"بديهيات"، صفحة ساخرة على فيسبوك تستعرض مشاركات مستخدمي إنترنت وهم يطرحون البديهيات وكأنهم قد أوتوا جماع الحكمة.
مع استطلاع المناخ العام، لا يبدو أن قول البديهيات بات مضحكًا، كما أنني أعتقد أن هؤلاء هم مناضلو العصر، وإنني لأدعمهم، وأشد على أياديهم، وأدعوهم ألا يأبهوا لسخرية الساخرين، ولا للمز اللامزين، وأن يكملوا مسارهم الذي بدأوه، والنصر حليفنا بعون الله.
نعم. لابد من ترديد البديهيات لأنها ببساطة غابت، بل إن ترديدها أصبح يثير الدهشة والتعجب وأحيانًا الاستهجان والاتهام والتنمر: أنت بتقولي إيه؟ إيه الكلام الفارغ ده؟
من البديهيات أن الأنظمة السياسية، خاصة الفاسد منها، تستخدم أساليب غير مشروعة في استهداف معارضيها لإسكاتهم أو تهديدهم أو إجبارهم على قول أو فعل موقف سياسي لا يؤمنون به، أو لاغتيالهم معنويا.
هذا حدث ويحدث وسيحدث.
كسر العين
من البديهيات أن بعض الأنظمة التي تهتم لشأن المواطن والديمقراطية، عادة ما تحتفظ بهذه المعركة في إطار يحافظ على السلامة النفسية للرأي العام.
وفي قول آخر: عادة ما يقومون بتكييف هذا الاستهداف بشكل يبدو قانونيًا، ويحافظون على الحد الأدنى من أعراف وقيم الرأي العام الذي يطرحون عليه قضية قد تبدو سياسية، لكن في باطنها استحلال عفن لشخصية سياسية ما.
بهذه الطريقة هم يحققون الهدف من تحطيم الشخصية المعنية، وفي ذات الوقت لا يخسرون الحد الأدنى من الحفاظ على سلامة الرأي العام الذهنية، ذلك لإن الانتهاك النفسي المتكرر للجمهور يؤجج أقبح ما في البشر.
فالجماهير، أو "الدهماء" كما كان يصفهم شيكسبير، مخلوقات غير مضمونة، وإذا توحشت تأكل كل ما يقابلها، بما في ذلك الذي قام "بتشريسها". أما الأنظمة الفاسدة فهي لا تراعي دراسة النفسية الجمعية، على العكس تماما، هي تشعر بانتصار إذا ما تمكنت من تغيير الخريطة النفسية للمجاميع، وما يستتبعه من تغير في المنظومة القيمية، وهو ما يؤدي إلى شعور جمعي بالعار وعدم الاستحقاق، أو ما نطلق عليه بالعامية المصرية: كسر العين. أنتم جمهور اقترف فظائع، فلستم بأفضل ممن يحكمكم ولا يحق لكم معارضته.
جدول البديهيات
هناك مجموعة بديهيات أود أن ألفت النظر لها. وبما أنها بديهيات، وبما أن الجو العام لا يسمح باستيعاب البديهيات، ففضلًا وليس أمرًا، اقرأ هذه البديهيات في مكان هادئ وفي حالة استرخاء.
- بديهية رقم 1: الحياة الشخصية لها حرمة كاملة، نصت عليها كل الأديان السماوية والوضعية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق والمعاهدات الدولية. وانتهاك الحياة الشخصية، أو التلصص عليها، أو هتك سترها، جريمة يدان فيها المنتهك لا الشخص الذي مورس بحقه الانتهاك.
