البشير وسط أنصاره. الصورة: المحكمة الجنائية الدولية- فليكر، مفتوحة المصدر

السودان: كيف هددت المظاهرات حكم ثلاثين عامًا للبشير؟

منشور السبت 19 يناير 2019

يحتاج إبراهيم بدرالدين، العامل في هيئة السكة الحديد لما يقارب المائة جنيه سوداني يوميًا لضمان توفير احتياجات أسرته الصغيرة من الخبز ومستلزمات بسيطة أخرى لاعداد وجبات عائلته المكونة من أربعة أفراد، وبالقطع ليس من بين هذه المستلزمات شراء أي زنة من اللحوم، فمعظم أغراض وجباته تتكون من الفول المصري والعدس.

بدرالدين، خلال الفترة الأخيرة التي تزامنت مع زيادات كبيرة في أسعار المواد الغذائية يقول للمنصة إنه عجز تمامًا عن توفير مطلوبات أسرته "كل ما أتلقاه من عملي برئاسة هيئة السكة حديد بمدينة عطبرة لا يتجاوز الـ 1200 جنيه، وهذا لا يكفي لتسيير حياة عائلتي إلا لنصف الشهر ومن بعدها أغطى بعض النفقات برهق بالغ من خلال العمل على قيادة ركشة، توكتوك، للأجرة".

حال إبراهيم يشابه الآلاف في مدينة عطبرة التي تفجرت فيها الاحتجاجات الشعبية وامتدت إلى بقية مدن السودان، فالعامل الاقتصادي كان دافعًا للآلاف للتدفق إلى الشوراع وإعلان عصيان على الحكومة، وارتفع سقفها للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير.

فما هي دوافع إبراهيم وآلاف غيره للخروج، وما هي مواقف الأحزاب والحركات المعارضة؟ وما هي طبيعة الحياة السياسية التي يتحركون فيها؟ هذا ما يحاول هذا التقرير استعراضه بالحديث إلى منخرطين في المظاهرات وأكاديميين مع شرح لمواقف الكتل السياسية الداخلية والقوى الإقليمية المؤثرة على مصير البشير.

 

من مظاهرات السودان. الصورة: أمل أبو عيسى- تويتر

منذ نحو شهر، خرجت احتجاجات شعبية من مدن وأرياف السودان، ضد حكومة البشير، التي عجزت عن تقديم حلول إزاء التدهور الاقتصادي وغلاء المعيشة التي تشهدها البلاد.

وعلى الرغم من عفوية الاحتجاجات، التي بدأت في 19 ديسمبر/ كانون الأول، إلا أنها تحولت إلى مظاهرات منظمة تطلب الإطاحة بنظام الحكم القائم منذ نحو ثلاثين عامًا، عندما تولى السلطة في انقلاب عام 1989.

تعديل الدستور يسبق العاصفة

قبل اندلاع الاحتجاجات التي سقط فيها نحو 24 قتيلًا، بحسب بيان النائب العام، و40 قتيلًا بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، كانت الأزمة السياسية في قمتها بين قوى المعارضة والأحزاب المشاركة في الحكومة جنبًا إلى جنب مع حزب المؤتمر الوطني صاحب الأغلبية.

بدأت الأزمة بعد رغبة تعديل دستور البلاد من أجل السماح للبشير بالترشح مجددًا في الانتخابات المزمع إجراؤها في 2020  حتى يتسنى له حكم البلاد لولاية رابعة. عندما أجاز مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني الحاكم، في أغسطس/ آب 2018، مقترحًا بتعديل النظام الأساسي ليتسنى ترشيح رئيس الحزب البشير للانتخابات المقبلة.

وفي 11 ديسمبر الماضي، تقدم 294 عضوًا من البرلمان ممثلين للحزب الحاكم وأحزاب أخرى مشاركة في الحكومة ما أسموه مبادراة تشريعية لتعديل الدستور بما يتيح للرئيس عمر البشير الترشح لدورات مفتوحة دون قيود.

