أعلنت وكالة كوريا الشمالية المركزية للأنباء في الساعات الأولى من صباح اليوم، الأحد، عن نجاح علماء معهد الأسلحة النووية في إجراء اختبار لقنبلة هيدروجينية جديدة، من الصغر بحيث يمكن تحميلها على صاروخ باليستي عابر للقارات يمتلكه نظام بيونج يانج، بعد اكتمال تصنيع القنبلة بمكونات محلية خالصة، التزامًا بعقيدة "زوتشيه".
وأضافت الوكالة أن التجربة النووية الجديدة نُفذت لاختبار مدى كفاءة التحكم في مستويات الطاقة والهيكل الداخلي للقنبلة، والتي تمكنها من حمل رؤؤس نووية عابرة للقارات. وصاحب الخبر مجموعة من الصور التي تظهر الزعيم الكوري كيم جونج أون وهو يفحص القنبلة الهيدروجينية في أحد معامل معهد الأسلحة النووية، قبل إجراء التجربة التي تعد رابع تجربة نووية منذ تولي أون مقاليد الحكم في ديسمبر/ كانون ثان 2011، وسادس تجربة نووية تجريها بيونج يانج في السنوات التسع الأخيرة.
فيما أعلن يوشهيدي سوجا، المتحدث باسم مجلس الأمناء الياباني، عن عودة ثلاث طائرات عسكرية من قوات الدفاع الجوي من رحلاتها لجمع الغبار والتحقق من وجود اشعاع فى الهواء حول اليابان، وسيتم تحليل عيناتها. وأضاف سوجا أنه من المتوقع أن تُقلع طائرة نقل من طراز سي 130 فى وقت لاحق اليوم لجمع عينات نظائر مشعة للغازات النبيلة فى الهواء، لقياس معدلات الاشعاع في الهواء وذلك بحسب وكالة الأنباء اليابانية.
التجربة النووية الخطرة أعادت تدوير الصورة التي اشتهر بها الزعيم الكوري كفتى مدلل متهور، لا يمانع في حرق العالم من أجل بعض المجد وكثير من الدعاية. لكن هذه الصورة لها في الداخل الكوري ما يناقضها.
على نهج الأب
منذ توليه مقاليد الحكم في كوريا الشمالية خلفًا لأبيه كيم جونج إيل في ديسمبر كانون أول 2011؛ لا تكف وسائل الاعلام الغربية عن وصف حاكم كوريا الشمالية كيم يونج بالجنون والتهور وتواضع المعرفة، مغفلة معلومات مفتاحية تناقض الصورة الجاري ترويجها للحاكم الشاب، فلا تذكر مثلا أن أون تلقى تعليمًا مميزًا في إحدى المدارس الداخلية في سويسرا تحت ستار أخفى هويته الحقيقية، مدعيًا أنه ابن أحد العاملين في سفارة كوريا الشمالية آنذاك.
وربما كان التعليم الذي تلقاه أون هو ما ساعده في أن يحقق ما يراه محللون مختصون بالشأن الكوري؛ إذ يجدون أن أون ربما استطاع في سنوات حكمه القليلة تنفيذ جوانب عدة من عقيدة "الزوتشيه" أو "الجوتشيه" التي أطلقها الجد المؤسس لكوريا الشمالية كيم إيل سونج، وفشل في تحقيقها أبيه كيم جونج إيل.
والزوتشيه هي عقيدة تعني "الموقف المستقل". وهي العقيدة الرسمية التي تقوم عليها كافة مناحي الحياة في بيونج يانج. تقوم تلك العقيدة على ثلاث أسس هى الإستقلال في السياسة، وتحقيق اكتفاء ذاتي في الإقتصاد، مرورًا بالدفاع الذاتي عن الوطن الأصل.
