يلتقيان في فناء البرلمان، يتبادلان التحية، يبادر النائب الشاب عضو الأغلبية البرلمانية بسؤال زميله عن أية أخبار جديدة، فيجيب زميله عضو التكتل المعارض "دشّنا حملة ضد تعديل الدستور، عملنا هاشتاج "كده كتير".. كده كتير فعلًا". يبتسم عضو الأغلبية البرلمانية، وصاحب الموقف المعلن وسط النواب بمعارضته تعديل الدستور، رغم إعلانه أيضًا أنه سيصوّت بالموافقة حال طرح التعديلات على البرلمان، ويمضي في طريقه للجلسة.
مصدر بلجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، قال للمنصة إنه يتوقع وصول مقترح التعديلات في الربيع المقبل.
النواب والصحفيون يتداولون أحاديث جانبية عن نية إجراء تعديلات دستورية تشمل تجديد ولاية الرئيس لأكثر من مدتين، وتغييرات في صلاحيات البرلمان وسلطات رئيس الجمهورية، لكن حسب عدد من أعضاء الأغلبية؛ لم تأت الإشارة بعد لمناقشة تعديلات الدستور "المكتوب بنوايا حسنة" حسب تصريح للرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمبر 2015.
إشارة البدء بالحديث العلني وبالأسماء دون تجهيل لم تصل بعد للنواب، والمحاولات السابقة قوبلت باستهجان شديد وصلت لدرجة إصدار تعليمات للصحفيين برفض نشر تصريحات أو المنع من الظهور، مثلما حدث مع النائب إسماعيل نصر الدين، أول من فتح الباب للحديث عن التعديلات الدستورية في 2017، وتكرر الأمر أيضًا مع النائبة غادة عجمي عضو ائتلاف دعم مصر.
مخاوف المؤيدين
رئيس إحدى الكتل البرلمانية يقول إن الاتصالات بالنواب بشأن التعديلات لا تزال جارية، وأن الجهات الأمنية تستطلع آراءهم بين الحين والآخر بشأنها.
يضيف "الاتجاه المعروف الشهر الماضي كان بدء طرح الأمر على الرأي العام في يناير المقبل، على أن يجري الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس أو أبريل من عام 2019".
النائب الذي يقول إنه يرفض التعديلات لكنه لن يعارضها حال طرحها للتصويت يرى أن ردود الأفعال عليها لا يمكن توقعها، لافتًا إلى أن عوامل أخرى قد تتداخل في هذه الرغبة مثل ارتفاعات قد تحدث في أسعار المواد البترولية مطلع العام المقبل.
يقطع النائب بالقول "لا أعلم ماذا سيكون القرار النهائي"، مرجحًا تأثير أحداث فرنسا والسودان على القرارات في مصر، قائلا "الوضع في السودان ما يزال غامضًا ولا نستطيع قياس تأثيره علينا حتى الآن، ولا يمكن التنبوء بالقرار النهائي".
مشكلات الدستور
"الدستور معيب" هكذا يصفه أحد رؤساء الأحزاب الليبرالية المؤيد لإجراء التعديلات، مشيرًا إلى استحالة إجراء الانتخابات المحلية في ظل مواد الدستور الحالية.
يشرح ذلك "ينص الدستور مثلًا على ضرورة تصويت المصريين في الخارج في جميع الانتخابات والاستفتاءات ومن بينها الانتخابات المحلية، وبالتالي القنصلية الواحدة سيكون فيها حوال 8 آلاف ورقة اقتراع، والمطلوب من كل قنصلية عمل 15 ألف محضر حتى لو لم يحضر أحد"، معتبرًا ذلك من المستحيلات، الأمر الذي يستدعي التدخل لتعديل الدستور القائم.
يعتبر رئيس الحزب أن الدستور، الذي سبق وروّج له حزبه ووصفه بأنه أعظم دستور في العالم، أن "به مواد متضاربة، وعند التطبيق تتسبب فيه مشاكل"، منتقدًا النص على حق المجالس المحلية في عزل المحافظين، وقال "المحافظ معين ولا يجوز عزله من قبل مجلس محلي لم يعينه".
"مع تعديل مدة الرئاسة طبعًا" يؤكد رئيس الحزب، مضيفًا "افرضي الشعب عايز رئيس؛ ليه نقول لأ للشعب، الناس رجعت مهاتير محمد وهو عنده 90 سنة للحكم هذا ليس قرآنًا وليس إنجيلًا ولن نخاف"، واستطرد "إحنا طول عمرنا دولة رئاسية. وعلشان أكون دولة برلمانية رئاسية لازم يكون عندنا أحزاب قوية ودة مش موجود".