لكن هذا الاتجاه واجه مقاومة كبيرة من أحزاب المعارضة التي بدأت حملات لمناهضة تعديل الدستور، إلى جانب حالة رفض بائنة بين بعض أعضاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم أبرزهم عضو المكتب القيادي أمين حسن عمر،  الذي عمل سابقًا مستشارًا لرئيس الجمهورية، ووزيرًا في الحكومة، ورئيسًا لوفد التفاوض مع الحركات المسلحة في دارفور.

 

جندي من حركة جيش تحرير السودان، دارفور. الصورة: الأمم المتحدة- فليكر

ما هي مواقف الأحزاب؟

انقسمت المعارضة لرأيين؛ فتحالف نداء السودان، الذي يضم أحزابًا ذات قاعدة جماهيرية كحزب الأمة، بزعامة الصادق المهدي، بجانب حزب المؤتمر السوداني، أعلنوا تمسكهم بالحوار مع الحكومة ومحاولة الوصول معها إلى تسوية ومشاركة في السلطة عبر ما عرف بخطة "الهبوط الناعم" المدعومة من قبل قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الاوروبي.

لكن تحالفًا باسم قوى الإجماع الوطني، أبرز المنضوين تحت لوائه الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث، يرفض مسار التسوية ويسعى للإطاحة بنظام الحكم عبر الانتفاضة الشعبية.

وبينما تعيش المعارضة في صراع لرسم الطريق السياسي؛ فقد سبقها السودانيون إلى الشارع وأشعلوا انتفاضتها التي سارعت المعارضة للحاق بها عبر تحالفها مع تجمع المهنيين السودانيين، وهي مجموعة من النقابات المستقلة سيّرت أول موكب بالعاصمة الخرطوم في 25 ديسمبر بغرض تسليم مذكرة لتنحي الرئيس البشير، ما دفع قوى المعارضة دعوة أنصارها للمشاركة في الموكب.

مثلَت هذه الخطوة نقطة فاصلة في وحدة قوى المعارضة وتوحيد أهدافها، فوقعت على إعلان مشترك تحت اسم "التغيير والخلاص" يضم أحزاب المعارضة تحت لواء واحد، بعد أن كانت مصابة بحالة تشظى قبل اندلاع الاحتجاجات السلمية في مدن الدمازين وعطبرة والقضارف، أصحاب التحرك الأول.

https://twitter.com/Amjedfarid/status/1079527747578458112?ref_src=twsrc%5Etfw

تناقضات البشير؟

ما زاد ارتباك قادة الحكومة؛ التصريحات المتقلبة التي أدلى بها الرئيس البشير في مناسبات عديدة، حيث طالب قادة الشرطة بداية الاحتجاجات، باستخدام القوة تجاه ما أسماه "التخريب"، وفي لقائه مع القوات المسلحة واصل تهديده للمتظاهرين وأبدى استعدادًا لتسليم السلطة للجيش، أما في مخاطبته لحشد نظمه أنصاره، في ساحة عامة بالخرطوم، أبدى استعدادًا لتسليم السلطة للشباب عبر الانتخابات.

ربما تتضمن التصريحات المتناقضة للبشير رسائل أراد أن يبعثها إلى قيادات حزبه الحاكم الذي يتزعمه، ويقينه أيضا أن هناك مجموعات داخل حزبه لم يعد من بين خيارتهم ترشحه للرئاسة في انتخابات 2020 المقبلة.

محاولات القفز من المركب

الواقع يدعم ذلك، لجهة أن قيادات نافذة ومؤثرة في تثبيت أركان حكمه أبعدها البشير، لكنها مازالت تتمتع بنفوذ في أوساط الإسلاميين، هذا إلى جانب أن القيادات الموجودة أيضا في سدة الحكم الآن لاذت بالصمت وأصبح البشير وحده يواجه شارعًا محتقنا يثور ضده، بجانب معارضة خفية داخل حزبه.

