأم بأنها سببُ الأزمة؛ "لامت أمي على إنها سابتني كده، وإنها السبب في 'الفضيحة' اللي احنا فيها".

لدى منيرة، جدة حنان من ناحية أبيها، البالغة من العمر 75 سنة، تبريرٌ لموقفها المؤيد لختان الفتيات، بأن "البنت مينفعش تتساب هايجة كده"، كما قالت لـ المنصة، لذا ضغطت على الأم لاتخاذ نفس موقفها ودفعتها للموافقة على ختان ابنتها المتزوجة.

أُجبرت حنان التي فقدت والدها وهي صغيرة، على الرضوخ للعملية؛ "أمي فضلت تبكي وتتوسل أوافق عشان سيرتنا ما تبقاش على كل لسان".

خُيرت الحاصلة على ليسانس آداب، بين الذهاب للداية أو الطبيبة، لتختار الأخيرة؛ "بكيت لأيام وأمي كمان كانت بتعيط بس استسلمت زيها زيي"، حتى أجرت عملية الختان لتعود إلى زوجها بقهرٍ لا يوصف.

وفق تقرير لـيونيسف فإن 84% من حالات تشويه الأعضاء التناسلية "ختان" الإناث في مصر، تتم على يد أطباء أو طواقم تمريض، ما يجعل مصر على قائمة الدول التي تقع فيها جريمة ما يسمى "الختان الطبي للإناث".

تبرمجُ المرأة على سيطرة الرجل على جسد زوجته

ترجع أسماء دعبيس السبب الرئيسي لعدم القضاء على ختان الإناث، رغم تجريمه، لرغبة الرجل القروي في أن يكون "سي السيد إللي بيعيش حالة من الرعب لما يتصور إنها ممكن يكون لها رغبات أعلى من قدراته الجنسية"، لذا يدفع جزءٌ كبيرٌ من المجتمع نحو هذه الممارسة على اعتبار "أنه طهارة أخلاقية"، فـ"الرجل ينتظر للمرأة باعتبارها جسد يسهل السيطرة عليه ويتوجب ضبطه".

وتفسر مي صالح عضوة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة، المتخصصة في العنف والنوع الاجتماعي، إجبار الزوجات أو المقبلات على الزواج على الختان بأنه "برمجة للست على أن سيطرة الرجل على جسم مراته هو الصواب والمصلحة".

من واقع عملها في البحث الاجتماعي، رصدت مي حالات ختان زوجات بداعي أن "الرجل اللي بيسافر حتى لو متجوز بقاله سنين بيروح يختن مراته خوفًا على عفتها وقت غيابه"، كما تقول لـ المنصة، محذرةً من حفلات الختان الجماعي التي ما زالت تحدثُ في عدد من القرى.

وفي بعض قرى الدلتا لا تزال تُقام حفلات ختان جماعي للفتيات، حيث تُجرى العمليات لأكثر من طفلة في يوم واحد، إما لتقليل التكلفة إذ تنفذها قابلة شعبية ترغب في أن تكون زيارتها مجزية، أو باعتبارها طقسًا اجتماعيًا متوارثًا.

تشير نتائج المسح الصحي للأسرة المصرية عام 2021 إلى انخفاض نسبة الختان بين النساء اللاتي سبق لهن الزواج إلى 86% عام 2021 مقارنة بـ 92% في عام 2014، وترتفع نسبة الختان في الريف عن الحضر بأكثر من 10 نقاط مئوية 90% مقابل 79% على الترتيب، كما ترتفع النسب في وجه قبلي بـ92%.

وتختلف النسب كذلك تبعًا للحالة التعليمية للمرأة، وتتم 74% منها على يد طبيب مقابل 10% على يد ممرضة.

الختان

موروث أقوى من القانون

صادفت مروة حامد حظًا أفضل من حنان، إذ توفر لها من يدفع عنها، ويرفض أن تجرى لها عملية ختان قبل إقبالها على الزواج.

مروة الفتاة التي تعيش بإحدى قرى محافظة الشرقية نجتْ في طفولتها من كل خطط والدتها لختانها، وكانت ترفض أن تذهب معها لأي مكان خشية أن يكون فخًا، وجدت نفسها مطالبة بإجراء جراحة "خوفًا من الفضيحة".

"كل بنات العيلة عندنا اتعملهم ختان وكلهم عند الداية كانت بتلف وتلم بالخمس والست بنات مرة واحدة وتختنهم. أنا فضلت سنين أهرب وأبوس رجل أمي عشان تسيبني وهي فضلت حاسة إن في حاجة غلط وإن سمعتي في خطر ولولا أبويا الله يرحمه كان زمان مصيري زي كل البنات دول" تقول لـ المنصة.

