انتهى دور مجلس النواب مساء أمس الثلاثاء فيما يتعلق بمقترحات تعديل الدستور بعد إعلان رئيس البرلمان علي عبد العال موافقة 531 نائبًا عليها ورفض 22 نائبًا وامتناع نائب واحد فقط في التصويت النهائي، لتنتقل التعديلات إلى عهدة لجان الاقتراع التي ستفتح أبوابها المواطنين خلال أيام.
كانت الجلسة العامة التي جرى فيها التصويت النهائي، شهدت تبدل مواقف نواب كانوا اعترضوا على التعديلات في وقت سابق مثل النائبة نادية هنري والنائب سيد عبد العال حيث أعلنا موافقتهما أمس، بينما امتنعت النائبة دينا عبد العزيز عن التصويت وقالت ضاحكة "مش عارفة في حاجات كويسة وحاجات لا، همتنع عن التصويت"، وتغيب عن يوم أمس النائب خالد عبد العزيز شعبان الذي كان قد سبق وافق من حيث المبدأ وبعد تقديم شكاوى ضده في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أعلن التزامه بموقف الحزب موضحا أن موافقته كان مبررها الرغبة في الحصول على فرصة في الحوار وعرض وجهة نظره في الاجتماعات اللاحقة.
أعلام وأغانٍ تستقبل النواب
دخل النواب قاعة الجلسة العامة وجدوا أمام المقاعد أعلام مصر منصوبة، والإذاعة الداخلية للبرلمان تستقبلهم بالأغاني الوطنية، وعلى صوت شادية وهي تشدو يا حبيبيتي يا مصر التقط بعض النواب والنائبات الصور التذكارية داخل القاعة قبيل بدء الجلسة.
بعد مرور أكثر من ساعة على موعد بدءها في العاشرة صباحا، افتتح عبد العال أعمال الجلسة العامة.
المعادلة الصعبة: تداول السلطة مع بقاء السيسي
استعرض رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بهاء أبو شقة تقرير اللجنة بشأن التعديلات وقال إن "الوثيقة الدستورية تعبر عن شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وإن تعديل الدستور من أهم وأعظم الأعمال التي يقوم بها البرلمان، لا يضاهيه أي عمل آخر من الأعمال البرلمانية".
وتحدث أبو شقة ضرورة التعديلات التي اقترحها النائب عبد الهادي القصبي في فبراير/ شباط الماضي ممهورة بتوقيع 155 نائبًا، إذ قال "أصبح تعديل الدستور ضرورة سياسية وواقعية، لوضع قواعد أساسية في الدولة. وهذه الأوضاع بطبيعة الحال تشهد تطورات وتغيرات، ولايمكن تجميد نصوص الدستور بشكل أبدي، بل يلزم إتاحة الفرصة تعديلها كلما اقتضت الضرورة ذلك، وغالبية الفقة الدستوري على الصعيدين المحلي والدولي يكاد يتفق على أن جميع النصوص التي تحظر تعديل الدستور لا تتمتع بقيمة قانونية مقدسة لأن الجمود المطلق للدستور يتنافى مع مبدأ سيادة الشعب، الذي من حقه التعديل والتغيير في أي وقت".
وتابع "نرى أن الطلب للتغيبير يرتكز على واقع جديد تعيشه البلاد، بعد أن اجتازت مصر سنوات البناء الصعبة لمؤسسات الدولة، وفقا لثورتي 25 يناير و30 يونيو، فأصبح من الضروري مراجعة أحكام الدستور".
وبعد الانتهاء من عرض التقرير استمع عبد العال لرأي رؤساء الهيئات البرلمانية حيث أعلن القصبي رئيس ائتلاف دعم مصر مقدم التعديلات موافقته على ما انتهت اليه اللجنة.
ومن جانبه أشاد النائب أيمن أبو العلا ممثل الكتلة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار بإدارة عبد العال لجلسات الحوار المجتمعي قائلًا "منحت العالم كله درسا في كيفية إدارة جلسات التعديل الدستوري، وهذه المرحلة ستكتب في تاريخ حضرتك وتاريخ البرلمان، أننا تمكنا من الوصول إلى أفضل صيغة".
وأضاف "أحترم جدا أننا حافظنا على استقلال الموازنات للهيئات القضائية، وتطبيق الأثر القانوني المباشر فيما يخص نص المادة 140، فكرة عبقرية من المجلس، عمل المعادلة بين تداول السلطة بعدم الزيادة عن مرتين، وعدم حظر حرية الترشح للرئيس السيسي الذي لا خلاف على إنجازاته".
كيف تغير موقف النور
ساعات قليلة فصلت بين موقف نواب حزب النور وإعلانهم رفض التعديلات، وبين تصويتهم النهائي بالموافقة على التعديلات.