استقطبت الاحتجاحات جماعات من ركائز النظام، فبعد انسلاخ ماعرف بالجبهة الوطنية للتغيير بقيادة مبارك الفاضل المهدي، والدكتور غازي صلاح الدين، أعلن أيضًا انشقاق مجموعة من الإسلاميين من حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الترابي، والمتحالف مع حزب البشير، وأعلنوا انضمامهم للحراك الشعبي الهادف لتغيير النظام.

 

يضاف إلى ذلك، مواقف المتحدثين باسم الحكومة. فمنذ بداية الاحتجاجات قالوا إن التظاهر السلمي حق مكفول للسودانيين بالدستور، واعدين بتدخل الشرطة في حالة التخريب التي تطول الممتلكات العامة فقط، على حد قولهم. 

وفي خضم ذلك سارعت قوات الدعم السريع التي عرفت بولائها للرئيس البشير إلى تأكيد أنها غير معنية بالتظاهرات ولن تتدخل في عمليات قمعها. ومع اشتداد التظاهرات تحدث أيضا، ولأول مرة، عبر مؤتمر صحفي رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطنية، صلاح عبدالله قوش، مُقرًا بالأزمة ومؤكدًا على حق المواطنين في التظاهر السلمي، وهذا الإعلان أظهر بشكل أو آخر حالة داخلية أخرى من التشظي في أوساط النظام الذي عرفت عنه القبضة الأمنية القوية.

 

مظاهرة طلابية صباح السبت 19 يناير 2019. الصورة: تويتر

من يملك أدوات قمع المعارضة؟

أتي البرهان على ذلك من خلال تشكيلة القوات التي مارست قمعًا مفرطًا في الموكب الأول 25 ديسمبر قبالة القصر الرئاسي في الخرطوم، حينما ارتدى مدنيون من أنصار الحزب الحكم زي الشرطة ونزلوا إلى الشوارع مسلحين. هذا هو خط الدفاع الأخير للنظام بعد جهاز الشرطة الذي شارك بأعداد قليلة في عدد من عمليات فض التظاهرات، وغاب تمامًا في بعضها.

عُرف عن حكومة البشير، ولتمكين سلطتها، تأسيس مليشيات عدة من بينها الأمن الشعبي، الأمر الذي جاء تأكيده، على لسان نائب الرئيس الأسبق، على عثمان محمد طه، والذي قال خلال مقابلة تلفزيونية، إن حزبه يمتلك كتائب ظِل يمكنها التضحية من أجل استقرار البلاد وحفظ أمنها.

فمع مجيء الحكومة الحالية في يونيو 89 بانقلاب عسكري، عمل الإسلاميون منذ ذلك الوقت على ما أسموه بـ "التمكين" ونفذت حملات فصل بحجة "الصالح العام"، مع سيطرة على كل مفاصل الدولة، وهذا الأمر أدى لتشريد كفاءات عديدة وهجرتها لخارج البلاد وكان لديه أثره المباشر في انهيار مشاريع ومؤسسات ضخمة كمشروع الجزيرة وانهيار سكك حديد السودان.

لم يسلم الجيش أيضًا هو الآخر من عملية التمكين هذه، وشهد إحالات بالجملة للضباط غير الموالين، هذا إلى جانب تأسيس البشير قوات الدعم السريع، وهي قوات تتبع لجهاز الأمن وقائدها الأعلي البشير، وهي المليشيا الشهيرة باسم الجنجويد، التي شاركت في حرب دارفور والمتهمة بارتكاب عمليات إبادة في الاقليم.

 

قوات من الجيش السوداني في جبل مرة. الصورة: الأمم المتحدة- فليكر

لمَن المستقبل؟

إزاء العجز الحكومي يرى المحلل السياسي السوداني، عبدالله رزق، أن "الاحتجاجات تمضي بشكل ثابت وفي تطور متسارع، وآخر احتجاجات جرت قبل نحو أسبوع غطت كل السودان في وقت واحد تقريبًا من خلال انتظامها في أكثر من ثلاثة عشر مدينة سودانية"، وهو ما يعتبره رزق في حديثه للمنصة "تحولًا نوعيًا في هذا الحراك الشعبي الذي يدخل أسبوعه الخامس".

