قضى 50 شخصًا نحبهم في مسجدين بمنطقة كرايستشيرش في نيوزيلندا بعد صلاة الجمعة الماضية بعد إطلاق مسلح النار عليهم، في واحد من أكبر جرائم العنف الطائفي التي استهدفت الأقلية المسلمة في الغرب.
تعلق في ذاكرة الشرق الأوسط حوادث كمقتل مروة الشربيني في مدينة دريسدن الألمانية على يد أليكس واينز الذي وصفها بـ"الإرهابية" في 2009، وحادث تشابل هيل في ولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة، والذي نتج عنه مقتل ياسر بركات وزوجته يسر أبو صالحة وشقيقتها رزان، ونبرة حسنين التي تعرضت لجريمة خطف واعتداء على يد مارتينيز توريس بولاية فيرجينيا الأمريكية عام 2017 قبل أن يقتلها لارتدائها الحجاب، وهي كلها أحداث شهدت اهتمامًا رسميًا وشعبيًا على حد سواء، في مناطق حدوثها، بين تأبين للضحايا، وقبض على مرتكبي الحوادث وتقديمهم لمحاكمات ناجزة.
على الجانب الآخر، تعلق بذاكرة الشرق أوسطيين أيضًا مئات حوادث العنف ضد الأقليات، منها حوادث استهداف وقتل مسيحيين في الكنائس أو الطرق وترتكبها تنظيمات إسلامية مسلحة كتنظيم الدولة الإسلامية أو غيره من الجماعات الإسلامية، أو تلك الهجمات التي يستهدف فيها مسلمون غير مؤدلجين أو منتمين لتنظيمات مسلّحة، جيران مسيحيين على خلفية بناء كنيسة أو الصلاة في أحد المنازل أو علاقة عاطفية بين مسيحي ومسلمة، كما يوضح تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصيّة نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2016.
كان تفجير الكنيسة البطرسية في العباسيّة في 2016، والذي نفذه تنظيم ولاية سيناء الذي يبايع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، هو أول تفجير يستهدف دور العبادة المسيحية من بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، وأول استهداف واضح للمسيحيين من قبل التنظيم في مصر.
بين حادثي القتل الجماعي لمصلين في مصر ونيوزيلندا اختلافات وتشابهات، فبيما مثّل الحادثان تغيّرًا نوعيًا لطريقة استهداف الأقليات في اختيار دور عباداتهم، وحظيا بذات الاهتمام الدولي، وتقاربت أعداد الضحايا في الهجومين، فإن هناك اختلافات لا تشمل فقط جهة التنفيذ، ولكنها تتضمن التعامل الأمني ورد الفعل الشعبي مع الأحداث.
فبينما كان منفّذ حادث المسجدين في نيوزيلندا يميني متطرف لا ينتمي إلى تنظيم أو جماعة يمينية تستهدف المسلمين، كان حادث البطرسية، وما تلاه من تفجيرات كبرى كتفجيرات حد السّعف في الإسكندرية وطنطا عام 2017 من تنفيذ خلية واحدة، بحسب التحقيقات التي تمت في الحوادث، والتي انتهت بتقديم 48 إلى القضاء العسكري، والذي حكم على 17 منهم بالإعدام، و19 بالسجن المؤبّد، وتسعة بالسجن المشدد 15 سنة، وانقضاء الدعوى بالنسبة لمتهمين اثنين بالوفاة.
على المستوى الأمني، استطاعت السلطات النيوزيلندية ضبط المتهم بارتكاب الجريمة في نفس اليوم حيًا لتقديمه للمحاكمة التي قال المتّهم أنه سيدافع عن نفسه خلالها دون محامً، بحسب CNN، بينما في حالة البطرسيّة، أعلن الرئيس عبد الفتّاح السيسي اسم منفّذ العملية الذي مات أثناء الانفجار، وقبض السلطات المصرية على 3 أشخاص قالت إنهم ساعدوه في تنفيذ العملية، منهم سيدة، إضافة إلى عرض المتهم في حادث نيوزيلندا على قاضٍ مدني، بينما عرض المتهمين من حادث تفجير البطرسية على القضاء العسكري.
بحسب ما يتوفّر من معلومات، فإن منفّذ هجوم نيوزيلندا الاسترالي الجنسية لم يعاونه آخرون لتنفيذ مخططه المعلن عبر الانترنت، ولم يرتكب حوادث عنف سابقة، على عكس منفّذ هجوم البطرسية، محمود شفيق محمد مصطفى، الذي عاونه، بحسب تصريحات السيسي، ستّة على تنفيذ التفجير، وقبض عليه سابقًا بتهمة الانتماء لجماعة محظورة، هي الإخوان المسلمين، وبحسب BBC، فإن المنفّذ غاب عن محل سكنه في محافظة الفيّوم سنتين قبل التفجير، بسبب الملاحقة الأمنية له، كما أن أحد أشقائه قبض عليه بتهمة الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين، وشقيقه الآخر قبض عليه بعد تفجير البطرسية.
بعيد الحادث في نيوزيلندا، انتشرت قوّات الأمني في محيط الحادث، ووعدت الحكومة النيوزيلندية بزيادة أعداد أفراد الأمن المنتشرين في المدينة لطمأنة الناس مع عودتهم يوم الأحد إلى أعمالهم، هذا لم يمنع تسارع المواطنين من غير المسلمين إلى تعزية الضحايا والمشاركة بالزهور والشموع في وقفات لدعم الأهالي وطمأنة المسلمين، والدعم الماديِّ من خلال حملات التبرع للضحايا، وامتدت فعاليات التضامن إلى بلدان بعيدة عن موقع الحدث ككندا والمملكة المتحدة.
إضافة إلى تحمّل الدولة تكلفة دفن الضحايا وإرسال جثامين المهاجرين منهم لذويهم بغض النظر عن حالتهم القانونية كمهاجرين وإذا كانوا يمتكلون إقامات أم لا، كما أن السلطات النيوزيلندية اتخذت نهجًا صارمًا ضد أي أفعال تشجيعية لفعل المنفّذ، فمَثُل شاب أمام القضاء النيوزيلندي لمشاركته الفيديو الذي بثّه الخاطف على صفحته.
في حالة كنيسة البطرسية، فإن الأمن المصري رفع حالة التأهب في مواقع كل الكنائس في كل المحافظات، شمل هذا التأهب منع المشيعين من تتبع جنازة ضحايا التفجير والذين أرادوا إقامة جنازة شعبية لهم، وذلك من أجل مراسم الجنازة الرسمية التي حضرها الرئيس السيسي وقيادات مصرية، بحسب موقع أصوات مصرية، كما أغلق شارع عبد الخالق ثروت حيث كان من المقرر تنظيم وقفة بالشموع لضحايا التفجير، ليتغير موقع الوقفة إلى شارع 26 يوليو بمنطقة وسط البلد، لكن فاعليات من تنظيم الكنائس كالعزاء الشعبي الذي أقامته كنيسة مارجرجس بالظاهر سمح به.
شملت التحركات الشعبية بعيد تفجير البطرسية تحركات ضد السلطة نفسها كالتجمّع الذي هتف ضد الرئيس المصري أمام موقع الحادث، والاعتداءات على إعلاميين مؤيدين للسلطة المصرية كأحمد موسى ولميس الحديدي، وريهام السعيد، هاتفين وراءهم "يسقط إعلام العار"، شارك في تحميل الدولة مسؤولية الحادث نواب البرلمان المصري الذين رؤوا في الحادث تقصيرًا أمنيًا، بحسب ما نقلته صحيفة المصري اليوم.