وردًّا على انتقاد الدستور وكشف عيوبه في الوقت الحالي قال "الدستور ليس منزّلًا، والأهم هو التطبيق العملي. أي دستور في العالم فيه هذا الكم من التفاصيل الكثيرة لا ينفع تطبيقه، إنجلترا نفسها بلا دستور".
لم تصل التعليمات
في السياق نفسه قالت عضوة بالبرلمان وائتلاف دعم مصر "لم تصلني تعليمات حتى الآن بالحديث عن تعديل الدستور".
وأضافت النائبة "طبعا الدستور يحتاج تعديلًا في حوالي 20 مادة. والدستور هو المسؤول عن أمور كثيرة جعلت البرلمان في ورطة"، مشيرة إلى النص الذي ألزم البرلمان بمراجعة كافة القوانين التي صدرت في غيبته خلال 15 يومًا، بالإضافة إلى النصوص الخاصة بالمحليات، والعدالة الانتقالية.
أما بشان مدة الرئاسة، فأيدت النائبة تعديلها، مشددة على أنها "رغبة شعبية لدى المصريين" بحسب تعبيرها.
.. والرد على فيسبوك
في المقابل؛ التحرك المعلن الوحيد المعارض للتعديلات؛ بدأه أعضاء تكتل 25-30 عبر حملة أُطلقت أمس الأول عبر صفحتهم على فيسبوك، بمجموعة من الوسوم مثل "لا لتعديل الدستور" و "كده كتير". وهي الحملة التي بدأت بالتزمن مع نظر محكمة الامور المستعجلة نظر الدعوى التي أقامها عدد من المواطنين يطالبون بإلزام رئيس مجلس النواب بدعوة المجلس للانعقاد لتعديل نص المادة 140 من الدستور.
النائب ضياء الدين داوود، عضو التكتل قال للمنصة "الفقرة الأخيرة من المادة 226 من الدستور تمنع إجراء تعديلات على مدة الرئاسة أو تغييرات تتعلق بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية "مالم يكن متعلقًا بمزيد من الضمانات" بحسب النص".
يضيف داوود "الأحاديث التي تدور في الكواليس توضّح أن المراد بالتعديل أمر واحد هو مدة رئاسة الجمهورية، لكن سيضاف لها تعديلات أخرى مثل استحداث إعادة مجلس الشورى".
يرفض داوود تعديل الدستور تمامًا، معتبرًا أن الدستور الذي صدر في 2014 لم يُختبر ومازالت مواده لم تطبق بعد، مشيرًا إلى "الدستور يحتاج تطبيق والبرلمان لم يستكمل عددًا من التشريعات التي ألزمه الدستور بالانتهاء منها. هذا الدستور مدفوع فيه دم الشعب المصري الذي أنهى حقبة جماعة ظلامية عمرها 80 عامًا ولم يتحمل بقائها في الحكم عام واحد".
يؤكد داوود عدم تواصل أي من الجهات التي تبحث موضوع تعديل الدستور مع نواب التكتل "لم نتلق أية إتصالات من أية جهة".
النائب هيثم الحريري عضو تكتل 25-30 قال "ما أطلقناه (على فيسبوك) هو جرس إنذار، نحن لا نستبق معركة، لكن بالنسبة لنا معركة تعديل الدستور لا تقل أهمية عن معركة تيران وصنافير".
ينفى الحريري وجود تحركات حالية داخل المجلس ضد تعديل الدستور "طبقًا للمستجدات سيكون لنا موقف".
يسترجع الحريري التعديلات السابقة التي على الدستور المصري خلال عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أو خلال حكم محمد حسني مبارك الذي مهد بتعديلات 2005 الطريق لنجله جمال مبارك. يقول"في لعنة اسمها لعنة التلاعب بالدستور"، معتبرًا أن الحديث عن التعديلات هو تلاعب بالعقد الاجتماعي بين السلطة والشعب.
يضيف "آخر تصريح رسمي للرئيس السيسي نفى فيه بشكل قاطع نيته مدّ فترة الرئاسة في تصريحات لوسائل إعلام أجنبية قبيل الانتخابات، موضحًا أن مَن يمتلك الحق في تعديل الدستور هو وخُمس البرلمان، وتساءل "هل يقبل الرئيس أن يتحمل مسؤولية تاريخية كهذه؟".
"يعتقد الحريري أن النظام السياسي قد يلجأ لتأجيل مثل هذه التعديلات، مضيفًا "لو في رغبة للتعديل لمد مدة رئيس الجمهورية فمازال أمامهم وقت يصل لنحو 3 سنوات".