الحلم القديم يتحقق
قدم كيم إيل سونج "زوتشيه" كشعار يهدف "لإزالة الجمود العقائدي والشكلية وتأسيس زوتشيه في العمل الأيديولوجي". إذ بدأت كلمة زوتشيه بالظهور كشكل غير مترجم في الأعمال الكورية الشمالية منذ العام 1965. واستبدلت العقيدة الماركسية اللينينية في الدستور الكوري الشمالي في العام 1972 لتصبح الزوتشيه هي العقيدة الرسمية للبلاد، وذلك ردًا على الانشقاق الصيني السوفييتي.
إلا أن الزعيم السابق لكوريا الشمالية كيم جونج إيل، يعد أول من صاغ البيان الحاسم حول زوتشيه في العام 1982 في وثيقة تتركز حول هذه العقيدة. ووفقًا لتلك الوثيقة فإن إيل (الزعيم) لديه السلطة النهائية في تفسير العقيدة الرسمية ودمجها بسياسة "سونجون" الجيش أولا.
وخلال الرسائل الرسمية الموجهة لمخاطبة الأمم المتحدة، احتشد خطاب السلطة في كوريا الشمالية بشرح طرق الدفاع عن النفس طبقًا لعقيدة زوتشيه. ففي رسالة موجهة إلى مجلس الأمن الدولي احتجاجًا من حكومة بيونج يانغ على المناورات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في مارس/ أذار 2016، التي تحذر من قيام بيونج يانج بردود فعل عسكرية على تلك المناورات بالقرب من حدودها بحسب عقيدة زوتشيه.
إذ جاء في نص الرسالة: "نتبع أسلوب ردة الفعل العسكرية القائم علـى فكـرة زوتشـيه للـدفاع عـن هـذا البلد االاشتراكي الصامد ضد أي عدوان أو حرب في العالم". على الرغم من أن فترة حكم الزعيم السابق لكوريا الشمالية شهدت تجاربًا نووية أقل من التي أجراها ابنه؛ إلا أن فترة حكم الأب اتسمت بأزمات اقتصادية وحدوث مجاعة طاحنة امتدت رحاها قرابة 4 سنوات "1994 - 1998" وراح ضحيتها حوالي ستمائة ألف مواطن.
وهو الأمر الذي تلقت بيونج يانج على إثره مساعدات إنسانية من أعدائها الثلاثة: اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة عبر الأمم المتحدة، وهو ما أرغم بيونج يانج على الرضوخ والجلوس على طاولة المفاوضات فيما يتعلق بالبرنامج النووي.
إلا أن فترة الفتى المتهور كما يراه الغرب شهدت - على عكس أبيه- تطورًا اقتصاديًا ملحوظًا، وتحقيق معدلات لا بأس بها من الاكتفاء الذاتي في الغذاء، على الرغم من تحذيرات متتالية لمنظمات دولية من وقوع مجاعة جديدة في كوريا الشمالية، وما ذكرته وسائل إعلام أمريكية نقلا عن كوريا الجنوبية بأن الجارة الشمالية شهدت مجاعة فعلا عام 2012. لكن أثر تلك المجاعة لم يظهر، ولم تلجأ كوريا الشمالية لمنظمات الإغاثة الدولية على الإطلاق، ما يشكك في رواية كوريا الجنوبية.
فهل يعكس هذا نجاحًا من "الفتى المتهور" في تحقيق أحلام الجد، بعدما صار الجنون النووي لكوريا الشمالية يؤرق حتى حليفها الأقرب وربما الوحيد، كما انعكس في تصريحات السلطات الصينية التي أدانت التجربة النووية الأحدث لكوريا الشمالية اليوم؟ هل يمكن أن يكون الخطر والتهديد الذي باتت تمثله كوريا الشمالية ضمانًا لاستقلالها بحسب عقيدة زوتشيه، أم أن تلك العقيدة نفسها ستكون الحبل الذي سيلتف حول عنق الدولة الصغيرة التي يقودها كيم جونج أون؟