منشور
الاثنين 19 يونيو 2023
- آخر تحديث
الثلاثاء 20 يونيو 2023
جددت عودة الأنبا متياس لاجتماعات المجمع المقدس الجدل على السوشيال ميديا بين الفريقين المحافظ والإصلاحي، بعدما جرى تداول صور له مع أعضاء المجمع بعد حوالي 18 سنة من استقالته من منصبه كأسقف للمحلة الكبرى عام 2005. فيما التزمت الكنيسة الصمت رسميًا، ولم يرد المتحدث باسمها، القمص موسى إبراهيم، على رسائل المنصة، التي طلبت منه تفاصيل الأمر.
والمجمع المقدس هو أعلى سلطة كنسية، ويضم الأساقفة ورؤساء الأديرة، ويتخذ القرارات المهمة أو يعتمدها، وليس من المعتاد أن يحضر اجتماعاته غير الأساقفة العاملين، وليس المبُعدين أو المستقيلين.
ما رآه التيار المجدد خطوة شجاعة من البابا تواضروس الثاني، وإنصافًا لأحد الأساقفة الذين تركوا منصبهم دون أسباب حقيقية في أيام البابا شنودة الثالث، اعتبره التيار المحافظ تجاوزًا، واتهموه بتعمد إعادة "المهرطقين" للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ومنذ وفاة البابا شنودة الثالث، ظهرت الانقسامات جلية بين تيارين في الكنيسة، الأول يدين بالولاء للبابا الراحل وتعاليمه، باعتباره يمثل الإيمان القويم، ويمثله عدد من الأساقفة الكبار، من أبرزهم الأنبا رافائيل، أسقف كنائس وسط البلد، والثاني إصلاحي، يؤيد اتجاه البابا تواضروس للانفتاح على الكنائس الأخرى، وإصلاح الكنيسة داخليًا، ومنهم الأنبا بفنوتيوس، أسقف سمالوط.
ازداد الأمر تعقيدًا عند التيار المحافظ حين تطوع محبي الأنبا متياس بالذهاب للكاتدرائية وقت اجتماع المجمع المقدس لالتقاط صور لمشاركته، بجانب صور مشاركته البابا تواضروس الثاني لقداس عيد دخول السيد المسيح أرض مصر. وبدأوا في المقابل بتداول قائمة الاتهامات التي وجهت للأنبا متياس عام 2005 والمنشورة في مجلة الكرازة.
جذور الأزمة
رسِّمَ الأنبا متياس، الذي وُلد في قنا عام 1952 وترهبن في 1977، أسقفًا على المحلة الكبرى عام 1989. وكان قبلها قسًا رسمه البابا شنودة الثالث لرعاية أقباط مدينة دالاس شمال ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1987.
بدأت أزمة متياس في إيبارشية المحلة الكبرى بالصدام مع سكرتير المجمع المقدس والرجل القوي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقتها، الأنبا بيشوي، الذي حاول تعيين مشرف على الإيبارشية، وهو الأمر الذي رفضه متياس، الذي وُجهت له انتقادات في ذلك الوقت بتبني أفكار بروتستانتية.
تصاعد الصدام، الذي تطور في 2004، لإرسال متياس طلبًا للبابا شنودة بإشراف بيشوي على الإيبارشية، حد تقديمه لاستقالته في 2005 في خطوة احتجاجية، إثر جلسة محاكمة كنسية أعدها الأنبا بيشوي.
وبالفعل وافق المجمع المقدس على الاستقالة بعد توقيع أكثر من 75 أسقف على البيان الذي نص على قبولها، مع الإعلان عن خلو كرسي المحلة. ومن بعدها أصبحت الإيبارشية بشكل مباشر تحت إشراف البابا شنودة والأنبا بيشوي.
وفي عدد يونيو/حزيران من مجلة الكرازة، وهي المجلة الرسمية للكنيسة، نُشر 25 اتهامًا بحق متياس، تحت عنوان "انتهاء عمل نيافة الأنبا متياس كأسقف للمحلة الكبرى وإعلان خلو كرسي المحلة".
وكانت بين أبرز التهم التي وُجهت له أنه ذو اتجاه بروتستانتي لانفتاحه على الطوائف الأخرى، وأنه كان دائم الانتقاد لرجال الإكليروس (رجال الدين) مع عدد من التهم الإدارية والأخلاقية، وابتعاده عن جلسات المجمع المقدس لسنوات واستقلاله بالإيبارشية، وسبه للكتاب المقدس علانية.
