تصميم سيف الدين أحمد، المنصة 2025
كوتا الأقباط في البرلمان لم تضمن طرح قضاياهم ومشاكلهم تحب القبة، فتحولت إلى مكافأة للموالين.

كوتا المسيحيين ومكافأة التعيين

منشور الثلاثاء 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

يسوّق تمثيل المسيحيين في المجالس التشريعية التالية لدستور 2014 كأبرز منجزات المرحلة الحالية بدليل أن نسبتهم في مجلس النواب بلغت 6% من إجمالي الأعضاء في الفصل التشريعي الأول (2015-2020) بعدد 39 نائبًا، نجح 36 مرشحًا، منهم 24 على نظام القوائم و12 مرشحًا على النظام الفردي، من إجمالي 568 عضوًا منتخبًا بالمجلس، بخلاف 3 نواب عيّنهم رئيس الجمهورية ضمن حصته المقررة دستوريًّا من إجمالي 28 نائبًا.

أما في المجلس الحالي (2020-2025) فبلغ العدد 38 نائبًا موزعين على 28 نجحوا عبر نظام القوائم و3 بالنظام الفردي و7 نواب بالتعيين، وهو ما يعتبر تحسنًا واضحًا في تمثيل الأقباط داخل البرلمان بعد عقود من التمثيل النيابي الهزيل.

زيادة بلا طائل

بعيدًا عن الزيادة الرقمية، على أرض الواقع لم ينعكس هذا الحضور العددي على طرح قضايا المواطنة والمساواة داخل البرلمان، أو يترتب عليه تأثيرٌ فيما يخص التعامل مع أزمات التوترات والعنف الطائفي.

بالتزامن مع فترة الدعاية لمرشحي مجلس النواب، التي بدأت المرحلة الأولى لانتخابه أمس الاثنين، شغلت وقائعُ التوترات الطائفية التي شهدتها قرية نزلة جلف بمركز بني مزار شمال محافظة المنيا جانبًا من النقاش العام في ظل قرارات الجلسة العرفية غير الدستورية وغير القانونية التي عقدت برعاية أمنية.

من ضمن ما أثير من جدل، كان غياب دور أعضاء مجلس النواب خاصة من حصل منهم على مقعده لأنه مسيحي، والذين كان نصيب محافظة المنيا منهم نائبان، أحدهما من مركز بني مزار، لم يكن لأيٍّ منهما دور، ولم يُسمَع لهما صوت.

لم يتحرك سوى نائبي الحزب المصري الديمقراطي فريدي البياضي ومها عبد الناصر اللذين طالبا بالتحقيق في الأحداث ومحاسبة الأطراف التي طبّقت العرف على حساب القانون.

لم تستهدف لجنة المائة التي كتبت الدستور الحالي الزيادة الرقمية فقط في تمثيل الفئات المهمشة كالمرأة والمسيحيين وذوي الإعاقة والشباب، كما أن التمثيل الإيجابي أو الكوتا التي يقصد بها حصة أو نصيب، تستخدم كإجراء توكيدي على أن تكون المجالس التشريعية والمحلية المنتخبة أكثر تنوعًا وتعبيرًا عن جميع فئات المجتمع.

خلال عشر سنوات من تطبيق التمثيل الإيجابي للمسيحيين، لم نحقق سوى خيبة أمل كبيرة في ظل غياب دور حقيقي لمجلس النواب بأدواته التشريعية والرقابية في دعم حريات الدين والمعتقد ومواجهة العنف الطائفي.

الكوتا وحدها لا تكفي

في هذا السياق، كتبت دراسة مفصلة بعنوان "البرلمان وقضايا الأديان.. دراسة تحليلية لتقييم حصاد مجلس النواب المنتهية ولايته (2015-2020)" صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لتقييم مدى نجاحه في إرساء قواعد ديمقراطية لإدارة المجال الديني بوصفها إجراءات ضرورية لاحتواء الانقسام المجتمعي، ودعم الطابع المدني للحكم والمساواة بين المواطنين أمام القانون.

