بالتزامن مع أجواء سياسية وإجراءات قانونية تحاصر الصحفيين والإعلاميين وتزيد من القيود على حرية الرأي والتعبير، كان آخرها احتجاز الإعلامي خيري رمضان المعروف بتأييده للنظام، وافقت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب، من حيث المبدأ على مشروع قانون "مكافحة الجرائم الإلكترونية".
مشروع القانون المقدم من الحكومة يبدو أنه لم يلبِّ كافة طموحات وأحلام النواب الذي يريدون إغلاق فيسبوك وإنشاء موقع بديل تسيطر عليه السلطات المصرية لحماية الأمن القومي، بحسب مشروع القانون الذي تقدم به النائب رياض عبد الستار في وقت سابق ولكن لم يُحل إلى أي لجنة لمناقشته.
ولكن في الوقت نفسه فإن مشروع القانون الذي وافقت عليه لجنة الاتصالات من حيث المبدأ يتضمن نصوصًا تعزز حالة الحصار المفروض على الحريات، على الرغم من محاولات النواب وممثل الحكومة ورئيس اللجنة نفي هذا طوال مدة الاجتماع الذي استمر نحو ساعة ونصف.
الحجب قانونًا
وتنظم بنود مشروع القانون إجراءات حجب المواقع الإلكترونية للمرة الأولى حيث لم يمنح أي قانون مصري في أي وقت سابق لأي جهة سلطة حجب المواقع الإلكترونية.
وشهدت السنة الأخيرة حجب أكثر من 400 موقع على شبكة الإنترنت من بينها صحف ومواقع إخبارية مستقلة ومنظمات حقوقية محلية ودولية مثل هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، ولكن لم تقر أي جهة في الدولة بمسؤوليتها عن ذلك الإجراء.
ومنح القانون لسلطة التحقيق الحق بأن تأمر بحجب المواقع الإلكترونية "متى قامت أدلة على قيام موقع يبث داخل الدولة أو خارجها، بوضع أى عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أية مواد دعائية، أو ما فى حكمها مما تعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، وتشكل تهديدا للأمن القومى أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومى للخطر".
وفي حالة استثنائية وهي الاستعجال لوجود خطر وشيك أو خشية وقوع جريمة، منح مشروع القانون الحق لجهة التحري والضبط بإبلاغ الجهاز القومي لتظيم الاتصالات ليحجب مؤقتًا الموقع على أن يبلغ سلطة التحقيق المختصة، خلال 48 ساعة من تاريخ الإبلاغ الذي وجهته للجهاز، فإذا لم يعرض المحضر المٌشار إليه، فى الموعد المحدد، يعد الحجب كأن لم يكن.
ويكون الحجب مؤقتًا سواء صدر من جهة التحقيق مباشرة أو من سلطة التحري والضبط (الشرطة أو ما في حكمها) إلى أن يعرض على المحكمة المختصة منعقدة في غرفة المشورة خلال 24 ساعة من حجب الموقع على أن تصدر خلال 72 ساعة قرارها بتأييد الحجب أو رفضه.
المؤيدون أسرابًا
كثير من النواب أبدوا حماسًا لدى تأييدهم مشروع القانون، ودأبوا على تأكيد أنه لا يشكل أي اعتداء على الحق في التعبير، ومن بينهم كان النائب نضال السعيد رئيس اللجنة الذي أكد "أنا مش جاي أقفل صفحة فيسبوك ولا أغلظ عقوبة دون دوافع".
أما المستشار محمد حجازي ممثل وزارة الاتصالات فذكر خلال الاجتماع أن هذا المشروع لا يتضمن أي نص لتقييد الحريات وحق المواطنين في الدخول على الانترنت وشبكات التواصل "بل نشجع الناس على استخدامها"، وشدد على مراعاة الحكومة لمعايير حرية الرأي والتعبير والاتفاقيات الدولية خلال إعداد هذا القانون.
وبشان مبررات مشروع القانون وفلسفته قال ممثل الحكومة إن "التطور التكنولوجي أفرز مجموعة من الجرائم التي تتم على الشبكات الخاصة والعامة والحكومية"، مضيفًا "نواجه تهديدات كثيرة على مستوى الأمن القومي والاجتماعي وحقوق المواطنين أنفسهم وبياناتهم وحساباتهم الشخصية".
وأوضح حجازي أن مشروع القانون ينقسم لشقين، الشق الأول يتضمن التزامات مقدمي الخدمات بتأمين البيانات والمعلومات الخاصة بالمستخدمين والاحتفاظ بالبيانات والرسائل والتتبع في حال حدوث جرائم مشيرا إلى أن المدة القانونية المعروفة دوليا للاحتفاظ بالرسائل 180 يومًا، أما الشق الثاني فيتضمن أنواع الجرائم الإلكترونية.
وأشار إلى الاسترشاد بقوانين دولية وعربية، بالإضافة إلى الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم الانترنت والمعلومات لمواكبة كل ما يدور في المنطقة العربية والعالم.
ولم يبدِ أي من النواب الحاضرين للاجتماع أية تحفظات على مشروع القانون الذي يتضمن تقنين حجب المواقع الإلكترونية، وحاولوا إرسال رسائل تطمين توضح عدم المساس بحقوق المواطنين أو مراقبة حساباتهم الشخصية.
قال النائب تامر الشهاوي، -وهو لواء سابق في المخابرات العسكرية وسبق وقدم مشروع قانون مماثل- إنه "لا خلاف على فلسفة القانون لكن توجد تفاصيل كثيرة في المواد والعقوبات ضعيفة بالنسبة للجرائم الموجودة، والقانون الذي قدمته أشد من ذلك"، ووجه انتقادات لخلو مشروع القانون من أية نصوص عن إنشاء الكيانات الإرهابية، وتساءل عن دور جهاز الأمن السيبراني الذي تأسس عام 2014.
أما النائبة ماريان عازر فقالت إن "أمن المعلومات جزء من الأمن القومي، نحتاج تأمينًا على الأرض أو الفضاء".
ومن جهته قال النائب جون طلعت، وكيل اللجنة إن "هذا القانون يمس كل بيت، وكل شخص تم الاستيلاء على حسابه وصوره"، وأضاف "أؤكد أن مشروع القانون لا يمس الحقوق والحريات، أنت حر فيما لا يضر".
وقال النائب أحمد زيدان "أوافق من حيث المبدأ لأنه يشمل مواد مهمة جدا، بدأنا نقف على المسار الصحيح، وهذا القانون لا يهدف إلى تقييد حرية المواطنين، ولكن تنظيم استخدام المواقع (..) نحن نواجه حروب الجيل الرابع والتحريض ضد مؤسسات الدولة".