وعلى إثر ذلك، تم إقصاء الأنبا متياس عن أي عمل رعوي أو كنسي أو تعليمي حتى سافر بعدها للولايات المتحدة الأمريكية، واختفى عن الأنظار لسبع سنوات.
واستقالة الأساقفة ممارسة غير معتادة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فمن القوانين الكنسية أن تُعد علاقة الأسقف وإيبارشيته، علاقة زواج لا تنحل إلا بالموت، وهو الحدث الذي تكرر في استقالة الأنبا سوريال أسقف ملبورن في 2018، إثر مشكلات إدارية.
رحلة العودة
ظهر الأنبا متياس للمرة الأولى في مصر من بعد استقالته عام 2012 وقت تجليس الأنبا تواضروس بطريركًا. وشارك حينها في الصلاة وزار عددًا من الأديرة. ثم عاد وظهر مرة أخرى عام 2020 بدعوة من مطران سمالوط الأنبا بفنوتيوس، وكان هو الأسقف الوحيد الذي اعترض على استقالته، وذلك للوعظ بنهضة "شهداء الإيمان"، والنهضة هي مجموعة اجتماعات تهدف للنهضة الروحية. وكان حينها على رأس المدعوين، وقدم بلقب "أسقف المحلة".
إلى أن عاد متياس للظهور مجددًا في أواخر مايو/أيار الماضي، لصلاة القداس بدير أبي سيفين للراهبات بسيدي كرير، ومن بعدها حضر جلسة المجمع المقدس عضوًا بلجنة الرهبنة.
في حوار أجراه الزميل مايكل فارس مع البابا تواضروس الثاني عام 2012، قال البابا إن من أولويات عمله "إعادة ترتيب البيت الداخلي للكنيسة"، وهو الأمر الذي بدأه بالفعل على مستويات عدة. ففي عام 2013 فتح ملف الأساقفة الموقوفين، وكانت الثمرة الأولى عام 2014 هي ترقية الأنبا إيساك لرتبة الأسقف العام بعد تعرضه للإيقاف والمحاكمة الكنسية والاعتذار ثم العزلة في الدير. وبعدها أعاد تواضروس الأنبا تكلا أسقف دشنا، وسمح بتناول الدكتور جورج حبيب بباوي قبل وفاته، والذي كان سبق عزله في فترة البابا شنودة.
رواية مغايرة
يدافع مينا ناجي، أحد شباب المحلة الكبرى ومؤسس جروب "الأنبا متياس أسقف المحلة الكبرى وتوابعها" على فيسبوك، عن الأسقف، ويراه تعرض لظلم "قدم لنا خدمات كتيرة في حياتنا الروحية والاجتماعية، وأفتكر ازاي كان بيهتم بأدق تفاصيل الشباب، منهم المدخنين اللي كان بيخصص ليهم ميزانية للإقلاع عن التدخين، ولما اشترى مزرعة قرر إن منتجاتها تتباع بأرخص الأسعار لأبناء الإيبارشية".
ويستنكر ناجي "الأسباب اللي اتقالت عن إقصائه مش حقيقية. اتهموه بالسرقة، كنت شاهد عيان لما ساب المحلة، قفلت بؤجة هدومه اللي فيها مجرد جلابية"، شارحًا "الأنبا بيشوي اتهم الأنبا متياس بأنه سبَّ الكتاب المقدس وقال ’هدوس عليه بجزمتي‘ والحقيقة إنه تم اقتطاع الحديث من السياق، فأنا كنت حاضر العظة اللي وجهها للشباب ووقتها قال إن ’قيمة الكتاب المقدس مش في أوراقه ولكن في الكلام نفسه، افهموا الكلام وطبقوه، يا فرحتي لما أبوس الإنجيل وأشيل من فوقه التراب بدون ما أعرف تعاليمه وهو ورق بلا قيمة، طب إيه رأيكم لو الكتاب ده رميته ودوست عليه، اتخضيتوا؟ الكتب في حد ذاتها ورق بلا قيمة، القيمة الحقيقية في العمل بكلام الله".
يبدو واضحًا أن البابا تواضروس يعمل على ملف الإصلاح الداخلي للكنيسة، بما فيه من حساسيات، خاصة ما يتعلق بالأساقفة المبُعدين في حقبة سلفه، وهو ما يُتوقع أن يستمر في إثارة حفيظة التيار المحافظ، ومؤيديه من قطاعات واسعة التأثير بين المسيحيين، مثل مجموعة "حماة الإيمان" التي تكرس جهودها لما تعتبره دفاعًا عن الإيمان المستقيم.