يفسر رزق "احتواء التظاهرات من خلال المعالجة الأمنية وحدها دليلًا واضحًا على عجز الحكومة". ومع تطور أهداف الحراك الشعبي بداية من الاحتجاج على الغلاء إلى المطالبة بتنحي النظام، يستبعد رزق "أي إمكانية تهدئه أو فرص تسوية متفق عليها. لأن دوافع الاحتجاجات تجعلها قابلة للاستمرار، بغض النظر عن مواقف الأطراف الخارجية التي لا تزال تتمسك ببقاء النظام" وفقًا للمحلل السياسي.

يضيف رزق "الحراك يكسب. كل يوم يمر تنضم له قوى جديدة، ولا يوقفه رد الحكومة العنيف لأنها لا تملك في الواقع أي إجابات في مواجهة الواقع المتفجر سوى العنف. وهو أمر سيؤدي بها إلى خسارة حتى أصدقائها القليلين في الخارج، في وقت تتزايد فيه دائرة التعاطف مع المحتجين وضحايا القمع والعنف الرسمي".

الناشط المدني، البراق النذير الوراق، يرى أن "الأوضاع تفجرت نتيجة لعملية تراكمية، فالسياسات الخاطئة في الاقتصاد والسياسة قادت لرفض النظام الحالي من قبل مجموعات واسعة من قطاعات الشعب السوداني بما في ذلك أطرافًا لم تكن جزءً من العمل السياسي المباشر مثل تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الاحتجاجات مثلاً. مضيفًا "النظام فقد مصداقيته حتى مع من كانوا حلفاء له وأصدقاء داعمين".

كل هذه العوامل مع بعضها، في رأي البراق، وسّعت من رقعة الاحتجاجات. يقول "الاحتجاجات في الأصل حتى بعد سبتمبر 2013، كانت موجودة ومحدودة، ولكن اتسعت رقعتها بسبب عجز النظام ورئيسه عن تقديم الحل، لأن الناس وعت أن القضايا المطلبية لن تحل ما لم يرحل النظام فهو السبب المباشر والحقيقي في تعطيل مصالح ومطالب هذه الفئات المطلبية وليس أي شئ آخر".

 

.. والطلاب أيضًا يخرجون إلي الشارع. الصورة: تويتر

أفضل من سوريا والعراق واليمن 

ينوه البراق، إلى أنه "رغم آلة القمع؛ فالاحتجاج الشعبي الحقيقي لا يوقفه عدم اهتمام الإعلام، وحتى الحماية التي يوفرها الإعلام في حالة العنف والقمع المفرط هي عامل مساعد أكثر منها عامل أساسي في نجاح الاحتجاجات، فيما مضى كان الإعلام قناة راديو واحدة أو اثنتين وعدد قليل من الصحف والوكالات ورغم ذلك الثورات الشعبية انتصرت".

يضيف "الشيء الذي يجعل الاحتجاجات تتراجع هو غياب الرؤية واختلاف قيادات المظاهرات، أو محاولات تسيد المشهد ودائما في مثل هذه الحالات تكون العوامل الذاتية تأثيرها أقوى من العوامل الموضوعية".

كعادة الأنظمة التي اهتزت في الربيع العربي؛ لجأت الحكومة السودانية إلى تبنى خطاب يحذر من الفوضى ويقارن في ذلك سوريا واليمن والعراق.

ما هي خريطة الطريق؟

هذا الخطاب تفنده قوى المعارضة بطرحها وثائق بديلة للحكم آخرها إعلان الحرية والتغير والذي وقعّت عليه قوى معارضة مدنية و مسلحة، وأبرز ما جاء فيه "التنحي الفوري للبشير ونظامه من حكم البلاد دون قيد أو شرط، وتشكيل حكومة انتقالية، تحكم لأربع سنوات، وتضطلع بمهام وقف الحرب والتدهور الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين، مع إجراء ترتيبات أمنية نهائية مكملة لاتفاق سلام عادل و شامل".

