حملة أنا زادة (أنا أيضًا)، هي صرخة ثورية لنساء تونسيات على غرار حملة أنا أيضًا Me too كرد فعل على تحرش أحد أعضاء مجلس نواب الشعب بطالبات الثانوي وممارسته العادة السرية أمام معهد للطالبات، وهو الفعل الفاضح الذي تحقِّق فيه النيابة حاليًا.
هي حملة تمرد على السلطة اﻷبوية التي دمرَّت المرأة وكرَّست التمييز الجنسي ورحَّبت به. أنا زادة هي حملة غضب حملته النساء لقرون عدة، وهي حملة هدفها التغيير ونفض الغبار عن العقلية المرجعية.
قصص مؤلمة
من يقرأ قصص الضحايا يصاب بالصدمة من كثرة التصريحات الدامية والمبكية والمحزنة؛ ضحايا منذ طفولتهن، ضحايا اغتصاب أبوي وأخوي وعائلي ومدرسي وجامعي، وحتى من صديق أو شريك. متى يمكنني كأنثى أن أضع رأسي على كتف أحدهم دون الشعور بالخوف و القلق؟ دون الشكوك والتهديد؟
ومن المضحكات المبكيات هي التعليقات التي تتواجد على مقاطع الفيديو المتعلقة بالتحرش، وهي تعليقات تشي بتلك العقلية اﻷبوية الذكورية التي تجذرت فينا ولم تقتلع بعد، فهناك تعليقات تسخر من الحملةوالمشاركاتبها، فمنهم من يعلق "من سوف يرضى حتى باغتصاب؟" فكأنهم يبررون الاغتصاب ويحللونه بل يشرعونه، ويؤكدون على ضرورة الاعتداء في حالة كانت الضحية فاتنة مثيرة. اللعنة والشفقة على مثل مجتمع.
وبعد خروج أنا زادة تلتها حملة المتحرش ما يقرّيش وهي حملة دشنتها طالبات دار المعلمين العليا ضد أستاذ اللغة الفرنسية الذي تحرش بعدد من الطالبات، بل يرسل لهن رسائل أقل ما يقال عنها إنها مرعبة ومقززة، حتى تم توقيفه عن العمل أخيرًا في انتظار التحقيق معه.
لست سلعة
يضحك زميلي إذا دافعت بشراسة عن حقوقي، كيف لأنثى أن تفتح فاهها وتدافع عن نفسها وباقي النساء؟
مرحبًا بكم في القرن الواحد والعشرين، حيث يظن بعض الذكور أنهم لا يزالون أسياد العالم وأن النساء يخضعن لرغباتهم. فلا يرون المرأة إلا سلعة أو وجبة ليلية.
موقف زميلي ومن على شاكلته يوضح رؤية الكثيرين أن دور المرأة اﻷساسي هو اﻹنجاب واﻷمومة ومهام المطبخ، بينما يظن آخرون أن المرأة جسد مثير ووجه جميل وابتسامة مغرية، وقوالب جاهزة، أو هي مستهلك لإعلانات مزيّفة عن نضارة البشرة. وهي وهم الكمال، وهي الأم التي تعمل وتؤدي كل الواجبات دون كَلل.
هذا هو الواقع المرير الذي تعاني منه النساء. نُلقَن منذ نعومة أظافرنا الترهيب "لا تفعلي، إياك، كوني جميلة ولا تبالغي، كوني ذكية ولكن إياك أن تُشعري الذكور بغبائهم، كوني لطيفة وظريفة، ولا تكوني مضحكة فالكوميديا ليست إلا للرجال، جسدك ملك عام وأنت سجينته". من المرعب أن تولد أنثى في مثل هذه المجتمعات. تريد أن ترقص النساء ولكن فوق أكتافها هموم الدنيا من تمييز وقمع وتهميش وعنف مسلَّط ضدهن.
المغتصب هو أنت
وألهمت نساء تشيلي التونسيات بحملة Las tesis النسوية، وانتشرت أغنية الحملة على نطاق واسع، معلنة رفض الخنوع والعنف ضد المرأة بكلمات"المغتصب هو أنت، المغتصب هو المجتمع، المغتصب هو النظام"، وعلى غرارها خرجت نساء تونسيات بحملة "فلقطنا" أي امتلأ كأس صبرنا ولم نعد نحتمل.
قديسة أو عاهرة
تقيَِم مجتمعاتنا النساء بالعشرة سنتيمترات التي تكشفها من يدها، وتلصق فوق جبينها كلمة تصفها طبقًا لذلك؛ قديسة أو عاهرة.
نرسم في مخيِّلة الفتيات الصغيرات ونلقنهن، مع الحليب، أن الرجل يمتلك صولجان العالم، وأن مفاتيحَ الدنيا بين يديه، له الحاضر و الماضي والمستقبل والكلمة الأخيرة، وأن حلمهن الأكبر هو فارس فوق جواد أكبر، وأن يتخلين عن دراستهن من أجل رجل ولا يهتمن إلا بلياقتهن وأحمر الشفاه.