إلا أن مروة لم تنجُ من تدخلات الجيران؛ "جارة لينا عارفة إني فلت من الختان، فتحت الموضوع مع أمي، وأقنعتها إني لو رحت لعريسي كده هتبقى فضيحة وعيب كبير وجات أمي وقالت لي هتفضحينا لو رحتي لعريسك كده".

لم يتحدث خطيب مروة معها في هذا الموضوع من الأساس، مع ذلك أصرت أمها على إجراء العملية رغم ما تمثله من خطورة عليها، فاستنجدت بعمها الذي يعيش في الإسكندرية، "اتصل بأمي، واتهمها بالجنون، وحذرها من أنها تعمل فيا أي حاجة وخوفها بإن العملية ممكن تموتني".

ورغم الجهود التي بذلتها الدولة على مدار عقود لمكافحة تشويه أعضاء النساء؛ من بينها الاستراتيجية القومية لمناهضة الختان واللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث، لا تزال العادة تحكم المجتمع، وفق الطبيبة النفسية نهال زين طبيبة نفسية تقول لـ المنصة "فيه ناس عارفة إنه غلط ومع ذلك بيعملوه خوفًا من نبذ المجتمع".

وينص القانون رقم 10 لسنة 2021 مادة 242 على معاقبة كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات.

لكن القانون لم يردع مثل هذه الممارسات بما يكفي، كما ترى شيماء الحجولي، المحامية بمبادرة سند وعضوة لجنة المرأة بنقابة المحامين، فتغليظ العقوبة ساهم في مزيد من التغطية على الجرائم "البنات بيرفضوا التبليغ عن أهلهم، والدكتور بيخرج من التهمة بإنها مجرد عملية تجميلية للبظر".

حتى عندما تموت الفتاة بسبب الختان، فإن الأب لا يستطيع الإبلاغ لأنه من اصطحب ابنته للعملية، ويعرف أنه سيسجن لو قدم بلاغًا، كما تؤكد شيماء وتتفق معها مي صالح فـ"للأسف البلاغات المقدمة ما زالت قليلة جدًا"، وهو ما ينطبق على حالة حنان التي رفضت الإبلاغ عما تعرضت له "ما قدرتش أروح أبلغ ما أنا مش هحبس أمي".

ويكشف التقرير السنوي لمكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة عام 2023 وصول عدد شكاوى جرائم العنف كالضرب والخطف والختان إلى 1787 من أصل 3205 شكوى لجرائم العنف بمختلف أنواعها.

المرأة وحق المتعة الجنسية

تفسر الدكتورة آية البحقيري، المعالجة النفسية والجنسية، الدافع وراء رضوخ النساء غير القاصرات، رغم معرفتهن بتأثير الختان، "الست بتشوف إن العلاقة الجنسية مش ليها وأنها بتعملها بس عشان تمتع جوزها وبالنسبة لها ومع الوقت الجنس بيتحول لأداة تعذيب يعني ممكن تكون بتتألم عادي جدًا وتستحمل عشان ترضي الرجل".

توضح الطبيبة المختصة في علاج الأزواج جنسيًا لـ المنصة أن المرأة التي تتألم وقت فض الغشاء من أجل زوجها، من الممكن أن تتحمل الختان من أجله أيضًا، كما أن أغلب النساء لا يعرفن شيئًا عن المتعة الجنسية قبل الزواج، و"أغلب الستات في مجتمعنا مبيعملوش عادة سرية ومافيش أي محاولة حقيقية للمتعة قبل الزواج وأول تعامل مباشر مع جسمها بيكون من خلال الزوج، فلما جسمها يسجل الألم والإهانة مع أول تجربة وتواصل جسدي دا بيعمل زي جدار عازل ما بينها وبين جسمها بتحس مع الوقت أنه ميخصهاش ومش من حقها تطالب بأي شيء ولازم ترضخ".

الحل في التوعية بأن جسد المرأة ملكها وحدها وليس من حق أي شخص أن يقرر مصيره

لا ترى شيماء الحجولي أن "هذا الفكر المتجذر في العقول من سنوات طويلة سيخرج بالقانون بل من خلال نشر الوعي"، بينما تؤكد أسماء دعيبس على أن الحماية الحقيقية تأتي من خلال التوعية "الفكرة التي نعمل عليها طوال الوقت أن هذا الجسد ملك للمرأة وحدها وليس من حق أي شخص أن يقرر مصير هذا الجسد. هناك بنات بالفعل وصلن لهذه القناعة وهؤلاء يستطعن القتال لحماية أجسادهن لآخر نقطة".

تمكن عم مروة من فرض حمايته عليها، ورضخت الأم لأوامره لتنجو الفتاة ولو مؤقتًا، على عكس حنان التي لا يزال جرحها غائرًا "فات سنتين علينا واحنا متجوزين ولسه كل لما ببصله بشوف نظرته لي يوم الفرح وبحس بالحسرة والإهانة وبدعي ربنا مجبش منه بنات عشان مش هقدر أحميهم منه".