طرح مفتي الديار المصرية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل فكرة تلسكوب فضائي إسلامي أثناء توليه منصبه، كان المأمول من هذا المشروع وضع تليسكوب حول الأرض يستطيع تحديد ميعاد الأهلة بدقة وتوحيد الرؤية والارتكان للعلم. لكن علماء الدين في الدول العربية لم يتحمسوا للفكرة، بجانب فتوى قديمة للمجلس الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي صدرت عام 1981 ونصت على أنه لا حاجة لتوحيد الأهلة وأن لدار الافتاء والقضاة في كل دولة إسلامية تحرّي الهلال بشكل منفرد.
وبغض النظر عن الحاجة لما يسمى بـ "تليسكوب فضائي إسلامي"، إلا أن نتيجة تنحية العلم تجلت فيما شاهدناه بالأمس.
اليوم أم غدًا؟ انظر ماذا حدث في مالي
قد تصدمنا حقيقة أن مالي بدأت عيدها أمس الاثنين، فقد خرجوا لتحري الهلال ليلة الأحد ورغم استحالة رؤية أي هلال في ذلك اليوم إلا أنهم وفي مفاجأة ضد المنطق والعلم استطاعوا رؤية الهلال. سنعرف بعد قليل لماذا تستحيل رؤية الهلال من الأصل في تلك الليلة.
ولكن في البداية لنستطلع "الهلال السياسي"..
ماذا يقول هلال السياسة؟
بعيدًا عن مالي؛ أعلنت مصر أن الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان، أما دول الخليج فأعلنت أن نفس اليوم هو أول أيام عيد الفطر، فيما شذت عُمان فقد كان يوم الإثنين فيها موافقا للثامن والعشرين من رمضان وبالتالي فخروجها لاستطلاع الهلال كان قبل غروب شمس اليوم الثلاثاء، وكذلك الحال في المملكة المغربية، أما ليبيا فبعد إعلانها اليوم الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان؛ تراجعت في جوف الليل. والجزائر أعلنت الثلاثاء أول أيام عيد الفطر بينما خالفتها تونس.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Falmanassanews%2Fposts%2F2326548407384270&width=500
السودان واليمن وسوريا والعراق أوضاعها كانت أسوأ: المجلس العسكري السوداني أعلن الثلاثاء متممًا لشهر رمضان بينما أعلن تجمع المهنيين الممثل للانتفاضة الثلاثاء عيدًا. في اليمن أعلنت الحكومة التابعة للسعودية الثلاثاء عيدًا بينما واصل الحوثيون التابعون لإيران الصوم. في سوريا أعلن النظام الثلاثاء متممًا لشهر رمضان، في حين أعلنت الفصائل المسلحة الثلاثاء عيدًا. وفي العراق أعلن السنّة الثلاثاء عيدًا، بينما واصل الشيعة الصوم.
.. وماذا يقول هلال السماء؟
نعرف أن القمر جسم تابع يدور حول الأرض وهو لذلك يشرق ويغرب. ربما اعتدنا على مصطلحي شروق وغروب الشمس لكن القمر وكل النجوم والكواكب تشرق وتغرب كذلك، وشروقها هو ظهورها بعد أن تتخطى خط الأفق (تمامًا كالشمس) وغروبها هو هبوطها تحت خط الأفق (كالشمس أيضًا).
شروق وغروب القمر غير مرتبطان بشروق وغروب الشمس، وهو يختلف من ليلة إلى أخرى بما يساوي الساعة تقريبًا بين كل يوم وسابقه.
يمر القمر بأطوار عدة: المحاق، والهلال المتزايد، والتربيع الأول، والأحدب المتزايد، والبدر، والأحدب المتناقص، والتربيع الثاني، والهلال المتناقص، ونعيد الكرّة بالبدء من المحاق مجددًا.
ما هو المحاق؟
هو القمر عندما تستحيل رؤيته ويحدث ذلك عند اقترانه بالشمس، أي عند وجوده على خط واحد مع الأرض والشمس، ما يجعله يظهر معتمًا. وأحيانًا يمر القمر بين الأرض والشمس تماما فيحدث كسوف الشمس.
.. وتتتابع الأطوار
بعد المحاق؛ يأتي الهلال المتزايد عندما يتباعد شروق وغروب القمر، عن شروق وغروب الشمس بمقدار يقترب من الساعة يوميا، لذلك يبتعد شروق الهلال حتى يصل إلى أن يشرق وقت الظهيرة ويغرب تقريبًا عند الغسق أو أول عتمة الليل.
