
الصومال والرهان الحرج على "معويسلي".. الاستقرار بيد الميليشيا
نهاية فبراير/شباط الماضي، أطلَّ وزير الدفاع الصومالي عمر علي عبدي، مُعلنًا بدء عملية دمج ميليشيات العشائر المحلية المعروفة باسم معويسلي ضمن صفوف الجيش الصومالي، بتسجيل وتدريب مقاتليها. ما يعد خطوة لتعزيز قدرات الجيش في مواجهة حركة الشباب المجاهدين الموالية لتنظيم القاعدة، التي تنشط منذ 2004 جنوب ووسط البلاد.
الصومال الذي أعلن رئيسه حسن شيخ محمود في أغسطس/آب 2022، بدء مرحلة الحرب الحاسمة ضد الحركة الإسلامية، نجح بدعم من الميليشيات المحلية في المرحلة الأولى من العمليات العسكرية التي انتهت أواخر العام الماضي، في استعادة أكثر من 70 منطقة بين مدينة وقرى وبلدات شكَّل بعضها أهمية استراتيجية لحركة الشباب، لاسيما على نهر شبيلي في إقليم هيران وسط البلاد، إلا أنه لا يزال يواجه تحديًا في دحر الحركة المسلحة نهائيًا.
من هم معويسلي؟
"معويسلي" كلمة صومالية تعني مرتدو المعويس أي الأزار، وهو زي تقليدي صومالي. وهي تشكيلات عشائرية مسلحة ظهرت خلال السنوات الأخيرة كقوة محلية داعمة للجيش الصومالي في حربه ضد حركة الشباب، خاصة في وسط البلاد، مثل محافظتي هيران وشبيلي الوسطى، حسب المحلل الاستراتيجي الصومالي، حسن محمد حاج.
تأسست حركة الشباب في 2004، بهدف إقامة دولة إسلامية، ثم أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة عام 2012، وشنت حربًا ضد الحكومة الصومالية وحلفاءها في الداخل والخارج.
"تصدت الميليشيات المحلية لحركة الشباب وكانت بداية تشكيل هذه الميليشيات في المناطق القروية، كرد فعل على الضرائب التي تفرضها حركة الشباب على السكان القرويين، تحت مُسمى الزكاة الإجبارية" يقول حاج لـ المنصة، لافتًا إلى أن الممتنعين كانوا يتعرضون لعقوبات قاسية "تصل حد الإعدام أو التهجير القسري".
كان وزير الدولة بوزارة الدفاع الصومالية عمر علي عبدي، قال إن دمج معويسلي في المؤسسة العسكرية، يأتي "تقديرًا لتضحيات أفرادها الذين قاتلوا مع الجيش لدحر حركة الشباب، وتجاوز مرحلة الأمن الهجين التي قد تخلق إشكالية لتعدد الجهات الأمنية الفاعلة في البلاد"، معتبرًا أن آلية توظيف ودمج المليشيات المسلحة ستحد من مخاطر تسلل واختراق منتمين لحركة الشباب؛ كون الوزارة اتخذت جميع الإجراءات المطلوبة لضبط سلوكيات العناصر الجديدة وبناء عقيدتها الوطنية.
إشراك المقاتلين المحليين يعزز القدرة على مواجهة الدولة لحركة الشباب الموالية للقاعدة
الوزير الصومالي لفت أيضًا إلى أن العناصر الجديدة ستخضع لفحوصات أمنية دقيقة كما ستتلقى تدريبات مكثفة داخل البلاد وخارجها لتجريدها من أي انتماءات أخرى، معتبرًا أن عملية الدمج ستعزز تموضع الجيش في جميع المناطق المحررة التي كانت شبه خالية من الوجود الأمني الحكومي، نظرًا لقلة أفراد الجيش.
خطوة استراتيجية
امتلاك ميليشيات معويسلي مهارات قتالية يعزز القدرة على مواجهة حركة الشباب، حسب الباحث بمعهد الدراسات الإفريقية فاروق أبو ضيف.
"دمج ميليشيات العشائر في الجيش الصومالي يُمثل خطوة استراتيجية؛ لتعزيز قدراته في مواجهة حركة الشباب المسلحة، خاصة وأن هذه الميليشيات تمتلك خبرة قتالية كبيرة ومعرفة عميقة بالمناطق التي تنشط فيها الحركة، ما يسهل عمليات مكافحة الإرهاب والتصدي لهجماتها" يقول أبو ضيف.
ويوضح الباحث لـ المنصة أن إشراك مقاتلين محليين يعزز التعبئة الشعبية ضد التنظيم، ويدعم جهود الحكومة في استعادة الأراضي وتأمينها. علاوة على ذلك، فإن تحويل هذه القوات غير النظامية إلى جزء من المؤسسة العسكرية يحدّ من فوضى الميليشيات، ويضمن ضبط عملياتها وفق استراتيجيات الدولة، مما يسهم في تحسين التنسيق العسكري وتطوير الأداء الأمني على المدى الطويل.