- بديهية رقم2: إذا قام شخص، أو جهة، أو كيان، بانتهاك الحياة الشخصية فأول ما يقوم به "الناس المحترمون" هو الآتي.. أولا: إدانة فعل الانتهاك. ثانيا: عدم المشاركة في الانتهاك بالبصر أو السمع أو اللسان. لا تشاهد أو تقرأ أو تسمع المادة الإعلامية التي تشكل انتهاكا في حق ضحية هتك الستر. هذا ما نصت عليه الأديان السماوية والقيم الأخلاقية والأعراف الدولية. هذا تلصص ليس من حقك، حتى وإن أذيع على الملايين، كن أنت الوحيد من بين الملايين الذي لا يمارس التلصص.
هو اختبار أخلاقي هام، لكنه سهل، أنت تستطيع فعل ذلك، احم سمعك وبصرك واستر الناس من عينك، وقاوم فضولك.
وماذا أفعل في الفضول؟
في قصة الخلق التي ترويها الديانات الإبراهيمية، يحكى أن أبو البشر خرج من جنة الخلد بسبب الفضول. لن يفوتك الكثير إذا لم تتلصص على الناس وتشارك في هتك سترهم بالمشاهدة، لكن سيفوتك الكثير من احترام الذات والشعور بالسلام النفسي والاتصال الروحي إذا ما صممت على الانصياع لفضولك.
الجهة التي تقوم بفضح الناس لا تحتاج منك سوى أن تشاهد، أو تسمع، أو تقرأ، ولا يهم ما يترتب على هذه المشاركة بعد ذلك، المهم أن المعلومة قد بلغتك، عليك أن تعمل جاهدا ألا تبلغك. كما لا يحتاج منك الشخص ضحية الانتهاك سوى ألا تشاهد أو تقرأ أو تسمع، حتى وإن لم تتضامن بعد ذلك، يكفي أنك لم تشارك في هتك ستره.
وإذا شاهدت التسريب؟ ماذا أفعل في نفسي؟
بديهية رقم 3: إذا ما اقترفت جريمة المشاهدة؛ فلا بأس، كل ابن آدم خطاء، وأنت الآن خاطي، فلتتذكر هذا قبل أن تطلق أحكامك الأخلاقية والدينية وتصوبها حيال ضحايا الانتهاك، إذا كنت تعتقد أنهم أذنبوا في حق أنفسهم فأنت أذنبت في حق غيرك، فلست أفضل منهم كي تحكم عليهم، وربما هم أفضل لأنهم لم يؤذوا أحدًا كما فعلت أنت.
- بديهية رقم 4: لا يحق لك، فيما يتعلق بانتهاك الحياة الشخصية، أي شيء سوى التضامن، فإن كنت لا تقوى عليه فاصمت. فليقل خيرًا أو ليصمت. هذا التوحش والتشفي والحملقة في لحوم الناس وخصوصياتهم ونهشها أمر بالغ الخطورة، عليك قبل أن يكون على غيرك. ستتحول لمخلوق كريه، وسيجر عليك ذلك وبالًا وطاقة سلبية تعاني منها ما تبقى من حياتك.
لكن لا تستخدم لكن
- بديهية رقم5: ليس في التضامن كلمة "ولكن". أقدر تماما المشاعر الإنسانية، بما فيها من حب وكراهية وميل وبغضاء ومشاعر التعلق أو الوله أو الغل أو الثأر، حتى وإن لم تكن مبررة بالنسبة لي.
إن كنت تشعر بغل حيال شخص ما، فلست أنا من يحدد إن كانت هذه المشاعر مبررة أم لا، إلا أنك لا تعلم إن كنت إنسانا طيبًا أو شريرًا إلا في الخصومة، المحبة والصداقة لا تثبت جوهرك ولا تنفيه، ما يظهر جوهرك هو سلوكك تحت ضغط الكراهية.
لا أعلم تحديدًا ما الذي يجعلك تحقد على أو تكره إنسانًا لا تعرفه معرفة شخصية، لكن لا بأس، لا تقع في حيرة بين مبادئك في احترام الحياة الشخصية، ومشاعرك المبغضة للضحية، إما أن تعلن تضامنك الكامل مع الضحية، وإما أن تصمت.
