طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية السلطات المصرية بإعادة فتح جميع الكنائس المغلقة، وإصدار قرار مجمع بالموافقة على كل الكنائس والمباني الخدمية التي قدمت أوراقها إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس دون انتظار لمعاينات أو إجراءات "بيروقروطية" من أجهزة الدولة الأخرى.
وتأتي مطالب المبادرة على خلفية إغلاق أجهزة الأمن لكنيسة الأنبا كاراس السائح بقرية نجع الغفير بمحافظة سوهاج، بعد "محاصرة عشرات من مسلمي القرية لها، عصر الجمعة الماضية، وترديدهم هتافات عدائية ضد الأقباط؛ ما أسفر عن إصابة رجل دين مسيحي ومواطن بعد التعدي عليهما بالعصي" وفقا للبيان الصادر مساء أمس.
ولم يتم القبض على أي من المُشتبه بتعديهم على الكنيسة ورجالها، بحسب المبادرة.
وساد التوتر القرية، يوم الخميس الماضي، إذ اعترض عمدتها على أعمال إنشائية بالكنيسة، وتم مصادرة مواد البناء.
أزمة ديموجرافية
طالبت المبادرة، في بيانها، بـ"محاسبة الأطراف المحرّضة والمسؤولة عن تفاقم الأوضاع بنجع الغفير"، وانتقدت "غلق اﻷمن لكنائس تقام فيها الصلوات بانتظام، بحجة عدم وجود تراخيص رسمية"، إذ اعتبرته مخالفًا لقانون بناء الكنائس رقم 80 لسنة 2016.
وكانت كنيسة اﻷنبا كاراس السائح قد قدمت إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس وفقًا للقانون الجديد، والذي لم يشترط تعطيل أداء طقوس العبادة بها لحين تقنين وضعها.
إذ تنص الفقرة اﻷخيرة من المادة 8 من هذا القانون، والمعنية بإجراءات توفيق أوضاع الكنائس القائمة، على أنه "في سائر الأحوال لا يجوز منع أو وقف ممارسة الشعائر والأنشطة الدينية في أي من المباني المشار إليها أو ملحقاتها ﻷي سبب".
وشددت المبادرة على أن "ممارسة الشعائر الدينية في صورة منفردة أو جماعية داخل كنيسة أو منزل أو مبنى ديني حق أساسي كفله الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدَّقت عليها الحكومة المصرية، ولا يجب أن يخضع لتحكم الأغلبية من السكان"
فيما يتعلق بالتركيبة السُكّانية وتأثيرها على أوضاع المسيحيين وممارستهم لطقوس العبادة، كشف مسؤول حرية الدين والمعتقد بالمبادرة، إسحق إبراهيم، أن اﻷمر يختلف بين محافظات الوجه البحري وبين المُدن والوجه القبلي (الصعيد)، وأن اﻷخير هو اﻷسوأ، بحسب ما جرى رصده.
وقال إبراهيم للمنصّة "نسبة المسيحيين بالوجه البحري ليست بالقدر نفسه الموجود بالصعيد، فاﻷخير سكانه اﻷقباط نسبتهم كبيرة، وبالتالي احتياجهم لأماكن صلاة أكبر نسبيًا من عدد دور العبادة المُتاح لهم؛ لدرجة أنه أحيانًا ما يُضطر البعض لقطع 10 أو 15 كيلومتر- على اﻷقل- من قرية ﻷخرى لأداء الصلاة، لعدم وجود كنيسة في قريتهم، وهو ما يترتب عليه- مع المشقّة البدنية والتكلفة المادية- حرمانهم وأبنائهم من الانخراط المنتظم في الأنشطة الكنسية، كمدارس اﻷحد وغيرها".
وأضاف إبراهيم.. "ولو تحمّل البعض مشقّة التنقل بين القُرى وتكلفته، فقد يواجهون بمشكلة أخرى، وهي اعتراض بعض اﻷهالي بحكم العادات على دخول مسيحيين (غرباء) عن قريتهم إليها للصلاة؛ ما يدفع البعض لمشقّة أكبر بالتوجه إلى مركز أو مدينة رئيسية عوضًا عن القرية القريبة نسبيًا لمحل سكنه".
