الغزيون لا يرون ثمارًا لخطة "أبونا ترامب"
"يا عمي صوّر وانشر خللي أبونا ترامب يشوف"، هكذا صرخ الستيني حسان الشيخ، وهو يقف على باب خيمته وسط بركة من المياه، في حي الزيتون بمدينة غزة.
التقينا الشيخ في جولة تصوير مع زملاء صحفيين لمخيم في الحي الذي يأوي نازحين فقدوا منازلهم أثناء حرب الإبادة الجماعية التي استمرت لأكثر من عامين على قطاع غزة، وذلك بعد ليلة ماطرة، أغرقت الخيام وشرّدت النازحين من خيامهم المؤقتة.
يعيش الشيخ في إحدى هذه الخيام المصنوعة من الأقمشة "التي لا تحمي من برد وأمطار الشتاء، ولا تقي من حرارة الصيف"، منذ أن فقد زوجته وأبناءه وأقرباءه خلال الحرب.
أبونا ترامب
غرقت خيام حسان وجيرانه خلال ساعات من هطول أمطار شديدة، كما غرقت الأغطية والفرشات الإسفنجية التي يستخدمونها للنوم، كذلك شوال الطحين، والأخشاب التي يشعلون بها نار طهي الطعام.
يستهجن حسان استمرار حياته بهذا الشأن، بعد نحو شهرين من الاتفاق على خطة ترامب بشأن الحرب على غزة وعملية وقف إطلاق النار، ومن ثَمَّ اعتمادها وإقرارها مؤخرًا في مجلس الأمن "قالوا في الأخبار إنه مجلس الأمن وافق على خطة ترامب، واللي فهمته إن ترامب مهتم بغزة وبده يمسكها ويديرها لسنتين، ليش بده يمسكها مش عارف بس اللي بعرفه بدنا حد يخلصنا ويعيد إعمار بيوتنا".
خطة خطة ترامب ليست واضحة التفاصيل بشكل كامل ومُعلن
شملت خطة ترامب التي بدأ تنفيذها أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دخول وقف إطلاق حيز التنفيذ وتبادل الأسرى بين فصائل المقاومة الفلسطينية على رأسها حركة حماس، وبين الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك انسحاب تدريجي لجيش الاحتلال الإسرائيلي وفتح المعابر والممرات الإنسانية لدخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بالقطاع، يتبعها تسليم المقاومة لسلاحها ونشر قوات دولية على طول الحدود الشرقية الشمالية وتهيئة بيئة فلسطينية سياسية لإدارة غزة فيما بعد وإعادة الإعمار.
كل ذلك يُقلق حسان الشيخ الذي يسمع يوميًا أخبارًا مثل تقسيم القطاع إلى منطقتين، دون شرح كافٍ.
فوفق الخطة المقترحة، يُقسّم قطاع غزة إلى منطقتين؛ غزة الجديدة شرق الخط الأصفر وهي التي ستشملها إعادة إعمار وبناء مدن سكنية بعد نشر القوات الدولية وإزالة الأنفاق وجعلها مناطق خالية من السلاح، والثانية غزة القديمة غرب الخط الأصفر والتي تعرضت لدمار شامل ويعيش بداخلها أكثر من مليوني فلسطيني داخل الخيام المنتشرة بين المباني المُدمرة وهي مناطق من غير الواضح متى يصلها الإعمار.
يضيف في حديثه "مش مهم مين بده يدير غزة ويدير حياتنا قد ما هو الأهم مين بده يعيد لنا الحياة، إحنا بحاجة لحد يعيد بيوتنا ويرجعلنا الخدمات الأساسية زي الكهرباء والمياه والشوارع والمستشفيات والمدارس، وطالما ترامب مهتم ومتبني الموضوع، يبقى هو أبونا حاليًا"، موضحًا "كل الدنيا تخلت عنا بعد دمارنا وتدمير حياتنا، وبما إن ترامب مهتم ومركز معنا يبقى هو أبونا والمفروض يوفر احتياجاتنا وفق أولويتنا للحياة".
حديث حسان الشيخ، الذي يعاني من عدّة أمراض مثل الانزلاق الغضروفي والضغط، ليس من باب السذاجة في الفهم على الأهداف الغربية والمماطلات السياسية، كما يقول، بل من باب التهكم على الحالة التي وصل لها بعد معاناته من عدم توفُّر العلاجات والأدوية لأمراضه وعدم توفر مكان آمن ومريح للجلوس والنوم يتناسب مع وضعه الصحي.
تجاهل أصحاب الأرض
ويتفق الشاب عبد الله الداية 39 عامًا، مع سابقه في احتياجهم الأساسي والأهم المتمثل في إعادة الإعمار والعودة لمنازلهم، مشيرًا إلى أنّ منزله يقع ضمن مناطق سيطرة جيش الاحتلال شرق الخط الأصفر "بيتي اتدمّر زي آلاف البيوت، شفته من بعيد وما قدرت أوصله لخطورة المنطقة واللي أصبحت مكشوفة لنقطة تمركز الجيش نتيجة الدمار الواسع".
