كانت المباراة الوحيدة التي استطاع حضورها من مباريات مصر في كأس العالم، كان يعلم محيي الدين أحمد، بطل صورة المشجّع الوحيد، أن مصر خرجت بالفعل من كأس العالم لكنّه أراد أن يرى لاعبه المفضّل، شيكابالا، ينقّل الكرة بين قدميه في مشاركة مصرية أتت بعد انتظار طويل في المونديال، لكن أمنيته لم تتحقق.
بينما يتفاعل الجمهور الثائر على شبكات التواصل مع الصورة التي لم يراها، كان محي يأخذ أسئلته وحزنه معه إلى رحلته الطويلة بالقطار التي بدأت مباشرة بعد المباراة من مدينة فولغوغراد إلى العاصمة موسكو ليعود إلى مصر.
خلال المباراة كان محي جالسًا وراء دكّة بدلاء المنتخب المصري، استغل نهاية المباراة ليقترب منها كي يرى الكرسي الجالس عليه لاعبه المفضل في دكّة البدلاء، بأمر المدير الفنّي هيكتور كوبر: "كنت بفكّر ساعتها من الأكثر من حزنًا، أنا كمشّجع ولا شيكابالا اللي بينه وبين المشاركة في مباريات كأس العالم خط أبيض".
تحدثنا مع محي خلال رحلته في القطار، احتاج يومًا كاملاً للوصول إلى وجهته، يهاتفه أصدقاءه ويصافحه الغرباء دعمًا " لصورة المشجّع الوحيد"، ربما عبّرت هيئته عن خيبة أملهم، وشعوره بعد نتيجة المباراة، "كان نفسي يبقى لي صورة منتشرة بين كل الناس وأنا فرحان بهدف جبناه أو بإن شيكابالا نزل الملعب، مش في وقت أنا قاعد فيه ومتضايق من الهزيمة".
على الجانب الآخر من العالم، في القاهرة، اتهم مراسلًا رياضيًا لصحيفة المصري اليوم، لاعبي المنتخب، في برنامج تلفزيوني سياسي، اختص عصام الحضري، كابتن المنتخب، بالحصول على مبالغ مالية نظير تسهيل لقاءات تليفزيونية لصالح قناة MBC مصر وبرنامجها "من روسيا .. التحيّة".
رجح ذلك خلال حديث تليفوني مع المنصّة، مصدر من مجموعة قنوات MBC، رفض ذكر اسمه، مشيرًا إلى كثرة ظهور الحضري في البرنامج الذي يقدّمه مهيب عبد الهادي، وعلاقة الصداقة القويّة التي تجمع الاثنين.
خيب أداء المنتخب السيء في المباراة الأخيرة توقعات محي، بالنسبة له، لم يكن كوبر وفريقه على مستوى ما بذله هو من مجهود وتعب ليصل إلى كرسيه كمشّجع، رغم علمه أن حتى الفوز فيها لن ينقل المنتخب سوى إلى مقاعد الطائرة في رحلة العودة إلى القاهرة.
ربما تسببت طريقة كوبر في الآداء المخيّب لآمال محي لكن أيضًا تسببت فيها الأزمات التي حاوطت نجم المنتخب محمد صلاّح، وقلب دفاعه، علي جبر، وصانع ألعابه عبد الله السعيد، ولاعب خط وسطه، طارق حامد، من بداية وصول البعثة حتى ليلة مباراة السعودية.
أجرى مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، ليلة مباراة السعودية، أحاديث تليفزيونية، أعلن خلالها بيع طارق حامد لنادي الأهرام الذي اشتراه وزير الرياضة السعودي، تركي آل الشيخ.
كذلك أعلن منصور بيع علي جبر، المحترف في الدوري الإنجليزي، إلى نادي الأهرام أيضًا، إضافة إلى إعلانه تقديم بلاغ في اللاعب عبد الله السعيد على إثر خلافات مالية، ليعود وينفي ذلك كلّه بعد المباراة التي انتهت بخسارة المنتخب.
