"بنعيش عيشة إجدودنا" جُملة باللهجة المحلية السيناوية لخصّت وصف سُبل الحياة فى مناطق محافظة شمال سيناء بعد 40 يومًا من العملية العسكرية الشاملة سيناء 2018، التى عاد أهلها لأنماط الحياة القديمة بعد المنع الذى طال كثيرًا من وسائل العيش بما فيها المواد الغذائية و الوقود و الكهرباء و الغاز.
وسائل النقل: أهلًا بالدرّاجات وداعًا للكارّو
تباينت بدائل الأهالى فى مدينتي العريش والشيخ زويد، للتغلب على معوقات الانتقال بسبب إغلاق محطات الوقود، فلجأ أهالى المدينتين إلى الدراجات الهوائية، التى أحيت نشاط متاجر بيعها وصيانتها. يحكى علاء الشوربجي، شاب من العريش، عن إخراجه دراجته الهوائية التى كان يستخدمها قبل 10 أعوام من مخزن الأشياء القديمة فى البيت، ونفض الغبار عنها وإصلاحها وإعادة استعمالها كوسيلة انتقال بسبب أزمة المواصلات الحادة فى المدينة.
يقول "أبو جمال" أحد أصحاب محال بيع و صيانة الدراجات في العريش "كنا نعمل في السنوات الماضية على بيع الدراجات لفئة الأطفال، ولكن الأزمة الحالية دفعت بمعدلات الاقبال على شراء الدراجات من الكبار إلى مستويات قياسية، بجانب لجوء كثير من الأهالي لإصلاح دراجات كانوا قد أهملوها سنوات لعدم الحاجة إليها".
يُبدى أحمد السلايمة، موظف حكومى، يسكن في مدينة العريش، امتعاضه من ارتفاع أسعار الدراجات، معتبرًا أن أصحاب المحال استغلوا حاجة الأهالى ورفعوا الأسعار إلى الضعف أو أكثر قائلا "الدراجة التى كان ثمنها 1700 جنية قبل شهر، يعرضونها الآن للبيع بحوالى 3 آلاف جنيه".
على الجانب المقابل، يقول "أبو جمال"، صاحب محل بيع الدراجات "لا نتمكن من شراء بضاعة جديدة بسبب إغلاق الطرق ومداخل المحافظة. ولجأنا لرفع الأسعار بهدف تعويض الخسارة في حالة التوقف عن البيع بعد نفاد الدراجات فى المحل".
فى القرى التابعة لمدينة العريش، يحرص الأهالى على الاعتناء بالحمير وصيانة عربات الكارو، بوصفها وسيلة الانتقال الوحيدة أمامهم للوصول للمدن ونقل الاحتياجات الأساسية، إلا أن التضييقات الأمنيّة على التنقل بعربات الكارو بعد معلومات عن استخدامها في نقل مؤن للخلايا الإرهابية؛ تسببت في إلغاء وسيلة المواصلات هذه من الاختيارات المحدودة لمواطني القرى في المحافظة.
الزراعة: الشادوف يعود
يخترق وادى العريش الجاف وسط مدينة العريش، وتمنع السلطات المحلية أى إنشاءات في مجرى الوادي، تحسبا لحدوث سيول ولكنها تتغاضى عن الزراعات الصغيرة فى المجرى الجاهز لاستقبال مياه السيول، حيث جرت العادة أن لكل عائلة مساحة من المجرى وتسمى شواديف. يستخدم الأهالي هذه المساحات في زراعة الخضروات، ويعتمدون على آبار جوفية في عمليات الريّ.
تنتعش زراعة أراضي الشواديف فى شهر رمضان من كل عام، حيث يتوافد الأهالى لشراء محاصيلها، خضروات بالأساس مثل الملوخية والسبانخ والجرجير والبقدونس والشبت والطماطم. لكن عاد الأهالي لزراعة أراضي الشواديف مرة أخرى قبل قدوم شهر رمضان بسبب انعدام فرص التجار شراء مواد غذائية وخضروات من خارج المحافظة.
