"الحرية، الثورة، والموت" ثلاث كلماتٍ هي الأكثر تكرارًا ضمن ثمانٍ من الأغنيات التي واكبت بها مجموعات الألتراس ثورة يناير، لتعكس تصوراتهم عن السلطة والثورة وأنفسهم ودورهم في المجتمع.
لم تكن الأغاني التي أطلقتها روابط المشجعين ألتراس أهلاوي ووايت نايتس بعد 2011، مجرد هتافات أو أهازيج في المدرجات، بل تحولت إلى صوت للاحتجاجات، يرددها الحشود في الميادين.
وتقدم أغنيات الألتراس سرديةً مهمةً من ضمن سرديات ثورة يناير، أو تلك الأحداث التي يخشى المسؤولون ذكر اسمها، فتستدعي في ذاكرتهم انتفاضة الشعب الذي تحدى السلطة القمعية، فأحدث زلزالًا انتهى بهدم أركانها.
وتحل ذكرى جديدة للثورة وهي بعدُ قادرةً على الحضور وإثارة الانتباه رغم محاولات مواراتها خارج الذاكرة، أو إلحاقها بسياقات شديدة السلبية لطمس هويتها، وهو ما يظهر من حرب التغريدات على السوشيال ميديا التي تندلع كل عام ويتبنى فيها البعض سردية النظام التي تضع يناير في سياق حروب الجيل الرابع الموجهة ضد مصر.
حكاية ثورة
تبدأ السردية التي تقدمها أغاني الألتراس من الأحداث التي سبقت يناير، إذ تستعرض أغنية حكاية ثورة للوايت نايتس الواقع المرير الذي عاشه المصريون قبل الثورة "أول ما عنيا اتفتحت لقيت الكون كله ظلام"، لتعكس خيبة أمل جيل رأى في النظام حاجزًا بينه وبين أحلامه، وتوثق حقيقة نظام "كتم صوت الشعب، ومص دمه، وسرق أحلامه".
تفضح الأغنية استشراء الفساد في كل جوانب الحياة، من المستشفيات إلى تزوير الانتخابات، مرورًا بالتعذيب في أقسام الشرطة والسجون الـ"مليانة أموات". كما ترصد مستوى القمع "أي حد يقول حقيقة يبقى خارج عن القانون".
تخرج "حكاية ثورة" بعد ذلك من حالة اليأس إلى لحظة الانفجار في يناير "كتفي في كتف أخويا"؛ تصف شعور الأمان والقوة في الميدان "للحرية فتحنا الباب، وكسرنا كل القيود". ولا تقف عند يناير، لكنها تتجاوزها لتحذر من أن "الشيطان لسة بينا"، في إشارة إلى استمرار الفساد والظلم.
الغراب
بصوتٍ هادرٍ في المدرجات، أطلق ألتراس أهلاوي إحدى أشهر أغانيه "غراب ومعشش" لتعرية الفساد داخل أجهزة الأمن، وخاصة آليات القبول في كلية الشرطة "كان دايمًا فاشل.. في الثانوية.. يا دوب جاب 50% (...) بالرشوة خلاص الباشا اتعلم.. وخد شهادة بـ100 كلية".
تصف الأغنية تحوّل الشرطة من جهاز لحفظ الأمن إلى قوة تقمع الجماهير، وتستخدم التلفيق سلاحًا في مواجهة أي تمرد "لفق لفق.. في القضية.. هي دي.. عادة الداخلية".
ولمواكبة الأحداث، أصدر الألتراس نسخة جديدة من أغنيتهم، فحينما رفع النظام الحد الأدنى للقبول في كليات الشرطة من 50% إلى 70%، عادوا بأغنية "الغراب 2" التي سخرت من التعديل "داخلية زي ما هي.. عيبها نقص التعليم.. ودا عامل فيها الناصح.. 70 بدل الـ50".
عقيدة الفرسان
تبدأ أغنية "عقيدة الفرسان" بعبارة "مفيش كسرة نفس تاني مفيش ظلم تاني" لنوارة نجم التي قالتها خلال مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات بعد تنحي مبارك. يُذَكِّر الألتراس في كلماتهم الجمهور بالهروب المخزي للجهاز الأمني عقب جمعة الغضب تاركًا وراءه الفوضى والسجناء "سبتوا البلد وجريتوا وهربتوا لنا المسجونين".
تعكس الكلمات غضبًا عميقًا تجاه السلطة "ضربتونا وحبستونا ولفقتوا لنا قضايا كتير"، في وصف لسياسة القمع التي اتبعتها الأجهزة الأمنية تجاه المعارضين. ولم تكتف بفضح فساد الشرطة، لكنها تفاخرت بدور الألتراس في الثورة باعتبارهم عاملًا رئيسيًا في انتصارها "جبنا لكم الحرية".
وتتوقف "عقيدة الفرسان" أمام دور الإعلام واستخدامه في تشويه روابط الألتراس "إعلام كله فساد.. في الظيطة يظيط"، ليدافعوا عن أنفسهم "قولنا الألتراس عقلية مش منبع مجرمين". وتختم برسالة "روح الألتراس تنادي حرية لحد الموت"، كما تذكر في ختامها بالقضية الفلسطينية "وفلسطين هتعود وهييجي اليوم الموعود".
شمس الحرية
في "شمس الحرية"، ينسج الوايت نايتس قصةَ الحرية التي اغتنمها المصريون بعد الثورة "شمس الحرية اتولدت ولا يمكن تموت"؛ يصر الألتراس على أن الفجر الذي أشرق في يناير لن يغيب، مهما طال الليل.