في بداية طرح التعديلات في فبراير الماضي وافق نواب حزب النور مع التحفظ على مادة الكوتة ومادة القوات المسلحة التي يضاف لمهامها حماية الدستور والديمقراطية، ومع استمرار المناقشات عبر الاسابيع الماضية تنازل نواب النور عن رفض الكوتة وتمسكوا برفض دور القوات المسلحة في حماية الدولة المدنية.
وقال النائب أحمد خليل ممثل الهيئة البرلمانية للنور خلال جلسة المناقشات أمس "قلنا ونكرر أن اعتراضنا في هذه التعديلات على نقاط ثلاث، واللفظ الذي نعترض عليه لازالنا نصر على رأينا حوله، فحينما تحدثنا عن لفظ مدنية، فإننا نؤكد على رفضنا للدولة الثيوقراطية التي نرفضها، ونرفض الدولة البوليسية العسكرية"
وأضاف "البعض يستنكر أننا مزودينها شوية، ولكن للدستور مآلات وليس نصوص فقط، نحن سنرفض التصويت أو الدستور، لا لشيء لما ذكرناه، لا لأشياء أخرى، وأعلن بذلك أن حزب النور رفضه للتعديلات الدستورية".
مخاوف نواب النور دائما ما كان يقابلها عبد العال بتأكيده على لاءات ثلاث مؤكدًا أن مصر لا علمانية ولا عسكرية ولا دينية، وأخذ عبد العال تصويت البرلمان أمس على مفهوم كلمة مدنية التي تعني المواطنة وسيادة القانون ووافق اغلبية الاعضاء، فيما طالب رئيس البرلمان ممثل الكتلة البرلمانية للنور بإعلان موقفه، إلا أن خليل أجل الإفصاح عنه لاحقا.
وخلال مرحلة التصويت النهائي نداء بالاسم أعلن خليل تراجعه عن رفض التعديلات الدستورة، وأكد موافقته على التعديلات الدستورية ، وقال "بعد موافقة المجلس بالاجماع على اللاءات الثلاث ورفض الدولة الثيوقراطية والدولة البوليسية والعسكرية والدولة العلمانية بمفهومها الغربي أعلن موافقة حزب النور على التعديلات الدستورية".
موقف حزب النور استوقف النائب عماد جاد الذي شارك في جلسة التصويت رغم غيابه الطويل عن المجلس، بعد غياب طويل عن مجلس النواب. فبعد إعلان موافقته على التعديلات، عقّب على موقف حزب النور وتخوفه من الدولة المدنية وردود عبد العال التي رفض فيها العلمانية، منتقدا الهجوم على العلمانية قائلًا "العلمانية تعني أن الدولة على مسافة واحدة من كل أبناءها، العلمانية لا عيب ولا حرام ولا كلمة قبيحة".
الكوتة طريق القائمة المطلقة
رفض النائب إيهاب منصور رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي التعديلات الدستورية، وقال "نختلف في الرؤى ونتفق على الوطن ومصر التي نستظل تحت سماءها".
وعن سبب الرفض قال "نرفض التعديلات لأجل مستقبل أفضل في ظل تغييرات قوية حدثت في آخر 8 سنوات".
أما النائب طلعت خليل اعترض على مادة الكوتة وقال "لما نشوف المادة 102 ربع عدد المقاعد للمرأة يتعارض مع مبدأ المساواة في الدستور، المرأة لها كافة الحقوق ماينفعش أضع هذه النسبة تجرنا لشيء اخر لانتخابات بقائمة مطلقة، فلن نتمكن من تحقيق هذه النسبة في الفردي أو القائمة النسيبية وسيجرنا للقائمة المطلقة".
وأكد تعارض المادة 140 والمادة الانتقالية التي تنظم بقاء الرئيس الحالي لفترة أطول وترشح لمدة ثالثة، مع نص المادة 226. وانتقد أيضا المواد الخاصة بالقضاء التي تشكل الهيئات القضائية ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية والنائب العام وقال إنها تحدث تغييرا جذريا في المقومات الأساسية للدستور الحالي الذي ينص على الفصل بين السلطات.
وعارض خليل تعديل المادة 200 الخاصة بمهام القوات المسلحة والتي تجعلها تحمي الدستور والديمقراطية ومدنية الدولة، واعتبرها مادة "لا تليق"، وانتقد التوسع في المحاكمات العسكرية للمدنيين وحذف كلمة "الاعتداءات المباشرة" من المادة التي تنظم المحاكمات العسكرية.
وقال "تنبع المعارضة لهذه التعديلات من شرعية نظام دولة ثورة 25 يناير و30 يونيو، وتلك التعديلات تهدم أسس هذه الدولة، من خلال هيمنة السلطة التنفيذية على سلطات أخرى، ووضعها في يد شخص واحد".