وحدد الاعلان المتفق عليه الإشراف على تدابير الفترة الانتقالية وعملية الانتقال من نظام شمولي يتحكم فيه حزب واحد إلى نظام تعددي يختار فيه الشعب ممثليه، مع إعادة هيكلة الخدمة المدنية والعسكرية النظامية بصورة تعكس استقلاليتها.

هذا إلى جانب إعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية، وضمان استقلال القضاء وسيادة حكم القانون، وإقامة مؤتمر دستوري شامل لحسم كل القضايا القومية وتكوين اللجنة القومية للدستور.

 

من زيارة سابقة للبشير إلى القاهرة نوفمبر 2018. الصورة: المتحدث باسم رئاسة الجمهورية- فيسبوك

اللعب على كل الحِبال

يلعب النظام في تبنيه لخطاب التحذير من الفوضي على التناقضات في المجتمعين الدولي والإقليمي وما ظل يقدمه في السنوات الأخيرة إزاء هذه المساندة المرجوة.

وعلى الصعيد الأوروبي ظلت الحكومة السودانية تعمل على ايقاف عمليات الهجرة غير الشرعيّة والعمل مع الاتحاد الاوربي فيما عرف بـ"عملية الخرطوم"، بجانب  التفاوض مع الإدارة الأمريكية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد رفع كامل للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ العام 1997، لكن الرفع لم يحدث أثارًا إيجابية على اقتصاد البلاد رغم مرور عام عليه.

اتجه النظام السوداني مؤخرًا الى المحور الايراني- الروسي على المستوى الدولي بعد زيارة الرئيس البشير الى روسيا، وبعدها بوقت إلى سوريا وكان أول رئيس عربي يزور سوريا بعد تفجر الحرب الأهلية.  

وفي محيطه الإقليمي؛ يباهي الرئيس السوداني بعلاقات متميزة مع الإمارات وقطر ومصر والكويت وتقدم صراحة بشكره لهذه الدول متجاهلًا المملكة العربية السعودية التي تقاتل قوات سودانية إلى جانبها ضمن قوات التحالف العربي في اليمن.

وفي الشق الإفريقي تجاهر دولة جنوب السودان الوليدة بدعمها للبشير عقب رعايته لاتفاق سلام أنهى حربًا أهلية استمرت لسنوات، فيما يبقى المشهد غائمًا بالنسبة لدولتي إثيوبيا وإريتريا.

 

من استقبال رئيس جنوب السودان سيلفا كير في القاهرة يوم 17 يناير الجاري. الصورة: المتحدث باسم الرئاسة- فيسبوك

خناقات الجيران

يشير الأكاديمي والباحث السياسي السوداني،  خالد طه، في حديثه إلى المنصة إلى أن "العلاقات بين أسمرا والخرطوم شهدت برودًا ملحوظًا منذ أواخر ديسمبر 2017 وصل إلى حد إغلاق الحدود من الجانب السوداني وسحب السفير، وتقليص التمثيل الدبلوماسي لدرجة القائم بالأعمال فقط".

يضيف طه "يأتي هذا على خلفية اتهام السودان إريتريا بحشد قوات مناوئة لحكومة البشير واستجلاب خبراء عسكريين وتقديم دعم لوجستي وعتاد حربي من مصر بنية شن حملات على السودان وإثيوبيا، لكن القيادة الإيرترية وصفت الإدعاءات بأنها محاولة لتبرير اتفاقات سودانية- إثيوبية لتضييق الخناق عليها".