سبقت هذه الأخبار أزمة صلاح الثانية مع اتحاد الكرة المصري والتي تسببت في هجوم الصّحافة العالمية والإنجليزية على هدّاف الدوري الإنجليزي بسبب ظهوره مع رئيس الشيشان رمضان قاديروف مرتين، الأولى خلال تدريب المنتخب قبيل مباراته مع الأوروجواي، والثانية قبيل مباراته مع السعودية، ومنح خلالها صلاح حق المواطنة الشيشانية.
فجرت هذه الأزمة أسئلة وشكوك وراء دوافع الاتحاد المصري لقبول هذه الدعوات من رئيس تلاحقه اتهامات بارتكاب أعمال إبادة جماعية بحق المثليين وإخفاء وتعذيب معارضين له.
كانت جروزني عاصمة الشيشان هي مقر بعثة المنتخب المصري، اﻷكثر بعدًا بين كل معسكرات المنتخبات الأخرى المشاركة في المونديال. وأقام المنتخب في فندق بُني باستثمارات إماراتية، تدفقت إلى جروزني في ظل علاقة جيدة بينها وبين الإمارات، دفعت اﻷخيرة إلى تأسيس صندوق زايد في جروزني عام 2017، بهدف دعم الشركات المحلية.
المنصّة حاولت تتبع السر وراء اختيار جروزني الذي نفى اتحاد الكرة المصري ارتباطه بدوافع غير كروية، وهو الاختيار الذي بدأت حكايته منذ التاسع من فبراير الماضي، حيث نشرت وكالة أسوشيتد برس تقريرًا عن مناشدات المنظمات الحقوقية الدولية للفيفا باستبعاد مدينة جروزني بعد اختيار مصر لها كمقر لإقامة المنتخب الوطني في كأس العالم.
استعرض تقرير أسوشيتد برس قيام الفيفا بعرض قائمة تضم 67 مدينة يختار من بينهما الدول الـ32 المشاركة في كأس العالم، أظهر اختيار مصر مدينة جروزني عاصمة جمهورية الشيشان الواقعة ضمن نطاق دول الاتحاد الروسي، ونقلت وكالة اﻷنباء العالمية تصريحات منسوبة للاتحاد الدولي لكرة القدم بشأن اختيار مدينة جروزني الواقعة في شمال القوقاز المضطرب والذي يشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تحت قيادة رمضان قديروف.
تصريحات الفيفا تظهر أن الاتحاد المصري لكرة القدم هو من تمسك باختياره مدينة جروزني، والتي جعلت المنتخب الوطني يخوض ثاني أطول رحلة طيران في مونديال كأس العالم خلال مباراة منتخب أوروجواي مدينة ايكاترينبرج أرينا بقطعه مسافة 1800 كيلو مترًا.
في 17 ديسمبر قال إيهاب لهيطة المدير الإداري للمنتخب الوطني إن الفيفا وافق على اختيار مصر مدينة جروزني مقرًا للمنتخب المصري. وأرجع لهيطة آنذاك أسباب اختيار جروزني إلى كونها المدينة الأقرب إلى مباريات مصر الثلاث، وهو غير صحيح، والثاني أن سكان المدينة من مسلمين، والثالث أن الاختيار جاء من قبل هيكتور كوبر المدير الفني، لكن نفى لهيطة ذلك فيما بعد دون أن يحدد السبب الحقيقي.
في جميع الأحوال لم يقطع المنتخب تلك المسافات بالصعوبة التي قطعها المشجّعون، يقول محي: "كل المشجّعين كان مطلوب منهم عشان يمشوا ورا المنتخب في الأماكن اللي لعب فيها إنهم يركبوا طيّارات غالية جدًا أو يركبوا قطارات لعشرين ساعة"، قصّة ذهاب محي لحضور مباراة مصر الأخيرة كانت واحدة من قصص تلك "المرمطة"، على حد قوله.
حجز محي تذكرة ذهاب لروسيا بعد إحراز محمد صلاح هدف الصعود في شباك منتخب الكونغو، أكتوبر 2017، انتظر حتى توفّرت تذاكر المباريات على موقع الفيفا يحاول الحصول على تذاكر مباريات مصر الثلاث الأولى في دور المجموعات، يقول: "كان عندي أمل إن مصر هتكمل بعد المجموعات فقلت على الأقل أحضر الثلاث ماتشات الأولى"، لم يستطع محي الحصول على تذاكر مباراتي الأوروجواي وروسيا لأنه لم يجد تذاكر لهما على الموقع، على الرغم من أن مباراة مصر الأولى مع الأوروجواي شهدت خلو 5 آلاف مقعد من المشجعين بيعت تذاكرهم بالفعل.
