ظهرت صورة عمر الديب العضو السابق بجماعة الإخوان المسلمين يوم الاثنين الماضي، في فيديو بثه التنظيم المعروف باسم ولاية سيناء بعنوان "حماة الشريعة" يرتدي زيًا عسكريًا، ويبايع أبو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، ويتحدث بفخر عن مشاركته في الهجوم على كمائن الجيش في سيناء.
بحسب الفيديو، كُلّف عمر الديب بالتوجه إلى القاهرة ضمن خلية انتظر منها تنفيذ مهمة قتالية في العاصمة. لكنه لم يتمكن ومرافقيه من إتمام مهمتهم، إذ أعلنت وزارة الداخلية في التاسع من سبتمبر/ أيلول 2017 تصفيته ضمن 10 مسلحين كانوا في شقتين بحي أرض اللواء في محافظة الجيزة.
فتح الفيديو مساحة للاشتباك، بسبب ادعاء صفحات منسوبة للإخوان المسلمين اختفاء عمر قسريًا قبل تصفيته. وهو الادعاء الذي ينفي والده ابراهيم الديب القيادي بجماعة الإخوان المسلمين مسؤولية الأسرة عنه.
استغلت وسائل إعلام بعضها محسوب على الدولة تلك الواقعة في محاولة دحض الاتهامات الموجهة للسلطات المصرية بالمسؤولية عن حالات اختفاء قسري بشكل واسع النطاق.
نُشر الفيديو ظُهر الإثنين بالتزامن مع عمليات اليوم الرابع للعملية الشاملة "سيناء 2018"، وفي توقيت انقطعت فيه شبكات الهاتف والإنترنت عن مواطني محافظة شمال سيناء، وبعد يوم واحد من نشر المتحدث العسكري البيان الرابع للعملية الشاملة، معلنًا فيه عن تدمير مركز إعلامي تابع للتنظيم.
من علم مصر إلى راية التوحيد
حالة عمر الديب ليست الأولى، لكنها نموذج بارز لشباب الإخوان الذين تربوا في أسر تابعة للتنظيم السياسي الذي أعلنه القضاء تنظيمًا إرهابيًا، ثم انضموا إلى التنظيم المسمى بولاية سيناء عقب إقصاء جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم بعزل محمد مرسي في 2013.
من النماذج البارزة الأخرى، محمد الضلعي، الذي كان طالبًا بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ، واختفى في أبريل/ نيسان 2015، وأعلنت جهات محسوبة على التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين أن الفتى جرى إخفاؤه قسريًا على يد السلطات الأمنية المصرية، ثم ظهر في حوار في مجلة النبأ التي يُصدرها تنظيم الدولة الإسلامية يهدد بقتل الصوفيين بصفته أميرًا لـ"مركز الحسبة" بشمال سيناء.
أصدر والد عمر الديب بيانًا علق فيه على انضمام ابنه للتنظيم المصنف إرهابيًا، قال فيه "ابنى سُرق مني فكريًا بعدما ربيته على قيم الإسلام والسلام.. هو ضحية ونموذج لجيل كامل سرق منهم حلمهم في ثورة يناير 2011"، وتساءل والد الديب عمّا دفع عمر وأمثاله للانضمام للتنظيم الجهادي المسلح، قبل أشهر من تخرجه في إحدى الجامعات الماليزية العريقة.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FDrIbrahimAldeeb%2Fposts%2F1384692044968992&width=500منذ اتباع قوات الشرطة لمنهج "تصفية المتهمين بالانضمام لخلايا إرهابية" بدءًا من 2014، لا توجد حالات معروفة لشباب من الإخوان انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية وبقوا على قيد الحياة، للإدلاء بمعلومات حول أسباب تحولهم نحو الجهاد المسلح ضد السلطات الرسمية في مصر.
ووفقًا لتقارير منسوبة لجهات أمنية سيادية، يتبين أن هناك عشرات الأسماء التي انتمت قبلاً لجماعة الإخوان المسلمين، قد وجدت طريقها إلى صفوف التنظيم المسلح الذي نشأ في سوريا وامتد في العراق وشكل كابوسًا دوليًا لأعوام امتدت من 2011 إلى الآن.
عمر واحد من تلك الأسماء العديدة التي تعلن بيانات الداخلية عادة تصفيتها نتيجة لتبادل إطلاق النار أثناء عملية القبض، لكن يشكك إبراهيم الديب والد عمر في ذلك، ويقول إن معاينة الأطباء والنيابة لجثمان عمر أظهرت إطلاق النار عليه من النقطة صفر، بطلقتين اخترقتا جانبه الأيمن، وطلقة ثالثة في عينه اليسرى.
جاءت تلك التصريحات في بيان أصدره أمس الأول عبر صفحته بفيسبوك، تنصل فيه من تنظيم ولاية سيناء وإدعائهم بنصرة الشريعة، وتبرأ من عقيدتهم واعتبرها صناعة أمريكية. ما يجعل من عمر فرصة ضائعة أخرى للتعرف على الطرق التي يتبعها تنظيم الدولة الإسلامية لاستقطاب شباب الإخوان، والاسباب والدوافع وراء استجابتهم لذلك الاستقطاب.