لكن الأغنية لا تكتفي بترديد ترانيم الحرية، بل تجسد شعور وحماس الألتراس "فارس عايش للنضال.. كل سلاحه العقلية.. ثابت حافر في الجبال.. خطوة لأرض الحرية.. ثورة ونضال.. أسلوب حياة".
ثم تأتي اللحظة التي تكشف فيها الأغنية وجه القمع القبيح "تضرب في غاز.. تضرب رصاص.. جيلنا من الموت ما بقاش بيخاف خلاص"؛ تعكس الكلمات إصرار جيل يواجه الموت بوجوهٍ لا تعرف الخوف. وبصفة عامة يشكل الموت لدى الألتراس مساحة صراع تتجاوز مجرد الخوف منه، ليصبح رمزًا لتحدي السلطة في أقصى مستويات بطشها.
حكايتنا
في عام 2012، بلغت المواجهة ذروتها بعد مجزرة بورسعيد، ومقتل 72 من مشجعي النادي الأهلي، وإصابة المئات في واحدة من أعنف محطات الصدام بين الألتراس والنظام.
"قتلوا أغلى الصحاب، قتلوا حلم السنين"؛ يوثق الألتراس في أغنية "حكايتنا" مشهد الغدر الذي تعرض له 72 من رفاقهم "في بورسعيد ضحايا شافوا الغدر قبل الممات.. شافوا نظام خَيَّر ما بين حكمه والفوضى في البلاد".
لا تترك الأغنية مجالًا للشك في هوية المتهم، فالاتهام موجه مباشرة لـ المجلس العسكري "فى بورسعيد كلاب.. لما العسكر فتحوا الباب.. انطلقوا والفوضى عمّت.. وقتلوا أغلى الشباب.. منهم كان المهندس والعامل.. منهم ولاد راحوا.. وكان مُناهم حكمك لاغي في البلاد"؛ يتهم الألتراس المجلس العسكري بتدبير الحادث "آه يا مجلس يا ابن الحرام، بعت دم شهيد بكام؟".
حرية
في أغنيتهم "حرية" يرفع ألتراس أهلاوي راية التحدي في وجه السلطة "قولناها زمان للمستبد.. الحرية جاية لا بُد"، في إشارة إلى حتمية نهاية القمع. يكررون في الأغنية "Liberta كانت مكتوبة"، وهي كلمة تعني الحرية باللغة الإيطالية.
تنتقل الكلمات إلى خطاب أكثر حدة "يا حكومة بكرة هتعرفي، بإيدين الشعب هتنضفي"، لتشدد على أن الشعب هو صاحب القرار.
تتحدى الأغنية أيضًا الاتهامات الموجهة للألتراس "قالوا الشغب في دمنا.. وإزاي بنطلب حقنا؟"، قبل أن ترد بلهجة حادة "يا نظام غبي.. افهم بقى.. مطلبي.. حرية حرية".
مش ناسيين التحرير
يتحرر الألتراس من كل رقابة، يكسرون التقاليد ولا يترددون في توظيف بعض السباب. في أغنية "مش ناسيين التحرير"، يصوِّر الوايت نايتس مشاعر الغضب والرفض تجاه النظام الذي حاول طمس إرث ثورة 25 يناير. تبدأ الأغنية بعبارة صادمة "مش ناسيين التحرير يا ولاد ال****"، في إشارة مباشرة إلى القوى التي حاولت تشويه الثورة ووصفها بـ"النكسة".
تُجسِّد الأغنية لحظة انتصار الشعب وهروب الشرطة، حين شعر الناس بقوتهم وقدرتهم على مواجهة القمع؛ "أخدتوا علقة ماخدتوهاش في سنين".
غروب شمس الحرية
في فبراير/شباط 2015، أُجبر الوايت نايتس على المرور عبر أقفاص حديدية لدخول استاد الدفاع الجوي، ومع التدافع في البوابة المكتظة، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى وفاة 20 مشجعًا وإصابة العشرات بالاختناق. وانتهت القضية بإدانة الألتراس وصدور أحكام بحبس 11 منهم لمدد تتراوح بين عشر إلى ثلاث سنوات، دون أي إدانة للشرطة أو مسؤولي الاستاد.
تصاعدت بعدها المواقف تجاه ألتراس الزمالك، وصنفتهم محكمة الأمور المستعجلة منظمة إرهابية، بعد نظر الدعوى التي أقامها رئيس النادي حينها، مرتضى منصور، ورغم ذلك استمر وجود الألتراس وسط الحصار والتضييق الأمني المتكرر، ومحاولات احتوائهم من جانب النظام ومغازلتهم بمحاسبة المسؤولين عن مذبحة بورسعيد.
في مارس/آذار 2018 كان آخر وجود رسمي لألتراس أهلاوي، بعد القبض على مجموعة منهم في نهاية مباراة الأهلي مع نظيره الجابوني مونانا. كانت هذه هي المرة الأخيرة التي يردد فيها الألتراس كلمات الحرية في استاد القاهرة "قال النظام إيه العمل؟ كده النهاية بتكتمل؟ افهم بقى، ارحل بقى.. سقط الطاغوت". بعدها أعلنت المجموعة حلّ نفسها عبر فيديو درامي، أحرقوا فيه علم الألتراس، مبررين القرار بـالحفاظ على "سلامة الأعضاء".
تكررت الخطوة نفسها بعدها بأيام مع ألتراس وايت نايتس، لينتهي بذلك فصل طويل من المواجهات بين الشرطة وروابط مشجعي كرة القدم الشبابية، التي كانت يومًا رمزًا للتمرد في المدرجات والشوارع.
اسمع أيضًا: بودكاست المنصة