الطهي: أفرن طين في المدينة
الفرن البلدى أو فرن الطين، هي أفران منزلية للطهي تراجع استخدامها بشدة في مدينتي العريش والشيخ زويد منذ سنوات بعيدة، حيث وجود فناء للمنزل وقدرة في الحصول على الحطب؛ عاملان مهمّان لوجودها. ومع الطفرة المدينيّة؛ اختفت أفران الطين حتى عاودت الظهور عقب إغلاق مداخل المحافظة بالتزامن مع البدء في العمليات العسكرية الموسعة في ٨ فبراير/شباط 2018، عندما تقلصت إمدادات الغاز للمدينة، فأعاد بعض الأهالى إحياء أفران الطين في المدينة لاستخدامها فى الطهي، لكن معاناة الأهالي حاليًا تكمن في القدرة على جمع الحطب.
الشرب: الآبار والثمائل والهرّابات
فى مركزي الشيخ زويد و رفح؛ اعتاد الأهالي على الانقطاع الروتيني للكهرباء منذ العام 2015، وذلك بسبب وقوع الخط الرئيسي الناقل للكهرباء من العريش فى محيط العمليات الأمنية، وأن مهام إصلاحه تستغرق أوقاتًا طويلة تصل في بعض الأحيان إلى شهر. فى تلك الأثناء تنعدم فرص ضخ المياه للبيوت والأراضي الزرعية فلجأ الأهالى إلى حفر الآبار الجوفية رغم أن مياهها غير صالحة للشرب نظرًا لارتفاع نسبة الأملاح بها.
يقول "أبو خالد" مواطن من الشيخ زويد ، محطات الوقود مغلقة فى رفح و الشيخ زويد منذ 3 أعوام، وتشغيل الآبار الجوفية يحتاج الكهرباء المقطوعة أصلًا ولذلك نستخدم مولدات الكهرباء التى تعمل بالوقود بعد أن نشتريه من السوق السوداء بسعر مضاعف، ولكن الآن طال زمن إغلاق محطات الوقود العريش وانعدمت فرص الحصول عليه، فكان الحل هو اللجوء لخيارات من زمن الأجداد.
"الهرّابات" وهى صهاريج أسمنتية تحت الأرض لها فتحة علوية صغيرة مجهزة لاستقبال مياه الأمطار، كانت الحل الذي لجأ إليه الأهالي للحصول علي مياه الشرب والاستخدامات المنزلية. ورغم أن الهرّابات من موروثات أهالى القري بسبب انعدام فرص وصول خطوط المياه إلى المناطق الصحراوية؛ فإن الأهالى يحرصون قبل موسم الأمطار على غسل الهرابات جيدا، حيث يتم تخزين مياه الأمطار فى الموسم الجديد. لكن حملات أمنية دمّرت الكثير من الهرّابات بدعاوى استخدامها من قبل عناصر إرهابية في تخزين الأسلحة، هو ما جعل الأهالي يبحثون عن حلول أخرى.
صعوبة استخراج المياه من الآبار بسبب نقص الوقود وتدمير الكثير من الهرّابات؛ دفع الأهالي لإحياء "الثميلة" وهي حفرة فى مكان منخفض تسهّل الوصول للماء دون معدات رفع أو الحاجة للكهرباء أو الوقود، ويقول الأهالي أن مياه الثمائل نقية، إلا أن الأهالي يعملون علي حفرها فى مواقع بعيدة عن المزارع التى تستخدم كيماويات زراعية لضمان الحصول على مياه نظيفة.
في أوقات سابقة كان يلجأ سكان ساحل شمال سيناء ممن يمتلكون مزارع منخفضة المستوى عن سطح البحر و تسمى "المواصى"، لحفر "الثمائل" التى تخرج منها مياه عذبة باردة. هذه العادة اندثرت قبل سنوات طويلة بعد توسع المزارع وحاجة الأهالي إلى آلات وآبار جوفية عميقة، إلا أن أزمات الوقود أعادت للثمائل مهمتها كمصدر من مصادر المياه في المحافظة.