في أقل من ثلاث سنوات بات الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، البالغ من العمر 32 سنة، صاحب السلطة الفعلية في المملكة الغنية بالنفط. خلال تلك الفترة شهدت المملكة حركة فاعلة في اتجاهات عدة، وبنشاط نادرا ما شهدته البلد التي يحكمها منذ نشأتها تقريبًا قبل 85 عامًا، ملوكُ في السبعينات والثمانينيات من أعمارهم.
غير أن تلك الخطوات السريعة التي اتخذها ولي العهد، صاحبتها نجاحات وإخفاقات في داخل السعودية وخارجها. ويعتبر القرار الذي اتخذه الملك سلمان مساء الثلاثاء الماضي لإنهاء الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات بحلول يونيو/ حزيران من العام المقبل، هو الأكثر دراماتيكية في التغييرات الداخلية التي أحدثتها يد الأمير الشاب.
وكونه الابن المفضل للملك سلمان، يشرف الأمير تقريبا على كل الجهات الرئيسية في البلاد، من وزارة الدفاع إلى الاقتصاد والأمن الداخلي، إلى جانب قيادته لمجموعة من الإصلاحات الاجتماعية واتخاذه خطوات لافتة في العلاقات الخارجية. ما خلق واقعًا مختلفًا عما كانت عليه السعودية قبل ثلاث سنوات، عندما كان أميرها صغيرًا عديم الخبرة، وتأثيره لا يذكر. فقد كان هناك من يطغى عليه: اثنان من الأسرة الحاكمة يسبقانه في وراثة العرش. لكن منذ أن بات والده، 81 سنة، ملكا في 2015، واصل الابن صعوده بثبات.
ويحظى الأمير الجديد محمد بن سلمان بشهرة واسعة، ويشار إليه في الدوائر الغربية بالأحرف "إم بي إس". وبحكم منصبه الجديد كولي للعهد، فسيكون -حال تنحي أبيه عن الحكم- صاحب السلطة المطلقة، ويتنبأ عارفون بالشأن السعودي أن خطوة تخللي الأب عن العرش قد لا تتأخر كثيرًا، وربما نشهدها العام المقبل.
بيد أن مسار بن سلمان خلال السنوات الثلاث الماضية، أحاطته عواصف من الجدل والصراع والقتال. استطاع المرور من بعض تلك العواصف بنجاح؛ وتعثر في بعضها.
إصلاحات اقتصادية واجتماعية
أشادت منظمات حقوق الإنسان الدولية والزعماء حول العالم بالأمر الملكي بوضع حد لمنع المرأة من قيادة السيارات، وبعدها بأيام - في 28 سبتمبر/ أيلول المنقضي- تبنّي مجلس الشورى السعودي، ذو السلطات المحدودة، قرارًا يجيز للمرأة أن تصدر فتوى شرعية بعد عقود عدة من اقتصار حق الاجتهاد وإصدار الفتاوى على الرجال. ويُنتظر أن يقر مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك سلمان القرار. وسيتم اختيار المُفتيات بمرسوم ملكي.
ويعتبر قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة الذي يدخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران المقبل، أكبر تقدم في مجال حقوق المرأة في المملكة منذ سنوات؛ فالسعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي كان لا يزال يحظر على المرأة قيادة السيارة.
يأتي القرار في إطار خطط بن سلمان واسعة النطاق لتغيير وجه المملكة. تطالب "رؤية 2030" بإصلاحات في الاقتصاد السعودي الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط، وتخفيف القيود الاجتماعية المفروضة على المجتمع المنغلق، بغرض الحفاظ على الاستقرار في ظل انخفاض أسعار النفط والإجراءات التقشفية التي اتخذتها المملكة.
فالأمير محمد بن سلمان أيضا وراء إنشاء هيئة للترفيه تهدف إلى زيادة الإنفاق المحلي، حيث أعلن صندوق الاستثمار السيادي في السعودية في وقت سابق هذا الشهر أنه يخطط لتأسيس شركة للاستثمار في قطاع الترفيه، الذي ترغب السعودية في تطويره في إطار الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
وستنطلق الشركة برأسمال قدره 10 مليارات ريال، ويخطط لها أن تساهم بما قيمته 8 مليارات ريال في الاقتصاد الوطني بحلول عام 2030، حسب ما أفاد صندوق الاستثمار. ولم يعلن الصندوق عن موعد انطلاق الشركة، لكنه قال إن الاستثمارات ستتضمن مجمعا ترفيهيا سيفتتح عام 2019.