عبد الغني الذي كان يقرأ كلمته من ورقة قال إن التعديلات تتجاوز سلطة المجلس، وتمس بصورة مباشرة جوهر الدستور الذي أقسمنا على احترامه، وجوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والعلاقة بين السلطات.
وقال "عجز مقدمو التعديلات عن تقديم أي مبررات حقيقية لإجراءها، خاصة ونحن استمنعا إلى وزير المالية ووزيرة التخطيط بأن الاقتصاد يتحسن، والأمن مستتب والدنيا ربيع، فلماذا نعدل الدستور إذن إذا كانت كل الأمور جيدة."
وطالب بأن يكون التصويت بالاستفتاء على تلك التعديلات، مادة مادة، وليس في مجموعها. كلمات عبد الغني أثارت استياء عبد العال الذي قال "كان الحوار خلال ستين يوما حول التعديلات حوارا راقيا، في العرض وفي اختيار الكلمات، وأعذرك لأنك مهندس، ومن كتب لك هذه الكلمة إذا كان قانونيا فأنا أشك في الشهادة الحاصل عليها، رتب كلمة من هنا، وخلط كثير من المفاهيم القانونية".
وأضاف "على حد علمي، لم يقل أستاذ قانون دستوري بإجراء التصويت مادة مادة، وإنما يجرى بالرفض أو بالقبول، وفي عام 2008 أجرت إحدى الدول الأوروبية استفتاء على حزمة من التعديلات مرة واحدة".
انتقاد الرئيس: يحذف من المضبطة
كان النائب أحمد الطنطاوي صوت المعارضة خلال المناقشات التفصيلية للمواد محل التعديل، وخلال مناقشة المادة 102 الخاصة بالكوتة قال "إن الاصل في المجالس النيابية تقسيم النواب حسب أفكار سياسية وقناعات وأفكار لا تقسيم نوعي رجل ومرأة وطائفي مسلم ومسيحي ولا عمري ولا جغرافي هذا الأصل العام الذي يجلب الالتزام به".
وأضاف "ظني أن الهدف بالإضافة لأنها أحد المحفزات لدغذغة مشاعر 50% من الناخبين"، واستطرد "هل سنرى امرأة ذات اتجاه سياسي تعاني لما ابنها يتاخد؟ أشك" ، واعتبر أن هذه المادة "تهدف لفرض نظام انتخابي فاشل يجمع بين مساوئ النظام الفردي والقائمة المطلقة.
وخلال مناقشات المادة 140 التي تزيد مدة الرئاسة لست سنوات والمادة الانتقالية التي تمنح الرئيس الحالي حق زيادة فترته الحالية عامين وحقه في الترشح لمدة تالية، طالب الطنطاوي بالحفاظ على النص الدستوري القائم، مشيرا إلى دوافع النواب في التعديل حب الرئيس.
وقال الطنطاوي "لا أحب الرئيس ولا أثق في أدائه"، وعقب عبد العال على كلمته بأسلوب هادئ خال من أي انفعالات "هذا الكلام غير مقبول تكلم بموضوعية (يقصد في المادة) ويحذف من المضبطة تماما".
انتقادات لمواد القوات المسلحة
بعد موافقة البرلمان على المواد الخاصة بتعيين وزير الدفاع عقب موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والمحاكمات العسكرية، والمادة 200 الخاصة بدور القوات المسلحة في الحفاظ على الدستور والديمقراطية والدولة المدنية، سمح رئيس مجلس النواب، أحمد الطنطاوي بالحديث، خلال مناقشات مادة تمثيل العمال والفلاحين في مجلس النواب.
فقال الطنطاوي "أنا بطلب الحديث في مواد بتديني الكلمة في مواد تانية"، فطالبه عبد العال بالحديث في المادة، فطلب الطنطاوي بالحديث كيفما شاء قائلا "علشان أحس بالراحة".
وقال الطنطاوي "لا يوجد إنسان في القاعة أو خارجها لا يكن احترام للقوات المسلحة لكن لا أفهم كيف طاوع قلب وعقل من كتب هذه المواد الخلط بين دماء الشهداء وأفعال الساسة. ننزل بالقوات المسلحة من مرتبة مقدسة اعز ما يملك الشعب المصري لمادة للخلاف ووصاية على الشعب المصري".
وتناول بالنقد مادة المحاكمات العسكرية للمدنيين التي لم تعد قاصرة على الاعتداءات المباشرة فقط، وقال "شوية جماهير في ماتش كورة، واحد منهم يخبط الكرسي يتحاكم عسكري علشان عليه جوز عساكر بيحموه".