وأدى تصعيد المظاهرات الإحتجاجية في إثيوبيا إلى استقالة حكومة رئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين، وسقوط التحالف الذي تحكم من خلاله الجبهة الشعبية لتحرير التجراي منذ مايو 1991، ومهد ذلك الطريق لوصول رئيس الوزراء الجديد آبي أحمد الذى انتهج مسارًا تصالحيًا أوصل الخلاف مع إريتريا إلى مربع اللاحرب، بل وتجاوز ذلك إيجابا إلى مرحلة تشكيل حلف إقليمي جديد".

وضم التحالف، وفقا لـ طه الذي تحدثت إليه المنصة، كل من إريتريا واثيوبيا وجيبوتي والصومال، وغير بعيد من ذلك الحلف تقف السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية أيضا، وكان واضحًا منذ البداية استبعاد السودان من تلك المنظومة وهي في مرحلة التشكل. وأصبح واضحًا أيضًا أن الحكومة السودانية بوقوفها إلى جانب الحكومة الإثيوبية السابقة قد ركبت الحصان الخاسر، فهي من ناحية فقدت إريتريا وخسرت إثيوبيا في ذات الوقت، بحسب طه.

 

من مظاهرات الخرطوم. الصورة: التغيير الآن- تويتر

وكانت النتيجة المباشرة إعلان الدكتور آبي أحمد إلغاء كل الاتفاقيات بين السودان وإثيوبيا وبينها اتفاقية الدفاع المشترك .

ومن النتائج، بحسب طه، أيضا رفض إريتريا محاولات الرئيس البشير لمقابلة الرئيس أسياس أفورقي وتتابعت المحاولات بلا جدوى، بل غاب الرئيس أفورقي عن ثلاث قمم إفريقية دعي لها تحاشيًا لأن يلتقي بالبشير.

وأضاف طه "الملاحظ أنه ومنذ أن بدأت التظاهرات الأخيرة في السودان لم تصدر أية تصريحات من إريتريا أو إثيوبيا، ومعروف عن إريتريا تبنيها سياسات خارجية مبنية على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة، لكنها كانت تتعاطى مع الشأن السوداني بخصوصية وتعتبر نفسها شريكة في الهمّ السوداني".

هذا ما يجعل "صمت إريتريا يختلف عن أي صمت آخر، خصوصًا وأنها لم تزل تستضيف مخيمات لقوى سودانية معارضة، وموقفها من حكومة الجنرال البشير واضح للغاية، وترى أن شروط إعادة العلاقات إلى مسارها تتمثل في سحب قوات الدعم السريع من الشريط الحدودي والاعتذار عن تصريحات السودان في ديسمبر 2017، ووقف التسهيلات الممنوحة سرًا لعصابات تهريب البشر ، ووقف الدعم للتنظيمات الإريترية الإسلامية المعارضة" يقول طه.

 

مقبرة الدبابات في إريتريا. الصورة: ديفيد ستانلي- فليكر، مفتوحة المصدر

إذا الشعب يومًا أدار الحياة

الناشط المدني، البراق النذير الوراق، يرى أن "المجتمع الإقليمي والدولي يحتاج لمن يثق فيه وليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص هو البشير بل بالعكس. التعامل مع البشير قد يشكل ورطة للدول التي تحترم نفسها وتحاول رسم صورة حسنة أمام العالم".

من ناحية أخرى؛ فإن "فقدان المصداقية هي معضلة أساسية تقف أمام قبول المجتمع الدولي والإقليمي استمرار البشير ونظامه وفقدان المصداقية هذا واللعب على حبال متعددة من البشير هي ذات اللعبة التي جعلت المجتمع الإقليمي بالذات يحجم عن تقديم مساعدات حقيقية للنظام ليخرج من أزمته"، بحسب البراق.

يختتم البراق "الخيار هو خيار الشعب، وإن مضى الشعب بثبات في طريق التغيير فلن يستطيع إيقافه أحد، والمجتمع الإقليمي والدولي سيذعن لهذا الخيار التغيير ويحاول أن يتأقلم معه مهما كانت مكوناته وشكله".


اقرأ أيضًا عن انقلاب هاشم العطا: عريس الحمى.. أغنية أغرب الأيام في الخرطوم