مخاطر الدمج
غير أنَّ المحلل الاستراتيجي الصومالي، يرى أن عملية الدمج قد تحمل تأثيرًا مزدوجًا؛ "خطوة نحو بناء جيش أكثر شمولًا وتمثيلًا للمجتمع المحلي، مما يعزز الثقة الشعبية ويقوي الجبهة الداخلية" يقول حاج بينما يحذِّر "إذا لم يُنفذ الدمج وفق معايير مهنية ومؤسسية، فقد يؤدي إلى تحديات في الانضباط وتماسك المؤسسة العسكرية".
يلفت حاج إلى القلق من تكرار سيناريو قوة داخل القوة كما حدث في السودان مع قوات الدعم السريع، ولتفادي ذلك السيناريو يجب دمج الأفراد كأفراد، لا كوحدات مستقلة، وإخضاع الجميع لنفس نظم التدريب والتراتبية والانضباط العسكري، مع منع ازدواجية الولاءات للعشيرة أو القيادات الميدانية السابقة، وتعزيز الرقابة المؤسسية من وزارة الدفاع وهيئة الأركان.
وتتفق الخبيرة في الشؤون الإفريقية أسماء الحسيني مع حاج، مشيرة إلى أن غالبية عناصر هذه الميليشيات سبق انتمائهم للجيش قبل سقوطه واندلاع الحرب الأهلية، وتتراوح أعمارهم ما بين العشرينيات والستينيات.
دمج الأفراد تدريجيًا في الجيش وإجراء تدريبات موحدة وإعادة تأهيل يمنع تكرار سيناريو الدعم السريع
"المخاوف من تكرار تجربة الدعم السريع بالسودان، والحشد الشعبي بالعراق، مشروعة وبقوة، خاصة إذا امتلكت هذه الميليشيات أسلحة ثقيلة تُمكنها من الدخول في مواجهة مع الجيش حال وقوع أي تضارب في المصالح أو وجهات النظر" تحذر أسماء الحسيني.
تتخوف أسماء الحسيني مِن منح الأسلحة لأبناء العشائر دون ضوابط محددة، واستخدامها لاحقًا في حروب قبلية، بدلًا من مواجهة حركة الشباب، بالإضافة إلى احتمالية انقطاع التمويل الأمريكي للمنظومة العسكرية الصومالية، وخطورة ذلك على توفير التمويل اللازم لهذه الميليشيات وانقلابها لاحقًا.
تثير قوات الدعم السريع التي تخوض حربًا ضد الجيش السوداني ذعرًا لدى المحللين من تكرار التجربة في دول أخرى. كانت انبثقت هذه القوات عن ميليشيا الجنجويد التي قاتلت في مطلع الألفية في الصراع بدارفور واستخدمها نظام عمر البشير الحاكم آنذاك في مساعدة الجيش على إخماد التمرد في الإقليم الذي شهد صراعًا طويلًا.
أما الباحث بمعهد الدراسات الإفريقية فاروق أبو ضيف فيربط نجاح هذه الخطوة بتنفيذ عملية دمج تدريجية ومنضبطة تضمن ولاء المقاتلين للدولة وليس للزعامات العشائرية، مما يحول دون تكرار سيناريوهات الانقسامات العسكرية كما حدث في دول أخرى، مشيرًا إلى أن الصومال يحتاج إلى تدريب موحَّد وبرامج إعادة تأهيل لتعزيز العقيدة العسكرية المشتركة بين جميع الأفراد، مما يضمن تناغم القوات المسلحة.
وينوه إلى أن ذلك يتطلب إصلاحات مؤسسية تضمن القيادة المركزية للجيش، إلى جانب مواصلة جهود الحدّ من نفوذ العشائر داخل المؤسسة العسكرية، حتى لا تصبح هذه الخطوة مجرد تغيير شكلي دون تأثير حقيقي على استقرار وأمن البلاد.
ومع النجاحات الكبيرة التي حققها تحالف الجيش الصومالي وميليشيات العشائر ضد حركة الشباب، حاولت الأخيرة تفتيت هذا التحالف؛ حتى إن رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، اتهم الحركة، في يونيو /حزيران 2024، بخلق وتأجيج صراعات العشائر، مشيرًا إلى أن الهدف إشغال قوات الحكومة بإيجاد حل للصراعات العشائرية، بدلًا من الاستمرار في العمليات ضد مسلحي الحركة.
اتهامات المسؤول الصومالي، جاءت بعد الاشتباكات التي وقعت بين عشيرتي دير ومريحان، اللتين كانتا تقاتلان مع الجيش، ونجحتا في إخراج الشباب من منطقة جلمدج، ما أسفر عن مصرع 55 شخصًا وإصابة 155 آخرين.
يظل دمج ميليشيات معويسلي في الجيش الصومالي خطوة مهمة في مواجهة حركة الشباب، غير أنها محفوفة بالمخاطر، وقد تشبه اللعب بالنار ما لم ينجح الصومال في دمجهم ومنع ازدواجية الولاءات.