ترجمة عن تقرير عرض ميركل - نشر في صحيفة دي تسايت الألمانية في 25 فبراير/ شباط الماضي، والذي يتناول القيادات الحزبية والحكومية الجديدة داخل حزب أنجيلا ميركل، والصراع المنتظر على خلافتها.
كاترينا شولر- دي تسايت
بذلت أنجيلا ميركل عشية يوم الأحد الماضي كل ما بوسعها لتبرير اختيارها المفاجئ للوزيرة التي ستشغل حقيبة التعليم، فكالت ميركل المديح لمسيرة آنيا كارليتشك، التي كانت حتى لحظة تسميتها لتولي هذا المنصب عضوة بلا شهرة في البرلمان الإتحادي. فحسب كلام ميركل تمكنت موظفة البنك تلك من إدارة مؤسسة فندقية، واستطاعت كذلك رغم رعايتها لثلاثة أطفال أن تتم دراستها الجامعية في العلوم الإقتصادية. كل هذه الأمور "تنمُ عن إرادة واضحة" حسب ما عبّرت ميركل.
لكن تمتاز كارليتشيك في حقيقة الأمر بأنها تفي بمعيارَين جوهريَّين بالنسبة لميركل: فهي أولا امرأة. وثانيا، يبلغ عمرها 46 عامًا ما يجعلها تُعد نسبيا من الشباب مقارنة بأوساط الحزب المسيحي الديمقراطي. فالمستشارة ميركل قد وعدت الناخبين أثناء حملتها الانتخابية بأن يكون نصف الحقائب الوزارية التي ستوزعها من نصيب النساء. وعند احتساب منصب وزيرة الدولة لشؤون المستشارية، سنجد أن ميركل قد تجاوزت حد الوفاء بوعدها ذاك.
لكن كان على المستشارة هذه المرة أن تبذل جهدًا مضاعفًا لإرضاء تطلعات حزبها، فكان من ضمن أهداف التشكيلة الوزارية من أعضاء الحزب المسيحي الديمقراطي، الذين قد يصبحون بالفعل ضمن الحكومة الإتحادية حال تشكيلها، أن تجعل اختيار تشكيلتها تلك داعمة لها، لكونها تتشكل من أعضاء حزبها. إذ طالب الكثيرون من أعضاء حزب ميركل خلال الأسابيع الماضية بأن تعطي المستشارة -وهي على ما يبدو مقبلة على فترة مستشاريتها الأخيرة- الفرصة للسياسيين والسياسيّات الجدد والأصغر سنا، وهو أمر قامت ميركل بتحقيقه باختيارها لكارليتشك.
شغلت كارليتشك منصب عضو البرلمان الإتحادي الألماني منذ عام 2013. وطوال تلك المدة لم يسبق لها أن لفتت نظر الرأي العام إليها. في ما يخص اهتماماتها. كانت كارليتشك عضو اللجنة المالية في البرلمان، أي أنها لم تشارك في رسم السياسات التعليمية.
إذن فقد بحثت ميركل عن امرأة غير معروفة لتوليها هذه الحقيبة الوزارية، على الرغم أنه من المفترض أن تكون السياسة التعليمية من المواضيع المركزية للحكومة القادمة. لكن كارليتشك وبكل تأكيد ليست الوجه الجديد الوحيد في الحكومة الجديدة، فالمستشارة وصلت إلى حد تجديد ثُلثي المناصب الوزارية المعطاة للحزب المسيحي بأسماء جديدة. فلم يبق من ثقاتها القدماء سوى رئيس مكتب المستشارية بيتر ألتماير، ووزيرة الدفاع أورسولا فون دير لاين.
الأمينة العامة للحزب المسيحي في ولاية "بلاد الراين بفالتس" يوليا كلوكنر، 54 عامًا، التي ستتولى وزارة الزراعة، هي من المواهب النسائية الصاعدة التي يُتوقع أن تلعب دورًا أكبر على الساحة الفيدرالية. "هيلجه براون"، 54 عامًا أيضًا، سيصعد بدوره من منصب وزير دولة لشؤون المستشارية إلى مدير مكتب المستشارية بأكمله. فقد قدّرت ميركل جهوده وانجازاته التنظيمية الجديرة بالذكر أثناء أزمة اللاجئين سنة 2015.
كان إعلان تقليد "ينز شبان" لحقيبة الصحة في الحكومة الجديدة بدون شك أمرًا مهمًا لكل منتقدي ميركل. إذ شهدت السنين الماضية صعود شبان -37 عامًا وصاحب التوجهات المحافظة- إلى الواجهة، كبارقة أمل لكل من لم يشعروا بالارتياح إزاء سياسة ميركل في ملف اللجوء، والذين أصبحوا يرون الحزب المسيحي الديمقراطي حزبًا وسطيًا لا ملامح واضحة له. فكان اختياره في الحكومة الجديدة موجهًا لإرضاء هذه المجموعة داخل الحزب.
