"معبر رفح البري يعلن اشتراطات جديدة لدخول الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر".. هذه صيغة إخبارية مكررة، لكن تغيّرت جنسيات طالبي العبور هذه المرة؛ لتمتد إلى المواطنين المصريين المقيمين في محافظة شمال سيناء، الذين يتطلب سفرهم إلى محافظات الوادي والقناة أو العودة منها، تنسيقًا إداريًا مُسبقًا.
"أبو خالد" مواطن من العريش يرغب في السفر لمحافظة الشرقية حيث يدرس أبناؤه في جامعة الزقازيق. سابقًا كان يسافر بشكل مباشر حيث يريد، لكنه اضطر لتسجيل بياناته فى الديوان العام يوم 29 مارس الماضي ولا يزال منتظرًا تصريح السفر حتى كتابة هذا التقرير. عن إجراءات الطلب يقول "قمت بتصوير بطاقة الرقم القومي وسلمت طلب السفر في ديوان عام المحافظة، ولسة مستني إتصال لتحديد الموعد. اكتشفت أن أمامي ما يقرب من 1500 شخص فى كشوف المسجلين من طالبي السفر خارج سيناء. حاليًا مش عارف إمتى هاروح لأولادي، أو إمتى هايوصلني جواب الرفض".
في فبراير الماضي وبالتزامن مع إطلاق العملية الأمنية الموسعة "سيناء 2018"؛ فَرَض الديوان العام لمحافظة شمال سيناء على الأهالي الحصول على تنسيق مسبق للسفر خارج المحافظة أو الدخول إليها من حاملي بطاقات الرقم القومي من شمال سيناء وتقديم ما يثبت الفئة التي ينتمون لها سواء كانوا طلابًا أو مرضى. ويتطلب الحصول على التصريح تسجيل مُسبق للبيانات فى الديوان العام وانتظار الدور للسفر فى حافلات خصصتها المحافظة لنقل المواطنين.
خروج المرضى من شمال سيناء يتطلب تقديم إثباتات وشهادات طبية تبرّر حاجتهم للعلاج خارج المحافظة، وهو ما تحدده لجنة طبية خاصة فى مستشفى العريش العام. عندها فقط يبدأ المرضى في رحلة تقديم الأوراق إلى المحافظة، وهذا ما حدث مع أحد المرضى الذين نجحوا في الخروج.
"جمال" حصل على تصريح بالسفر إلى القاهرة لأسباب مرضيّة، يقول "سجلت في ديوان عام المحافظة طلبًا للسفر وتلقي العلاج في القاهرة. انتظرت 15 يومًا قبل وصول التصريح. سافرت في أتوبيس من أمام الصالة المغطاة بالعريش مع آخرين، حيث انتظرنا من الساعة 8 صباحًا حتى انطلاق الحافلات في 12 ظهرًا إلى الإسماعيلية. راجَع موظفو المحافظة الأسماء والكشوف، وحصلّوا أجرة السفر بقيمة 80 جنيهًا من العريش حتى القنطرة".
يضيف جمال "المعاناة لا تنتهي عند ركوب الحافلة وضمان فرصة السفر، بل تزداد حدتها بالانتظار لأوقات طويلة، فتستغرق رحلة السفر، التى لا تزيد عن 180 كيلو مترًا، أكثر من 20 ساعة، في حين كانت تستغرق عادة من ساعتين إلى 3 ساعات كحد أقصى، حيث يستهلك الانتظار عند أكمنة الطريق الدولى من العريش حتى القنطرة معظم الوقت".
الرحلة العكسية من الوادي ومحافظات القناة إلى شمال سيناء تصبح أكثر صعوبة وتستغرق وقتًا أطول. يجسد هذه الرحلة "سعيد" الذي انتظر شهرين كاملين خارج شمال سيناء بعيدًا عن أسرته التى تقيم فى الشيخ زويد. خرج سعيد فى زيارة لأقاربه قبل انطلاق العمليات الشاملة بيومين. بعدها؛ حاول العودة بشتى الطرق إلا أنه فشل أمام تعليمات المنع عند معديات القنطرة. تمكّن سعيد من العودة أمس 16 إبريل عقب سماح محافظة شمال سيناء بعودة العالقين خارج المحافظة في أتوبيسات تحركت من حديقة المنتزة فى حى الشيخ زايد بمحافظة الإسماعيلية. ورغم أن سعيد يمتلك سيارة إلا أنه فشل فى إعادتها بسبب شروط إضافية لإعادة السيارات الخاصة من خارج سيناء حتى لو كانت مسجلة بأسماء مواطني المحافظة، فأبقى سيارته لدى أقاربه في بورسعيد.
خلال شهرين من العملية العسكرية الشاملة سيناء 2018، أصدرت محافظة شمال سيناء 3 تنسيقات بالسفر؛ الأول بتاريخ 16 مارس واستطاع فيه 120 موطنًا عالقًا من العودة إلى منازلهم في شمال سيناء، والثاني في 4 إبريل عاد فيه 200 مواطن، والثالث صدر أمس، 16 إبريل، وسُمح فيه بسفر 650 مواطنًا.
المحطة الأخيرة لأتوبيسات العالقين تنتهي بالوصول لمدينة العريش، ولذا يواجه سكان الشيخ زويد، 35 كيلو مترًا شرقي العريش، مشكلة إضافية، إذ أن المواصلات بين المدينتين شبه متوقفة. وهو الموقف الذي واجهه سعيد عند عودته. يقول "تنتهي رحلة العودة في موقف شرق الدلتا فى العريش، وأنا من سكان الشيخ زويد، والمواصلات بين المدينتين متوقفة تقريبًا. الحل الذي لجأت له، هو أنني توجهت إلي كمين الريسة شرق العريش وتحدثت مع أفراد من قوات الأمن الذين تفهموا ظروفي وسمحوا لي بالركوب في سيارة إسعاف متجهة إلى الشيخ زويد كانت تمر بالمصادفة".
اقرأ أيضًا: وداعًا رفح.. أبناء المدينة البائدة يصارعون الشتات والعطش
مصدر أمني قال لـ المنصة إن الهدف من تشديد إجراءات التنسيق هو منع تسلل عناصر إرهابية إلى شمال سيناء أو الخروج منها أثناء تنفيذ العملية الشاملة سيناء 2018، وهو ما يستدعي التدقيق ومراجعة أسماء كافة المسافرين. لكنّ عددًا من المسافرين اتهم بعض سائقي الأتوبيسات بتقاضي مبالغ مالية للسماح بسفر أشخاص من خارج قوائم المصرّح لهم بالحركة من سيناء أو العائدين إليها، وهو ما يتسبب في تكدّس الأتوبيسات ويزيد من صعوبة الرحلة. لكن المنصة لم تتمكن من التأكد من هذه الروايات من مصادر مستقلة.
المنع من الدخول إلى سيناء أو الخروج منها لا يقتصر فقط على المحافظة، وإنما يشمل كذلك التنقل الداخلي لتصل تفاصيل الأزمة إلى المدن ذاتها، حيث تكاد تنعدم وسائل الانتقال الداخلية بخلاف عدة حافلات خصصها ديوان عام المحافظة نظرًا لإغلاق محطات الوقود في شمال سيناء منذ انطلاق العملية العسكرية الشاملة سيناء 2018.
اقرأ أيضًا: 40 يومًا من الحرب: كيف يشرب ويأكل أهالي شمال سيناء؟