ما بعد القانون
على الرغم من صدور القانون، باعتباره يُمثل حلاً لأزمة دور العبادة المسيحية بتقنين أوضاعها ومنع التعدي عليها، إلاّ أن اﻷوضاع "تفاقمت" حسبما رصد بيان المبادرة.
وكشف البيان عن أنه منذ صدور القانون وحتى أبريل/ نيسان 2019، "جرى غلق 22 كنيسة، وحظر إقامة الشعائر الدينية الجماعية في المناطق التي تقع بداخلها"، بالإضافة لوقوع "32 حادث توتر وعنف طائفي على الأقل، ترتبط جميعها بممارسة الشعائر الدينية".
اقرأ أيضًا.. تفجير البطرسية| وقائع يوم دام: صلوات وهتاف.. وصورة المتظاهرين بلا صوت
يصف الباحث بالمبادرة القانون بأنه "غير عادل" منذ البداية، وذلك ﻷنه "ميّز بين المواطنين، وخلق اختلافات بين إجراءات وقواعد بناء دور العبادة، ووضع شروط بموجبها يتدخل الأمن في بناء الكنائس، بجانب ما صار واقعًا من إجراءات إدارية تُعطّل البناء في أماكن غالبًا ما تكون في أمسّ الحاجة لوجود كنيسة".
بحسب المبادرة، تخالف قرارات اﻹغلاق "الخطاب المرسل من رئيس قطاع التشييد والعلاقات الخارجية بوزارة الإسكان في 6 يناير/ كانون الثاني 2018، إلى القس ميخائيل أنطون ممثل طائفة الأقباط الأرثوذكس بلجنة توفيق أوضاع الكنائس، والذي يفيد بمخاطبة 14 محافظة بعدم وقف أي شعائر دينية بالكنائس المقدمة إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس بالمحافظات".
وأشار إسحق إلى نقطة أخرى تتعلق بقانون بناء الكنائس وهي أنه "ينطوي على تجريم للصلاة الجماعية، فالآن الناس قبل التفكير في الصلاة ولو كانت داخل منزل أحدهم في تجمع احتفالي أو ديني، سيفاجئون بأنهم مُضطرين للحصول على إذن من السلطات وموافقة من اﻷهالي المسلمين".
ورأت المبادرة المصرية في تكرار الاعتداءات على الكنائس أنه "يُدلل على فشل قانون الكنائس في حل المشكلة التي طالما عانى منها الأقباط"، وشددت على أن القانون "في الحقيقة سد الباب أمام التحايل على المعوقات السابقة، عبر الصلاة في المنازل ثم تحويلها إلى كنائس".
تكررت حالات إغلاق الكنائس- لاسيما في صعيد مصر- حسبما كشف إبراهيم، بقوله "المنيا هي اﻷعلى في معدلات إغلاق الكنائس، تليها اﻷقصر ثم بني سويف والجيزة"، مُضيفًا "المشكلة أن أغلب دور العبادة المغلقة، مقامة منذ عقود في صورة مباني بسيطة التصميم، لكن اﻷمن والمحليات تتدخل وتعتبرها مخالفة، ﻷنها دار مناسبات أو (مضيفة) وليست كنيسة صريحة، فتغلقها، لاسيما لو وقع ضغط وغضب من أهالي مسلمين، وذلك على الرغم من تقديم الأقباط بأوراق تقنين أوضاعها".
بجانب حالات الإغلاق، حذّرت المبادرة من أن الاعتداءات على الكنائس "مرشحة للتكرار والتزايد خلال الفترة المقبلة، طالما استمرت طريقة تعامل لجنة توفيق أوضاع الكنائس مع الطلبات المقدمة إليها بنظام القطعة؛ ما يوفر الأجواء المناسبة للتحريض ضد وجود الكنائس، خصوصًا أن معدل إصدار القرارات بطيء للغاية".
اقرأ أيضًا: عام على نزوح مسيحيي العريش.. مُستَجيرين برصاص الديار من قسوة التغريبة