الفيفا فتح تحقيقًا ليعلم السبب وراء اختفاء 5 ألاف مشجّع اشتروا تذاكرهم بالفعل ولم يحضروا، لكن محي لم يحتج تحقيق الفيفا، إذ علم من مشجّعين مصريين حصولهم على تذاكر من روسيا بعد سفرهم، مشجع آخر غير محيي كتب عن قصّة حصوله على تذكرة مباراة مصر وروسيا من أشخاص على صلة قرابة لأعضاء اتحاد الكرة.
يقول محي: "في ناس كتير راحت قبل الماتشات وخدت الريسك عشان تدور على تذاكر، أنا اكتفيت بالتذكرة اللي جاتلي من الفيفا"، بعد فشل محي في الحصول على التذاكر قرر تأجيل سفره ليكون قبيل ماتش مصر والسعودية، ذلك كلّفه مبلغ كبير، وشاهد المباراتين من القاهرة، حتى مع خروج مصر المؤكد من كأس العالم وإحباط حلمه الأول بصعود المنتخب من دوري المجموعات، أصر محي على خوض الرحلة لروسيا علّه يحقق حلمه الثاني بمشاهدة شيكابالا يلعب في كأس العالم: "الموضوع فارقلي وفارق لأي زملكاوي بيحب شيكابالا"، يصف محي نفسي بأنه زملكاوي مجنون بمسيرة اللاعب وكفاحه.
خاض محي رحلته من مصر إلى دبي، لينتظر طائرته الثانية إلى موسكو 3 ساعات، ثم يخوض الرحلة إلى العاصمة الروسية ومن بعدها انتظار لـ18 ساعة قضاها بلا ملجأ في شوارع المدينة، حقيبته على ظهره وبصحبة زوجته، ومن ثم استقل قطارًا لخمسة وعشرين ساعة من موسكو وحتى فولغوغراد التي بات ليلة واحدة فيها ينتظر المباراة بترقّب، كما ينتظرها ملايين المشجّعين المصريين في روسيا ومصر، ليحضر المباراة.
كان المنتخب المصري قد وصل إلى القاهرة بينما محي مسترسل في حديثه للمنصّة خلال رحلة العودة التي مازال يخوضها حاليًا إلى القاهرة، هو ومن معه على القطار من المشجّعين المصريين: "حوالي خمسة أو ستة أيام أنا بت فيهم ليلة واحدة في شقّة والباقي كله في الشارع".
يجمل محي رحلة المنتخب بداية من تأكد صعوده لكأس العالم وحتى خروجه بثلاثة هزائم، وما رافقه من أزمات عديدة بدأت من التصميمات الخاصة بالملابس والأتوبيس والطائرة مرورًا بأزمة اللاعب محمد صلاح الأولى مع الشركة الراعية للمنتخب وحتى ما تفجّر من عدّة وقائع بطلب كثيرون بالتحقيق مع اتحاد الكرة على إثرها بأنها "مزعجة"، يقول محي: " إحنا في وضع استثنائي حصل آخر مرة من 28 سنة، عادة في المواقف اللي زي ديه البلد بتجتمع على إنهم يطلعوا بأفضل صورة ويستفيدوا من الحدث، اللي حصل الحقيقة عكس ده جدًا".
يرى محي أن سير الأحداث المؤسف ربما له معنىً ما: "مشاكل كثير جدًا جدًا جدًا وكان المشهد ده جمّع أوحش حاجة فينا كلنا وطلّعها في الصورة"، يعيب محي على المشهد انعدام الشفافيّة أكثر من الأخطاء نفسها، ويصف ما عايشه بـ "الفوضى المصرية الأصيلة"، يضيف: "الموضوع مزعج بالنسبة لنا من وإحنا في القاهرة بس مع ذلك الواحد مسافر عايز يشوف بلده في كأس العالم".