لكن لا يجدر بك أبدا أن تصرح: أنا ضد القيام بانتهاك حياة فلان الشخصية لكن هذا الشخص يستحق، أو لكن هذا الشخص كان له مواقف سياسية أكرهها، أو لكن هذا الشخص دمه تقيل على قلبي. الصمت أكرم لك. التضامن لا يشفع بالإهانة والتشويه، أنت بهذه الطريقة تمنح المعتدي المزيد من المسوغات التي تبرر جريمته، في الواقع، أنت تتضامن مع المعتدي.
- بديهية رقم 6: غير مسموح بتحليل المحتوى الذي ينتهك الحياة الشخصية وبناء استنتاجات الغرض منها إدانة الضحية. عيب كده والله. إيه ده؟
- بديهية رقم 7: غير مسموح بانتهاز فرصة وقوع ضحية ما للتذكير بأخطاء سابقة. لك أخطاء ولي أخطاء وكل ابن آدم كهف مغلق على أسرار، وإن كنت تريد مناقشة مواقف ما لشخص ما، فوقوع هذا الشخص ضحية اعتداء ليس التوقيت المناسب أبدا لهذه المناقشة، وإلا سيترجم بوصفه تشف. ومَن يتشفى يُتشفى به، هذه حقيقة واقعة سواء كنت مؤمن بعدالة الله أو مؤمن بالكارما أو مؤمن بأن الإنسان يجني نتيجة أفعاله، ما هو لازم لك منظومة أخلاقية نمسكك منها مش معقولة سايب كده خالص.
المرأة إنسان
- بديهية رقم 8: المرأة إنسان، هذه حقيقة مثبتة تشريحيًا بما لا يدع مجالا للشك، وليست محل صراع بين العلم والإيمان مثل نظرية النشوء والتطور مثلا، هي إنسان، هكذا اعتقد الفلاسفة والأنبياء، وقد ثبت ولله الحمد الإعجاز العلمي في الأديان وتحققت النبوءة واكتشف العلم حقيقة أن المرأة إنسان.
حقيقة علمية وفلسفية ودينية أخرى: الإنسان له اختيار حر. مع هذه المقدمات المنطقية نخلص إلى نتيجة أن المرأة لها اختيار حر، وهي بالفعل تتحمل نتائجه مثل أي إنسان، وفي مجتمع مثل مصر فهي تتحمل وحدها نتائج مضاعفة، والمرأة عند المؤمنين لها حرمة، وعند الشعبيين اسمها "وليّة"، وعند المثقفين مواطن مضطهد في مجتمع ذكوري.
يعني من الآخر كده مالكش منفذ تنهش منه النساء وأجسادهن وتقيم عليهن وصاية أخلاقية أو دينية أو اجتماعية أو أبوية، كن وصيًا على نفسك ولا تساهم في في انتهاك حرمتها، أو فضح سِتر وليّة، أو اضطهاد مواطن مستضعف في مجتمع ذكوري، ما هو أنا حاجيبك حاجيبك عشان أبطلك اللي بتعمله ده.
هذا الجو العام القائم على هتك الأستار يمكن إماتته بغض البصر عنه وتجاهله وعدم المشاركة فيه عبر التلصص على الضحايا وإدانتهم ونهشهم، ومساندة كل من يتعرض لهذا النهش حتى وإن كان من ألد أعدائك وأشرس خصومك، ذلك لإنك إن لم تفعل فلن تأمن على نفسك.
ما هو يا تتقوا الله، يا تخافوا من الكارما. يا تحترموا نفسكم، يا تقدسوا الإنسان. المهم تعملوا أي حاجة تحوشوا بيها أنيابكم اللي طلعت دي.. يا ماما.
اقرأ أيضًا عن سيدة البلكونة: حين تصبح الأمومة سلطة غاشمة