وأعلنت السلطات السعودية عن إنشاء مدينة ترفيهية على مساحة قدرها 334 كيلومتر مربعًا جنوب العاصمة الرياض، وستتضمن منشآت رياضية وثقافية وترفيهية وسفاري.
وللمرة الأولى منذ عقدين ونصف العقد، نظمت المملكة حفلات موسيقية، ووضعت شاشات عرض أفلام رغم عدم وجود دور عرض سينمائي في السعودية-حتى اللحظة- ووفرت الهيئة شاحنة كبيرة مجهزّة لتلك العروض، واستضافت جدة أول مهرجان للروايات والقصص المصور تحت عنوان سعودي كون.
وهناك خطوة إصلاحية رئيسية في مخطط ولي العهد وهي الإعلان في وقت سابق من هذا العام؛ أن الفتيات مسموح لهن بحضور حصص الألعاب الرياضية "التربية البدنية" في المدارس الحكومية، وذلك للمرة الأولى في المملكة.
ورغم ذلك يرى مراقبون أن وتيرة التغيير في جميع الجبهات ما زالت بطيئة وحذرة، في جو تمارس فيه السلطات الدينية المغالية في التحفظ تأثيرا كبيرا، في الوقت الذي يرغب فيه العديد من السعوديين الإبقاء على أساليب حياتهم القديمة.
اعتقالات
وتبقى الأقلية الشيعية في السعودية ضحية للتوترات السياسية في المنطقة والتنافر بين طهران والرياض
رغم كونه وراء عدد من الإصلاحات الاجتماعية، يقف محمد بن سلمان أيضا وراء حملة قمع على أشخاص تجرأوا على الانتقاد أو التشكيك علنا في بعض من سياسته الأكثر إثارة للجدل، مثل الحرب في اليمن والنزاع مع قطر.
ورغم تكتم السلطات السعودية على أسماء المعتقلين في حملتها الأخيرة، فهناك ما يشير إلى أنها شملت علماء دين بارزين ومفكرين، فيما يبدو للبعض أنها حملة ضد أي معارضة محتملة للسلطة الحاكمة، وسط توقعات بنيِّة الملك سلمان بن عبد العزيز التنازل عن الحكم لابنه الشاب، وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن الاعتقالات جاءت في ذلك الإطار.
ونقلت وكالات الأنباء عن نشطاء وذوي معتقلين أن عدد الموقوفين لا يقل عن 20 شخصا.
وتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي أسماء - غير مؤكدة- لبعض المعتقلين، ومنهم الشيخ سلمان العودة، والشيخ عائض القَرني، والداعية علي العمري، والكاتب الاقتصادي عصام الزامل، ولم يصدر عن أي منهم أو عن أسرهم بيان ينفي شائعات اعتقالهم. وأضاف النشطاء أن بعض المعتقلين لا ينتمون للتيار الإسلامي ولم يُعرف عنهم معارضتهم للنظام، وهو ما أوردته منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته في 15 سبتمبر المنقضي.
ولم تؤكد السلطات في السعودية بشكل مباشر خبر الاعتقالات، لكن وكالة الأنباء السعودية ذكرت يوم الثلاثاء 12 سبتمبر، أن السلطات الأمنية كشفت "نشاطات استخبارية تخدم أطراف أجنبية" من طرف أفراد لم تسمهم.
أيضا تحت عين بن سلمان، تزايدت التوترات مع إيران، وتبقى الأقلية الشيعية في السعودية ضحية للتداعيات السياسة في المنطقة والتنافر بين طهران والرياض، وهو ما تؤكده قيادات شيعية سعودية.
وأعدمت السلطات أربعة من شيعة المملكة هذا العام لمشاركتهم في احتجاجات عنيفة ضد الحكومة في 2011، خلال موجة انتفاضات الربيع العربي التي ضربت المنطقة. كما يواجه أكثر من عشرة آخرين إعدامات وشيكة بسبب ما تقول المملكة إنها إدانات بالإرهاب.
وهدمت قوات الأمن في مايو/ أيار الماضي بلدة شيعة تاريخية كان سكانها يطالبون بحقوق متساوية ويشكون التمييز.