الإعلامي الواعد في دولة الخلافة
المعلومات المتوفرة عن عمر تقول أنه نشأ في بيت إخواني منضبط. واستفاد بعلاقات والده الواسعة ليحصل مبكرًا على تدريب في العديد من المؤسسات الإعلامية الكبرى، من بينها الجزيرة التي اختارت عمر للفوز في مسابقة الإعلامي الصغير التي حصل فيها على المركز الاول.
عاش عمر مع أسرته في الدوحة بعد بلوغه العاشرة. كان والده يعمل مستشارًا للتخطيط والمحافظة على الهوية، وعاش خمسة سنوات هناك قبل أن ينتقل بصحبة والده إلى ماليزيا عام 2009، عندما أصبح والده مديرًا لمركز يدعى "هويتي" لدراسات القيم والهوية.
في السادسة عشرة تقريبًا، وخلال عامه الجامعي الأول، جاءت ثورة 25 يناير التي تحمس لها عمر، وإن لا توجد معلومات توضح مشاركته فيها، وإن تشير المعلومات المعروفة أنه كان غائبًا عن مصر ولا يزال بصحبة عائلته في بماليزيا وقت قيام الثورة. وقتها التحق عمر بكلية الإعلام، واهتم بالإنتاج السينمائي.
ولأنه لم يكن موجودًا في مصر خلال 25 يناير، فقد شارك بصورة له على فيسبوك يمسك فيها بورقة كتب عليها بالألوان جملة بالإنجليزية "حريتنا.. 25 يناير أعظم ثورة مصرية"، وتحول الاهتمام الشخصي بعدها إلى اهتمام بالشأن العام.
يقول المتحدث في فيديو حماة الشريعة إن عمر "شاب نشأ في أسرة إخوانية وكان أبوه من رؤوس الإخوان الداعين للديمقراطية، الصنم الذي يُعبد من دون الله، تربى على مائدة القرآن في دعوة الإخوان المسلمين، وكان كبقية الشباب المتحمس لنصر الدين لكن بلا علم يهديه إلى طريق الله المستقيم".
بين عامي 2011 و2013، وقبل التظاهرات التي قادت لإقصاء الإخوان عن الحكم، كان عمر يغرد عبر حسابه متمنيًا أن يتوقف العنف في سوريا.
وعندما فاز الإخوان في الانتخابات بدا معارضًا هادئًا لهم. اعترض على تصريحات من عصام العريان التي تحايل فيها لمد أجل المحاسبة على خطة المئة يوم الاولى لمرسي في الحكم والتي وعد بها في برنامجه الانتخابي.
ولم يعجبه تصرف ورئيس الوزراء حين صدم قطار بأسيوط أتوبيس للأطفال.
وعندما وقعت اشتباكات أمام القصر الرئاسي خلال أحداث 30 يونيو التي طالبت باسقاط مرسي، وقف عمر في صف مؤيدي الرئيس ضد المعارضين لحكمه. يقول والده إنهما كانا على مقهى خلف ميدان رابعة يشاهدان سويًا إعلان بيان 3 يوليو بعزل مرسي، صرخ عمر، وسأله وهو يبكي "ماذا سنفعل الآن؟"، فأخبره أبوه "نستمر في اعتصامنا ضد أي استفزاز".
بعدها بأيام كان شاهداً على مقتل 30 متظاهرًا في اشتباكات مع الجيش وقعت أمام نادي الحرس الجمهوري، و70 معتصماً أمام المنصة إلى أن جاء فض رابعة، لا ينسى والده ذكر الاعتقالات، الإخفاء القسري، أحكام الإعدام، والتصفية التي نالت ابنه، بالإضافة لغلق كل وسائل الممارسة السياسية السلمية. ويعدها جميعها أسبابًا دفعت عمر إلى التطرف.
لا توجد معلومة قاطعة بتاريخ انضمام عمر لتنظيم الدولة الإسلامية ورحلته للموصل التي أعلنها "ولاية سيناء" في الفيديو الذي انتشر قبل أيام. لكن بالنظر إلى حساب تويتر الخاص بعمر نجد انه توقف تمامًا عن استخدامه في نهاية يوليو/ تموز 2016، ما قد يكون إشارة لتاريخ انضمامه للتنظيم.
يقول متحدث فيديو حماة الشريعة "كانت الديمقراطية شركًا وقع فيه الإخوان، عندما أرادوا استغلالها بغرض الوصول إلى السلطة وتطبيق الشريعة في نهاية الطريق، وعندما أطيح بهم صار السلفيون خدمًا للسلطة الجديدة، دعموها ودعوا لانتخاباتها، لكن الانتخابات، الآن، لا تفعل شيئًا سوى توطيد حكم السيسي، إذًا فالديمقراطية هي صنم العصر الحديث"، هذا ما آمن به عمر.