تخشى المجتمعات المرأة المتعلمة والمثقفة لأنها واعية لا تخشى أحدًا. تقول نوال السعداوي في هذا الخصوص "إن قلة عدد النساء والفتيات المهتمات بعقولهن، هي ظاهرة موجودة بالعالم العربي وهي ظاهرة لا تدل على أن المرأة ناقصة عقل، ولكنها تدل على أن التربية التي تلقتها البنت منذ طفولتها، تخلق منها امرأة تافهة التفكير".
قبل أن تكون المرأة أمًا أو أختًا أو ابنة أو صديقة هي إنسان، كائن حي يجب احترامه وتقدير حرمته وتقديره.
هذا التمييز الجنسي يمارَس منذ كانت النساء جوارٍ لإشباع رغبات الحاضرين لا أكثر، في جلسات العرب الخمرية، وفي الإعلانات الغربية التي تقدم فيها المرأة سلعة للإغراء والإغواء، وهكذا أصبح دورها في الحياة.
آفة المجتمعات العربية
ثقافة الخوف والترهيب التي جعلت منا عبيدًا، حتى في العلاقات، تبيح العنف الزوجي من ضرب يصل للقتل إلى الاستصغار والتلاعب النفسي، وهناك حادثة قتل إسراء غريب التي هزت العالم العربي في صيف 2019، وكيف قتلتها أسرتها.
وقالت نوال السعداوي في هذا السياق "تدفع النسوة من دمهن ثمن العار، لأن الرجل و إن اغتصب المرأة لا يصيبه العار، فالشرف للرجل وإن خان، ودم الرجل إن سأل فله ثأر وله فدية، لكن دم المرأة لا فدية له ولا ثأر".
أنا زادة
من المستحيل أن تتحدث المرأة عن المشاكل التي تعانيها اليوم دون أن يأتي أحدهم ليقول "كفاكن تذمرًا لماذا تجعلن من التحرش مشكلة؟"، هذا الرجل لا يرضى ذلك لفتيات الأسرة، ولكن الفتيات في الشارع هن تسلية له لا أكثر.
نحن نساء، علينا إذًا قبول العنف و الخيانة والتحرش والاحتقار والتمييز والاغتصاب. إذا تكلمت إحدانا فهي عاصية ومتمرّدة. إذا تحرش بك أحدهم فالذنب ذنبك، أنتِ من اخترتِ أن ترتدي ثوبًا أو فستانًا، مثل التعليقات التي انتشرت على فيديو التحرش الجماعي بفتاة في مدينة المنصورة بمصر.
هذا المقطع المثير للاشمئزاز، والتعليقات عليه، يبين كم يعاني العالم العربي من الكبت والحيوانية، حتى في المغرب، العام الماضي، عرَّى مجموعة من الشبان فتاة تعاني من تأخر ذهني في الحافلة، وهناك الكثير من القصص المؤلمة.
تنمر إلكتروني
بينما أتصفح فيسبوك، قرأت مقالًا لشابة تونسية تعرضت لأسبوع متواصل لوابل من التعليقات المثيرة للغثيان. روضة الحيدري هي أحد ضحايا التنمر الإلكتروني، أو بالأحرى التمييز الجنسي على مواقع التواصل الاجتماعي، طالبة الحقوق كانت تشارك بتنظيم حفل تقاعد قيس سعيد (رئيس الجمهورية التونسية حاليًا) بكلية العلوم السياسية والاقتصادية.
روضة كانت ترتدي ثوبًا أبيض وهذا الثوب صار لعنة؛ تناقل كثيرون فيديو خطاب قيس سعيد ولكن العديد لم يركزوا مع خطابه بل مع الشابة التي كانت تتواجد في الخلفية، تلقت الشتم والذم و السب وعبارات من عينة "ربي يهديك"، ورسائل وتعليقات من كلا الجنسين، توضح العقلية المتخلفة التي تعاني منها المجتمعات العربية.
لا يقبع الطير طويلًا في قفصه، خُلق ليطير ويحلّق في سماء الحرية، وقد يبدو طريق الحرية والمساواة طويلًا جدًا ومضنيًا، ولكن تعب الوصول أفضل من المكوث في القفص.
فلتكن انتفاضة إذًا. استمعوا إلى هذا الـ Podcast الموجود في إنكفاضة Inkyfada (مصحوب بترجمة عربية) واسبحوا في أعماق المجتمع اﻷبوري المكشِّر عن أنيابه.
https://w.soundcloud.com/player/?url=https%3A//api.soundcloud.com/tracks/737567494&color=%2313967f&auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false&show_teaser=trueدمتن شامخات، ودام المدافعون عن حقوق المرأة من نساء ورجال مناضلين ثوريين.