ميركل كممثلة عن ألمانيا الشرقية
علاوة على ذلك استطاعت ميركل أن تقوم بضربة مفاجئة الأسبوع الفائت بإعلانها عن تسمية رئيسة وزراء ولاية السارلاند السيّدة "أنّاجريت كرامب-كارنباور" كأمينة عامة للحزب المسيحي الديمقراطي (عوضا عن ميركل). صحيح أن تسمية كرامب-كارنباور ذات الـ55 عاما ليست رسالة موجهة لكل الذين يمنّون أنفسهم بحزب مسيحي ذي توجه أكثر محافظة، لكنها تحمل أملا لمعارضي ميركل داخل الحزب بأن يفرض الحزب مصالحه على مصالح الحكومة بين حين وآخر.
لكن تبقى هناك مجموعة لم تلتفت ميركل لمصالحهم، إذ لم يتم تعيين أيٌ ألماني شرقي من حزب ميركل في منصب وزير في الحكومة الجديدة، رغم المطالبات المتكررة باختيار ألمان شرقيين في الفترة الماضية. من أجل هذا دافعت ميركل عن نفسها قائلة "أنا ألمانية من الشرق، وأطالب هاهنا أن يؤخذ في الحسبان كون منصب المستشارة الإتحادية جزء من تركيبة الحكومة نفسها".
المؤتمر الحزبي العام سيكون سهلا
حقيقة أنّ ميركل كانت على استعداد لفتح صفحة جديدة بهذا الشكل هو أحد تبعات وقوعها تحت ضغط شديد. لذلك أرادت ميركل أن تًظهر أنها تتعامل بجدية مع الأصوات القلقة في أوساط حزبها بعد نتيجة الانتخابات الاتحادية السيئة، وكل التنازلات التي قدمتها للاشتراكيين في إتفاق التحالف الحكومي.
أرادت ميركل ان تؤكدا أنها كذلك على استعداد لإعطاء المجال للقوى الناشئة الواعدة في إطار عملية تنظيم خلافتها داخل الحزب. كان الضغط المسلط على ميركل ثقيلاً، لدرجة أنها -وخلافًا لعادتها- نأت بنفسها عن مناضلي حزبها القدماء المخلصين لها. فمثلا لن يكون كل من وزير الداخلية السابق "توماس دي ميزيار" ولا وزير الصحة "هيرمان جروهه" جزءًا من الحكومة الجديدة.
لكن هل استطاعت ميركل فعلا إرضاء حزبها بهذه البداية الجديدة والتغييرات في المناصب الحكومية؟ يبدو بالفعل أنها تمكنت من ذلك، خاصة بالنظر إلى المؤتمر الحزبي العام المنعقد يوم الإثنين المقبل. فقد كان من اللافت للنظر في الأسابيع المنقضية تراجع النقاشات حول صلب اتفاق الإئتلاف الحكومي، بينما ارتفعت وتيرة الحديث عن توزيع الحقائب الوزارية. الشيء الوحيد الذي طالب به منتقدو ميركل، هو أن تشرع المستشارة في تغيير التركيبة الحكومية والحزبية.
وبخطواتها الأخيرة نفذت ميركل ذلك المطلب، مما يجعلها تطمئن لتأييد واسع لاتفاقية الإئتلاف الحكومي مع الإشتراكيين، وأيضا تتطمئن لتقلدها منصب المستشارية في فترة حكم رابعة، خاصة وأن الأغلبية داخل حزب المسيحيين الديمقراطيين تميل للرأي القائل بأن التنازلات التي قَدمت للإشتراكيين في ما يخص المناصب الحكومية وبرنامج عمل الحكومة المقبلة، أفضل من تكوين حكومة أقلية أو الدعوة لانتخابات مبكرة.
لكن الجدل حول التوجه المستقبلي للحزب المسيحي الديمقراطي سيبدأ من الآن في الاحتدام، في سبيل رسم ملامح السنين القادمة. فمن ناحية تريد الأمينة العامة الجديدة أن تدفع بنفسها بعملية إعداد برنامج جديد لمبادئ الحزب وخطوطه العريضة. ومن ناحية أخرى؛ أضحى اللاعبون واللاعبات الطامحين لخلافة ميركل فوق أرضية الملعب. سيحاول هؤلاء توسيع الدعم الممنوح لهم في أواسط الحزب، حتى لو كلفهم الأمر توجيه ضربات موجعة لرفاقهم, وهنا لن يتخلف وزير الصحة المقبل ينز شبان عن صفوف المبادرين بذلك. تحركات شبان مثيرة للقلق حتى أن ميركل حاولت الدفاع عنه في مؤتمر الحزب عشية الأحد الماضي، إزاء محاولات للتشكيك في ولاءه، قائلة إن شبان لا هدف له سوى تقديم ما بوسعه من أجل ألمانيا.
إذن يبدو أن تلك الأزمنة التي كانت ميركل فيها قادرة على ممارسة الحكم دون إزعاج يُذكر، قد ولّت وبلا رجعة. خاصة عند النظر للأسماء الجديدة في إدارة الحزب.