ثم يأتي الأحدب المتزايد الذي يشرق في نهايات النهار ويستمر في الظهور معظم الليل، ثم يأتي دور البدر الذي يظهر بعد غروب الشمس ويختفي قرب شروقها. ثم يأتي القمر الأحدب المتناقص والذي يظهر أغلب الليل ويغرب في بدايات النهار. ويأتي دور الهلال المتناقص وفيه يظهر القمر قبل شروق الشمس ويبقى في ساعات النهار.
يبدأ الشهر القمري فلكيًا بعد الاقتران. ويعقب ذلك الاقتران الإهلال حيث يبدأ القمر في الابتعاد عن الشمس، حيث تغرب الشمس قبل غروب القمر بدقائق قليلة وعندها يصبح من الممكن رؤية الهلال، لتبدأ أول ليلة في الشهر القمري الجديد.
ماذا حدث لهلال شوال هذا العام؟
فلكيًا؛ هلال هذا العام اقترن بالشمس قرب الظهيرة وهو ما سمح بإهلاله لكن الوقت الذي مكثه بعد الإهلال في السماء كان قصيرًا للغاية، ما جعل من رؤيته بوسائل الرؤية الأرضية أمرًا يكاد يكون مستحيلًا.
وذلك لسببين: أولهما قصر وقت الرصد، حيث إن الهلال سرعان ما يغرب. والسبب الثاني أن الشمس رغم تعديها خط الأفق إلا أن قربها نسبيًا من القمر تحجب إضاءته إلى حد كبير.
الثابت أن الهلال حتى تثبت رؤيته بالمناظير الأرضية العادية أو بالعين المجردة يحتاج للمكوث قرابة العشرين دقيقة بعد غياب الشمس وإلا فإن ضياء الشمس يحجبه.
ما حدث في الدول الإسلامية؟
كان أمام الدول الإسلامية حلان؛ أولهما اعتماد الحسابات الفلكية وبالتالي احتساب دخول شهر شوال يوم الثلاثاء رغم استحالة رؤيته نظريًا وبالتالي فتح باب التأويل لمعنى كلمة رؤية الواردة في الحديث الشريف "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، أو الإبقاء على المعنى المقيّد للرؤية التي ذهب علم الفلك إلى استحالته أرضيًا، وإن كان ثابتًا بحسب العلم.
خرجت بيانات دور الإفتاء في الدول العربية وتغيّر العيد بين الدول التي تشترك في ساعات طويلة من الليل. وبعيدًا عن قرارات "العيد السياسي" في دول مثل اليمن وسوريا والسودان والعراق؛ فإن البلاد التي أعلنت رؤيتها للهلال بصريًا هي الأغرب على الإطلاق بحسب العلم.
هذه البلدان التي قالت إنها شهدت ولادة الهلال بصريًا أمس الاثنين لا تتوزع على الخريطة بشكل منطقي، فمن المفترض أننا كلما اتجهنا غربًا كلما كانت الرؤية أوضح. لكن ما حدث: ظهر الهلال في بلدان الشرق كالخليج بحسب من قال إنه شاهده، بينما لم تره مصر في المنتصف. ورأته الجزائر في الغرب، أما ليبيا، وهي بين مصر والجزائر، فقد غيرت فتواها. وانقسمت بلاد الشام والعراق في شرق خريطة الدول العربية.
حالة الجدل الشديد التي صاحبت هذا التخبط لم يتصدَ لها أحد، إلا دار الإفتاء المصرية عندما خرجت عصر الثلاثاء ببيان لتوضيح وجهة نظرها وملخصها "إن كنا نسترشد بعلم الفلك؛ إلا إننا تعتبره أداة للنفي، لا للإثبات".
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FEgyptDarAlIfta%2Fposts%2F2722771794419252&width=500بما يعني: إذا قال العلم باستحالة رؤية الهلال أي أن القمر سيغرب قبل غروب الشمس سنعلن اليوم التالي متممًا للشهر، أما إذا قال العلم بإمكانية ظهور الهلال بعد غروب الشمس سنرسل البعثات لاستطلاعه وهو ما يعني أن دار الافتاء تتقيد بنص الحديث من وجوب الرؤية البصرية دون أي تأويل للنص.
كما أن دار الإفتاء المصرية أعلنت عدم وجوب الالتزام بموافقة البلدان التي تشترك معًا في جزء من الليل، وهو ما جعلها تشذ عن البلدان التي ثبتت لديها الرؤية.