الأزمة مع قطر
من الممكن أن نقول إن الأزمة الراهنة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى عبارة عن أزمات متعددة ومتراكمة تفجرت الآن بشكلها الأكثر حدة وتجليا؛ فالهجوم الدبلوماسي على الدولة الصغيرة الغنية بالنفط يقف وراءه محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
بدأت الأزمة في الخامس من يونيو/حزيران، بقطع الدول الأربع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية بما فيها الرحلات الجوية مع قطر، واتهمتها بدعم منظمات إرهابية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وتنفي الدوحة بشدة هذه الاتهامات وتصف عقوبات الدول الأربع ضدها بالحصار المخالف للقوانين الدولية. وتقول أيضا إن مطالب الدول الأربع لإنهاء الأزمة غير مقبولة، كونها تنتهك سيادتها.
وفشل الخلاف في إجبار قطر على تغيير سياساتها تجاه الجماعات الإسلامية التي تعتبرها السعودية والإمارات العربية المتحدة تهديدا للاستقرار على المستوى الإقليمي. وبدلا من ذلك اتجهت قطر إلى تركيا وإلى إيران للحصول على دعمهما.
وخربت الأزمة العلاقات القديمة بين المواطنين في منطقة الخليج، وزادت من المخاوف في واشنطن، حيث يقول مسؤولون ومحللون إن الخلاف يضر بالجهود العالمية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
تعزيز العلاقات الأمريكية-السعودية
حقق محمد بن سلمان قفزة سياسية عندما أصبح أول زعيم عربي يجتمع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد فوزه في الانتخابات. فقبل مرور شهرين على تربع ترامب على رأس البيت الأبيض، استقبل الرئيس الأمريكي الجديد بن سلمان لإحياء العلاقات الأمريكية-السعودية، التي أصابتها توترات في ظل إدارة سلفه باراك أوباما الذي أبرم الاتفاق النووي الإيراني. وترى السعودية إن سياسات ترامب المترددة كانت وراء ما شهدته المنطقة من أزمات.
واعتبر مستشار سعودي بارز لقاء ترامب مع بن سلمان "نقطة تحول تاريخية" في العلاقات بين البلدين، حسبما أوردت وكالة رويترز للأنباء وقتها دون أن تفصح عن هوية المستشار.
وبعد شهرين، اختار ترامب المملكة العربية السعودية ليكون أول بلد يزوره. استغلت السعودية زيارة الرئيس الأمريكي لاستعراض قوتها وتمددها، وقامت بتنظيم مجموعة كبيرة من الفعاليات التي اشتملت على منتدى مع قادة عشرات الدول ذات الأغلبية المسلمة السنية، ما دفع محللون للوصول لاستنتاج بأن الزيارة كانت نواة لبناء حلف سُنِّي برعاية أمريكية في مواجهة إيران.
ونظر إلى هذا الأمر على أنه فرصة لمحمد بن سلمان لمواءمة مصالح الولايات المتحدة مع مصالح السعودية.
حرب اليمن
كوزير للدفاع، أشرف محمد بن سلمان على حرب مستمرة منذ أكثر من عامين في اليمن، أسفرت عن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص في واحد من أفقر البلاد العربية، ودفعت الحرب اليمن إلى حافة المجاعة، كما أدت إلى أكبر تفش لوباء الكوليرا مسجل في الذاكرة الحديثة في أي بلد في العالم في عام واحد.
وتقول المنظمات الحقوقية إن الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعودية قتلت عشرات المدنيين فيما يرقى إلى جرائم الحرب. وتطالب بتحقيق دولي في جرائم حرب ارتكبها طرفي الحرب الدائرة منذ آذار 2015.
وفشلت الحرب في طرد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران من العاصمة صنعاء. وأجبر الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح الحكومة المعترف بها دوليا والتي تدعمها السعودية على الخروج من البلاد في أواخر 2014.
وأدى الصراع اليمني إلى إدانات واسعة النطاق من كافة أرجاء العالم، كما أدى إلى صدور قرارات من الهيئات التشريعية في الدول الغربية لوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية. وينظر إلى تلك الحرب باعتبارها ورطة وضع فيها بن سلمان بلاده التي تعاني من تراجع اقتصادها الضخم بالفعل بسبب أسعار النفط.