الواقع أسوأ مما يدور الحديث عنه في الأخبار
ويشرح لـ المنصة أن الواقع أسوأ مما يدور الحديث عنه في الأخبار التي يتابعها عن الخطة الأمريكية التي أقرها مجلس الأمن، موضحًا "يعني كل العالم بحكي عن وقف النار لكن كل يوم بصير قصف وتفجيرات ونسف، وفي ناس بتموت من إطلاق النار أو من القصف، كل يوم بنشوف قدامنا تفجيرات خلف الخط الأصفر لبيوتنا ومناطق سكنا، طيب هو مش الحرب انتهت المفروض".
سمع الداية عن المخططات الأمريكية حول بناء مدن سكنية وإعادة إعمار مناطق شرق الخط الأصفر مستغربًا، كيف يجري الحديث عن ذلك دون أي اعتبار لهم كسكان وأصحاب أملاك وأراضي في تلك المناطق "الخطط يتم الحديث عنها وكأنه مناطق خلف الخط الأصفر أراضي مشاع بدون أصحاب ولا مُلاك كان إلهم بيوت وحياة وكان عندهم مصالح وأراضي زراعية وأعمال".
يقول إنه لا يرفض الخطة الأمريكية بفكرتها الأساسية حول وقف النار وتبادل الأسرى، لكن ما يعتبره "مصيبة كبرى" هي التفاصيل التي تجري دحرجتها يومًا بعد يوم للوصول إلى فرض الوصاية على الأرض والفلسطينيين، من خلال إرسال قوات دولية هدفها ليس نزع السلاح أو حفظ السلاح فقط، بل فرض الخطط الأمنية وإجبار الغزيين على واقع حياة وفق المصالح الأمريكية الإسرائيلية على مدار سنوات طويلة لا تأخذ بعين الاعتبار فقد الأطفال الفلسطينيين لمدارس ومراحل التعليم وحاجة المواطنين لمستشفيات بخدمات طبية كاملة لعلاج المرضى والجرحى وتوفير الأدوية.
معاناة النساء مضاعفة
منذ بداية حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة، تعرضت المرأة الفلسطينية لمعاناة مضاعفة، جراء إجبار النساء وعائلاتهنّ على النزوح والتنقل من مكان لآخر تحت العراء، وفي أفضل الأحوال المأوى في خيمة أو فصل مدرسي.
هذا ما تقوله سامية ياسين 35 عامًا، وهي أم لسبعة أطفال فقدت منزلها الواقع شرق قطاع غزة خلف الخط الأصفر ونزحت مع عائلته أكثر من 12 مرة خلال الحرب، لتجد نفسها تعيش في خيمة مهترئة حتى بعد إعلان وقف النار، وتغسل على يديها وتطهو الطعام على ما خلفته الحرب من بقايا أخشاب وقطع بلاستيك.
تقول لـ المنصة إنها بحاجة إلى مسكن يتناسب مع احتياجاتها كامرأة مع توفير خدمات أساسية "قبل الحرب كان عندي بيت وفي غسالة وغاز طهي، في غرفة نوم خاصة وفي كل الإمكانيات، وكل اشي فقدته بالحرب، إحنا كنساء تعرضنا لإهانة وضغوط مضاعفة، فقدنا أنوثتنا وفقدنا كل شيء، والمصيبة مش شايفين حل قريب ممكن يحفظ كرامتنا".
سامية ياسين بدورها تتابع أخبار الخطط الأمريكية وقرار مجلس الأمن الذي وافقت عليه 13 دولة وامتنعت الصين وروسيا عن التصويت، كذلك تابعت ردود الأفعال الدولية والعربية وحتى الفلسطينية التي رفضت بعضها ووافقت أخرى على القرار، لكن لا يعنيها من كل الأحاديث السياسية سوى ما يمس حياتها الشخصية في الوقت الحالي.
"بنسمع عن تسليم السلاح، وعن الإعمار وبناء غزة وتقسيمها، بنسمع عن قوات دولية وعن فتح المعابر وبنسمع عن السماح بدخول المساعدات، لكن احنا ما بدنا قطعة جلد أو خيمة من قماش أو شوية معلبات وأكل، احنا بدنا نستعيد حياتنا، الخطط اللي بتم الحكي عنها محتاجة سنوات لتطبيقها، يعني أنا بدي أعيش بخيمة 5 أو 10 سنوات؟ ولادي بدهم يكبروا بخيمة؟ كل يوم بنموت ألف مرة احنا وولادنا من المرض وعدم توفر التعليم والأكل المناسب"، حسب قولها.
وترى سامية أن الحرب لم تنتهِ كما تروج بعض وسائل الإعلام "بالنسبة لهم بقولوا خلصت الحرب، بس بالنسبة لنا لسه بنشوف القصف وإطلاق النار والتدمير قدامنا والخطر حولينا من كل اتجاه"، مشيرةً إلى أنها مُجبرة كآلاف الغزيين على تقبل المفروض عليهم من واقع معيشي نتيجة الحرب والتدخلات الغربية، إلا أنها تطالب بتوفير الحد الأدنى مثل توفير كرفانات كمساكن مؤقتة تحفظ جزءًا من كرامتها خلال السنوات القادمة، من تطبيق قرار مجلس الأمن على أرض الواقع حتى الوصول لإعادة الإعمار واستعادتها لمنزلها.