للأسف، تراجع مجلس النواب في دورته الحالية عن الهامش المحدود الذي سمح له بمناقشة شكلية لأحداث العنف الطائفي، وسبل القضاء على أوجه التمييز في المجتمع. فخلال السنوات العشر صدرت بعض القوانين لسيطرة الدولة على المجال الديني، بالإضافة لقانون بناء الكنائس التمييزي من حيث المبدأ.

أما حالات الاعتداءات الطائفية، فأغلبها لم يُناقش في المجلس، وتم تجاهل طلبات النواب المحدودة بمناقشتها أو استدعاء ممثلي السلطة التنفيذية لسؤالهم، رغم ما شهده بعضها من تورط فاعلين رسميين، أو على أقل تقدير تأكد إهمالهم الجسيم في مواجهة هذه الاعتداءات.

إذن هل المشكلة في نظام الكوتا أم في الطريقة التي يطبق بها؟

لم يطرأ أي تغيير يُذكر على البيئة الانتخابية خصوصًا ما يخص تدخلات مؤسسات الدولة وهندستها للمجالس التشريعية، لا سيما فيما يخص توفير أجواء منافسة عادلة قائمة على برامج اجتماعية واقتصادية، ما يدعم الأسس الموضوعية لاختيار المرشحين.

تحولت الكوتا إلى تعيين عبر قوائم معدة وبدون منافسة انتخابية، بالتالي فشلت في تحقيق الهدف الأول منها، وهو تدريب وتعزيز قدرة الفئات المهمشة والضعيفة على خوض معارك انتخابية وفقًا لبرامج انتخابية، وقدرتها على الوصول إلى الناخبين وإقناعهم بالتصويت لهم، بالإضافة إلى تحولها إلى ما يشبه مكافأة ولاء سواء لأفراد أو مؤسسات معينة تقوم بتزكية المرشحين.

حصص متداخلة

أحد أبرز الاستخدامات المشوَّهة للكوتا حاليًا توظيفها لتغطية الالتزام الشكلي بالتمثيل العادل والمناسب للفئات الأخرى، ما يُخلّ أصلًا بوظيفتها في تمثيل المسيحيين.

من بين 28 مرشحًا معينين تضمنتها القوائم الوطنية الأربع خلال الانتخابات الحالية خمسة مرشحين ذكور فقط، بما يعادل 17% تقريبًا من إجمالي المرشحين على كوتا المسيحيين، وهي أقل من النسبة المخصصة في انتخابات 2020 التي بلغت 28% (8 نواب من بين 28 نائبًا).

ومن المدهش أن قوائم شرق وغرب الدلتا أصبحت حكرًا على المرأة، أما قائمة القاهرة فتضمنت مرشحًا واحدًا هو الدكتور فريدي البياضي عضو مجلس النواب الحالي من بين عشرة مرشحين مسيحيين.

هذه الطريقة في تطبيق الكوتا تعيد إلى الأذهان ما كان يحدث قبل 2011، عندما كان مبارك يعيّن مسيحييات في البرلمان، كتعبير عن دعم المرأة والأقباط في حصة واحدة.

هذه الطريقة في الاختيار تحرم البرلمان من رجال أكفّاء قد يكونون جديرين بالوجود داخله، كما تؤدي إلى منح العضوية لشخصيات لمجرد استكمال النسبة المقررة للمرأة أو الشباب أو ذوي الإعاقة.

نعم، تراجعت مظاهر الحشد الديني والتحريض الطائفي ضد المرشحين المسيحيين، التي وصمت الانتخابات التشريعية قبل عام 2015، لأسباب عديدة من بينها ضعف تيارات الإسلام السياسي، ومخاوفها الأمنية، والتضييق على خطابها، وأماكن نفوذها، لكن هذا التراجع لا يعكس تراجعًا لمكانتها عند الناخبين، كما لا يعكس تراجعًا لجاذبية خطابها.

في الوقت نفسه، لا يوفر النظام الانتخابي الحالي أجواء منافسة عادلة للفئات المهمشة وفق معايير الجدارة والكفاءة كما أوضحنا.

بالتأكيد، ليس المطلوب إلغاء الكوتا أو التمييز الإيجابي فهو استحقاق دستوري واجب وضروري ومطلوب، فالمشكلة ليست في وجودها، لكن في طريقة تطبيقها واستخدامها لتعيين المرضي عنهم.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.